أقلام ثقافية

ليرمنتوف مترجما

diaa nafieالكاتب الروسي ميخائيل يوريفيتش ليرمنتوف، الذي عاش (27) سنة ليس الا (1814 - 1841)، والذي نشر كل ابداعة خلال اربع سنوات فقط، واصبح شاعرا كبيرا وروائيا كبيرا وكاتبا مسرحيّا كبيرا في روسيا والعالم ايضا وهو في هذا العمر اليافع، ليرمنتوف هذا كان مترجما ايضا (كان يتقن الفرنسية والانكليزية والالمانية)، الا انه لم يركّز جهوده في هذا المجال الابداعي . ومع ذلك يشير الباحثون الى ان ليرمنتوف قد ترجم حوالي (30) قصيدة من مصادر معلومة ومحددة، منها ترجمات لشعراء مثل غوته وشيللر وبايرون وميتسكيفتش وغينيه وغيرهم، وتوجد كذلك ترجمات اخرى عنده من مصادر غير معلومة لحد الان، اذ ان شعراء روسيا منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى اواسط القرن التاسع عشر تقريبا لم يشيروا الى مصادر ترجماتهم، بل لم يذكروا انها ترجمات أصلا (بما فيهم بوشكين وليرمنتوف ...) . وتتناول مقالتنا هذه قصة ترجمة احدى قصائد الشاعر الالماني الكبيرغوته الى اللغة الروسية من قبل المترجم ليرمنتوف، وعنوانها – (من غوته) .

قبل كل شئ نقدم للقراء ترجمتنا الشخصية لتلك القصيدة عن الروسية كما جاءت عند ليرمنتوف، وهي كما يأتي –

من غوته

قمم الجبال الشاهقة

تغفو في ظلام الليل،

وديانها غارقة

في عتمة ذاك الليل،

الطرقات بلا غبار

وساكنة أوراق الاشجار.

انتظر قليلا

وسترتاح انت ايضا.

...........

جاءت القصيدة هذه في مؤلفات ليرمنتوف بعنوان – (من غوته) كما ذكرنا، والتي كانت موجودة ضمن قصائده في الكتاب المنهجي المقرر لمادة - (الشعر الروسي) للصف الثالث في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد، ولا يشير الكتاب المنهجي ذاك الى ان هذه القصيدة هي ترجمة لاحدى قصائد غوته، وقد كان الطلبة معجبين بها جدا، بل وكانت مادة طريفة للنقاش بينهم، خصوصا نهايتها (الراحة تعني الموت! والتي نشرها ليرمنتوف عام 1840، اي قبل سنة واحدة من وفاته !)، والتي تتناغم مع طبيعة ليرمنتوف وعوالمه الشعرية حول الموت والحزن واليأس ...الخ، اضافة الى رسمها لصورة الطبيعة المدهشة الجمال.

 تحدثّت مرة مع صديقي أ. د.علي يحيى منصور في كليّة اللغات بجامعة بغداد (وكان آنذاك رئيسا لقسم اللغة الالمانية) حول هذه القصيدة وعنوانها المرتبط بالشاعر الالماني الذي تخصص بنتاجاته، فاخبرني د. منصور انها قصيدة مشهورة لغوته، والتي يصف فيها احدى الامكنة التي زارها في وطنه (والتي اصبحت الان نتيجة لتلك القصيدة مكانا يزوره السيّاح !!!)، وجلب لي النص الالماني لتلك القصيدة (والتي حاول ليرمنتوف الالتزام بها)، بل وجلب لي ايضا ترجمتها الجميلة الى العربية، والتي قام بها أحد المترجمين المصريين من جامعة فؤاد الاول في النصف الاول من القرن العشرين كما أتذكّر، وهي (الترجمة) مصاغة على وفق قواعد العروض في الشعر العربي وبحوره، وقد قرأت تلك الترجمة لطلبتي آنذاك، وناقشناها بالتفصيل باعتبارها عملا عربيا ابداعيا في مجال الترجمة الادبية يجب ان نتعلم منه، وقارنّاها بنص تلك القصيدة لليرمنتوف، ويؤلمني اني نسيت الان اسم هذا المترجم، وقد حاولت البحث عن تلك الترجمة ومترجمها، لكني لم افلح مع الاسف، وما أكثر المصادر المهمة التي فقدناها اثناء مسيرة حياتنا العراقية العاصفة !

ختاما لهذه السطور، نود ان نشير الى ان الادباء الروس قد ترجموا هذه القصيدة عدة مرات بعد ليرمنتوف، ولا يمكن الحديث طبعا - في اطار هذه المقالة الوجيزة والمحددة - عن تلك الترجمات، اذ ان ذلك يتطلب – بلا شك - مقالة خاصة حول موضوعة الترجمة المقارنة للشعر .

 

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم