كتب واصدارات

كتب الغرباوي تدخل دائرة المحظور من باب النقاش .. تساؤلات عن الضد النوعي للاستبداد

صورها فراشة راوغت افكاري كالدخان والهواء، لكنها تركتني ابحث عنها في جحيم الحياة..

الكتب الثلاثة هي للباحث العراقي، المغترب منذ عقود عن الوطن الذي يحب ماجد الغرباوي وقد وصلتني، واسجل هنا شكري لصاحب هدية العيد.. الكتاب الأول، وهو المثير للجدل، والحاضن لأفكار لم يسلط علها الضوء احد كونها أفكار من العيار الثقيل، التي يخشي الخوض في تلابيبها الكثرة الكاثرة من كتاب الفكرة الجاهزة والمطروقة يحمل عنوان (التسامح ومنابع اللاتسامح.. فرص التعايش بين الأديان والثقافات) وأظنني سأجد من يتصدي له من خلال قراءة موضوعية، للجدلية التي تقول ان ثلاث لا يؤمن شرها : الريح اذا هبت والنار اذا شبت والفتنة اذا دبت... وهذا الكتاب يسبر غور تلك الشرور محاولا، مد طوق النجاة للمجتمع، واري ان الكاتب وصل الي هدفه

 

مفهوم جديد للتسامح

يطرح الكتاب مفهوماً جديداً للتسامح، يقوم علي أساس الإعتراف بالآخر، إعترافاً حقيقياً، والإعتراف بحقه في العقيدة والدين والمذهب، علي أساس وحدة الحقيقة وتعدد الطرق إليها، وان الطرق إلي الله بعدد أنفاس الخلائق.

ويبين هذا الكتاب، وانت تستخلص رحيقه، ان الحياة اقوي من اي شئ وكل شئ، انها تطوينا وتجذبنا وتخدعنا، فاذا نحن عبيد لشهواتها ومطامعنا وآمالها وآلامها وأحقادها، نعرف انها وهم، فننفث فيها الحقيقة ونعرف انها خدعة، فنخدع أنفسنا.. وهذا هو الانسان يسير في التيه، لكنه بعظمته يجعل منه طرق ومسالك ووسائل وغايات.. يعيش في الفقر، غير انه يبني فيعمر ويخطط ويملؤه بالحركة والنشاط، حتي لكانه موكل، بالفضاء يذرعه وبالموت يحييه.. يعبش في الصحراء ن فينقب لا يكف ولا يتوقف ولا ييأس... يعاني الحر والبرد والجوع والعطش، ولكن قوة عليا تهبه الصبر والعناء.. توحي اليه ان ينشر الخير حيث يوجد الشر والرحمة حيث تعيش القسوة والسماحة حيث يفؤخ الحقد وينتشر...

والي جانب ما ذكرت، ناقش الكتاب المفهوم السائد عن التسامح، وهو مفهوم يستبطن المنّة والتفضل والتكَرم علي الآخر، بمعني أنني علي حق مطلق وأنما أتسامح مع الآخر المختلف دينياً تفضلاً ومنة من أجل أن نعيش بسلام.. وهذا المفهوم يسلب الآخر أي علاقة بالحقيقة، وينفي أن تكون طرقه تؤدي إلي الحقيقة، ولو كانت بنسبة محتملة، لهذا يسمح لنفسه بإضطهاده وإقصائه متي شاء، لكنه يتسامح معه منة وتكرماً من أجل العيش المشترك ومن أجل توفير قدر من الأمن والسلام. فهو يحتكر الحقيقة ويحتكر الطريق إليها، بينما ينفي عن الآخر ذلك.

لكن هذا المفهوم قد أثبت فشلة في أول إحتكاك بين الطوائف والأديان، ومثاله العراق، الذي كاد أن يقع في فخ الحرب الأهلية، والطائفية، وإنكشف أن التسامح بينهم تسامح غير حقيقي، وأن الفجوات هائلة بين الطوائف والأديان.

والأمر لا يختص بدين دون غيره أو بلد دون آخر، وإنما هي نظرة سائدة، يتعامل فيها كل إنسان مع الآخر المختلف دينياً.

والكتاب الذي استهوتني فكرته، يؤسس لمفهوم جديد للتسامح، يجعل الآخر شريك لكَ في الوصول إلي الحقيقة، ولو بنسبة ما، وحينئذ لا يحق لأحد إحتكار الحقيقة ونفي الآخر عنها، ولا يحق لأحد الإستحواذ علي الطرق إليها ونفيها عن الآخر. وهذا المفهوم هو ما نحتاجه حالياً، كي تعيش الشعوب حالة الإستقرار والأمن والإطمئنان.

من هنا يتضح أهيمة الكتاب بالنسبة للجاليات الإسلامية والعربية، التي تعيش بمجتمعات مغايره مثل إستراليا، فلابد لهم النظر إلي الآخر المختلف دينياً وقومياً نظرة إيجابية علي أساس إنساني، لا علي أساس ديني أو طائفي أو قومي، كي يحصل الإندماج الحقيقي بالمجتمع.

ثم راح الكتاب يبحث عن الأسباب التي تجعل الفرد يشعر شعوراً فوقياً، يحتكر علي أساسه الحقيقة، وطرق الوصول إليها، والأسباب التي تجعله ينبذ الآخر، وينظر له نظرة مختلفة. من هنا ناقش الكتاب بعض المفاهيم الدينية التي تؤسس لهذا اللون من الفهم، وفند الحجج التي تقوم عليها، ليقدم رؤية جديدة.

فناقش الكتاب بجرأة قد نختلف معه حولها لحساسيتها، لكن المؤلف ساق لنا الكثير من الشواهد للدلالة علي حقيقة ما توصل اليه....مثلا:

مفهوم المرتد كما يطرحه الفقه الآسلامي، وأثبت خطأ الأحكام الصادرة، المراد بالمرتد، هو المسلم الذي يعتنق ديناً آخر، حيث يحكم الفقهاء علي المرتد بالقتل، بينما أثبت الكتاب بالأدلة الكاملة، خطأ هذا الحكم، وأن الاسلام يقول بحرية العقيدة، وليس هناك حكماً بالقتل مطلقاً.

كما ناقش أيضاً مسالة اللحوم الحلال، وتوجس المسلمين من أكل لحوم غير المسلمين.

ومفوم المشرك، ومفهوم أهل الكتاب، من غير المسلمين، وما هو الموقف الإسلامي منهم، معترضاً علي كل الأحكام التي يطلقها رجال الدين، ويقدم رأياً جديداً بأدلة كاملة من نفس الدين الحنيف. والتطرف الديني، ودور رجل الدين في ثقافة عدم التسامح.

وهذ الكتاب، اجد من الضرورة ان يترجم الي اللغة الانكليزية لتطلع عليه الجالية المسلمة المنتشرة في دول العالم لسببين أساسيين :

الأول : إن أبناء الجالية لا يفهمون اللغة العربية بشكل جيد، وبحاجه إلي كتاب باللغة الإنكليزية، سيما بالنسبة للكتب التنويرية

ثانياً: إعطاء صورة أُخري للإسلام تخفف من نظرة المتطرفين غير المسلمين إلي الإسلام والمسلمين، وهو ما يحتاجه المجتمع الأُسترالي الذي يؤكد عليه الكاتب كثيراُ من تجربته الخاصة والملاحظ ان الكتاب أخذ بنظر الإعتبار أهمية هذه الأفكار إلي الجاليات العربية والإسلامية

 

تحديات العنف

onffوالكتاب الثاني، الذي اخذ مني يوماً كاملاً لقراءته، ويوماً اخر للتأمل كان عن الشغل الشاغل لعالم اليوم وهو، ظاهرة العنف والارهاب، حيث اني أري ان المجتمعات الصادقة الابية التي تكره الباطل وتجهر بالحق، لا تستطيع ان تتنفس الا في جو من الحرية.. فغذاء الصدق هو الحرية، وحيث لا حرية، ينعدم الصدق وينتشر النفاق في المجتمعات، وذلك هو اهم اهداف تلك الظاهرة .. وهذا الكتاب.

يدرس الكتاب ظاهرة العنف، والإرهاب التي ضربت كل بقاع العالم، يدرس أسبابها، نتائجها، تداعياتها. بكل تفاصيلها.

وهو يبدأبمقدمة تاريخية، يشرح فيها الباحث الاستاذ الغرباوي تاريخ العنف، وحجم الويلات التي أصابت البشرية بسببهِ.

ثم ينتقل لدراسة فلسفتة، وسايكيولوجية العنف، ونفسية رجل الإرهاب، ودوافعه النفسية في إرتكاب الجريمة.

و خصص الكتاب فصلا كاملاً لبيان تحديات العنف، وتداعياته الخطيرة، سيما علي الجاليات الإسلامية والعربية التي تعيش في مجتمعات غير مجتمعاتها. وبين كيف يهدد العنف الأمن والإستقرار الدوليين.

كما دَرَسَ المؤلف أشكال العنف، بما فيها عنف الفرد، وعنف الدولة، والعنف الأُسري، وغيرها من أشكال العنف.

ثم توقف طويلاً بفصلين عند الحركات الاسلامية والدينية المتطرفة، فدَرَسَ الأدلة التي يستدل بها الإرهابي علي جواز قيامه بعملية إرهابية، يروح ضحيتها عدداً كبيراً من الأفراد الأبرياء والأطفال والنساء، وكيف يعتقد الإرهابي خطأ أنه سيدخل الجنة بأعمالهِ الإرهابية.

والفصول الأخيرة هي من أخطر وأصعب الفصول في الكتاب، لأن أدلة الإرهابي وأدلة الحركات الإسلامية المتطرفة قائمة علي أساس ديني، تستمد رؤيتها من آيات القرآن الكريم، والسيرة النبوية. ولا بد من مناقشة هذه الأدلة بنفس الآيات القرآنية، وتقديم رؤية جديدة.

وبالفعل عندما نراجع القرآن سنجد كثيراً من الآيات التي تحث علي قتال الكفار والمشركين وأهل الكتاب، ومن السهولة لأي إنسان أن يتسمك بها، لإقتراف عمل إرهابي.

لكن الكتاب فند كل الأدلة التي يستدل بها علي الإرهاب، وقدم قراءة وفهماً جديداً لآيات القرآن والأحاديث النبوية. وثبت بالأدلة، أن تلك الآيات جاءت،بخصوص مجموعة من الناس ممن حاربوا الرسول الكريم وأصحابه في ذلك الوقت ولا يجوز العمل بهذه الآيات في وقتنا الحاضر، لأنها لا تنطبق عليه..

وإعتمد الكتاب أدلة مختلفة لتفنيد أدلة الخصم، وتفنيد رأيه في مسألة العنف والأعمال الارهابية، وقدم فهما آخر للدين والنص الديني.

كما حذر من دور رجل الدين والفتوي في هذا المسالة، وأثبت أن رأي الدين هو رأي بشري، وأن الفتوي رأي بشري، وليسَ هناكَ مقدس، وإنما كل شيء خاضع للنقد والمراجعة. ولا يمكن الإنصياع إلي الفتوي ورجل الدين من غير تعقل وفهم صحيح، فالإسلام والقرآن واضحان، ونحن لسنا بحاجه إلي رجل الدين في كل شيء، وإنما في بعض المسائل المحدودة.

ومثلما قلنا عن الكتاب الاول، فهذ الكتاب الذي نحن بصدده تحتاجه الجاليات العربية والاسلامية في دول المهجر، مثل استراليا التي يؤكد عليها المؤلف.

 

الضد النوعي للإستبداد.. إستفهامات

حول جدوي المشروع السياسي الديني

istebdadوالكتاب الاخير، الذي قضيت ايام العيد في ضيافته هو للمؤلف نفسه، كان بعنوان (الضد النوعي للأستبداد... استفهامات حول جدوي المشروع السياسي الديني) ناقش فيه الباحث ماجد الغرباوي في قسمه الاول جدوي المشاريع السياسية الدينية ؟ بعد أن استعرض تجربة الحكومات الدينية، وما رافقتها من إخفاقات مريرة، أثرت سلباً علي رفاهية شعوبها. ثم يطرح المجتمع المدني كصيغة بديلة، تحفظ حقوق أفراد الشعب من خلال الممارسات الديمقراطية، ومؤسسات المجتمع المدني. وقد ساقَ كثيراً من الأدلة لإثبات ذلك.

أما القسم الثاني من الكتاب فخصصه الكاتب الغرباوي للتعددية الدينية، وكيفية المساهمة في إرساء أُسس التعددية، وفقاً لآراء المفكرين والفلاسفة، لكن بإسلوب ثقافي يصلح للفهم من قبل عامة الناس.

والقسم الثالث خصَصَ لدراسة المشروع الإصلاحي. وبيان الخطوات المهمة لنقد المفاهيم السائدة وتقديم مفاهيم جديدة تتلاءم مع متطلبات العصر والزمان وتستمد جذورها من التراث والمعاصرة معا، بما يحفظ توازن الفرد رغم أنه يعيش داخل مجتمعات مختلفة.

والكتاب نقدي، موغل بالنقد، يستفز السائد والمتعارف والمألوف من أجل التوفر(الحصول) علي إجابات تتناسب معَ حاجاتنا راهناً....

لقد خلصت من قراءاتي لهذه الكتب، ذات الإبعاد الفكرية غير المطروقة، الي ان المرونة في الفكر، باب يؤدي الي التفاهم والتسامح والتعاطف بين الناس.. اما المرونة في الضمير فباب يؤدي الي الخبث واللؤم ومنها الي كل رذيلة..

شكراً لمن جعلني اقضي ايام العيد في المفيد من الكلم.. وصح القول ان دمعة الحزن ودمعة الفرح، كلتاهما من مصب واحد... ومع هذه الكتب عشت لأري دمعة الحزن المتأتية من خواء بعض الناس وعشت دمعة الفرح المتأتية من التاريخ وشتان بين (البعض) وبين (التاريخ)

ويا رب اعطني ظلمة العين ولا تعطني ظلمة... القلب!!

 

جريدة (الزمان) الدولية - العدد 3754 - التاريخ 27/11/2010

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1589 السبت 27 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم