كتب واصدارات

علي ثويني يصدر كتاب: المكان والعمارة

ali thwayniكتابي الجديد الصادر عن (دار الجزيرة للنشر) في القاهرة (المكان والعمارة)، هو مادة مستجده في إطار الوعي بأهمية المكان في حياتنا، ضمن سياقات الوعي الفلسفي والروحي، وكذا البيئي والعمراني والمعماري. فالمكان هو الأرض (Geo "جوه") التي حفر الإنسان عليها وجوده ودمغ فوق أديمها الإثبات على أنه قائم منذ القدم، وهو الجغرافية وكل مايحيطنا ويتعايش معنا. هو قريننا ولصيقنا، نلمُسه ونتحسسه، نستنشق عبقه، نحفظ لونه، ندرك وظائفه، تلقطه عيوننا، وتحفظه ذاكرتنا، يرافقنا، يحمينا، يغذّي خيالنا وينضج تصوراتنا وفكرنا . تُحفرنا مقومات الحياة إليه وتعلمنا حبه من خلال دروس الجمال بما يحمل من صور وألوان وذكريات لأحداث وشخوص وملامح ومتغيرات، يدركها الوجدان الذي يبقى إبن وأمين المكان .

والإنتماء لهذا المكان يأتي من فعل الذات المتوارثة فعلاً ومتابعةً، ويتواصل الإنتماء بتواصل الفعل الحي المثبت فوق الأرض كتأكيد وتجسيد للحضور، وأي إنقِطاع لعلاقة الإنسان بالمكان يعني البدء بالتراجع عن المضمون العملي لوجود الوطن والفعلي لوجود الإنسان.وبذلك فالوطن مكّون ثلاثي التركيب، أضلاعه الإنسان والمكان والزمان.وثمة علاقة جدلية ومؤثرة على مجمل الكائنات، فحواها شد ومد وسكون وحركة، فالمكان هو الثابت والزمان هو المتحرك، فأضطلع الأول بصفة الجغرافية والثاني بالتاريخ في تداخل مفاهيمي أوجده الإنسان، ويقع عادة بين السكون والحركة، ويتوق للسكون مثل نظام كوني، لكنه يسلك الحركة ليحوله من طور إلى طور. فقد صاغ الإنسان زمانه في المكان وشكل مكانه في الزمان، وأمسيا " الزمان والمكان" يتداخلان في تركيبته ومزاجه وحتى سحنته، ويرسمان تمايزه وهويته وخصوصيته الثقافيه. فشتان بين من سكن المناطق الباردة عمن قطن المناطق الحارة، أو الجبلية عن الصحراوية أو السهلية أو الداخلية عن الساحلية ..الخ.وشتان بواقع الوسائل وأنساق الإطلاع ووسع الأفق بين من عاش قبل ألف عام وبين من يعيش اليوم.

964-aliويعد مفهوم المكان من أكثر المفاهيم إشكالاً في التداول المعرفي، لما يحمله من غنى في الدلالة والإيحاء، ولما يتصف به من تعقيد ومفارقة. فهو مفهوم يجيد لعبة الوجه والقناع والإخفاء بالإبراز، يخفي أحيانا ما ينبغي أن يظهره ويبرز أحيانا أخرى ما هو من المفروض أن يختفي. يبدي الوضوح والجلاء والبساطة بل والبداهة الحدسية، ويضمر اللبس والغموض. كون مفهومه بؤرة تقاطعات لعدة معارف متماهية أو أقل من ذلك، من فلسفة ورياضيات وعلم نفس وجغرافيا واقتصاد، بل وعلم الأجناس(أنثروبولوجيا) وعلم الإجتماع، دون إغفال الفن والعمارة وعلم الجمال اللذان أمسيا الممارسة والمحك والدليل.فما زال التساؤل قائماً حول كينونته وتجلياته وأثره وأبعاده وتمثلاته وتصوراته وإسقاطاته ومديات إستغلاله ومرجعياته وخلفياته وحقيقته أوهلاميته.تساؤلات شغلت العقل البشري أكثر من الحيوان الذي (ترك إدراره) على حجر أو شجر، ليرسم حدود المكان التابع له، ليذود عنه.

ورصدنا تكرار ورود المكان بثمان وعشرون موضع بالذكر الحكيم، بدلالات رمزية وحسية مختلفة . وإنشغل بجماليات المكان العديد من المفكرين والفلاسفة في كثير من الحضارات بدلالات رمزية. وما نجده عند اليونان لدى أرسطو مثلا الذي يعد المكان مقولة منطقية ذهنية ومعنى كلياً لا تستقيم المعرفة بدونه. والمكان، بذلك وكمقولة، محمول في قضية أو تصور ساذج، ليدرجه بذلك في العلم المنطقي التطبيقي الذي عده أداة العلوم (أورغانون). وهو بذلك يصنف المقولات، ومن ضمنها المكان، في حيزها المعرفي الدقيق كمعطى ذهني أولي غير وجودي، وهو فرز دقيق له شأنه المنهجي والمعرفي . ووضعه ارسطو عنصراً ثالثا ضمن الطبائع وهي (العنصر والصورة والمكان والحركة والزمان)

ولم يدع بعض فلاسفة الإسلام، مفهوم المكان في مستواه المعرفي/المنطقي، بل صعد في تناوله نحو الأصول. فعد الرازي مثلا، المكان قديما إلى جانب الزمان والنفس والهيولى والبارئ. وهو توجه "وثني" في فحواه وأصله، بشكل جلي . أما بالنسبة لابن سينا وابن رشد فقد نقلا المفهوم إلى المجال الطبيعي. فالمكان عند ابن سينا: "ليس بجسم ولا مطابق لجسم، بل محيط به، بمعنى أنه منطبق على نهايته انطباقا أوليا". وعند ابن رشد: "هو النهاية المحيطة لكونها إستكمالا للأجسام المتحركة وغاية تحريكها". وأنشغل كذلك في ثيمة المكان بتراثنا أخوان الصفا والرازي والفارابي وابن الهيثم.

لقد أحدث تنوع وصعود المعارف المعاصرة نقلة نوعية في تصور المكان. وذلك من نتائج الثورات الرياضية والفيزيائية، سواء مع نظريتي الكوانتوم والنسبية، أو مع الهندسة الحديثة اللاأقليدية، وكل تلك النقلات المعرفية مكنتنا من إعادة تصور مفهوم المكان وصياغته سبراً مع التصورات الفلسفية العتيقة. وبذلك تغير التوجه، وبدأ الاهتمام بالأبعاد والمقادير (إحداثيات، إنغلاق، انفتاح، ما بين، تبادلية، تقاطع…) بدل الحدس والطبيعة. وربما نلمسها في الطفرة التي أحدثتها العمارة التفكيكية، رغم أنها لم تصل إلى حلول عقلانية للوظيفة، لكنها غيرت من بديهيات التصميم الشكلي على زوايا 90 درجة الذي سلكته العمائر منذ نشوئها، وفتحت بذلك الرياضيات والفيزياء على البعد النسبي للمكان، وهي الخلفية المعرفية التي تحكمت في التصورات المعاصرة حول المكان، سواء كمجال الإدراك في علم النفس أو المجال الجغرافي أو العمراني أو المعماري أو حتى الأجناسي-الإجتماعي والثقافي.

ثمة ثابت في شغف الإنسان بالمكان مثلما اقرانه من الكائنات الذائدة عن المكان والدائبة العمل لتعيينه ورسم حدوده وإمتلاكه والمحافظة عليه. ويتعدى الأمر الذاتيه إلى الوعي الجمعي بالمكان وتذكره، فبدون ذاكرة لا وجود أو قيمة للأمكنة، فالإنسان كائن مفكر و"متذكر".فالمكان جغرافيه ونفس وثقافة وعمارة وقدسية وغلة تحفظ النوع وتصون البقاء .

لقد منحت الفنون ومنها العمران والعمارة، المكان فعالية، تجعلها في صنف الباكورة والشروع، وتداخلت جدلياً مع المنتج الدهري للظاهرة البنائية. وقرأناه في النصوص القديمة ليس موصوفًا ولا مطروحًا على الوعي، بل حسيًّا محايدا، ودلالته ظرفية وحدثية وأثر، مراد لذاته من جراء الفعل الإنساني، وتموضع للإفرازات الحسية والبصرية، وهذا الدور المتنامي جعل النقاد يعدونه مجرد خلفية للحوادث والشخصيات والمنتج الإبداعي، وطفق يحتل مساحة فنية منذ الأعمال الفنية على جدران الكهوف والتهيئة الأولى للفضاء المعماري. وتناولته الاثنوغرافيا (الانثروبولجية الوصفية) ضمن تعليلها للطقوس عند البشر الذي هو قائم على وحدة الوجود أو تداخل الانسان مع الطبيعة .

ثمة حقيقة بأن العقلية الرعوية مكثت غالبة في الثقافة العربية عموما، وأخترقت الوسط الإجتماعي الحضري والفلاحي، وهذا ما أشار إليه إبن خلدون قبل سبعة قرون وعلي الوردي قبل نصف قرن، ووضعا تأويلات لآليات حركة التاريخ والمجتمع. وتلك العقلية غير عابئة بالمكان، والسبب يعود إلى مبرر معاشي في البيئة العربية التي تتاخم البادية فيها المدينة والقرية، وتبتزها حتى تنقاد لها على مبدأ (الضحية التي تتقمصها روح الجلاد). فالإستقرار يكبل البدوي ويحرمه من الترحال، بما يضمن له البقاء خلال بحثه الدائب وراء الماء والكلأ.و هنا يكمن سر التناشز الإجتماعي في ثقافتنا بين بدوي كاره وعابر وغير عابئ بالأمكنة، وبين تحضر متصاعد الوتيرة والموائمة والحاجة والغلبة.

ومن أجل ردم الفجوة الإنتمائية لمرجعية بعينها، فإن البدوي لم يتداول لقب مكاني بل سلالي وعرقي، وشغف حتى بمهلهل وأسطوري الأصول والفصول، وتشبث بالنسب، وأهمل الحسب، فتخلخل على أثرها ميزان القيم. وأنعكس الأمر حتى أصبحت منظوماتنا الحداثية جوهرها بدوي ماضوي متبرقع بهالات من الشكلانية الحداثوية. فسلطاتنا وتجمعاتنا ومؤسساتنا تسيرها البداوة أكثر من إنتماء لمكان أتفقنا على تسميته "الوطن".و في الكفة الأخرى حضري أو قروي شغوف بالمكان، مستندا على ما يسبغه عليه من جود ووجود وخلود، ولايبرحه إلا مكرهاً مطروداً. وبذلك فان صراعاتنا أنحصرت بين بداوة ومدينة أو قرية، او بكلمة أخرى بين مكان قحط وآخر عدن، أوبين عيش رغد ودعاوى إنتماء ورائي لمكان مجدب لايدر بل يظر. لقد بجّل الطيني مكانه، ووجد له الوسيلة في إعمار أرضه وتفريغات فنونه وتأويلات مقدساته، وكره الرملي بيداءه، فتداعى البون العاطفي إلى تناشز وصراع أرق تأريخنا وصنع له منهج وتواتر. لقد مكثت الجغرافية أصدق من التأريخ، لاسيما الذي أترع بالتزوير والتبرير والخيلاء والإدعاء.فالتأريخ، كما الأذن التي تسمع والجغرافية، كما العين التي ترى، وبالنتيجة وجدنا أنفسنا منحازون الى المكان الجغرافي، على حساب الزمان التأريخي.

مازال مفهومي الزمان\المكان مدغم في وعينا، ولم نصل إلى ردم فجوة بينهما، ضمن تجاذبات إجتماعية وقناعات تشرذم.فبين العودة لممارسات مضت والتوق لممارسات سادت دوار من الأخذ والرد. . لاسيما ونحن نعاني الإدبار الحداثي الذي يجردنا عن أحقية تراثنا.ونرصد شطط المفاهيم بما يتعلق بمتطلبات ومستلزمات الأمكنة ومعطيات الأزمنة. وبالمقارنة فإن الغربيون أعتمدوا "مكانيا" على أنظمه فكرية وإقتصادية وسياسية مستجدة زمانياً، و تسنى لحلولهم أن تسير وتؤثر في عمق أنساق الراهن. وحسبنا أن الحلول الحضرية والمعمارية، نقلت مجمل ما تبلور في الغرب من معطيات إلى عالمنا، بما يحاكي نقل شجرة من منطقة استوائية إلى منطقة صحراوية، ولكي تعيش وتستمر، فلا بد من أن نحول المحيط الصحراوي إلى استوائي.وهذه علة الموائمة المكانية وطامتها الزمانية.

حينما أسس الدكتور محمد صالح مكية(1914-2015) كلية العَمارة في جامعة بغداد عام 1959، اصر على أن يكون ضمن منهاجها درس الجغرافية، لأن طلابها المؤهلين بأعلى نتائج وردوا من الفرع العلمي، الذي لم يدرّس الجغرافية. فكيف يمكن أن يكون معمار ولا يعي خواص وحيثيات المكان كالموقع والإتجاهات والمساحة والأبعاد والبيئات، و يصف الدكتور مكية الجغرافية (الصفر المعماري). ويبدوا بأن ثمة بون كبير بالوعي الجغرافي المكاني بين جيلي وبين الجيل من بعدي، مع رصدي وهن شعورهم الإنتمائي، ولاسيما المتعلق بالوطنية. وهكذا يبدوا إن الإدراك المكاني يكرس شعور إنتمائي بوعي أو بدونه بحسب طبقات التثاقف.

والتماس بين العَمارة والجغرافية دعوناه (العمران)، ويمكننا ان نطلق على الصلة بين الجغرافية والعمران والعَمارة والإنسان، بـ (علم المكان) أو (بيئة المكان العمراني والمعماري)، تمايزاً عن فحوى المكان الذي طرقته الأداب والفنون، والذي أُول بحسب المجال والغاية، أما عندنا في علوم البنيان فهو الأساس الذي يبنى فوقه كل إعتبار: الإتجاه والتشميس والتربة والتهوية والإطلالة والمحيط، وغير الجانب المادي فأنه فلسفة وشغف وحنين مجنح وخيال جامح وفضاء تصوري ومنظوري، يرى منه الماضي والمستقبل.فالماضي عنى بالتراث والمستقبل عنى بالرؤيا المعمقة لما يؤول إليه هذا الحيز من البيئة، التي أمست شاغل الناس وشغفهم، بعد ان تدنى نوعها وعانت الأمرين على أثر نزق الإنسان وجشعه ووحشيته، حينما يحرق ما بنت يديه، ويقدم العدوان حلاً للخلاف مع أترابه من العباد، ويحلل ما حرمته الشرائع السماوية والوضعية، في حالة تتداعى إلى خراب البناء، والذي لم تقترفه حتى الوحوش الكاسرة، التي تحمل في فطرتها رحمة على نوعها وعلى غيرها أحياناً.

لقد سعى التخطيط العمراني جاهداً، خلال القرنين الماضيين إلى تلبية متطلبات وتطلعات المجتمعات الجامحة، ولاسيما في الغرب، ومكثنا نحن نشتر من ميراثنا ولم نجدد أو نستجد مدائن. بيد ان تلك التجربة البحثية التراكمية في الغرب إنتقلت إلى مدننا بغلبة الكفة الحضارية على مبدأ (المغلوب يقلد الغالب) الخلدوني، وأخترقت الجانبين الإجتماعي والتخطيطي رغم البون، حيث ان الإجتماعي يختلف بالمكان والزمان والشق التخطيطي يختلف بالزمان، وأقل بإختلاف المكان. ومن هنا كان التخطيط العمراني لدينا يبعد عن المنتج المحلي، حينما تلكأت عملية خلق تراكميات بحثية تخطيطية مشابهة لما حدث في الغرب تخص المكان، في البحث والنشر أو التطبيق. ونجزم أن الأمر يبقى بعيد المنال في خضم الإعتماد الكلي على المراجع العلمية الغربية في هذا المجال. وهكذا يمكث منتج التنمية العمرانية في مدننا صدى لصوت صادر من الضفة الآخرى.

جل تجمعاتنا اليوم أسسها الاجداد، حتى أن المنطقة العربية مشهورة بمدن تاسست قبل ثلاث واربعة آلاف سنة ومازالت مسكونة ومزدحمة لقلة ما استجد عليها، رغم الطفرات والإنفجارات السكانية، بعدما سمحت بالتوسع الذي جله أمسى(سرطاني)، والذي سحق المراكز التاريخية التي تبقى الأثر ومحل الفخر، كونه الموجود الذي يؤكد الوجود.أما مفهوم إعمار الأرض الذي أطره الإسلام أكثر من بقية الأديان، فيمكن ان يكون حصيلة ما شهده المكان في الشرق القديم من مداميك الإعمار.

وإعمار الأرض يعني (صناعة المكان) وتحويله إلى حيز نألفه وقابل للمكوث فيه ونرتبط به عاطفيا ووجدانيا. وللمكان درجات أوله الحيز المباشر الذي يحيط بأجسامنا مثل الغرفة التي يوجد فيها سرير النوم، ثم غرفة الجلوس، ثم الحي السكني الذي نرتبط فيه بأقربائنا أو جيراننا، انتهاءاً بالمدينة التي تضم الحي السكني الذي ننتمي إليه. إن عملية صناعة المكان تحدث بما نقوم به من أعمال مثل عمل تعاوني لصالح الحي، أو بناء بيوتنا بأيدينا أو المشاركة في ورشة بناءه، أوتأثيث غرفنا، أو تعليق صور عزيزة على الجدار أو وضع الستائر على النوافذ وإختيار الألوان المحببة أو ملمس السطوح . كل تلك الأفعال والتدخلات في المكان تؤكد ذاتيتنا. وكلما أطلنا المكوث فيه وتفاعلنا معه وجدانياً إزدادت آثارنا فيه، وتكرست صناعتنا له وبالتالي إرتباطنا العاطفي به.

خلال إغترابي القدري الذي تعدى العقود الأربعة، إكتشفت أن الغربة ثراء معرفي مكاني، يحتمل المقاربات والمقارنات بين الأنا والآخر ويكرس الشعور بالهوية والإنتماء. وما لم أدركه تشبثي بمكاني الأول، رغم ما أسبغه المكان الإغترابي من سعة الحال والتأهيل ووفرة العطاء وثراء الإلهام . لقد مكث مكاني وهمّي وبؤرة إهتمامي هناك عند أعتاب أيامي الأولى، رغم بؤسه وقصره. وأتسائل عن السر في تصنيفه الأفضل دائماً. وثمة حاجة لدراسة المكان من جوانبه، الظامر والظاهر، لكي نبني تصوراً عن تأثيره وتأثره، وهذا يفتح باب البحث في التشخيص والأسباب والتأويل. وهي دعوة لقراءة الذات أولاً، وعدم توسيع الرؤى وتكبير مقياس الرسم(scale)، قبل التيقن من سلامة الحلول الموضوعة، وعدم القفز على الآخر والمزايدة عليه أو مصادرة حقه في معرفة مايخصه، رغم وجود مشتركات.

سوف يجد القارئ سياقات تقرب بين مفاهيم عدة منها الفلسفة والعمران والعَمارة والمجتمع والنفس والبيئة والتراث والثقافة وسطوة الروح والمقدس. مع الوعي والإقرار بموقع المكان المركزي في الذاكرة التراثية، كونه يشكل بؤرة إنتاج الصور، والرموز، التي تكيف سلوك الأفراد، وترسم ملامح إستجاباتهم اللاحقة، لإنثيالات الذاكرة، فيتجلى الحنين اليه وإستذكاره، متخطيا كل معطيات الراهن. وقد طرقنا شقي الهواجس المادية والروحية لطبيعة المكان، المتماهية مع العَمارة التي تمثل أسمى سمات تلك العلاقة، المخترقة لمجمل المنتج الإبداعي الإنساني.

 

الدكتور- معمار علي ثويني

 

في المثقف اليوم