كتب واصدارات

حيدر عبد الرضا: نصر حامد أبو زيد بين عشوائية المثاقفة ومراهقة رجل التأويل

haidar abdullradaقراءة في دراسة (منهج التأويل العقلي) للباحث عبد الله الحديدي

أن أيا من الأستعدادات الصياغية التي تدفع بالأفكار اللا متهيئة الى محاولة تزويغ وتسويف محمولات الجوهر التفسيري في محصلات ملكوت أفق النص القرآني الحكيم وإغراقه بصفات لا تميل لها مصدرية الأنساق التشريعية بالأفق الإيماني الرحيب والموصول بمؤولات فاعلية الإستقرائية الوحدانية الرصينة التي تكون سياقيتها المرجعية عادة متصلة بأوليات المفاهيم النقلية الصادرة وبشكل مباشر عن فقه السنة النبوية الشريفة وعكس هذا الأمر تكون محمولات كل تلك التفاسير القادمة من غير جهة السنة النبوية الشريفة مرفوضة أصلا وبلا أدنى مجادلة ودليل . في الحقيقة أن ما قرأناه في مباحث وفصول دراسة الباحث د. عبد الله علي الحديدي (منهج التأويل العقلي) نستنتج منها بأن آليات مباحث هذه الدراسة قد جاءتنا لتوضيح وطرح ومناقشة ما جاءت به مؤولات نصر حامد أبو زيد في جل مؤلفاته العلمانية المادية في تفسير وتأويل النصوص القرآنية الكريمة . وعند الأمعانية السياقية الدقيقة في مجال مباحث هذه الدراسة الأكاديمية المستفيضة تتبين للقارىء مجالات وآفاق شطط متخيل النص التأويلي ومفهومه لدى أبو زيد والذي كان لا يتعدى في حقيقته التعيينية حدود استقرائيته القاصرة للإسلام والقرآن والتنزيل والوحي والمتشابه والمحكم من الآيات القرآنية . وتحت عنوان المبحث الأول (حياة نصر حامد أبو زيد اجتماعيا وعلميا) نستدرك حجم الواقع المتردي الذي يواجهه أبو زيد في حياته الاجتماعية والعلمية على حد قول الباحث الحديدي في فقرات هذه السطور : لم أحصل على معلومات كثيرة عنه لعدم تمكني من الاتصال به أو مع أحد أصدقائه بالرغم من مراسلتي له الى الجامعة أوترخت / قسم الدراسات الإسلامية في هولندا بتاريخ 5/2/ 2008 ولم أجد جوابا لكن ما علمته من كتبه وكتابات البعض عنه وعن شبكة الانترنت والفضائيات المحاورة له بأن أسمه نصر حامد أبو زيد وهو متزوج من أستاذة جامعية مختصة بالأدب الفرنسي أسمها ابتهال يونس وهما مصريا الجنسية من القومية العربية . وقد ولد نصر حامد أبو زيد في قرية قحافة في طنطا ـــ محافظة الغربية في 10  / 7 / 1943 وكان قد درس في الكتاب وحفظ القرآن في سن مبكرة .. لكن الذي أضطره الى التحول من التعليم الأزهري الى التعليم المدني هو طول التعليم الأزهري الذي يتعارض مع الوضع المعاشي لأسرته فدخل في مدرسة قبطية بقريته . كما أن نصر حامد أبو زيد كان قد عايش الأخوان المسلمين كجمعية ذات طابع ديني في قريته كما يحكي تأثره بأحد متصوفة هذه القرية في مرحلة النشأة .. إلا أنه تأثر في فترة السبعينات بفكر التجمع الوطني التقدمي الوحدوي لنزعته الأشتراكية وصيغته الليبرالية وأنظم للحزب كما يقول نصر حامد أبو زيد عن نفسه . من هنا لعلنا كقراء وبطبيعة الحال نهجس عوالمية هذه الشخصية المتذبذبة الى حد الأزدواج في محاور سيرها وبهذه الطريقة يمكننا فهم تطرفية الذات المنتجة لنصر أبو زيد في مجال ممارساته التقويمية للنص القرآني كما ووصولا منا نعاين ما قد صدر له من دراسات عديدة في مجال التأويل والتفسير القرآني وهي على حد علمي تبدو فائضة على خاصية الإحصاء والوصف كما وله في الوقت نفسه دراسات أخرى في محمولات معرفية أخرى . أما دراسة المبحث الثاني من كتاب الباحث الحديدي والتي جاءت تحت عنوان (أسباب تكفير نصر حامد أبو زيد) حيث  تعلمنا الأخبار الواردة من لدن الباحث في هذا الصدد بأن محكمة القاهرة ـــدائرة الأحوال الشخصية في عام 1995 بالتفرق بينه وبين زوجته وأيدته محكمة النقض في عام 1996حيث أخذت فنتازيا رحلة تكفير أبو زيد من داخل جامعة القاهرة بحجب ترقيته للأستاذية أولا من خلال تقرير رفعه الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين برئاسة الجامعة ينتقد فيه ما طرحه أبو زيد في بحوث ترقيته وهما الإمام الشافعي وتأسيس الايدلوجية ونقد الخطاب الديني . وفي مقابل مفهومنا وفهمنا لمباحث دراسة الباحث الحديدي حول أسباب تكفير نصر حامد أبو زيد حيث نجد بالمقابل الآخر مفهوم وصورة الأسباب والمداليل والعلية التي جعلت من أبو زيد في قيد قبضة الكفر والتراجع في نظر المجتمع العلمي والاجتماعي وهذه الأمور تتلخص على النحو التالي: 1ـــ العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة الى رفضها وتجاهل ما أتت به  2ــ الهجوم على القرآن وإنكار مصدره الإلهي والحديث عن أسطورة وجوده الأزلي القديم في اللوح المحفوظ  3 ــ الهجوم على الصحابة ونعتهم بصفات لا تليق بهم مثل اتهام عثمان بن عفان بأنه وحد قراءات القرآن التي كانت متعددة في قراءة قريش وذلك استمرارا لمؤامرة السقيفة لتكريس سيطرة قريش على الإسلام والمسلمين 4ــ إنكار مبدأ أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء وأنه هو العلة الأولى وإنكار الغيب والهجوم عليه مع أن الأيمان بالغيب من شروط الأيمان الكامل . في الواقع أن القارىء لدراسة (منهج التأويل العقلي) تتحدد له معضلة واشكالية افكار أبو زيد ومنها تحديدا مستوى بناءاته الذاتية المسرفة في مجال استدلالاته اللاعقلية واللاتأويلية في تفسير النص القرآني وهدمه وهذا الأمر جاءنا في مبحث الفصل الثاني تحت عنوان (هدم مفهوم النص) حيث يقول الباحث فيه: عمد نصر حامد أبو زيد الى هدم مفهوم النص الذي يمثل المحور الأهم في تثبيت أسس الشريعة الأسلامية والتي تكاد تنتفي بأنتفائه وتتحول الى قالب يعبأ بأنواع المعاني إذا ما هدم هذا المفهوم الذي أتفقت عليه كل المذاهب الأسلامية تقريبا في إفادته لليقين ووجوب العمل به حيث قام نصر أبو زيد بنفي هذا المفهوم من خلال عدة شبهات: الشبهة الأولى: ــ ندرة وجود النص في القرآن حسب رأيه وهي مرحلة تحجيم وجود النص لديه وذلك بتبني ما أورده السيوطي في الأتقان عن بعض المتكلمين أنهم قالوا بندور النص جدا في الكتاب والسنة .. فنجد أن نصر حامد أبو زيد يردد هذا الكلام بقوله : النصوص عزيزة ونادرة خاصة في مجال الشريعة وعلل هذه الندرة بقوله هذا المفهوم نادر جدا بحكم الرمزية للغة . وإذا حاولنا البحث عن مسبب شبهة الأفكار والآراء عند منهج أبو زيد نجدها متأثرة الى حد بعيد بمناهج المدرسة الفكرية التي ينتمي إليها أبو زيد حيث يقول الباحث الحديدي بهذا الصدد أيضا : لا يمكن أن نقول أن نصر حامد أبو زيد ينتمي لمدرسة فكرية محددة وهو قد نهل وأخذ من أكثر من مدرسة فكرية فهو تأثر بعقلانية المعتزلة ووظف بعض أفكارهم في دعم منهجه العقلي في التفسير كما تأثر بآراء المتصوفة كأبن عربي فحاول أيضا توظيفها في أضفاء الشرعية على بعض المعايير التي تبناها في التفسير كما وتأثر بالمدرسة التأويلية الغربية وتأثر بالنظريات الحديثة في اللغة تحديدا بنظرية دي سويسر .

 

(تعليق القراءة)

لقد تصرفت القابلية العلمية في الباحث أبو زيد في إخضاع النص والواقعة والمرجعية القرآنية الى جملة مقترحات لا تنحرف عن أفق المؤثرات القرائية الحاصلة لديه من لدن المناهج والمدارس الغربية كنظرية دي سويسر في اللغة الحديثة وكآراء المعتزلة والمتصوفة ويمكن القول بأن أبو زيد حاول تفسير النص القرآني بمفهوم تاريخي مغاير حيث وجد لنفسه ضرورة تبديل المعنى القرآني المرجعي بمعنى دنيوي يلاءم متطلبات حاجاته العصرية الحداثوية المادية الرخيصة على حد فهمه ومنطقه المنحرف عن جادة العقل النقلي والأستدلالي الحكيم في موازين الشريعة والسنة النبوية الشريفة . والقارىء لكتاب (منهج التأويل العقلي) لربما سوف يواجه المزيد من الدلالات البحثوية التي صرف الباحث من أجلها جهده الجهيد لأجل تكثيف محاكاتها وعلاقاتها وإحالاتها ومقارباتها لاسيما في سياق فصل (التفسير العقلي والتأويلي) وفصل (أراء نصر حامد أبو زيد في علوم القرآن) وفصل (نقد حامد أبو زيد بعض المناهج الفكرية) وتبعا لهذا كله يمكننا القول الأخير بأن عوالم نصر حامد أبو زيد في تفسير وتأويل النصوص القرآنية جاءتنا كمقومات انطباعية ضالة راحت تستجمع لذاتها المشيطنة موارد ومصادر ومعطيات المدارس المعرفية اليهودية والأمريكية في التاريخ والأدب بحجة وذريعة توسع الذهن التأويلي الخاص والعام في قراءة دلالات آيات الذكر الحكيم مما يجعل صيغة المقروء النصي مستجمعة دلالتها مع دوافع وحافزية متطلبات الاتجاه الزمني الذي يحيا به أبو زيد في يومنا الراهن . هذا هو بالضبط ما اراده أبو زيد من خلال عشوائية أدواته الفهمية للنص القرآني .. أراد به الأقتراب من مداليل يومية وحاجات دنيوية خاصة في مواطن التفاسير الممنهجة ببرمجيات العقل الاستشراقي الغربي الملحد وأخيرا فيها وجدنا مؤولاته أختراقا وتسويفا وتزويرا لما تقتضيه وتتلاقى فيه دلالات آيات الرحمة والحكمة الإلهية التي لا يفصح عن حجبها النورانية الساترة وعرفانها وفقهها سوى الله عز وجل بنور أيمانه وهدايته . من هنا أظن بأن دوري قد جاء وليس دور الباحث عبد الله علي الحديدي في الرد على مكاره نصر حامد أبو زيد وإحراق ورقته الانطباعية الساذجة حول مجاله الذي راح منه للأسف يقع في اشكالية كفرية خطرة بتغليب الطابع الذاتي على ما هو أسمى وأغلى ما في الوجود وهو كتاب الله عز وجل أسمه . سوف أقول له قولا لا قول بعده : تطرح الدراسة النقدية التي جاءتنا تحت عنوان (منهج التأويل العقلي عند نصر حامد أبو زيد ثمة مكاشفات هائلة من الحقائق التي راح يثريها الباحث بالمصادر والإحالات التي تبدو لنا في أماكن معينة من الدراسة عبارة عن زوائد لا حاجة لدليل المباحث لمثلها تماما . أما فيما يخص آلية وأدوات رؤية الباحث عبد الله علي الحديدي فقد وجدناها وعلى مدى فضاء مباحث الدراسة الطويلة لربما كان يغلب عليها الجانب التوثيقي والأكاديمي أكثر مما تتطلبه موضوعة الدراسة من سمة إجرائية نقدية متحكمة في معاييرها الخاصة، أي بمعنى ما، أخذ الباحث الحديدي يطيل من سكب معارف ومصادر وإحالات اقتباسات وحواشي دراسته مما جعله دراسته تصاب بوهن الفضفضة والهلهلة والحشو والتخمة الى حد غير مفيد تماما . أما فيما يتعلق بنصر حامد أبو زيد موضوع بحثنا فلا أجد بدوري الشخصية بأنه من أشباح أهل التأويل ولا التفسير في الوقت نفسه خاصة وأن ما كان ينقضها من حقائق مرجعية ما يطرح بشكل مباشر كونه ليس من أهل المعارف الدينية وذلك لأن ما كان ينفيه ويدحضه ويغيبه ليس برواية ولا قصيدة ولا بمقال منشورا في صحيفة يومية بل أنه كتاب الله وأسراره ومقاصده التي لا تسلم مداليلها الأحدية في أم الكتاب لكل من هب ودب عابثا . أقول لنصر حامد أبو زيد مكررا بدأ التفسير للقرآن وبيان معانيه من عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان هو المعلم الأوحد لتفسير آيات النص الحكيم وتوضيح مقاصده وحل ما غمض من عباراته قال تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) وفي عصر النبي وبأمر منه أشتغل جماعة من الصحابة بقراءة القرآن وحفظه وضبطه وهم الذين يسمون ب (القراء) وبعد الصحابة استمر المسلمون في التفسير ولا زال حتى الآن فيهم مفسرون . أما فيما يخص علم التفسير وطبقات المفسرين أقول أشتغل الصحابة بالتفسير بعد أن أرتحل الرسول (صلى الله عليه وآل وسلم) الى الرفيق الأعلى ومنهم أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الانصاري وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وأبو هريرة وأبو موسى وقد كان منهج هؤلاء في التفسير أنهم ينقلون ما سمعوه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في معاني الآيات بشكل أحاديث مسندة قد بلغت هذه الأحاديث كلها الى نفي مائتي واربعين حديث منها ضعيفة ومنها منكرة لا يمكن الركون أليها بأي وجه من الوجوه الموجبة للمسند الحقيقي وربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على أنه تفسير منهم بدون أسناده الى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعد المفسرون من متأخري أهل السنة هذا القسم أيضا من جملة الأحاديث بحجة أن الصحابة أخذوا علم القرآن من النبي ويبعد أن يفسروا من عند انفسهم . أما فيما يخص الوحي ومنزل الوحي أكثر من غيره من الكتب السماوية المقدسة كالتوراة والأنجيل حتى نجد فيها آيات تتحدث عن ماهية وكيفية الوحي نفسه كما ويعتقد عامة المسلمين في وحي القرآن : أن القرآن بلفظه كلام الله تعالى أنزله على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بواسطة الملائكة المقربين وهذا الملك الوسيط هو (جبرائيل) و(الروح الأمين) جاء بكلام الله تعالى الى الرسول في فترات مختلفة بلغت ثلاثا وعشرين سنة . وكان الرسول أن يتلو الآيات على الناس ويوقفهم على معانيها ويدعوهم الى ما فيها من المعارف الأعتقادية ومكارم الأخلاق والقوانين المدنية والوظائف التكوينية الخاصة للمخلوق إجمالا . رأينا الذي ذكرناه هنا هو للباحثين المعتقدين بالله تعالى وينظرون الى الدين والقرآن والوحي بنظرة فيها من الأنصاف والتقييم . أما الملحدون المنغمرون في المفاهيم الماركسية والعلمانية والحداثوية العقيمة التي ليس لها من مكان ما في آيات القرآن ولا في تفاسير الآيات لأن الخطاب القرآني ببساطة غير خاضعا لمستحدثات التأويل والمؤول الحداثوي العلماني ولا من جهة كونه محض أسلوبية أجناسية كالرواية والقصيدة . بل أنه كلام الله الخالص الذي يذكر تعالى فيه (قل لئن أجتمعت الأنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا / سورة الأسراء) من الواضح هنا والبديهي أن كلامنا في هذا المقال قد لا يناسب مرجعية وشرائع ومؤولات العبقري الفذ (نصر حامد أبو زيد) لأنه أتخذ من المعارف الماركسية والعلوم العلمانية ناصية للسان ولعقل القرآن بل أنه غدا يفسر الآيات بموجب نظريات القراءة والتلقي الأدبية التي تختص بحقول الرواية والقصيدة والقصة القصيرة والأقصوصة، فيا للخيبة؟

 

في المثقف اليوم