حوار مفتوح
المثقف في حوار مفتوح مع ماجد الغرباوي (139): الغدير والإمامة الدينية
- التفاصيل
- كتب بواسطة: صحيفة المثقف
خاص بالمثقف: الحلقة التاسعة والثلاثون بعد المئة، من الحوار المفتوح مع ماجد الغرباوي، رئيس مؤسسة المثقف، حيث يجيب على (ق5) من أسئلة الأستاذ جابر علي مرهون:
الإمامة ومنطق الوصايا
ماجد الغرباوي: قبل التطرّق لدلالات الإمامة بموجب حديث الغدير، أنبّه إلى أن مفهوم الإمامة كما تطرحه البحوث الكلامية الشيعية ويتعهده اتجاه الغلو، يكرّس منطق الوصايا والاستبدادين، الديني والسياسي، ويشرعن التبعية والانقياد، ويقمع الرأي الآخر (الراد علينا كالراد على الله)، على حساب العقل والإبداع وحرية الإنسان. لقد كان ختم النبوة اعترافا صريحا بقدرة الإنسان على مواصلة حياته على المدى البعيد، وعدم حاجته مستقبلا للوحي أو أي ولاية دينية. وهذا سرّ توقف هبوطه، وانقطاع بعثة الأنبياء. إن حاجة الإنسان للعقل باتت أكثر من حاجته لأية وصايا دينية، بعد ختم النبوة، واكتمال الدين، وصار مسؤولا عن حياته ومصيره، وقد قطع شوطا كبيرا جدا على سلم الحضارة البشرية. إن النظريات التراثية وليدة حاجات تاريخية، وضرورات سياسية، والتمسك بها وإعادة انتاجها بصيغ جديدة كولاية الفقيه، لا تفسير له سوى روح العبودية الثاوية في أعماق الفرد، وقيمها التي حرص التراث على رفدها، وتعزيزها بمختلف الدواعي، الدينية وغيرها. من هنا بات تفكيك الولاية أمرا ضروريا لمعرفة مدى شرعيتها وحدود صلاحياتها، للتخلص من هيمنة الخطاب الديني، حينما يتقاطع مع العقل ومبادئ حقوق الإنسان العادلة. الإنسان رهان الخلق بقدراته العقلية الفائقة، وعليه المعوّل في إعمار الأرض، والتعرف على خالق الكون بذات العقل.
دلالات الإمامة
المتتبع للمنهج القرآني يلاحظ اهتمامه بالقضايا العقائدية، التي تتوقف عليها صدقية إيمان الناس، كوجود الخالق ووحدانيته واليوم الآخر، وتأكيده على النبوة وتاريخها، لكنه لا يولي اهتماما كبيرا بقضايا قد تبدو عقائدية، كقوله: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا). فيكفي في هذه الحالة أنك عرفت أن الإمامة اصطفاء وجعل إلهي، وأنه جعلها لإبراهيم خاصة، دون التفصيل في جوهرها وخصائصها وصلاحياتها (قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، فالأولوية في المنهج القرآني تعكس أهمية القضايا وأولويتها عقديا. ويفترض أن تأخذ الإمامة، إذا كانت شرط الخلاص، اهتماما قرآنيا يعمّق الإيمان بها. وما تقرأه في تراث المسلمين عنها، مجرد رؤى تأويلية وتفسيرات تنتمي لمقدمات كلامية، يراد لها الدفاع عن متبنيات عقدية. وهكذا منهج القرآن بالنسبة للغيب، فلم يتوغل في تقصيلاته، لأنه عصي على الفهم. سواء قلنا بإلاهية الوحي أو قلنا ببشريته في حدود التلقي والفهم. وقد إستأثر موضوع الخالق ووحدانيته مساحة كبيرة من الكتاب، وجميعها آيات محكمات لا تقبل التأويل كثيرا. بيّنت وتساءلت واستفزت فضول القارئ بمختلف الأساليب، كي يصل درجة اليقين الموجب للتقوى، واكتمال الحجة عليه. وأيضا بالنسبة للنبوة والأنبياء، باعتبارها قضية يمكن التحقق منها، بالنسبة لمن عاصرهم، لذا تطلبت معجزة. وبذات المنهج تناول موضع المعاد، حيث ربط حقيقته بأفعال الفرد، فجاء الخطاب القرآني ترغيبا وترهيبا، ليحقق أهدافه بخلق وازع من التقوى، تتوقف عليه مصداقية الإيمان في جانبيه الشعوري والسلوكي. وارتهن صدقية الجنة والنار لإيمان الفرد، وهذا سرّ نسبية هذ النوع من القضايا الدينية.
اللافت رغم قوة حضور الإمامة في الواقع والتراث، حتى عدها الفكر العقدي الشيعي أصلا من أصول الدين، لكن لم تجد لها أية إشارة صريحة في كتاب الله، لا هي ولا مصاديقها، باستثناء آية مجملة، خص بموجبها الإمامة لابراهيم، دون تفصيلات تذكر، وأما موارد استعمال لفظ الإمامة الأخرى، فليست دالة على الإمامة المعهودة صراحة، ولو ثبتت فهي مختصة بالأنبياء حصرا: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)، عطفا على آيات تتحدث عن قصص الأنبياء. ولا يمكن شمولها لغيرهم، إلا بدليل قرآني صريح، لأنها جعل، تتطلب آية صريحة، نرفع بها اليد عن الأصل. يقول الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنحل: (وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سُل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُل على الإمامة في كل زمان). فكيف تدرج الإمامة ضمن قائمة العقيدة، ولم يشر لها القرآن؟. وهذه ملاحظة مهمة يجب الأخذ بها في نظر الاعتبار ونحن نتحرى دلالات قول الرسول: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه".
الغدير والإمامة
المتفق عليه شيعيا أن قول النبي: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" نص على استخلاف علي من بعده، وحكموا في ضوء حديث الغدير بوجوب النص والتعيين في الإمامة. وكان ذات الحديث دليلا على غصبيتها من قبل الخلفاء، مادام كلام الرسول كان صريحا وحجة تامة على كل من سمعه، ولا استثناء للخلفاء ممن حضروا معه.
إذاً، فالشيعة ينفون ظهور معنى آخر لكلمة "مولى" سوى النص على خلافة علي، وعززوا قولهم بآية التبليغ، واستشهدوا بآية "الرسول أولى بالمؤمنين من أنفسهم". ورووا مشاهد تفصيلية، توحي بصحة الحديث من خلال مشاهد ما حصل بعد الخطبة. وقد مرَّ تفصيل الكلام، حول كلمة "مولى" ودلالتها ضمن سياق الحديث، وفي ضوء ما ذكره بُريدة أمام الرسول. ولم تشكّل القرائن المذكورة في المقام قناعة دلالية كافية، فضلا عن تبادر الكلمة في هذا المعنى. وسقطت عن الاعتبار بعد مناقشتها. وهنا سنأتي على أدلة، تساعد أكثر على فهم مبررات نفي النص على الإمامة في الحديث بالذات، حتى مع ثبوتها بأدلة غيره. وهذه المرة نتناول مفهوم "الولاية" ضمن الإطار العام للدين والإسلام، لنتحرى إمكانية الإمامتين الدينية والسياسية، حيث استدل بعضهم بحديث الغدير على الإمامة السياسية، في مقابل من اقتصره على الإمامة الدينية، وثالث قال بكلتيهما. فهل الإمامة ضرورة دينية أم اجتماعية؟، وهذا يتفرع على ضرورة الدولة. فهل الدولة ضرورة دينية أم اجتماعية. وبالتالي نحن والأدلة.
مرات عدة تناولت موضوع الدولة في الإسلام، وأكدت من خلال ما طرحته، أن الدولة ضرورة اجتماعية، فرضتها الحاجات الآنية لتنظيم شؤون مجتمع المدينة، الذي تطوّر بحكم وجود النبي وانتشار الإسلام في المناطق المحيطة بها. والقرآن شاهد على ما نقول فليس ثمة آية صريحة واضحة تناولت موضوع السياسة والدولة، أو خلافة النبي، سوى مبادئ يمكن اعتمادها، كقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا). والآية وإن كانت واردة في القضاء بشهادة بدايتها، لكن العدالة كمبدأ أساس في الحكم على مستوى الدولة لا غبار عليه. أو آية: (وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلً)، التي قد يستفاد منها شرط الإيمان في الحاكم الأعلى. وغيرها من مبادئ قرآنية وإنسانية. ولا يوجد أكثر من هذا، بل وحتى النبي الكريم لم يتحدث عن موضوع الدولة والسلطة والخلافة، كما سيأتي الكلام. وبالتالي هل أن إهمال القرآن لعصبي الحياة، السياسة والاقتصاد، دليل على عدم اهتمامه بهما، بينما أولى اهتمامه بقضايا أقل أهمية منهما؟. أبداً... أما الاقتصاد فكان موقف الكتاب إمضائيا، مع تنقيح بعض القواعد كالتجارة بالتراضي. وحرمة بيع الربا. وأما السياسة، فهنا شيئان: المادة الدستورية والقانونية، وقد شرّع مجموعة أحكام، تخص الفرد والمجتمع، وبإمكان المجتمع تبنيها مادة قانونية لدولتهم. وأما نظام الحكم ونظريته، فتركها لهم، ليتحملوا مسؤوليتها وفقا لمتطلبات الزمان والمكان، كي لا تجمد على صيغ تفقدها قيمتها. ولو كانت الإمامة نصا وتعيينا، ماذا يفعل المجتمع مع فقدان النص، الذي كان مقتصرا على علي بن أبي طالب، ثم تمت زحزحته ليشمل 11 إماما، بعد ترميم النسق العقدي للتشيع؟.
وبالتالي لم تكن الإمامة موضع اهتمام القرآن والنبي الكريم. ولا يوجد ما يكفي للتعاطي معهما وفق أدلة شرعية. سوى اجتهادات فقيه تلت مرحلة الخلفاء، بعد اشتداد الصراع حول السلطة ومشروعية الخلافة. ويبقى الاصطفاء والولاية الجعلية من خصائص الباري تعالى، ولم يجعلهما لأحد بآية صريحة. بما في ذلك النبي، حيث حددت آيات الكتاب وظيفته، وليس من بينها التشريع، وخلصنا إلى حجية قول النبي فيما له جذر قرآني، وليس للإمامة جذر قرآني، ولا يكفي إجمال المفهوم في إمامة إبراهيم، دليلا على ثبوتها لغيره.
الإمامة الدينية
هناك أكثر من نحو يمكن تصور الإمامة الدينية من خلاله، هي:
أولاً- الإمامة الدينية بمعنى الإمامة الربانية:
ومثالها إمامة إبراهيم النبي الكريم. كي تستمد إمامة علي بن أبي طالب من شرعيتها، وتكون دليلا عليها. ولا دليل على الملازمة، لأنها إمامة قائمة على شروط لم تتوفر لعلي كالنبوة. ويشملها مفهوم الاصطفاء، الذي هو خاص بالله تعالى، ولم يفوضه لأحد، بل حصره بمشيئته: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ). فالقرآن طرح مفهوما جديدا، وقطع الطريق أمام دعاوى الاصطفاء، القائمة على أسس عنصرية وتوريثية، بل ونفهم أنه منصب إلهي، يتوقف على مشيئة الله والتصريح به قرآنيا، فيبقى الأصل الأولي عدم ثبوته لأي شخص. فيشترط في صدقيتها وثبوتها – كما تقدم بيانه وهذا ملخصه - وجود آية صريحة بيّنة لا لبس فيها، تدل عليها كإمامة إبراهيم، التي لم يرفدها الكتاب العزيز بتفصيلات كافية سوى قوله: (إِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). فالإمامة تأتي بعد مرحلة من الاختبار الرباني المباشر، "إذا ابتلى الله ابراهيم بكلمات". لا نعرف ما هي الكلمات التي أتمها، لكنها تبدو على درجة رفيعة من الأهمية اقتضت تنصيبه إماما. ورغم أن ذرية إبراهيم أنبياء، لكن الآية أجابت بشكل عائم: "قال لا ينال عهدي الظالمين". وبالتالي هذا النوع من الإمامة يحتاج لتصريح رباني. ثم لا يمكن تزكية أحد، مهما كان ظاهره الصلاح، ولا يدرك أسرار النفس البشرية إلا الله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا). وقد يجهل حتى النبي أن من حوله ظالم لنفسه: (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)، فظاهر هؤلاء الصلاح، وربما تعلوهم سيماء الإيمان، لكنهم في علم الله "منافقون". من هنا أشترط نصا قرآنيا لثبوت الاصطفاء، لانه يورث الجزم واليقين، مادام حتى النبي لا يمكنه الجزم بتزكية أي شخص مطلقا إلا حسب ظاهر سلوكه وتقواه.
ثمة ملاحظة لو كانت الإمامة شأنا نبويا أو رسوليا، فلماذا يسأل إبراهيم عن إمامة ذريته وهل هناك بمنزلته خليل لله؟ لكنه (إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّٰهٌ مُّنِيبٌ)؟ ويعلم أنها مناصب إلهية، تتوقف على الاصطفاء الصريح، كإمامته ووزارة هارون.
ثانياً- الإمامة الدينية بمعنى التشريع:
المتتبع لكلماتهم حول الولاية الدينية، يجد أنهم تارة يقصدون بها ذات الإمامة القرآنية. وهي أعلى مقاما. تنطوي على أسرار إلهية، وحكمة ربانية، تتوقف عليها تمامية الدين، واستمراره من خلال أئمة أهل البيت الذين نصبهم الله أئمة لدينه وعباده. وبهذا المعنى يكون للإمام ولاية تشريعية، استمرارا لولاية الرسول التشريعية، وستكون سيرة الإمام (قوله، وفعله، وتقريره) حجة كحجية سيرة النبي، يمكن أن تخصص أو تقيد إطلاقات وتعميمات الكتاب، لذا قال الشيعة باستمرار عصر النص حتى نهاية غيبة الإمام المهدي الصغرى (329 هـ)، وتعاملوا مع روايات أهل البيت باعتبارها نصوصا تشريعية حجة، مقدسة، تتعالى على النقد والمراجعة، يقتصر دور الفقيه على فهمها وتفسيرها أو تأويلها، وإذا تعذر عليه (يعيدها لأهلها فَهُم أدرى بها!!)، كما يردد ذلك أساتذة بحوث الخارج في مادة الفقه، للدلالة على قدسية مصدرها وحكمته وعلمه.
وجواب هذا واضح، أن التشريع مختص بالله تعالى، وتمت مناقشة هذا الكلام مرات عدة. وما يهمنا تشريع الأحكام. تقول الآية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..)، وتقصد تمامية الدين بشقيه العقدي والتشريعي، وما يدل على الثاني أن الآية مسبوقة ومتبوعة بآيات الأحكام، ومع وجود هذه القرينة لا يمكن صرفها لأية دلالة أخرى. إذ يرى المفسرون الشيعة أنها نزلت بعد حديث الغدير، لتصرّح بتمامية الدين بعد إعلان ولاية علي بن أبي طالب. وهذا غير ظاهر في الآية إطلاقا، وحملها على تمامية الدين بمعنى التشريع يساعد عليه سياق الآيات، حيث سبقها مجموعة أحكام تشريعية: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ). كما تلتها مجموعة أحكام تشريعية: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ويستمر السياق يستعرض أحكاما أخرى. وبهذا نفهم بمعية آيات ذكرتها في بحث حجية السنة النبوية، أن التشريع مقتصرا على الله تعالى، ولا دلالة لحديث الغدير وجملة: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" على إرادة الإمامة الدينية بهذا المعنى. ومن هنا أيضا تعرف مدى صدقية استمرار عصر النص حتى نهاية غيبة الإمام المهدي، ليعاد بموجب الفهم القرآني تشكيل وعي جديد بالأئمة ووظيفتهم الدينية، فهم كغيرهم من الفقهاء المعاصرين لهم رأي اجتهادي. وميزتهم شهد لعلمهم وتقواهم وفقههم كثيرون، وكانت الإشادة العلمية بمدرسة الإمام الصادق لا يدانيها إشادة بعالم وفقيه في عصره. فنظرية "الأئمة علماء أبرار"، كما ذهب لذلك جملة من علماء الشيعة، يجنّب العقيدة الشيعية كثيرا من المشاكل والتقولات، التي تفتح باب تكفيرهم ورميهم بالضلال من قبل خصومهم التاريخيين. كل ما جاء بعد النبي تراكم فقهي، ووجهات نظر اجتهادية، لا فرق في ذلك بين المذاهب الإسلامية، رغم الجذر القرآني والنبوي للنصوص التي يشتغل عليها الفقيه، لكنه رأيه، ووجهة نظر شخصية، مرتهنة لقبلياته ونسقه العقدي ومنهجه وأدواته.
وأما ثالثا: الولاية الدينية بمعنى الوزارة وهي موضوع مهم وحاسم في تحديد دلالات الولاية...
يأتي في الحلقة القادمة
..........................
للاطلاع على حلقات:
للمشاركة في الحوار تُرسل الأسئلة على الإميل أدناه
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.