ملف: المرأة في أسر العبودية المعاصرة
سبيّ النساء في التاريخ
- التفاصيل
- كتب بواسطة: د. عدنان الظاهر
هل ظاهرة سبي النساء، بنات حوّاء، هي ظاهرة جديدة أفرزتها الرأسمالية والعولمة وتوابعهما من إرهابيي القاعدة وداعش؟
كلاّ، قطعاً كلاّ، وسأحاول تتبّع مسار هذه الظاهرة بدءاً من الميثولوجيا الإغريقية في بلاد اليونان بلاد سقراط وأفلاطون وأرسطو حتى يومنا المشؤوم المأزوم هذا.
لماذا تُسبى النساء ؟ تُسبى بنات حوّاء لأنَّ المرأة جميلة ولأنها ضعيفة جسدياً وفسيولوجياً وبايولوجياً ثم إنها وعاء وحوض لزرع وإنجاب المزيد من الرجال الأقوياء السابين والنساء الجميلات المسبيات. تُسبى لتُقتنى كأية قُنية ثمينة جميلة يتفاخر بها سابوها ومن باعها أو أهداها ومن اقتناها جاريةً في قصوره ترقص وتغني وتعزف وتقاسمه فراشه حين يرغب هو السيّد والمالك المُطاع. وحين تتقدم السنّ بها يبيعها في أسواق النخاسة والإتجّار بالجنس والرقيق أو يهديها بضاعةً من الدرجة الثانية أو الثالثة
Second Hand
لمن يشاء من عناصر حاشيته أو الأصدقاء المقرّبين.
إنها ظاهرة ذات وجهين : فروسية وبطولة الناهب والسابي ثم حيازة واقتناء " دُمية " جميلة تزيّن قصور سابيها وتبعث فيها روح المرح والطرب من رقص وغناء وبهجة.
الإغريق وسبي النساء :
قصة ولوحة خطف ( سبي ) باريس لهيلينا قصة معروفة سواء في الميثولوجيا الإغريقية أو في عالم الفن حيث تزيّن لوحة الخطف هذه جدرانَ بعض المتاحف العالمية وقد رأيتها بعيني ذات يوم قبل عقود ربما في متحف اللوفر في باريس أو في المتحف البريطاني في لندن أو في بعض المتاحف النمساوية وربما رأيتها في متحف المتروبوليتان الأمريكي للفنون الجميلة في نيويورك. خطف هيلينا هي عملية سبي للمرأة لأنها اُختطفت جبراً وغصباً وعلى الضد من رغبتها وبخلاف قرارها الشخصي وإلاّ كيف يكون السبي وما تفسيره ومغزاه ؟ بدأ السبي منذ قديم الزمان وأسست له حضارات سبقت الدين الإسلامي وداعش بآماد وقرون طويلة.
ما كان وضع المرأة في أزمان إمبراطورية وأباطرة روما ؟
ليس لديَّ حول هذه المسألة إلاّ القليل من المعلومات أفادني بها بعض المختصّين بتاريخ روما قبل وبعد اعتناقها للديانة المسيحية. قالوا : كانت المرأة يومذاك سلعة رخيصة يتم تداولها كعبدة ويمارس الرجال الجنسَ معها في المحلات العامة ولا سيّما في الحمّامات العمومية وكانت كثيرة يومذاك في روما كأنها صُممت أساساً لتيسير هذا الغرض. هذا سبي صريح وسبي قبيح للمرأة وهي مُنجبة وهي حاضنة وأم الرجال في الجنس البشري فكيف ساغوا لأنفسهم معاملتها بهذه الطرق المتدنية عُرفاً وديناً وخُلُقاً وفِطرة بشرية ؟ هل كانت لديهم شرائع وقوانين خاصة بالزواج وهل كان الزواج في روما متعدداً قبل وبعد المسيحية؟ لا علمَ لي بذلك.
وماذا عن وضع المرأة في جزيرة العرب قبل الإسلام ؟
لا يحتاج المرء إلى عبقرية كبيرة ليستنتج أنَّ غزو قبيلة عربية لأخرى ولأسباب شتّى ستنجم عنه عمليات سبي للنساء والأطفال ويحتفظون ـ إذا لم يقتلوا ـ كل من يستطيع حمل السلاح قوّةً ضاربة لغزو قبائل أخرى في مناسبات كثيرة أخرى. قبل السلب والنهب وسبي الذراري والعيال تُهدم المنازل ويتم حرق كل شئ قابلٍ للإشتعال والحرق وحين تهدأ النفوس الثائرة الهائجة يترك الغازون " الأبطال الميامين " القرية أو المدينة أو "السَلَف " المنكوب محترقاً يجلله الحداد والسواد وبضعة آثار متبقية قاومت أو لم يصلها لهيب الحرائق. وما مصير النساء الناجيات من الموت والحرائق ؟ تُسبى ليفعل الغزاة بها ما يشاؤون من زواج بالإكراه أو بيع في الأسواق أو تركهن في البيوت جواريَ وسراري وخادمات للطبخ والتنظيف. الغزو وسبي النساء وجهان لعملة واحدة تتمم إحداهنَّ الأخرى ولا تنفصل عنها.
الغازي سابيٌّ ساديٌّ والمغزوّةُ سبيّة مسبية.
هناك قول ينسب للسيّدة عائشة أم المؤمنين كجواب على من سألها عن حال الزواجات بين عرب ما قبل الإسلام إنها قالت : كانت هناك حالات متعددة للزواج قبل الإسلام . كان هناك الزواج الأحادي بين رجل وامرأة .. وكان هناك الزواج المتعدد كأنْ يتزوج الرجلُ ما يشاء من النساء ثم كان هناك نوع آخر من الزواج يشترك فيه عدد من الرجال بالزواج من إمرأة واحدة فقط وإذا ما حملت هذه الإمرأة وأنجبت يكون لها حق اختيار أحد أزواجها أباً للمولود الجديد.
ومقارنة سريعة بين ما كان يحدث في روما من ممارسات جنسية في الحمّامات العمومية بين الرجال والنساء أضع أمام القارئ الكريم ما جاء في القرآن من كلام حول ممارسة الجنس لواطاً بين الرجال والرجال في منتديات ومجالس سمر وسهر العرب زمان الجاهلية :
( ولوطاً إذْ قال لقومهِ إنكمْ لتأتونَ الفاحشةَ ما سبقكمْ بها من أحدٍ من العالمين.إئنكمْ لتأتونَ الرجالَ وتقطعون السبيلَ وتأتونَ في ناديكمْ المُنكرَ فما كان جوابُ قومهِ إلاّ أنْ قالوا ائتنا بعذابِ اللهِ إنْ كنتَ من الصادقين / سورة العنكبوت الأيتان 28 و 29 ).
إذاً الرومان أفضل من عرب الجاهلية لأنهم كانوا يمارسون الجنس السوي بين ذكر وأنثى وليس بين رجل وآخر ... ما كانوا من قوم لوط !
من تعلّمَ ممّنْ، الرومان من العرب أم العربُ من الرومان ولكنْ بعد أنْ قلبوا المعادلة السويّة ومارسوا الجنس شاذّاً لواطاً بين رجل ورجل ؟ في القرآن إشارات كثيرة تخص هذا الأمر وردت صريحةً في آيات بعض السور أذكر منها ما يلي :
1ـ [[ واللذانِ يأتيانها منكمْ فآذوهما فإنْ تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إنَّ اللهَ كانَ توّاباً رحيما / سورة النساء الآية 16 ]].
فآذوهما ... ما نوع ومقدار هذه الأذيّة وكيف يتم التثبّت من توبة من مارس الجنس لواطاً ؟ هذا يعني أنهم كانوا يمارسونه في العَلَن وقد يمارسونه سرّاً إذا تطلّب أمر الصيانة ودفع المكاره والأذى ! هذا سبي ومن يسبي الرجلَ يهونُ عليه سِباء النساء .
2ـ [[ ولوطاً إذْ قال لقومهِ أتأتونَ الفاحشةَ ما سبقكمْ بها من أحدٍ من العالمين. إنّكمْ لتأتونَ الرجالَ شهوةً من دون النساءِ بل أنتمْ قومٌ مُسرفون / سورة الأعراف الآيتان 80 و 81 ]]
3ـ [[ ولمّا جاءتْ رُسُلنا لوطاً سئَ بهمْ وضاق بهمْ ذَرْعاً وقالَ هذا يومٌ عصيب. وجاءَ قومُهُ يُهرَعونَ إليهِ ومنْ قبلُ كانوا يعملون السيئاتِ قالَ يا قومِ هؤلاءِ بناتي هُنَّ أطهرُ لكمْ فاتقوا اللهَ ولا تُخزونِ في ضيفي أليسَ منكمْ رجلٌ رشيد / سورة هود الآيتان 77 و 78 ]]
مسكين الشيخ الكبير لوط ! يعرض بناته على قومه الذين هُرعوا إليه لكي يغتصبوا رُسل الله والسماء الذين وفدوا عليه ليبلّغوه بأمر سماوي ما. هل كانوا سيغتصبون الربَّ نفسه لو جاء يزورُ نبيّه لوطاً ؟ ما يمنعهم من إتيان ذلك ؟
ما كانت لدي عرب الجاهلية الأولى والثانية التي سبقت الإسلام حمامات عمومية ربما لندرة الماء في جزيرة العرب القاحلة لكنْ كانت لديهم نوادٍ ومجالس يجتمعون فيها للسمر والسهر ومناقشة قضايا السلم والغزو والحرب فضلاً عن قضايا التجارة وبمَ يتاجرون ومع أيٍّ من الشعوب والأمم المجاورة يتاجرون.
مارس عرب الجاهلية " سبيَّ " الرجال في نواديهم عَلَناً وعلى رؤوس الإشهاد وكان ذلك أمراً طبيعياً مقبولاً كما يبدو فحرّمه الدين الإسلامي لأنه مخالفٌ لفطرة الإنسان السوي فالمرأة للرجل وهذا لتلك.
وكيف كان الوضع في الإسلام ؟
((أقرر ابتداءً أنَّ تعدد الزوجات في نظري هو شكل آخر من أشكال سبي النساء)).
خلفت الإمبراطورية العربية الإسلامية إمبراطوريتي اليونان والرومان، أخذت الفلسفة ومبادئ الطب من الأولى ولم تأخذْ شيئاً من الثانية وتلك ظاهرة فيها غرابة وعجب رغم احتكاك المسلمين بالروم وكثرة ما وقع من حروب معهم خاصة في بلاد الشام حيث انتقلت بالكامل من سيطرة الروم إلى أيدي العرب فغدت بعد حين عاصمة الخلافة الإسلامية بعد انتصار معاوية على الخليفة الرابع علي في معركة صفّين. هذا موضوع آخر علاقته بموضوع مقالي علاقة ضعيفة.
نعم، جاء الإسلام وأتى معه القرآن كتاباً ودستوراً يُحدد ويقرر أموراً حياتية دنيوية كثيرة منها موضوع المرأة وشروط الزواج والميراث والطلاق وما يترتبُ عليه من حقوق للزوجة الطالق. لنرَ ما قال قرآن المسلمين بحق المرأة المسلمة أصلاً والكتابيّة التي أسلمت فيما بعد.
أجد مأساة المرأة مُجسّدة في سورة النساء من القرآن فإنها المسبيّة حقّاً وفيها من المهانة لها الشئ الكثير لكنَّ الإنصاف يقتضي الإقرار بأنَّ الأحكام الواردة بشأنها هي أفضل للمرأة في الإسلام مما كانت عليه زمان الجاهلية حيث تعدد الزوجات بلا حدود هو العرف الذي كان سائداً فضلاَ عن فوضى تعدد الأزواج وتقاسمهم إمرأة واحدة لا تعرف بالضبط من هو والد وليدها.
تحديد الزواجات الشرعية بأربع نساء بالطبع أفضل من فوضى الزواجات المفتوحة بدون حدود. ولكن ماذا عن مقولة " وما ملكت أيمانكم " الشهيرة ؟ وماذا عن تجاوز النبي محمد للحدود التي رسمها هو للزواجات التي أقصاها أربع حيث فارق الحياة وفي عصمته تسع زوجات لا أربع ؟ هل فكّر بمصير الزوجات التسع وما قد تؤول إليه مصائرهنَّ بعد وفاته ؟ هل كان سلمان رشدي في " آياته الشيطانية " مُحقّاً في رسم صورة مجسدّة لحياتهنَّ ـ وفيهنَّ شابات ـ وقد غدونَ أرملات ؟
تعالوا نقرأ القرآنَ معاً :
[[ وإنْ خفتمْ ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكمْ من النساءِ مثنى وثُلاثَ وربُاعَ فإنْ خفتمْ ألاّ تعدلوا فواحدةً أو ما ملكتْ أيمانكمْ ذلكَ أدنى ألاّ تعولوا / سورة النساء الآية 3 ]]. هذا سبي حقيقي للمرأة.
طيّب، وماذا عن المسبيات من بلاد الفرس والروم وما وراء النهر والقوقاز من جورجيات وشركسيات ؟ وماذا عن الجواري والسراري من المشمولات بمقولة " ما ملكت أيمانكم " ؟ أليس هذا سبياً صريحاً بل ومجزرة بحق بنات حواء زهرة وزينة الحياة الدنيا ؟ المرأة سيّدة وزينة الدنيا ومُنتجة ومُديمة حياة البشر بنت وأخت وأم الناس جميعاً تباع في أسواق النخاسة وتُشترى وتُستباحُ ! كيف يحترمُ الرجل نفسه والمرأة تُهان وتُستباحُ أمام عينيه بل وبرضاه وإشباعاً لنوع خاص شاذ من المتعة والإستئناس ؟ الذي يستبيح ويهين المرأة إنما يستبيح ويهين الرجل صنوها في الحياة شريكها ... أباها ... أخاها ... إبنها ... زوجها وأب أولادها. يا ناس ! صححوا المعادلة وأقيموا الحق وعدّلوا الميزان.
لعلَّ أول حادثة سبي في الإسلام هي تلك التي وقعت في طفوف كربلاء عام 61 للهجرة حيث سبى جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية نساء وبنات وشقيقات الحسين بن علي بعد المقتلة الرهيبة التي نفّذها هذا الجيش بالحسين ومن معه من الشباب والرجال. خليفة وقادة وجيش جرّار من المسلمين يسبون حرائرَ مسلمات جدّهنَّ رسول الإسلام محمد بن عبد الله ويحملونهنَّ [ على القُتب ] من كربلاء حتى دمشق عاصمة الخلافة الإسلامية المغتصبة.
لا أتكلمُ عن سبي واستباحة الدواعش في سوريا والعراق لحرائر المسيحيات والإيزيديات والشبكيات وبقية الطوائف إنما أحاول الكلام عن السبي كظاهرة إجتماعية ـ سياسية ـ إقتصادية عصفت في الشرق الأوسط أخيراً باسم الدواعش حاملي المذهب الوهابي التكفيري التيميِّ الذين لم يتركوا أمراً إلاّ استباحوه واستباحة النساء في رأس قائمة الجميع.
ما كان وضع المرأة في الحضارات القديمة في العراق ، في سومر وبابل وآشور مثلاً ؟ الوضع غامض في سومر سوى ظاهرة الموت الجماعي حيث كانت تُدفن المرأة الحيّة مع زوجها الميّت فهل هذا سبي للمرأة قبيح أم لا ؟ لِمَ لمْ تحتج وتعترض نساء سومر على هذه الظاهرة وما الذي يجعلها تفضّل الموت على حياتها بعد زوجها ؟ ما كان هذا ديناً في نظري لكنه كان تقليداً اجتماعياً سارياً وسائداً ففرض نفسه بقوة تُضاهي قوة الدين. نعرف أنَّ في الشرق القديم كانت هناك ملكات شهيرات ومنهنَّ قائدات عسكريات ومقاتلات فذّات كالزبّاء ملكة تدمر وقبلها الملكة الداهية بلقيس ملكة سبأ ثم كليوباترا فرعونة مصر. فلماذا انتكس تاريخ البشر لينقلبَ على مملكة المرأة وسلطانها وجبروتها فتخلّت أو أُجبرت على التخلي عن مكانتها وعن حقوقها التي اكتسبت وتوارثت لتغدو أخيراً عبدةً وأمةً مُختلفٌ ألوانها وجنسياتها تُباع في الأسواق وتُشترى وسبيّة سلعةً للراغبين من الرجال وخاصةً المقتدرين والموسورين منهم ؟
اليوم يرى العالم الدواعش السود يسبون حرائر العراق وسوريا وخاصة الإيزيديات والشبكيات والمندائيات والمسيحيات ويعرضوهنَّ سبايا في أسواق النخاسة فهل عاد ثانية زمنُ الغزو والفتح وسبي الأطفال والنساء على مرآى ومسمع العالم "المتمدّن والمتحضّر" والغارق في العولمة وتمدد الأسواق الرأسمالية والجشع السرطاني الخبيث للمزيد ثم المزيد من إقامة القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية لإبتزاز وتهديد العالم وحصار بعض بلدانه شرقاً وغرباً ؟
عدنان الظاهر
شباط 2015
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها.