صحيفة المثقف

شركة "ناشطة" تتهم صائب خليل بالتجاوز وتهدد بالملاحقة وصائب يرد

و"معلومات جديدة هامة عن شركة حاسبات المفوضية (ناشطة)" (2)، تتعلقان بشركة ناشطة وردتني العديد من ردود الفعل بشكل رسائل إيميل وتعليقات على المقالتين في المواقع المختلفة. كذلك وردني من شركة محاماة شركة ناشطة تهديد بإقامة الدعوى ضدي في المحاكم الأمريكية والدولية ما لم أسحب مقالاتي من المواقع الإلكترونية وأنشر مقالة جديدة أكذب فيها إدعاءاتي خلال 72 ساعة. وقد أجبت مكتب المحاماة بأنني أدرس الموضوع وأنني على استعداد لتصحيح ما كتبت إن تبين أن هناك خطأ فيه، فأجاب المكتب بدوره برسالة ثانية يؤكد فيها ما جاء برسالته الأولى ويشير إلى تصريحات لرئيس المفوضية العليا للإنتخابات في جريدة الشرق الأوسط، كدليل على اتهاماته لي بالتجاوز. والتزاماً بالحقيقة فإنني أنشر نص رسالة مكتب المحاماة الأولى وفحوى الثانية وردي على الرسالتين ليطلع عليها القراء ويكونوا الصورة الكاملة عن الموضوع من جانبي الخلاف.

 

نص رسالة مكتب محاماة شركة ناشطة:

لقد وصل إلى علم موكلنا، "ناشطة" بأن عدداً من المقالات الحاوية على معلومات مزيفة واتهامات تشهيرية حول "ناشطة" قد نشرت في عدد من المواقع تحت إسمك. المقالات تتهم "ناشطة" بشكل ضار بالتلاعب بأصوات الناخبين في الإنتخابات العراقية الأخيرة. ومن بين أمور أخرى فأن المقالات تسيء إلى عقود "ناشطة" من نوع (VSAT) لمكتب الأمم المتحدة – خدمات المشاريع (UNOPS) المخصصة لدعم المفوضية العليا للإنتخابات (IHEC)، وفي نفس الوقت تتجاهل عدة حقائق أساسية: (1) أن عقد (VSAT) المخصص لـ (UNOPS) قد أنتهى في تموز 2009، و (2) لم تحصل "ناشطة" على أي عقد لخدمات الإتصالات مع المفوضية العليا للإنتخابات منذ تموز 2009.

 

وأيضاً، فأن الأمم المتحدة والمفوضية العليا للإنتخابات قد شرحا بأن (1) السرفر المستخدم لجدولة أصوات الناخبين مستقل ولا يتصل بخطوط خارجية، مما يعني أنه ليس متصلاً بالإنترنت, و (2) أن موظفي المفوضية العليا للإنتخابات هم الذين صمموا البرنامج، تأسيساً على نصيحه المؤسسة الدولية للأنظمة الإنتخابية (IFES) والأمم المتحدة دون غيرهما. ولم يتم إشراك أية شركة خاصة في ذلك ،وبالتأكيد فأن "ناشطة" لم تكن متورطة بذلك على الإطلاق. كذلك فأن مقالتك تؤكد بشكل مضحك وغير مسؤول بأن "ناشطة" مملوكة لحزب سياسي.

 

هذه الإتهامات التي لا تستند على أساس ، والتي نشرتها بشكل غير مسؤول، تؤذي صورة "ناشطة"  في سوق البرمجيات وتعرض موظفيها في العراق وفي كل مكان آخر للخطر. بالوكالة عن "ناشطة" نطالبك بسحب جميع مقالاتك المزيفة. وفوق ذلك فأننا نطالبك بأن تنشر، وعلى جميع المواقع التي نشرت عليها مقالاتك المزيفة، مقالة جديدة مع العبارات المذكورة أعلاه من أعلى مراتب المفوضية العليا للإنتخابات والأمم المتحدة، مقالة تبرئ "ناشطة" من جميع إتهاماتك المزيفة. وكالة عن ناشطة، نحذرك من أنه في حالة فشلك في القيام بذلك خلال 72 ساعة، فأن ناشطة تحتفظ بالحق لإتخاذ الإجراءات القانونية ضدك في كل من محاكم الولايات المتحدة والمحاكم الدولية المختصة.

 

المخلص

بلزبري وينثروب شو بتمان إل إل بي

جون  ي. جنسن

 

(نهاية الرسالة الأولى)

 

وفي رسالته الثانية، اشار المكتب إلى مقابلة للسيد الحيدري  (3) (رئيس المفوضية العليا للإنتخابات) مع جريدة الشرق الأوسط في 24 مارس 2010 مقتطعاً منها قوله (مترجماً عن نص الرسالة الإنكليزي) "ما ذكر من إشاعات هو أمر غريب، حيث ان الحاسبة التي تستعمل لحساب الأصوات ليست مرتبطة بالإنترنت وأي شخص يفهم أي شيء بسيط في الحاسبات سيعلم بأن هذا الأمر مستحيل. هل من المعقول القول بأن شخصاً ما يجلس في بيته ويمكنه أن يدخل استمارات التصويت ويغير النتائج؟ هذا ليس معقولاً"

وتكمل الرسالة بالقول، "ويبدو أنك كنت مصمماً على إيذاء سمعة "ناشطة" إلى درجة أنك تعمدت تجاهل الإشارة إلى صحيفة دولية عربية رائدة. أن أي شخص يدعي بأنه يتابع الإنتخابات العراقية عن قرب، لا يمكن أن يكون قد فاته مثل تلك العبارة التي لا تقبل التأويل من قبل السيد الحيدري".

انتهت الرسالة بالتأكيد على التهديد باتخاذ إجراء قانوني خلال المدة المحددة مسبقاً.

 

أبدأ إجابتي بالقول بأنني لم أتهم ناشطة بالتلاعب بأصوات الناخبين في أي من مقالاتي، لكني أشرت إلى "إمكانية" التلاعب بأصوات الإنتخابات بشكل عام، ولا يخص جهة معينة ولا شركة معينة . كذلك لم أجد في مقالاتي أية إساءة إلى "عقود "ناشطة" من نوع (VSAT) لمكتب الأمم المتحدة"، بل أشرت إلى نظامها التكنولوجي حسب المعلومات التي وردتني وحسب ما هو منشور (أو كان منشوراً حينها) على موقع الشركة، وكانت إشارتي للنظام التكنولوجي الذي استخدمته الشركة حياديةً، حيث قلت بأن استخدام الأقمار الصناعية وأية اتصالات لاسلكية يحمل معه مخاطر التزوير، وهذا لا يتعلق بناشطة، ولا بتكنولوجيا خاصة بها، بل بتكنولوجيا معروفة وعامة.

أن المعلومات حول انتهاء عقود ناشطة مع الأمم المتحدة في تموز 2009 لا تعني بالضبط، أن المفوضية العليا للإنتخابات لم تستخدم في وقت الإنتخابات أجهزة تم بيعها لها من شركة ناشطة قبل ذلك التاريخ، كما فهمت من المعلومات التي وصلتني. و إن تمكنت الشركة من التأكيد بأن المفوضية لم تستخدم أجهزة اتصال وحاسبات من شركة ناشطة، فإنني على استعداد للإعتذار وسحب كل ما قلته بشأن ناشطة في هذا الموضوع، خاصة وأنه ليس الموضوع الأساسي بالنسبة لي، إنما الموضوع الأساسي هو أن استخدام أية حاسبات في عملية انتخابية يعرضها للتزوير ولذا يجب تجنبه، سواء كانت الشركة المزودة للحاسبة هي "ناشطة" أو غيرها، وهذا مازال اعتقادي.

أن كون السرفر الذي يستعمل لإدخال الإستمارات ليس مرتبطاً بالإنترنت، إستناداً إلى قول المفوضية العليا للإنتخابات، لا يكفي لتأمين سلامة العد، وعدم التدخل فيه من الخارج، فيمكن لأي مختص بالحاسبات يصل إلى السرفر أن يغير في طريقة عمله وبرنامجه بحيث يمكن السيطرة عليه عن بعد، وهذا ما يمثل بالنسبة لي المخاطرة التي يمثلها استعمال الحاسبات في أنظمة التصويت. إلا أنني أجد هذا الموضوع خارج مسؤولية الشركة المجهزة، ويقع على عاتق المفوضية العليا التي تستطيع أن تربط السرفر بالإنترنت أو أن لا تفعل، وأن تطلب من الشركة أن تقوم بذلك الربط لحسابها أو لا تفعل، كذلك فأن صيغة العقد بين المفوضية والشركة والإجراءات الإحتياطية تحدد كثيراً إمكانية التزوير، إلا أنها لا يمكن أن تلغيها حسب تصوري. كذلك فإن شبكة الإتصالات واستعمال الإتصال الخارجي بواسطة الأقمار الصناعية أو غيره، خيار ومسؤولية المفوضية بالطبع وليس الشركة المجهزة. وكما قلت فأنني لم أتهم في أي من مقالتي "ناشطة" بالقيام فعلاً بالتزوير، إلا أنني أشرت إلى أن النظام معرض للإختراق من قبل "الآخرين وخاصة الشركة المجهزة"، وهذه معلومة تكنولوجية ما أزال مؤمناً بها وهي عامة ولا تخص "ناشطة". لقد طرحت هذه المعلومات التي وصلتني من أجل تمكين المسؤولين من التحقيق في الأمر، كما بينت في كل من المقالتين.

لقد أشار محاموا ناشطة إلى أن البرنامج صمم من قبل المفوضية العليا بالتعاون مع الأمم المتحدة ولم تتدخل ناشطة فيه. وإن صح ذلك فهو يبين أن أي تزوير في النتائج الناتجة عن البرنامج نفسه، ليس من مسؤولية "ناشطة" وأنا لم أدع العكس، ولم أقل أن ناشطة هي من كتب البرنامج، فلم تصلني أية معلومات عنه. لكنني أؤكد هنا أنني لست ملزماً أن أثق لابالإمم التحدة ولا بالمفوضية العليا للإنتخابات. فمن يعمل فيهما هم من البشر بكل نقاط قوتهم وضعفهم وليس هناك ما يبرر الثقة بهم أكثر من غيرهم وأن إجراءات التأكد والمراجعة واجبة عليهم كما هي على غيرهم، خاصة وأن المغريات والضغوط للغش قد تكون فوق قدرة مقاومة معظم الناس، وتأريخ الأمم المتحدة لا يخلو من الدلائل على ذلك. أما بعد الإنتخابات الأخيرة في العراق فلا أتصور أن هناك عراقياً واحداً يثق بالإمم المتحدة أو المفوضية العليا للإنتخابات، ليس فقط بين المعترضين على مجريات الأمور في تلك الإنتخابات، بل وأيضاً بين السعداء بنتيجتها. إلا أن هذا أيضاً يقع خارج مسؤولية ناشطة وليس موضوع الخلاف معها.

أما بالنسبة لأن ناشطة مملوكة لمجاهدي خلق، فهذا هو ما جاءني من معلومات كما أوضحت في المقالة بشكل لا يقبل الشك، وقلت أني لا أستطيع التحقق من تلك المعلومات من مكاني. وقد جاءت العبارة في عنوان المقالة الأولى بشكل محدد، ليس إلا لضرورة أختصار عدد كلمات العنوان، أما من قرأ المقالة فقد رأى بلا شك أنني لم أدع أن هذه حقيقة مثبتة، بل أكدت بشكل بالغ الوضوح على أنني شخصياً فقط أثق بالمصدر الذي أبلغني بها، وأكدت بأنه " من مصدر موثوق به من جانبي "، وهي عبارة بدت مبالغة التنبيه إلى درجة أن أحد المعلقين ركز عليها تعليقه ليشير إلى أنها عبارة غريبة عن الصحافة من حيث إضافتها إلى كلمة "من جانبي"، كما أن معلقين آخرين أستنتجوا من هذه العبارة وغيرها أن "صاحب المقالة لا يدعي أنه يعلم علم اليقين بما يقول" وهو ما دعاهم إلى رفض الثقة بتلك المعلومات. إلا أن تعليقات أخرى جاءت بمعلومات تؤيد معلومات مقالتي وكذلك كانت هناك مقالات أخرى في الإنترنت قالت بنفس الشيء ولم تدع أنها تستند إلى مقالتي في معلوماتها وأوردت معلومات إضافية، وزادت الشكوك التداعيات التالية للإنتخابات، ومع ذلك أقول أن الأمر يبقى ينتظر التحقيق للتأكد منه.

وفي المقالة الثانية أكدت الطبيعة الإحتمالية لتلك المعلومات مرة أخرى، وبشكل أكبر حيث قلت " والتي يشك بأنها، أي الشركة، مملوكة لحركة مجاهدي خلق " وطلبت من القراء الإنتباه إلى أن تلك المعلومات "لا تتضمن أية اتهامات" وإنها لاتمثل إلا دعوة للتحقيق في الأمر لخطورة مثل هذه الحقيقة بالنسبة لشركة تتعامل مع مواقع حساسة للغاية في العراق.

ليس المقصود طبعاً، ولا من المقبول، تعريض العاملين في شركة ناشطة إلى الخطر في العراق وفي كل مكان آخر، كما ذكر مكتب المحاماة. وأنا حين أؤكد أنني لم أتهم الشركة نفسها بالتلاعب بالأصوات، فمما لا شك فيه أنني لا أتهم موظفيها بذلك، بل أنني اتهم المفوضية بأنها حين استخدمت نظام حاسبات، لعد الأصوات فأن هذا "يتيح للآخرين" التلاعب بها، وإن كان قد فهم من مقالتي بأي شكل من الأشكال بأنني اتهم العاملين في ناشطة بتزوير الأصوات فعلاً، وهو ما لم أقله، فأنني أوكد هنا على أن هذا الفهم خاطئ ويتجاوز كثيراً ما جاء في مقالاتي.

ليس صحيحاً كذلك أنني " كنت مصمماً على إيذاء سمعة "ناشطة" " فأنا لم أسمع باسم الشركة إلا في يوم استلامي لمعلوماتي التي نشرتها في مقالتي تلك، وليس لي أية سابقة أتصال بالشركة أو منافسيها وليست لدي علاقة شخصية مع أي شخص يعمل بها، ولا أتصور أن بإمكان ناشطة أو مكتب المحاماة أن يبرهن أن هناك تعمداً خاصاً في إيذاء شركة ناشطة بالذات. فمقالتيّ عن ناشطة ليست سوى حلقة من سلسلة مقالات أهاجم فيها استخدام الحاسبات في عمليات التصويت والقرعة الخاصة بالمؤسسات السياسية والتصويت الإلكتروني السري.

أما البرهان الذي جاء به المحامي عن تعمدي الإساءة باعتباري قد "تعمدت تجاهل الإشارة إلى صحيفة دولية عربية رائدة." وما قاله الحيدري من معلومات، فقد بينت أعلاه أنني لا أرى أن مسألة عدم ارتباط السرفر بالإنرنت كافية. وأضيف هنا أني ذكرت بأن البرلمان الهولندي قد قرر عدم استعمال الحاسبات في الإنتخابات منذ عام 2008 ، لأن هولندا لم تستطع أن تجد طريقة لتأمين الحاسبات، وقد أعطيت روابط في تلك المقالات إلى براهين على تلك الإدعاءات. ولو أنه كان يكفي أن لا تربط الحاسبة بالإنترنت لتأمين سلامتها، فهل كان الهولنديون سيعجزون عن اكتشاف مثل هذا الحل؟ صحيح أن الحاسبات التي ألغيت في هولندا ليست من نوع هذه الحاسبة، لكني أرى أن أي استخدام للحاسبة في حساب النتائج وعد الأصوات، يعرض العملية لخطر التزوير، بغض النظر عن موقع الحاسبة من تلك العملية، إلا إن كانت تستخدم للأرشفة فقط وبعد ظهور النتائج والتصديق عليها.

أن تصريحات السيد الحيدري في تلك المقالة لا قيمة تكنولوجية لها كما أن ليس لي أية ثقة بتقديراته وأقواله. فكما قلت فأن تصريحاته عن استحالة اختراق الحاسبة بالشكل الساخر الذي طرحه، لا أساس له.

وأهم من مسألة ثقتي بجريدة "الشرق الأوسط" أو السيد الحيدري أو عدمهما، هو أن مقالتي التي أشرت فيها إلى ناشطة قد ارسلت للنشر في 17 آذار ونشرت في نفس اليوم وخلال الأيام التالية في المواقع المختلفة، بينما صدرت تصريحات الحيدري في الصحيفة بعد أسبوع من ذلك في 24 آذار، كما هو واضح من الرسالة وتاريخ الصحيفة، وكان السيد الحيدري يرد على ما يبدو على ما جاء في مقالتي، أي أنني لم يكن لي أن أقرأ ذلك المقال أو أتعمد ذلك التجاهل حتى لو أردت ذلك.

أما إن كان المقصود السؤال لماذا لم أشر إلى تلك المقالة في مقالاتي التالية فأقول أنني لم أتجاهل تلك المقابلة ولا تصريحات الحيدري فيها، بل أشرت إليها في مقالة صدرت لي بعد يومين من تاريخ نشر تلك المقابلة (4) ولم أجد في تصريحات الحيدري ما يوضح الحقائق، بل يزيدها التباساً ويؤكد الشكوك أكثر مما يزيلها.

لقد قال السيد الحيدري في نفس المقالة التي أشار إليها مكتب المحاماة، كلاماً لايصح أن يصدقه عاقل، ولا يدعو إلى الثقة بصاحبه: قال أن إعادة العد يدوياً تستغرق ثلاثة أشهر، وقال أنه "مستحيل" وقال " إن الإصرار على إعادة الفرز يدويا يعني إعادة العملية الانتخابية برمتها من جديد" فهل هذا كلام شخص يمكن الثقة بأي شيء يقوله، أم أنه أشبه بمن أخفى حقيقة مخيفة يحاول أن يتهرب منها ولا يجد حجة معقولة لذلك؟

وبالرغم من أننا لا نحتاج إلى من يؤكد لنا أن العد ليس مستحيلاً، فالعالم كله يعيد العد حين يحتاج إلى ذلك وليس هناك عاقل يقول بأن إعادة العد أمر مستحيل. أقول، مع ذلك فأن بعض الجهات مثل منظمة تموز في ذي قار قد كلفت نفسها أن تؤكد للمفوضية صراحة بأن "عملية اعادة العد اليدوي ليست مستحيلة". (5)

إن المرء يحار كيف يصف هذه التصريحات: فهل اختار الحيدري عملية عد أصوات يستحيل فيها إعادة العد إذن؟ هل على الشعب العراقي وكتله السياسية أن تقبل النتيجة التي يقولها له السيد الحيدري "على الثقة"؟ لماذا وجد نظام الإعتراض إذن، ولماذا حددت النسبة التي يسمح فيها بقبول النتيجة، والنسبة المرفوضة من التزوير إن كانت إعادة العد مستحيلة؟

ما قاله الحيدري في مقابلته تلك في الشرق الأوسط كلاماً غريباً كثيراً لا يترك مجالاً للإعتماد عليه أو معرفته بأي شئ عن الحاسبات، أو كان يعرف الحقائق ويكذب. قال إن «الكتل السياسية إذا لم تثق بالفرز الإلكتروني وبأجهزة الكومبيوتر التي لا تعرف الإنحياز إلى أية كتلة، وهي أصلا غير منتمية إلى أي حزب ولا تقبل الخطأ، فكيف لها (الكتل السياسية) أن تثق بالفرز اليدوي الذي يقوم به أشخاص لا نعرف انتماءاتهم؟». اليس غريباً أن رئيس مفوضية إنتخابات لم يسمع بوجود تزوير اصوات عن طريق الحاسبات "التي لا تعرف الإنحياز"، حتى إن لم يقرأ عن الغاء البرلمان الهولندي لإستعمال الحاسبات التي "لا تعرف الإنحياز" وكأنه لم يقرأ مقالتي التي كان يرد عليها في تصريحاته تلك، وفيها رابط إلى مقالة أخرى أكدت فيها على هذه النقطة بالذات؟ ولنفرض أنه لم يقرأ، أفلا يعلم رئيس مفوضية إنتخابات، بأن الكثير من الدول ترفض الحاسبات لذلك السبب، وأن المدافعين عن سلامة الإنتخابات الإيرانية مثلاً، استخدموا ورقة أن تلك الإنتخابات لم تستخدم الحاسبات "التي لا تعرف الإنحياز"، لذلك من الصعب جداً القيام بعملية تزوير واسعة فيها كما تدعي المعارضة؟

ليس أشد عجباً من عبارة الحاسبات "التي لا تعرف الإنحياز"، إلا عبارة رئيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الأخرى حين قال: "إن الإصرار على إعادة الفرز يدويا يعني إعادة العملية الانتخابية برمتها من جديد"! (3)

ملاحظة أخرى: في نفس مقالته في الشرق الأوسط اعلاه، والتي نشرت في 24 آذار قال الحيدري أن "الكتلة أو الكتل التي تطالب المفوضية بالقيام بإعادة الفرز يدويا لم تحدد محطة معينة أو مركزا بذاته أو حتى لم تطلب مثلا إعادة الفرز لأصوات الناخبين في مدينة من مدن العراق، بل تريدنا أن نعيد الفرز يدويا لجميع المحطات وفي جميع أنحاء العراق، وهذا مستحيل". علماً بأن إئتلاف دولة القانون كما قال الموسوي “لا يطالب بإعادة العد والفرز اليدوي في جميع انحاء العراق، وانما فقط في بعض المحافظات كبغداد وكركوك”. (6)

ولزيادة الطين بلة، نقول أن هذا الخبر قد نشر في هذا الرابط أعلاه في الإنترنت يوم 22 آذار، وهذا يعني أن الحيدري كان يعلم به قبل أن يقوم بمقابلته في الشرق الأوسط، وإن استخدمنا عبارة مكتب محاماة شركة ناشطة فأن من يرأس مفوضية الإنتخابات، ويخوض في تلك اللحظة معركة ضارية مع المعترضين المشككين بسلامة العد، لا يمكن أن تفوته "عبارة لا تقبل التأويل" من قيادات الجهة المعترضة على عملية العد. أي أن السيد الحيدري تجاهل العبارة متعمداً وكان يكذب ويثير الغبار ويتجاهل الحقائق في تلك المقابلة وهو على علم بمغالطاته، وأنه كان يحاول أن يهرب بإعلان النتائج كيفما اتفق والتخلص من الموضوع بسرعة قبل أن يفتضح.

بعد كل هذا، وكل التجاهل الذي عامل به طلبات التحقيق ورفض تسليم الأقراص المضغوطة وإهمال طلبات النظر في الأرقام المتناقضة، ألسنا معذورين بعد كل هذا أن لا نثق بالسيد الحيدري وتصريحاته وتقديراته؟ إن الأيام والسنين القادمة ستكون الحكم على ذلك.

ما أردته من إيراد هذه التفاصيل التي لا تتعلق مباشرة بقضية ناشطة، هو تبيان أنه قد جرت في هذه الإنتخابات من العجائب ما يبرر بلا شك أن يشكك الإنسان في كل جزء من النظام الإنتخابي ويتفحصه ويطالب بالتحقيق فيه، وبضمنها بلا شك، نظام الحاسبات، سواء ارتبط بالإنترنت أم لم يرتبط، وسواء كان الأمر يتعلق بناشطة أو غيرها, وسواء كانت لتلك الشركة علاقة بجهة سياسية أو لا، رغم أن مثل تلك المعلومات ليست عديمة الأهمية، وتستحق التحقيق، كما أشرت في مقالاتي.

تلخيصاً لما أردت قوله، أن عملية الإنتخابات كما أجرتها المفوضية العليا للإنتخابات برئاسة السيد الحيدري، تثير كل الشبهات والقلق في كل مراحلها، وليس تركيزي على الحاسبة إلا لأنه الجزء الأقرب إلى اختصاصي، ولأني قرأت عنه كثيراً كما يحدث هنا في الغرب، ثم وصلتني معلومات عن الشركة التي جهزت المفوضية بالحاسبة، فطرحتها كما هي. لكني أكرر أنني لم أتهم شركة ناشطة أو العاملين فيها بتزوير الإنتخابات واللعب بالأصوات، كما أن إشارتي إلى علاقة الشركة بمنظمة مجاهدي خلق كانت باعتبارها "شكوكاً" أثارتها تلك المعلومات، وإن عرضها يقصد منه الدفع إلى التحقيق كما أوضحت في أكثر من مكان في مقالاتي، وليس لإستخدامها كحقائق مثبتة. كذلك ليس من الصحيح أنني أسأت إلى عقود الشركة، أو تعمدت الإساءة إليها، فأنا لم أقل أن الشركة استخدمت تكنولوجيا سيئة، وإنما تكنولوجيا لا تؤتمن بشكل خاص للإنتخابات، مؤكداً أنه ليس هناك تكنولوجيا تؤتمن في هذا المجال، مستشهداً بتجربة هولندا. وفي كل الأحوال فإن قرار استخدام الحاسبات ليس ذنب الشركة المجهزة بل قرار المفوضية العليا للإنتخابات.

ما كنت أركز عليه بوضوح في المقالتين المعنيتين وفي كل مقالاتي الأخرى حول الموضوع هو التنبيه إلى أن استعمال الحاسبات والإتصالات الإلكترونية يعرض أصوات الناخبين إلى خطر التلاعب وبشكل واسع، وإن كان قد فهم من مقالتي أن الخطر يتأتى فقط لأن شركة "ناشطة" بالذات هي التي جهزت النظام، وأن النظام سوف يصبح مأموناً لو أنه تم من خلال شركة أخرى، فأنني أؤكد هنا أن هذا الفهم خاطئ وأرجو أن يكون ذلك واضحاً الآن.

 

.................................

(1) http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=11969

(2) http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=12318

 (3) http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11439&article=562336

(4) http://almothaqaf.com/new/index.php?option=com_content&view=article&id=12280

(5) http://nasiriyah.org/nar/ifm.php?recordID=6380

(6)  http://ar.aswataliraq.info/?p=211491

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1362 الجمعة 02/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم