الرئيسية

الكتلة التأريخية.. تعريف مبسط.. / سلام كاظم فرج

لكنه اسماها العصبية.. وما يتبع ذلك من مصطلحات كالأعوان.. والنصرة.. والتخلي.. والعمران (البنى التحتية).. 

 والاداب والفنون  وصناعة الثياب وأنواع المأكول والمشروب (البنى الفوقية).. وما يقابل العمران من خراب وتدهور على يد كتل تاريخية جديدة (عصبيات جديدة) ناشئة...

 

وأول من اخضع مفهوم الكتلة التاريخية للدراسة العلمية الرصينة.. جذورها مقوماتها اسباب بزوغها.. نتائجها.. دورها في  حركة التاريخ.. كارل ماركس وزميله فردريك انجلز.. حيث انتبها الى حراك التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ودور تغير عوامل الانتاج الاقتصادي على الفكر البشري وضمور وصعود كتل تاريخية قادرة على تغيير كل المفاهيم  التي كانت عصية على التغيير وتحمل ثبات المقدس.. ورأى ماركس في الطبقة العاملة الاوربية (المانيا وانكلترا وفرنسا) الكتلة التاريخية المتجانسة المتنامية التي تستطيع بعددها الهائل قياسا إلى الكتلة التاريخية التي سبقتها (البورجوازية).. والكتلة الاخرى الاقدم في السبق (الاقطاع).. رأى في الطبقة العاملة (البروليتاريا).. الكتلة الاكثر امساكا بزمام التغيير .. بسبب حجمها الهائل واشتراكها في سمات كثيرة اهمها التعرض للأستغلال  من قبل الراسماليين المدعومين من النبلاء والكنيسة انذاك.. فاصدر كتابه الشهير البيان الشيوعي..يدعو فيه تلك الطبقة ان تنتبه الى انها اصبحت الكتلة التاريخية القائدة للتاريخ وانجز مؤلفه الضخم راس المال.. شرح فيه الاسباب الكامنة  للتباين الطبقي الهائل بين الناس واسباب الصراع الطبقي وكيفية ادارته وكيفية الخروج من ازمة الراسمالية العالمية..

الا ان اشهر من تناول مفهوم الكتلة التاريخية  المفكر الايطالي انتونيو غرامشي في كتابه المهم الأمير الحديث وفي كتابه كراسات السجن..

  نتعرف من خلال غرامشي على مفاهيم جديدة منها صراع الإرادات.. ونمو كتل تاريخية صغيرة الحجم لكنها مؤثرة.. والعوامل المساعدة على نمو تلك الكتل . والنتائج الكارثية التي تنجم عن المغامرة في فرض إرادات تعتمد الأمنيات والتمنيات .. كمفاهيم تصدير الفكر الثوري.. وحرق مراحل التاريخ..وتحدث عن دور المثقف في تنمية الكتلة الأكثر تقدمية.. وما اسماه بالمثقف العضوي..

 فثمة مثقفون يساهمون في عرقلة مسيرة التاريخ والرجوع الى  الخلف ومثقفون حالمون يقفزون إلى أمام.. ومابين هذا وذاك يلعب المثقف العضوي أدوارا هائلة في تنمية الفكر التقدمي العقلاني الذي لايقفز على الحقائق الموضوعية..

 وينهل من تراث أمته الإنساني .. ونبه الى دور الادب والفن في تعميق وترسيخ الكتلة التاريخية الصاعدة ..

 وبرزت بعد غرامشي أسماء كثيرة انتبهت إلى تفتت الطبقة العاملة الى كتل اخرى .. وصعود ثقافة الوفرة. والاستهلاك. وما أتاحته الرأسمالية من غزو شعوب اخرى وسحبها الى عجلة الراسمال النامية.. من نشوء طبقة عاملة مرفهة نسبيا.. لاتستوعب شعارات النضال التي طرحها ماركس ولينن.. ونمت  شرائح وسطية قلصت البون الشاسع بين حجم الراسماليين وحجم العمال.. كطبقة  الموظفين  والفنانين وعارضات الازياء ومضيفات الطائرات والفنادق.. واتيحت لاول مرة للطبقة العاملة فرصة التمتع برفاهية الراسمال وسنت قوانين ترسخ هذه الكتل وتحافظ على توازنها.. فما عاد العامل يستطيع ان يستوعب شعار ماركس التاريخي ياعمال العالم اتحدوا

 فانكم لن تخسروا سوى قيودكم.. هذا الشعار كان يعطي ثماره حين كانت ساعات العمل اليومي تتجاوز الاربع عشر ساعة يوميا ولا يملك العامل ثمن لفافة تبغه... لكن الحلم الوردي للماركسية كسب ملايين الناس من الطلبة

والمثقفين والشغيلة.. وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي انتبهت البشرية الا ان المشروع كان حلما ورديا غير قابل للتحقق الا بعد ان تعاد قراءة التاريخ.. بعيدا عن السلفية اللينينية..!!.. وانتبه الماركسيون العرب ان الدين الاسلامي يحمل بذور فكر تقدمي هائلة لكنهم تركوا قواعد المسلمين لقوى سياسية اخرى بعضها

 تغذي فيهم نوازع الطائفية والتكلس على مآزق التاريخ.. لكن تلك الانتباهة جاءت بعد فوات الاوان.. اليوم الكتلة التاريخية الصاعدة في العراق هي  الكتلة التي تنهل من التاريخ التقدمي للفكر الاسلامي ممزوجة بخرافات كثيرة تحتاج إلى تشذيب ودراسات موضوعية رصينة.. وليس اقدر من المثقفين العلمانيين واللبرالين واليساريين  العرب من مد يد المساعدة الى تلك الكتلة الهائلة..  ولو رفع شعار اقترب مني خطوة لكي اقترب منك خطوتين بين الإسلاميين النزيهين المتنورين.. وبين العلمانيين المعتدلين المتفهمين لتحققت معجزة الكتلة التاريخية الضخمة  القوية والواعدة والمحررة والمتحررة.. لا بد من كشف الخرافة المتاصلة ان الماركسية والعلمانية واللبرالية ما كانت يوما ضد المفاهيم النبيلة للدين.. بل كانت ضد الاستغلال البشع لبعض كهنوت ذلك الزمان.. والذي نجد بعض اثار منه في ثيوقراطيي هذا الزمان.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1442 الثلاثاء 29/06/2010)