صحيفة المثقف

المثقف في حوار مفتوح مع الفنان التشكيلي شوكت الربيعي (21)

 

د. محسن العوني، قاص وكاتب ومترجم / تونس

مقدمة: كلمة أراها لازمة.. تأتي متناغمة مع روح الإجابات / اللوحات الفنية الجمالية الفكرية الباذخة التي قدمها الأستاذ الفنان الكبير شوكت الربيعي ردّا على أسئلة السيدات والسادة المحاورات والمحاورين.. التي قرأت بعضها ووقفت على ما فيها من عمق وفكر حيّ ووعي حضاريّ وثراء معرفيّ وحسّ جماليّ إنسانيّ حوّلها إلى ممرّ آمن لعوالمه الفنية الإبداعية ودليلا لمسيرته الحافلة ومنجزه الأصيل.. في البدء لابد من اعتراف هو أول غيث المحبّة.. وقفت مبهورا أمام تمكــّن الأستاذ الفنان شوكت الربيعي – لا من أدوات إبداعه فحسب – بل من متعلقات فنّه الفكريّة والفلسفيّة والحضارية وتواصله الرّائع مع الحقول التي يتماوج ويتواشج ويتفاعل معها.. انبهار هو الوجه الآخر للسعادة.. مما جعلني أرى فيه قامة فنّية حضارية وقيمة جمالية ذات مستوى عالمي.. لذلك قلت إنها مقدمة / كلمة لازمة لأنها متعلقة به راجعة إليه وأمانة وحقّ معنويّ وأدبيّ.. "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها".. كتبت منذ أكثر من عقد مقالا نشرته بعض الصحف التونسية تحت عنوان قرآني "لا تبخسوا الناس أشياءهم".. دعوت فيه وزارة الثقافة التونسية إلى اعتماد برنامج لتكريم أصحاب الفضل والشخصيات العلمية والفكرية والفنية الذين أعطوا وبذلوا بغير حساب وبقناعة راسخة ونضالية لا تضعفها اعتبارات مادية مصلحية ولا حسابات أنانية ضيقة.. فصنعوا ذاكرة وتراكما وتاريخا نستند إليه هو رصيد ذهبي لانطلاقتنا نحو الضفة الأخرى.. المستقبل.. بقطع النظر عن خلفيتهم العقائدية أو مرجعيتهم الفكرية الإيديولوجية أو انتماءاتهم وألوانهم.. خاصة وأن تونس مهد إنساني وحضاري عريق أنجب حنبعل وسانت أوغسطين وحنون وابن خلدون.. والقائمة طويلة..

ما نشرته في تلك الصحيفة التونسية وقلته عن تونس ينطبق بامتياز على العراق والفنان الكبير الأستاذ شوكت الربيعي من تلك الشخصيات التي ذكرت ومبادرة الباحث الجليل والمثقف الكبير الأستاذ ماجد الغرباوي تحل في الصميم من هذا المبدأ / البرنامج الذي أطلقت عليه "لا تبخسوا الناس أشياءهم"..

الصورة في عالم اليوم هي اللغة المهيمنة وقد تركزت هذه الهيمنة بشكل بات واضحا جليّا.. وهي الوحيدة المؤهلة للقيام بهذا الدور نتيجة للتغيرات المتسارعة.. وهي حمّالة رسائل بإطلاق الدلالة.. مما يحيل على ضرورة التأسيس لثقافة الصورة لفكّ شفرتها والوقوف على خطابها وحمولتها وشحنتها النفسية والعقلية والذوقية والسلوكية والأخلاقية.. ووضع المسافة اللازمة.. مسافة الأمان.. مسافة التفكير والتأمل والنقد.. خاصة وأن كبار المتخصّصين في الصورة يذهبون إلى التأكيد على أن خضوع الإنسان يوميا إلى كمّ هائل من الصور التي لا يملك القدرة على فك شفرتها والزمن ليفعل.. يؤدي به إلى القبول الكامل لمضامينها والتسليم بسطوتها.. بل يؤدي إلى العمى.. عبارة لجون كلود كاريير Jean-Claude Carrière مدير المؤسسة الأوروبية لمهن الصوت والصورة تحل في صميم هذا السياق.. "شعب لا يصنع صوره، هو شعب محكوم عليه بالزوال والاندثار".. جون كلود كاريير أصدر أعمالا كثيرة منها "معجم عاشق للهند" « Dictionnaire amoureux de L’INDE » Plon / 2001 وقد طرّز صفحات الكتاب برسوم بديعة لوجوه ومشاهد من الحياة في الهند جاءت تعكس بشكل فنيّ تعبيريّ فريد ثراء التنوّع الحضاري والإنساني في هذا المجتمع المتعدّد.. أذكر ذلك الموقف الدال الذي وقع في مدينة البندقية الإيطالية أثناء برنامج يبث مباشرة على الهواء صباح كل يوم أحد.. حينما اقترب منشط البرنامج من مواطن إيطالي ينتظر دوره في الدخول إلى قاعة العرض في صف طويل.. قائلا له على الطريقة الإيطالية المرحة وتلك النبرة التي تقف بالضبط عند نقطة التحوّل بين الجدّ والهزل: "أراك تنتظر دورك للدخول إلى قاعة العرض.. ألا تذهب صباح الأحد إلى الكنيسة ؟!" فيجيبه وكأنه كان يتوقع هذا السؤال المشاكس: "لعليّ أجد الله وأحسّه هنا في قاعة العرض وفي المتحف أكثر ممّا أجده في الكنيسة الباردة!؟".

أرني صورا ولوحات قبل أن تشرح وتنظـّر.. دع الصورة تتحدث بلسانها وبلاغتها أولا.. هكذا كان يرّدد دائما ذلك العاشق الأبدي للصور.. يظهر أن سفر الناظر / المشاهد في الصّورة واللوحة شبيه بفلسفة مونتاني « Montaigne » في السفر.. "السفر كما يظهر لي تمرين مربح مفيد.. تجد فيه الرّوح تمرينا مستمرّا على ملاحظة الأشياء المجهولة والجديدة.. وكما قلت دائما لم أعرف أبدا مدرسة أفضل منه في تشكيل الحياة وتأليفها وفي نفس الوقت يقترح عليها دوما تنوع وتعدّد حيوات أخرى كثيرة.. أهواء وممارسات.. وأن يجعلها تتذوق تنوعا دائما في أشكال طبيعتنا".. " العين حق ".. عبارة تقود إلى.. "حق العين".. وحرف العين من أجمل الحروف العربيّة.. كأنه عين تنظر إليك.. تدعوك أن تنظر في الوجود.. إنها "عين اليقين".. عين الجمال.. عين الحياة.. كنت ذات سفر على طريق سريعة.. عندما نظرت ناحية الأفق عن شمال الطريق.. فرأيت.. ويا لروعة ما رأيت.. مشهدا عجبا.. أكبر وأعظم وأروع لوحة – وإن كنت لا أحبّذ استعمال أفعل التفضيل – لوحة بعرض الأفق تتعطل عندها لغة الكلام ويتضاءل كل وصف.. توقفت على جانب الطريق وبقيت أنظر وأتملــّى هذه اللوحة العجيبة المتوهجة بألوان وأضواء وأشكال لا تكاد تسمى.. وأنا أحذر تغيـّر المشهد.. أخرجت الأوراق وكتبت:"في يوم.... في شهر... في سنة..... على السّاعة الثامنة إلا خمس دقائق صباحا.. على الطريق السّريعة... بين مدينة.... ومدينة..... رأيت أعظم لوحة.. لوحة بعرض الأفق.. " "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم" 53 فصلت.. كم تحسّرت لأني لم أكن أحمل الكاميرا أو آلة التصوير الفوتوغرافي لأصوّر وألتقط وأوثق تلك اللوحة الفريدة التي ظلت لسنوات تموج في صدري على شاشة في القلب تدعى البصيرة.. من هنا ضرورة الثقافة البصرية وآلاتها وأدواتها وخطابها وشفرتها ومكتبتها.. الأميّة.. أميّات.. لعلّ أخفها أميّة الحرف.. ثم أميّة الثقافة والفكر واللون والشكل والصورة والذوق والرائحة..

"أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض" (185 الأعراف)

"قل انظروا ماذا في السماوات والأرض" (101 يونس)

"وكأيّن من آية في السماوات والأرض يمرّون عليها وهم عنها معرضون " (105 يوسف)

أسئلة مرفوعة للفنان التشكيلي الكبير الأستاذ شوكت الربيعي اغتناما لفرصة نادرة تتيحها لنا المثقف الغرّاء لنحاور قامة وقيمة فنيّة وفكريّة وجماليّة ثابتة يزدهي بها المشهد الثقافي العربي.. مع خالص الشكر والمحبة للفنان الكبير شوكت الربيعي على تفضله بالإجابة ولو بعد اختتام فعاليات التكريم.. مع تحية خاصة لإدارة الموقع لأريحيّة التعامل وكرم القبول..

 

س190: محسن العوني: يذهب بعض الباحثين إلى أن الثقافة العربيّة.. ثقافة كلمة منطوقة ومسموعة ومرويّات وعكاظيّات ومربديّات.. وليست ثقافة صورة ومرئيّات ومشهديّات وجداريّات.. وإلى ذلك يـُرجع ضعف ثقافة الصّورة والبصريّات في البلاد العربيّة.. ماذا يقول الفنان الكبيرالأستاذ شوكت الرّبيعي في هذا الرأي؟.

ج190: بل الثقافة العربيّة أيضا: (ثقافة صورة ومرئيّات ومشهديّات وجداريّات.. ) في الشعر مثلا: لابد أنكم قرأتم من خرائد وجواهر البحتري وأبي تمام والعباس بن الأحنف وللمتنبي ولأبي نؤاس، وسواهم كثير جدا. فلنستذكر معا هذه الأبيات الشهودية التشخيصية: (صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس / فاذا ما رأيت صورة انطاكية ارتعت بين روم وفرس / والمنايا موائل وأنو شروان يزجي الصفوف تحت الدرفس / في اخضرار من اللباس على أصفر يختال في ربيعة ورس / من مشيح يهوي بعامل رمح ومليح من السنان بترس). أليست هذه لوحة ملونة بشهودية وحركة ومعمار لشكل فني محكم البناء؟ وكم أبدع شعراء العربية صورا ولوحات ساحرة ومدهشة وموحية وذوات قيمية جمالية أخاذة. وكذلك نجد ملامح تلك العوالم المبهرة مصورة في مراقع ومرابع الفنون الأخرى في الموسيقا والمسرح والقص والرواية والسيرة الذاتية. كانوا صفوة المجتمع ونخبة المثقفين المكتشفين الجوابين آفاق المعرفة، يكتبون وينشدون الشعر ويرسمون ويعزفون ويغنون ويؤدون على المسرح وفي السينما والإذاعة والتلفزيون، ولهم حضور ساطع وإسهام متميز لامع في المحافل الثقافية، الوطنية والعربية، ولا يترددون عن المشاركة في المعرفة الإنسانية.. كانت بعض تلك الومضات الثقافية قد تجمعت بعنفوان البرق لتتجلى مزدهية بحضور المبدعين، المنشدين من جمرات المعاناة اليومية، ومن بينهم الصديق المبدع الشاعر الروائي الرسام (يوسف الصائغ)، الذي جمع أكثر من عمل إبداعي متميز في وسائل تعبيره دون التضحية بأحدهما على حساب وجود الآخر. وقد حقق مكانة مرموقة في الشعر وخاصة بعد صدور ديوان القصيدة الواحدة: (اعترافات مالك بن الريب) ومن خلال تجربته مسرحية (الباب) وروايته (اللعبة). وكان جهده جزءا من بنيان ثقافته وحضارته الشخصية، فقد ساعده الشعر كثيرا على الكتابة للمسرح، وكان للحس الدرامي دور جوهري في انضاج تجربته الشعرية، وجعلها أكثر خصوصية. كما في مقاطع من قصيدة (الشاعر هولدرلين عام 1798) بعنوان ديـوتيـما: وهو اسم يوناني يعني كاهنة الشمس والسماء. ترجمها الأديب الدكتور بهجت عباس.

هل تـُضيء كما كنتَ من قبلُ

أيـّهـا النـّهـارُ الذهـبيّ !

وهل تـتفـتَّـحُ أزهـارُ أغـنيَـتي

مرّةً أخرى نحوك نابضةً بالحياة ؟

كيف تغـيَّـرَ كلّ ُ شيء !

ما كنتُ تجنَّـبْـتُـه حـزيناً،

يتنـاغمُ الآن في أوتـارٍ حبـيـبة

في أغنيـة طـربي،

ومع كلِّ دقَّـة ساعـةٍ

تـعـود بـي الذِّكرى بروعة إلى أيام

طفـولـتي الهـادئة،

بعد أن وجدتُهـا، الوحيـدةَ.

في تاريخ الأدب ثمة حالات كثيرة لشعراء يرسمون ورسامين يكتبون الشعر أو يؤلفون ويعزفون الموسيقى، تبعا لمفردات روح العصر القائم، الذي يميل إلى هدم الحدود بين الفنون بحيث لانعدم أن نجد تأثير الفن التشكيلي في الشعر وبالعكس أو تاثير الشعر في المسرح أو تأثير المسرح في القصيدة. أو تأثير الشعر في المسرح الغنائي أ والتراجيدي.. ويصدف أن شاعرا مثل يوسف الصائغ، يجد الرسم في متناوله، يلجأ إليه ساعة يحس أن الشعر ليس أمينا كفاية في التعبير عن تجربته الآنية.. وهناك أدباء يعنون بفنون متنوعة أخرى، فيرسمون مثلما يكتبون، وذلك إثراء للمبدع ووسيلة لتواصله مع الحياة، يسعى بها إلى التعبير عن الإنسان بشتى حالاته وصوره وامكاناته.. وهناك أسماء شعراء رسامين، مثل جان كوكتو ولوركا وجبران خليل جبران وجبرا ابراهيم جبرا ونزار سليم ويوسف العاني،وحقي الشبلي رائد المسرح الحديث في العراق والعازف السمفوني القاص والناقد أسعد محمد علي والرسام الكاتب شاكر حسن سعيد والمؤدي المخرج المسرحي سامي عبد الحميد وخليل شوقي زد. فاضل خليل رشيد وبدري حسون فريد ومقداد عبد الرضا. وأسماء كبيرة أخرى يصعب حصرها في الوطن العربي، وفي عالم الثقافة الإنسانية عامة.

 رسولة الثقافة الإنسانية / مبعـوثـة َ الآلـهـةِ! بَـقـِـيـتِ الآنَ

مِـعـطاءً رؤوفـاً إلى جـانب مُـغـنـّـيـكِ

دومـاً.

إن مهمومين بحرية وثقافة الإنسان وآماله العريضة في المستقبل من طراز ( يوسف الصائغ) المتجذر في تربة (العراق) يظل يحمل في أعماقه روح الشاعر والرسام والناقد والمؤلف للمسرح وكاتب الرواية والمسرحية الشعرية والعا شق الأكبر لحريته، والصوت الأصدح في شدوه بين غريدي جيله من الشعراء أمثال حسين مردان رشيد يسين ورشدي العامل وعبد الرزاق عبد الواحد وسعدي يوسف وموسى النقدي وأنور خليل وعلي الحلي، وهم عديد نبيل من بناة ثقافة شعب وادي الرافدين الذين تميزوا مبكرين بعد جيل صفوة شعراء العشرينيات وما تنامى من طاقة هائلة في شعر الجواهري وما تصاعد من صوت جسد وعي الأمة بمخاطرها في شعر بحر العلوم وما تبلور من رؤى حداثوية في تجارب نازك الملائكة والسياب والبياتي وبلند الحيدري.. وما أثمار حركة الشعر العربي الحديث إلا من هذه الأشجار.

عندما وقـفتُ أمـامَ وَضَـح النـهار

السَّـمـاويِّ مـثـلَ أعـمـى،

عندمـا ناءَ الزَّمـانُ بحـمْـلـِه عـلـيَّ،

فأحـنـى عـودي،

وحيـاتي باردة وشاحـبة،

وكنتُ منحـدراً إلـى أسفلَ بشوق ٍ،

إلـى مَلـكـوتِ المـوتى الصّـامت:

لا أزالُ أتمـنى هذه النـعـمةَ لنفسي،

أنـا المُـتـجَـوِّلُ الأعمـى،

لأجـدَ صـورة قلـبي

عـنـد الظـِّـلال أو هـنـا.

والخلاصة تتجسد بصورة أوضح في الشعرية العربيّة كما في الأدب والفن كذلك تتبلور ـ قراءة جديدة في نظرية جديدة، لتكون (ثقافة صورة ومرئيّات ومشهديّات وجداريّات..) وليست ثقافة كلمة منطوقة ومسموعة ومرويّات وعكاظيّات ومربديّات، وحسب.

حيث يُعتبر هذا المبحث الجديد في الفن، أشبه ما يكون في تضارعه وتكامله، الى دراسة في التراث النقدي العربي من منظور مفهوم الشعرية المعاصرة، فيقدم دراسات مختصرة ومستقلة لعدد من الرؤى النقدية التراثية المشهورة جداً، وهو محاولة جادة للربط بين منجزات الشعرية العربية التراثية والشعرية الغربية الحداثية.

حيث أن قارئ (عيار الشعر) يكتشف دون شك أن هناك تضييقاً في الرؤية الشعرية في بعض الأحكام وهذه ترجع إلى عاملين: الأول أنالأحكام اعتمدت تذوق الناقد الخاص للشعر إلى حد كبير والتذوق الخاص نتيجة تجربة أو قراءة ليس كافياً وحده لأن نحكمه في المسائل الفنية. لأنه يخلق تعميمات، والتعميمات غالباً جائرة في التصور النقدي، فالإبداع النقدي طريقة الفردانية وليس حاصل جمع (الفردانيات) الذي أطلق عليه ابن طباطبا ونقاد آخرون كالآمدي في (الموازنة) وابن الأعرابي مثلاً، مصطلح (طريقة العرب) أو (مذاهب العرب) أو(سنن العرب) في كتابه الشعر، والتي كثيراً ما أحالوا إليها أحكامهم النقدية، حيث أخضعت هذه أيضاً للتذوق الخاص أو التقدير الخاص.

 أنظر(طراد الكبيسي) في الشعرية العربيّة. الناشر: اتحاد الكتاب ـ دمشق 2005 – الصفحات: 218 صفحة من القطع المتوسط

 

س191: محسن العوني: "شعب لا يصنع صوره هو شعب محكوم عليه بالزوال والاندثار" ما هو تعليق الفنان الكبيرالأستاذ شوكت الربيعي على عبارة جون كلود كاريير؟.

ج191:  بالتأكيد نعم.. اذا كان هناك ثمة (شعب لا يصنع صوره. ) هو شعب محكوم عليه بالزوال والاندثار" تلك بديهة معروفة، ولكن لايوجد في مراحل تطور المسيرة الانسانية، عائلة أو عشيرة أو قبيلة أو شعب أو أمة بلا ذاكرة ودون ملامح تشبيهية تختزلها صور متنوعة ومتعددة لتلك الذاكرة الجمعية المجتمعية منذ فترات الانسان في عصوره الأولى (الكهفية) ومرورا بفنون ووصور قبائل البوشمن وألتاميرا وآلاسكا وحتى آثار كهوف زرزي وهزارمرد وشانيدار في شمال العراق.. وكانت الذاكرة البصرية هي السائدة تماما بين البشر قبل اختراع الكتابة. وحتى الآن، بقيت رهينة الرؤى البصرية في خزين اللاوعي الذي يشكل ثلاثة أرباع العالم الباطني واللبيدو معا.. وأمامنا مثال للخزافة نهى الراضي (مواليد بغداد 1941. ) لم تحترف الكتابة الروائية ولكنها وجدت نفسها تكتب من خزين ذاكرتها ومن أحداث كانت تقع أمامها وتعاني من ضغوطها يوميا، بل وفي كل لحظة.

كانت تكتب عن الحرب والحصار والمنف. تبدأ الكتابة مع تساقط أول القذائف الأمريكية على بغداد في 17 يناير 1991، لكنها تنشغل عن القصف في وصف البيئة المحيطة بمنزلها في منطقة الصليخ قرب الأعظمية جنوبي بغداد: (النخلات الوحيدات التي أحببت، حزينات... منظرهن أ رعب من القصف... أراهنّ كنساء منفوشات الشعر).. " وشبهت أمها بمثل ما قامت به المؤدية السيمائية (سكارليت اوهارا) في رواية ذهب مع الريح لأنها عاشت الكثير من الحروب.

كانت ترسم بالحروف علاقات الناس وتعاونهم وتزاورهم وتراحمهم خلال الظرف الصعب. تلقي ضوءاً قويا على وشائج الصلات الحميمة بين الناس من الأصدقاء والأقارب "وسط جنون الموت. " تقول "أفضّل ألا أنام... أرى شبح الأشياء أو ظلّها... لكني أرى نبض الحياة أيضا. " وهي إذ تواصل رصد تفاصيل الحياة ترمي بنظرها إلى كل طرف، إلى كل الحيوات، حتى القطط والكلاب والمخلوقات الصغيرة، "وهي تلوب في ظل النار والقتل المفتوح،" كما تقول.

وكانت تصور يوميات الحرب الأخيرة، منذ اللحظة التي وطأت فيها رجل (جون غارنر) أرض الناصرية وأقام هناك خيمة كبيرة عند آثار أور لينعقد أول مؤتمر وهنا تتساءل: "لماذا اختار جارنر هذا المكان؟ أليس من ذلك معنى دلالي ديني لمن جاء يحتل العراق اليوم؟". توفيت نهى الراضي بعد معاناة مع المرض في بيروت في 31 آب (أغسطس) 2004 ودفنت في غابة سرو، وقبرها محاط بالياسمين والزهور التي أحبتها، حيث كانت تتزين كل يوم بوضع وردة فوق أذنها اليسرى. وفي العام. 1963 تدربت في مدرسة بايماشف للرسم، لندن. وفي الأعوام - 1971 - 1975 درست في الجامعة الأميركية في بيروت. وأنجزت جداريات لمبانٍ حكومية ولقطاع خاص. وأقامت معارض عدة فردية في بغداد وخارجها.. ومارست التعليم في الجامعة اللبنانية الأميركية. وضعت كتاب "يوميات بغدادية" بين عامي 1991 و2000 بالإنكليزية، وترجم إلى لغات عدة إضافة إلى العربية.

وضعت سينوغرافيا لأعمال مسرحية عدة منها "3 نسوان طوال" للمخرجة نضال الأشقر. يوميات بغداد الذي صدرت أجزاء منه في المجلة الأدبية البريطانية المعروفة غرانتا (ربيع عام 1992)، وترجم بعد ذلك للغة الهولندية. وفي عام 1996 قامت بترتيب الكتاب وإعداده حتى عام 1998 حيث صدر عن دار الساقي في لندن.

وهناك مثال آخر: كانت يراع الروائي الراحل عبد الرحمن منيف يرعف من ذاكرة أمته بين نجد والعراق وعمان ودمشق، فجعل من تلك الأمكنة، عوالمه الأدبية في شتى المباحث والمضامين السياسية والاجتماعية، والفكرية، والعاطفية، والإنسانية، فكان بارعا في نصوص رواياته ويومياته ودراساته، التي غدت متعة للعين والفكر وللروح. والتقت في نقطة الرؤية الجديدة على أفق الأدب الانساني.. من هنا انبثقت حيوات كتبه التالية:

إن الدافع الأساس وراء معظم ما ورد هنا هو تعزيز دور الذاكرة، بتسليط الأضواء على عدد من الظواهر الأدبية ومبدعيها، كمساهمة في توفير مادة تساعد وضع سياق، ومن ثم تاريخ أدبي، دون تحيّز ودون تأثير اللحظة الراهنة، خاصة وأن معظم الذين تمّ التطرق لأعمالهم غادروا هذه الدنيا، وأصبح من الممكن التعامل مع ما أنجزوه بموضوعية. وهذه المادة ليست تاريخاً للأدب أو قولاً نهائياً: وإنما رحلة في عدد من النصوص،

تواجه الرواية العربية مجموعة من التحديات التي بقدر النجاح في مواجهتها، يكون النجاح في إبداع رواية عربية لها حضورها العالمي. أبرز هذه التحديات: لغة الحوار، أي لغة نختار؟. والشخصية كيف يتمّ اختيارها، كيف ستحيا وتموت؟ إن الشخصية في الرواية لا تتلخص بالإنسان البطل، بل وأيضاً بالطبيعة والحيوان، وهي ما إن تبدأ خطواتها في الرواية حتى تصبح حيّة، وتحكم على سلوكها وخياراتها أمام إخفاقات الماضي والحيرة التي تسم حركة التغيير في الحاضر، تطرح اليوم تساؤلات تزيد من حدتها الوتيرة المتسارعة للتغيرات التي تحصل في العالم. مشاكل كثيرة تطرح أمام المثقفين العرب، بدءاً من النقاش الدائر حول المثقف الاجتماعي والسياسي، وصولاً إلى محاولة تجاوز الإنكسارات الناتجة عن تراجع قوة الحركات الوطنية، وسقوط الاتحاد السوفياتي، وتنصيب الولايات المتحدة الأميركية لنفسها زعيمة للعالم وحامية للنظام. "الحياة الشرقية مليئة بالسرية والتلون، ولا يقتصر الأمر على البشر وسلوكهم بل يتعداه إلى الحيوانات والطبيعة: برد قارس في الشتاء، وربيع يتفجر بشكل مباغت ودون تمهيد أو إنذار، وصيف لاهب مشتعل تنبع فيه الشمس في الأرض والجدران والأشجار". في ذلك الشرق عاش بيتر لفترة، راقب فيها انهيار سلطة الامبراطورية التي طالما اعتبرت السيطرة على الشرق رمزاً لقوتها.

 

س192: محسن العوني: رؤية الفنان الأستاذ شوكت الربيعي لواقع الصورة والفنون التي تعتمدها في العالم العربي؟

ج 192: ومضات في رؤية السؤال: أن نبحث في سؤالك ياعزيزي د. محسن عن: الفكرة: التي نفترض بها أن تكون مشروعا ثقافيا للمستقبل الذي يشتمل على الصورة التي تقصدها في الفنون في العالم العربي. ولن نقدر على تحقيق ذلك الا بمعرفة خلفية ما نسعى لدراسته. ومنها أيضا معرفة مضامين الدراسات السابقة التي تناولت موضوع قيمية الصورة المتميزة في فنون العالم العربي. وهي في الأعم تقال عن الأدب بعامة والشعر بخاصة. وتأتي في اطار الاستعارات الجمالية التشبيهية والمحسنات البديعية. يرافقها النقد الأدبي وأدب النقد الفني التشكيلي. ضمن مناهج وآليات، لتتبلور عنها القيمة الفنية وجماليتها. تلك القيمة التي تسلط الضوء على معمار التجربة ومنهج التفكير الجمالي. وتضع أسئلة الفترة التأسيسية.

فتكشف عن أوراق التجربة المدهشة. وتشير الى أزمنة وأمكنة الابداع. التي هي جزء من منهج التفكير الجمالي. فيضع تعريفا للفن، ويبلور قيمة لنقد الدبي والفني، تلك القيمة الجمالية والوظيفية، التي تفسر مجال تاريخ الأدب والفن والنقد الأدبي وأدب النقد الفني التشكيلي.

كما يتوضح ذلك في آداب وفنون مصر والسودان وأقطار مغرب الوطن العربي ومشرقه. ودور المثقفين في اثراء نوعية المرحلة القائمة. وفي تجارب رواد الفن الحديث في الأقطار العربية.. وفي توجهات الرعيل الأول. ضمن مسيرة التشكيليين الأوائل. ومسيرة الرواد الصعبة. - بداية النهوض. والتحول الكبير. ثم خلاصة مسيرة الأوائل. ومتابعة التجارب المؤثرة بعد جيل الأوائل. من هنا ينبثق: معيار الفن. والتقويم والتقدير. وتنطبق تلك الملاحظات على البحوث التي تعنى بالعمارة والفنون والانسان والمكان والزمان: مفهوم العمران. لتتجسد الخصوصية التاريخية والجمالية للفنون العربية والاسلامية.

 

س193: محسن العوني: رأي الفنان الأستاذ شوكت الربيعي في واقع وآفاق تدريس الفن التشكيلي في البلاد العربية؟

ج193: كانت الظروف التي رافقت نشوء حركة الفنون التشكيلية في البلدان العربية، متشابهة أو متطابقة مع تلك البدايات التأسيسية التي رافقت نوعية النظام التربوي وطرق تدريس التربية الفنية، في سائر أمصار الوطن العربي ودول التعاون الخليجي وتأثرت بشروطها ومناهجها وغاياتها التعليمية.. وكانت الانطلاقة التربوية السليمة في مناهج التعليم، هي التي اسهمت بإنضاج الفنون عامة، على أساس من إمكانية الفنانين الذاتية التعليمية على مستوى الهواة في الخط والزخرفة العربية والإسلامية واستعدادهم لاستيعاب التحولات القائمة في طبيعة ومسار الفنون العربية المعاصرة والاستعانة بخبراتهم الفنية.. وقد تهيأت لبعض تلك المحاولات، أهم المقومات التأسيسية المطلوبة، فكان بمقدور معلمي التربية الفنية في المدارس، أن ترفد البلدان الخليجية بتجارب شابة تحمل ثمار طموحاتها وحصيد مؤثراتها الاجتماعية والثقافية في الفنون التشكيلية، ابتداء من أواخر الستينيات من القرن المنصرم. وحد ث الأمر ذاته لجميع أقطار الخليج العربي، تربويا ومؤسساتيا، إلا أنها استطاعت أن تدرب عددا نوعيا من المربين بزمن قياسي رفدوا الأنشطة والفعاليات الفنية بتجارب عربية من مصر والشام والعراق، على أولياتها: محاولات مدرسية فنية، كانت سمات وملامح شخصية الإنسان العربي هنا تعلن عن حضورها الملون المميز، دون تحميل التفسير التسجيلي لتاريخ الفنون، أية تبريرات أدبية معقلنة، سوى أن الأوائل من معلمي الرسم والتربية الفنية، كانوا قد استمدوا سمات وملامح هوية نشوء التجربة من نسيج المجتمع الظروف الاجتماعية وتبعتها في ما بعد، العوامل الثقافية التكاملية الأخرى لكي تنضج الخبرة تلو الأخرى في تأسيس نظم التربية الحديثة. وأصبحت معالم بيئتها، صورة صادقة من تلك التركيبة الخاصة لمفردات المجتمع. فكانت نواة ناضجة لنشوء حركة تشكيلية تصاعدت مع تقدم وسائل الاتصال بالآخرين متساوقة مع الأدب والعلوم والمعرفة الانسانية. واكتشاف مفردات ثقافية حديثة جعلوها تخدم استلهامهم لتراث المشرق في تاريخ العرب والمسلمين.

 يمكننا تكثيف الحديث عن نظم التربية في المرحلة الزمنية للفنون التشكيلية العربية، ابتداء من أوائل العقد الرابع من القرن العشرين المنصرم، في الكويت ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، وان نتحدث عن بداية ظهور مناهج التربية الفنية في المدارس. أي تدريس التربية النظرية والتطبيقية المبسطة للفنون التعليمية في الخليج العربي عامة. وبالإمكان التحدث عن ذلك أيضا في النصف الأول من الخمسينيات في دولة الامارات العربية المتحدة، وقطر وسلطنة عمان، بلغة التعميم، باعتبار ذلك منهجا في سياق النظم والمناهج التعليمية، سرعان ما تبلورت عنه قيمة تربوية لاحقة تخطت مرحلة الإقتصار على المناهج المقررة في المدارس الإبتدائية والثانويات والجامعات، لتتحقق فكرة المراسم الحرة فيها، متأثرة بما كان متبعا في مطلع القرن العشرين المنصرم في مصر (1908م) وتونس والجزائر والمغرب (منذ فترات عهود الإستعمار والإنتداب) وفي أوائل عشرينياته في العراق ولبنان وسوريا. وكان الجميع يسعى إلى ترسيخ مباديء وقيم تربوية جمالية استلهمها الرواد في معاهد واكاديميات أجنبية تشكلت نواتها في (الأربعينيات) مع طاقات ومواهب محلية شابة كان قد بدأت تنهض، واتجه روادها إلى تنمية قدراتهم الشخصية والمؤسساتية ومتابعة ما يجري حولهم من تحولات في مدارس واتجاهات وأساليب الفنون الجديدة وتقنيات الفنون المعاصرة في فترة لاحقة دائبة على التغيير والتطور، بعد الحرب العالمية الثانية لاستنهاض همم وامكانات وقدرات كامنة ليس في طاقات الشباب الحيوية فحسب، بل وفي منطلقات المكتشفين منهم للأعماق وللآفاق الانسانية، من رواد الخطوة الأولى. أولئك الذين جعلتنا تجاربهم نفهم كيف تنعدم المسافة بين فعل الفنان البارع والتخييل والرؤية الواضحة الفاعلة في مسيرة ومسار الفنون التشكيلية العربية. وكيف يسطع تأثير قوة الأعمال الفنية شكلا ومضمونا وقيمة جمالية، في وعي ووجدان المشاهد والناقد (المتلقي والمتابع)، بحيث يتبلور مفهوم جديد عن حوار الرؤى، كلما تزداد أهمية السجا ل الموضوعي، حول عناوين تتجاوز وصف معالجة الفنان وصياغته وتقنيته العامة على مسطح اللوحة بذاتها وليس بمعزل عن معمارالعمل لفني المرتهن بفعل الفكر الكلي، وعلاقته الانسانية بهموم العالم السياسية واشكاليات الحالات الاقتصادية والاجتماعية العربية، التي عانى منها الفنان العربي، لاكثر من قرن من الزمان. (فيما يتعلق ببداية الفنون في مصر أيام احتلال الانجليز والمغرب العربي بأكمله في سني الإحتلال الفرنسي والإسباني والإيطالي لمشرق الوطن العربي ومغربه. وكانت منذ تلك الاعوام الحرجة من تاريخ العرب وثقافته وفنونه، قد ظهرت، مقدرة المبدع التخييلة في الفنون بقيمة فنية سعت لثبات وحضور هويتها الوطنية الجوهرية وتبلور ملامح الخصوصية العربية التراثية، والحداثية. على الرغم من محاولات اسدال الأستار ووضع الحجب أمام أعين الناس قصد إلغاء الوعي ووميض الشعور بالحرية والفرادة والهوية. وكانت تجارب الرواد الأفذاذ، تؤكد حضورها الرصين والثابت، ليخترق جدران انعزال أمة بأكملها عن العالم. واستطاع جيل محمود مختار ومحمود سعيد في مصر وجواد سليم وفائق حسن في العراق، والفنانون داود قرم وحبيب سرور وجبران خليل حبران وخليل صليبي ورئيف شدوري ومكاروف فاضل ويوسف الحويك وعمر الأنسي وقيصر الجميل ومصطفى فروخ وصليبا الدويهي وبصبوص وعارف الريس في لبنان والطيب الحلو والمحبوبي أقرضان ومحمد بن علال وأحمد الإدريسي ومحمد السرغيني وحسن الكلاوي ومريم أمزيان وأحمد الشرقاوي في المغرب. ونجيب بن الخوجة والزبير التركي والنحات الهادي السلمي وابراهيم الضحاك ونجا المهدوي في تونس. وفي الجزائر كان عبد القادر الجزائري ومحمد راسم ومحمد تمام ومصطفى بن دباغ ومحمد خدة ومحمد إسياخم،، وعلي خـوجة، وبشير يلس، ومحمد غانم، وصمصـوم إسماعيل، وقرماز عبدالقادر، وفارس بوخاتم، بن عدان والفنانة باية، وأزواو معمري، وغيرهم.

وفي ليبيا كان المهدي الشريف ومحمد الارناؤوطي، وابو القاسم فروج.. ثم توالت تجارب جيل آخر بعد فتح المدارس الثانوية العربية وظهرت مواهب وانطلقت طاقات كامنة، فكان في طرابلس محمد البارود وعبد المنعم بن ناجي والهاشمي دافيز وعلى القلالي. و(محمد الباروني). وفي اليمن ظهر هاشم علي وفنانون سافروا لدراسة الفن في الخارج ومنهم: (فؤاد الفتيح، عبدالجليل السروري، سعد مبارك، عبدالجبار نعمان) من الجيل الأول ثم تبعهم فنانون آخرون نذكر منهم (ناصر عبدالقوي، سعيد علوي، ياسين غالب، حكيم العاقل، آمنة النصيري، هاني الأغبري، إلهام العرشي، أحمد بازبيدي، عبدالعزيز إبراهيم، طلال النجار، صبري الحيقي، داود راجح، عبدالحميد جحاف، كمال مقرمي، محمد وائل، أحمد بامدهف، إخلاص منصور، علي الذرحاني، عبدالله عبيد، فؤاد مقبل..) وعلي غداف وأمين ناشر وحكيم العاقل وعبد الفتاح عبد الولي. وعودة بعض الفنانين المغتربين للوطن (مظهر نزار، ريما قاسم..). كما وجد نمط من الفنانين الاوائل في الشام، مجـالا متاحا لصقل مواهبهم، ورعايتها، عبر ما تتيحه ظروف وفرص مواتية في قنوات الثقافة عامة، والبصرية خاصة، زمن (الانتـداب الفرنسي)، ضمن أولى محاولات الغزو الثقافي، لتشكيل وزراعة مفردات ذاكرة بصرية، تدين بالولاء للنزعات (الفرانكوفونية).. وقـد كـانت مفاتن فكرة "الاستـشراق"، هي المجـال الحـيوي المثـير للدهشـة والاهتمام لدى شرائح شباب الفنانين التـشكيليين السوريين، عبر المنح التعليمية التي كانت تقدمها سلطة الانتداب آنذاك.. للدراسة في " بوزار باريس". نذكر منهم: توفيق طارق1875 و1940، ميشيل كرشة، محمود جلال1911 - 1975، عبدالوهاب أبوالسعود 1897 - 1951، سعيد تحسين1904-1985، صبحي شعيب، خالد معاذ، أنور علي أرناؤوط، وفتحي محمد1917 و1958. ومحمود حماد وفاتح المدرس.. أما في ما يتعلق بالفنانين الرواد في الخليج والجزيرة العربية، فسنتوسع في هذا الموضوع ضمن الفصول التي تشتمل عليه أقسام كتاب الفن التشكيلي المعاصر في الخليج العربي. مرتبة حسب الحروف الأبجدية العربية: الكتاب الأول: الفن التشكيلي المعاصر في دولة الإمارات العربية المتحدة. والكتاب الثاني عن الفن التشكيلي المعاصر في مملكة البحرين. والكتاب الثالث عن الفن التشكيلي المعاصر في المملكة العربية السعودية. والكتاب الرابع عن الفن التشكيلي المعاصر في عمان. والكتاب الخامس عن الفن التشكيلي المعاصر في قطر. والكتاب السادس عن الفن التشكيلي المعاصر في دولة الكويت. ويتبع ذلك فصل عن فنون الخط والزخرفة العربية والإسلامية في الوطن العربي.. هذا هو فهرست الكتاب. وإذا ما تم شيء بدا نقصه.

كانت مجمل التجارب التربوية والتثقيفية في البلدان العربية تعتمد مناهج متقاربة في شتى الأمصار العربية، بسبب من وحدة اللغة والتاريخ المشترك والدم والجغرافية والأرض الواحدة والأفكار والمنطلقات المرتبطة بالعقيدة الاسلامية.

وانعكست تلك السمات وتجلت ملامحها في مضامين الثقافة الفنية الجوهرية ومنها معالجات وصياغات الأعمال الفنية، في لوحات ومنحوتات وفخاريات وخزفيات، حققت بأصالة المستلهمين لموروثهم المشرق وتأريخ أمتهم الحضاري. إذ كلما نشاهد لوحات عن مدن المستنبة في تربة الذاكرة، أو نتأمل المعارض النوعية المتميزة التي تكاد أن تنفرد بخصوصيتها بين تجارب الفنانين في الوطن العربي، كلما نقترب من فهم خصوصيته الحرفية ونسعى إلى تقديرها وتقييم مفردات وعناصر تصميمها وقيمها الجمالية. أثارت أسئلة الدكتور محسن العوني، استذكارا في واقع وآفاق تدريس الفن التشكيلي في معاهد وأكاديميات ومدارس الفنون، التي تكاد أن تكون متقاربة ومتماثلة لتشابه البيئة والأوان وأساسيات السوسيولوجيا الجتماعية في الوطن العربي. وفي منابت الخلفية الثقافية الأولى، بالنسبة لمعظم مدارس ومعاهد وكليات وأكاديميات الفنون الجميلة. مثلا: في معهد الفنون الجميلة ببغداد، في عام 1959، بينما كنا في بعض الطريق نحمل أدوات الرسم وعدته على أكتافنا متوجهين إلى معهد الفنون الجميلة مقابل البلاط الملكي، كعادتنا في كل صباح.. كنت أحدث زملائي عن ملاعب الطفولة الأولى، في كورة (العم ادعيج) في مدينتي العمارة، وحبي الشديد للخزف والفخار والكوازين الذين كنت أراقبهم وهم يصنعون الأصص ووسائل حفظ الماء المعروفة، وينقشون سطوحها بشتى الأشكال التزينيّة المتناظرة، باستخدام "قطعة خشب" مسننة، أو ذات نهاية حادة أو مستدقة.. وعرفت أن جمالها يكمن في يد وفكر الكواز لا في نوعية الطين وحده.. كما تدربت على تشغيل الدولاب بقدمي الاثنتين بصعوبة، لأنه يستدعي قوة أعظم، فأجهدت نفسي مراراً على تحقيق هذه الرغبة التي كانت تجتاحني.. كنت أساعد العمال على نقل الإنتاجيات الطرية الرطبة التي تصنع للتو، واضعها في طوابير تمتد فوق مسطح من الأرض المكشوفة لكي تتعرض إلى الشمس مدة طويلة من الزمن تستغرق أسبوعين في الأقل قبل نقلها إلى جوف (الكورة) حيث يتم فخرها.. مثل هذه الكورة كانت تشاد على مساحة صغيرة من الطرف الشرقي لمبنى معهد الفنون في منطقة الكسرة. بناها أستاذ منتدب في الأيام الأولى من شهر تشرين الأول عام 1955، هو (إيان أولد) وقد أخذ تصميمها عن الكور العراقية. وحملت هذه التجربة معها بعض الآمال لحركة واعدة في فن الخزف والفخار، تنهض مجدداً من أعماق الأرض التي أبدعتها قبل آلاف السنين من جوف تاريخ وادي الرافدين، وبروح شابة ربطت اليد بالفكر، فجعلت من الطين قوة الإبداع الساحرة في الحياة. وبعد مضي سنتين جاء الفنان القبرصي (فالنتينوس) عام 1957 إلى بغداد منتدباً للعمل في المعهد ومعه استمرت مسيرة الفخار. وهكذا تحولت التجارب على أرض الواقع الاجتماعي القائم في زمن ما ومكان ما الى فعل تربوي منجز وناجز بفعل دوره التعليمي. كما حدث في المغرب وتونس والجزائر وليبيا ومصر والسودان وأقطار المشرق العربي كافة.

لقد أسهمت تجارب الخزافين الشباب في دفع مسيرة هذا الفن خطوات فاعلة متميزة. وخرجت نتاجاتهم من صالات المعاهد والأكاديميات في العراق إلى صالات العالم في أوروبا وأمريكا اللاتينية وفي آسيا وأفريقيا.. وحفظ لنا هذا الفن صلاته الحضارية لماضيه. حين استلهم وحدات التراث الرافديني والعربي الإسلامي وفقاً لصيغ حديثة، باستخدام الألوان البراقة المزينة بتراكيب ورسوم وكتابات عربية زادت الشكل الفني غنىً متوازناً مع رموز الموضوع، متداخلاً مع زخارفه ووحداته التزينية بألوانها الخضر والزرق والفيروزي ودرجاتها البراقة على سطوح ناتئة متعرجة. وقد منحت الفن هذه التجارب من سقاء الماء ولواعج الروح، فتنةً من ألسنة النار ولهيبها المحرق حتى فاضت بجمال التزجيج المصنع بأكاسيد مختلفة، لتغدو بريق إبداع بعد أن كانت رؤىً غافيةً في الصلصال وفي أعماق الأرض.. لقد جبلت من الطين عالمها وطرحت خلال أشكاله مضامينها، فكانت تجارب معبرة عن الرمز والرؤية والموقف الجمالي.

 

 

لمتابعة حلقات الحوار المفتوح

..............................

 

ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاوَر عن طريق اميل المثقف

[email protected]

...........................

 

خاص بالمثقف

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الفنان التشكيلي شوكت الربيعي، من: 24 / 4 / 2011)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم