صحيفة المثقف

احتلال العراق من وجهة نظر أميركية غير رسمية / هاتف جنابي

لأن المبررات والأسباب التي قدمت حينئذ لم تكنْ محايدة ومقنعة حتى النهاية. نعرف جميعا أن من بين المبررات التي ثبت بطلانها فيما بعد كانت "خطورة النظام العراقي بسبب امتلاكه أسلحة دمار شامل" و"علاقته بالإرهاب". ولم يكن من أولوياتها المطروحة رسميا السبب الأساس المتعلق بقمع النظام الوحشي لشعبه وإذلاله وتحطيم الدولة العراقية واقتصادها ورهن مصيرها بيد الأقدار والاعتداء على دول الجوار وهتك أعراض بنيها. علينا أن نعترف أن النظام كان منخورا وفاسدا ودمويا وأن أهم شيء في كل ما حصل هو تخليص العراقيين منه.

إذا كنا قد عرفنا بعض أسباب الإطاحة بالنظام السابق على ضوء ما رشح، فإن الكثيرين ما يزالون يجهلون الأسباب الحقيقية وراء ما آلت إليه الأمورُ بعد 2003. وعليه فالأمر الذي بقي لغزا محيرا حتى اللحظة هو دواعي تفكيك الدولة ومؤسساتها جملة وتفصيلا. ثم السماح بظهور الميليشيات والجماعات الإرهابية والنعرات الطائفية والعرقية في البلاد وسيادة غير الكفء على أهل الخبرة والكفاءة، وتسلم السلطة تباعا بالمفرد أو بالجملة من قبل أفراد وجماعات تتبوأ الخطوط الأمامية إعلاميا، والأماكن المتقهقرة من حيث الكفاءة والشعور بالمسئولية الوطنية، إضافة إلى نهب أموال الدولة والشعب. ناهيكم عن صياغة دستور مفخخ.

 

تحرير البلاد أم احتلالها وتفكيكها؟

أكان يُراد من وراء إسقاط النظام المستبد هو "تحرير العراق" فعلا، أم الانتقام منه وجعل الدولة، حتى إشعار آخر، عاجزة عن القيام حتى بمهامها التقليدية بدون الاعتماد على العون الخارجي المتمثل بالاحتلال؟ أم كان المقصود فعلا هو التحرير وترك البلاد نهبا للفوضى؟ أكان يراد جعل دولة كبيرة على صعيد الشرق الأوسط  بحجم العراق، بعمقها التاريخي وموقعها الجغرافي-السياسي وثرواتها الكبيرة صاغرة ذليلة خانعة شأنها شأن أية دولة مما اصطلح عليه في السبعينيات والثمانينيات ب"دول الموز" وجعلها عبرة لمن اعتبر؟ أكان على العراق أنْ يُقسّم إلى ثلاث مناطق على الأقل ليتسنى بلع إرادته وثرواته وتفتيت أية قوة مستقبلية له، سواء أكانت اقتصادية أو سياسية أو معرفية أو عسكرية؟ أكان القصد هو جعل العراق ساحة للنفوذ الإقليمي بغض النظر عن مصدره، بيعا وشراء وتفتيتا وإذلالا، أم دفعه لأنْ يستسلم في النهاية لطرف دون سواه؟ أكان يُراد للعراق أن يصبح ساحة لتصفية الحسابات بين بعض الدول الإقليمية والغرب؟ أكان يُراد عبر السماح بإشاعة "الفوضى الخلاقة" محض اختبار وصفة جديدة كانت على الورق لعقود طويلة لم يجرؤ حتى منظروها الكلاسيكيون من أمثال: ميخائيل باكونين (1814-1876) الأب الشرعي للفوضوية، ولا مُنَظّر الثورة الدائمة ليف دافيدوفيتش برونستاين الملقب بتروتسكي(1879-1940)على تنفيذها، فجاء دور تلميذهم الأستاذ بول وولفوفيتز(1943- ) للقيام بها وجعل العراق مركونا على الرف مسلوب الإرادة؟ أكان يُراد فعلا إعادة بناء البلاد من الصفر الأمر الذي سيكبدها أموالا طائلة، خصوصا، في المجالين الصناعي والتسلّحي، من خلال تصريف بضاعة متخلفة تكنولوجيا، وأسلحة أرضية وبحرية وجوية، أصبحت تقليدية أو غير فعالة بمقاييس التكنولوجيا الأخيرة أو أنها من طراز أوّلي تم تجاوزه في مجالها، أو يجري تصريف الأنواع المتخلفة منها بعد التوقيع على عقود توريد الأفضل؟

 

صراع الإرادات

إذا كان الجواب الخفي خارج نطاق التساؤلات الآنفة الذكر، فما هي يا ترى الأسباب الحقيقية وراء كل ما جرى ويجري الآن؟

سنتلمس إجابات غير مباشرة عن تلك الأسئلة وسواها استنادا إلى مصدر ثرٍّ يتمثل في فيلم أميركي، لا يعرفه الكثيرون بسبب محدودية توزيعه لجرأته وخطورة محتواه وتلميحاته الذكية. الفيلم وثائقي بعنوان" سُحُبٌ فوق بغداد" أعده وأداره وأخرجه(تشارلس فيرغسون) وعرض في بلانيت(Planet) سنة 2007. بلا ريب، لم يكن الشعب الأميركي على علم بمجريات الأمور وملابسات الخطط التي وضعتها جماعة متنفذة ومحدودة في البيت الأبيض والقاضية باحتلال العراق. يشكل قوام المجموعة كل من: ديك تشيني، ورامسفيلد، ووولفوفيتز، وكونداليزا رايس، وجورج بوش،  لقد رفضوا المشاركة في الفيلم أو إجراء أي حوار معهم بهذا الخصوص. هذه هي الدائرة الأولى الضيقة، ساعدتهم ارتباطاتهم ومناصبهم على التمهيد وتنفيذ مخطط احتلال العراق دوائر صغيرة وحلقات لم يكن لأحد منهم بعد أنْ وقعت الواقعة أي نفوذ في تقديم أو تأخير أو تغيير مسيرة الأحداث المرسومة سلفا. ولكي نفهم بعض مفاصل ما حدث دعونا نذكر بأن الولايات المتحدة الأميركية قد قامت بعد شهر من الهجوم على مركز التجارة العالمية في نيويورك بالدخول إلى أفغانستان تحت ذريعة القصاص من منفذي الهجوم الوحشي من القاعدة وضربهم في عقر دارهم. لكن الواقع كان يقول لنا: إن بعض القادة الكبار كانوا يبحثون عن وسائل لإثبات علاقة صدام ونظامه بالقاعدة. غير أن اللجنة التي شكلت بعد أحداث سبتمبر 2001 "لم تعثر على أية علاقة بينهما"(كما ذكر الخبير في الشئون العسكرية مارك كارلاسكو). لكن المجموعة المتنفذة كانت تصر على عكس نتائج التقرير الذي أعده خبراء ومختصون في كافة المجالات. على أن "المجموعة المتنفذة" وجدت مؤيدين وأبواقا لها، مؤقتا على أقل تقدير، حيث اعترف فيما بعد كل من (كولن باول-وزير الخارجية) و(جورج تينيت-مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية السي آي أي) بانجرارهما وراء مثل تلك السياسة التي أفقدتهما المصداقية. يذكر لنا (جيمس بامفورد-الكاتب المتخصص في الأبحاث المخابراتية) أنهم كانوا يشيعون معلومة أن العراق يمتلك طائرات بدون طيار باستطاعتها مهاجمة السواحل الشرقية للولايات المتحدة الأميركية و"هذا بلا معنى". من جهة أخرى، يروي لنا الكاتب والصحفي (جورج باكر)أن جورج بوش قد أصدر في 26 كانون الثاني/يناير 2003 قرارا-تعليمات تحت رقم (24) بدون استشارة أحد سمح للبنتاغون بموجبه التحكم بمصير العراق.

قالت الكاتبة والصحفية(سامانثا باور): كان الأحرى بمهندسي حرب الكويت ممن تعاونوا مع جورج بوش الأب أن يتعلموا من تجاربهم بعد مرور تلك السنوات. كانت تقصد رامسفيلد وولفوفيتز. بعد مهاجمة العراق توجه رامسفيلد في خطاب متلفز إلى الرئيس جورج بوش الابن بقوله: أقدم كامل احترامي وتقديري لدورك أيها السيد الرئيس في هذه الحرب الأولى في القرن الحادي والعشرين، غير المعروفة كما ينبغي من قبل المجتمع نظرا لنقص المعلومات الكافية، لكنني متأكد من أن التاريخ سيقيم دورك فيها. على أن الشعب الأميركي والرأي العام العالمي لم يكونا يعرفان في وقتها أن مشروع(مستقبل العراق) المتكون من ثلاثة عشر جزء، والمعد بدقة من قبل وزارة الخارجية الأميركية قد تم تجاهله تماما من قبل "المجموعة المتنفذة". يقول(لورنس ويلكرسون-رئيس مكتب وزير الخارجية آنذاك): كنا أنا ووزير الخارجية كولن باول مستاءينِ للغاية من استلام ملف العراق كاملا من قبل مجموعة ضيقة من الجمهوريين. كان معظم الجنود الأميركيين ممن ذهبوا للعراق يرددون قائلين: ذهبنا لمساعدة الجيش في إزاحة الديكتاتورية وإدخال الديمقراطية والحرية في العراق. كنا نعتقد أن كل شيء جرى التخطيط له بدقة. لكن الأحداث أكدت لنا أن الجنرال المتقاعد(جَيْ غارنر-الذي عُين لفترة وجيزة مسئولا عن إدارة ملف العراق) لم يكنْ باعترافه مهيئا لأداء مهمته، كما وأن السيدة(برباره بودين-السفيرة السابقة في اليمن والملمة بأوضاع المنطقة العربية)قد اتصلوا بها على عجل قبل ثلاثة أسابيع من بدء الحرب وعينوها سفيرة لبلادها في العراق حيث أدارت مهامها من الكويت، قالت: لم تكنْ هناك أية خطة للعراق! كانت القوات الأميركية تتفرج على النهب والسلب وسيطرة العصابات على الشوارع ونهب المتحف الوطني والمكتبة الوطنية ومركز الفنون الوطني. قال أحد جنود المارينز بصدق ولوعة لا تخفى: كنا نتطلع بدون أن نتدخل إلى عملية النهب والسلب والفوضى التي أشاعها اللصوص والعصابات المنظمة والرعاع. قال (بول هاجز-مدير شئون الدراسات الإستراتيجية في العراق ORHA): لو تم إعلان حالة الطوارئ في البلاد لتمكنا من إيقاف تداعي الأحداث. أما السفيرة(برباره بودين) فقالت: "تلقينا تعليمات من واشنطن بعدم التدخل في مسألة الاعتداءات على الممتلكات العامة". وأضافت قائلة بمرارة في نيسان 2003: لقد فقدنا العراقيين في ذلك الوقت" المقصود بسبب عدم تدخلهم. وذكرت لقد "أعددنا قائمة بعشرين موقعا لحمايته لكنه لم يقمْ أحد بذلك".

كان رامسفيلد وولفوفيتز يؤكدان على أن مئة ألف جندي)كافية لبسط الأمن في العراق، في حين أكد الجنرال(شيساكي-قائد القوات البرية آنذاك)لدى استماع الكونغرس إليه: نحتاج إلى مئات الآلاف من الجنود لبسط الأمن في العراق والسيطرة على الأحداث! كان عدد من يتكلمون العربية بين الأميركيين في العراق لا يتجاوز الستة أشخاص! الغريب في الأمر، أنه حينما أصر عددٌ من الخبراء والمستشارين الأميركيين على الحاجة إلى عدد أكبر من قوى البوليس والقوات المسلحة لبسط الأمن في البلاد وتشغيل الدولة، كانوا يسمعون من واشنطن: لا يوجد لدينا وقت الآن سنقوم بذلك في حرب أخرى!

ذكر الجنرال غارنر أن رامسفيلد قد اتصل به في الثالث والعشرين من نيسان قائلا: لقد أنجزت مهمتك بصورة رائعة لكننا عيّنا (بول بريمر)حاكما مدنيا في العراق بدلا منك. وصل بريمر إلى بغداد في 12أيار/مايو 2003 وكان يردد: أنا الذي يقرر هنا.

 

بريمر وقراراته الثلاثة القاتلة

قام بريمر باتخاذ ثلاثة قرارات مدمرة للعراق وهي: أولا، تم إيقاف تشكيل الحكومة العراقية التي عمل على فكرتها الجنرال غارنر والقرار تم اتخاذه في واشنطن ولم يكنْ غارنر على علم به. ثانيا، قانون اجتثاث البعث من مؤسسات الدولة الذي كلف بإدارة ملفه السيد أحمد الجلبي. أدى القرار إلى تسريح أعداد هائلة من وظائفهم. وصف بعضُ الخبراء الأميركيين عددا من رموز المعارضة العراقية آنذاك"بالكذب والخداع والتضليل والتحريض".

ثالثا، قرار حلّ الجيش العراقي ومؤسساته وجهاز الشرطة وقوى الأمن والمخابرات مما أدى إلى تسريح ما لا يقل عن مليون شخص من مؤسسات الدولة وهؤلاء هم الذين أشعلوا لاحقا  فتيل العصيان والتمرد في البلاد. لقد قطعت أرزاق جيش جرار وجرى تعريض عوائلهم لخطر الجوع والإذلال. يذكر لنا كثير من الساسة الأميركيين إن قرار حل الجيش العراق كان مفاجئا لهم! في عشرين تموز 2003 وبعد اشتداد أعمال العنف في العراق، ظهر بريمر في مقابلة تلفزيونية التلفزيون وقال: إن منْ يقوم بأعمال العنف هم أنصار صدام حسين.

كان الناطق الصحفي باسم بريمر لا يعرف اللغة العربية! في تلك الفترة تم سحب السفيرة الأميركية بحجة أن اقتراحاتها لا تتماشى وخطط حكومتها! في الحقيقة كان يمكن لاقتراحاتها وأعمالها أن تصب في صالح العراقيين. لقد خصص الكونغرس الأميركي(18مليار دولار) لمساعدة العراق ولا أحد يعرف حتى اللحظة ما هو مصيرها!

 

مصير مبعوث الأمم المتحدة في بغداد

هناك قضية أخرى ظلت باعتقادي شائكة وغير محلولة. في أيار/مايو 2003 أرسلت الأمم المتحدة مبعوثا إلى مساعدة العراقيين هو الخبير البرازيلي السيد(سرجيو راداميلو). كان الرجل محبا للعراق ومندفعا ومخلصا في عمله فحاول القضاء على فكرة المناطقية(على غرار المنطقة الخضراء) التي ما زال العراق يعاني منها بقوة وكان هدفه هو إقامة أحسن العلاقات المباشرة مع الناس. لقد كسب ود وثقة العراقيين في وقت قصير. الملفت للنظر هو أن (بول بريمر) حاول استغلال خبرة وعلاقات سرجيو لمدة شهرين، لكنه تركه وحيدا فيما وابتعد عنه حتى أنه"توقف عن رفع سماعة تلفونه! لقد لفت سرجيو انتباه بريمر مرارا وتكرارا للممارسات غير الإنسانية التي كان يتعرض لها المعتقلون، غير أن بريمر لم يُعِرْ ذلك أهمية تذكر. بدا للمراقب أن سرجيو قد أصبح عبئا ثقيلا على كاهل بريمر الذي أراد تطبيق أجندته في العراق. في 19 آب/أغسطس 2003 تم تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد فقتل جراء ذلك (22) شخصا وجرح آخرون، وكان من بين المصابين بشدة السيد سرجيو الذي بقي ثلاث ساعات على قيد الحياة بانتظار إسعافه الذي لم يصل فمات متأثرا بجراحه. حينئذ قررت الأمم المتحدة التخلي عن مهمتها في العراق حتى إشعار آخر!  ما الذي كان يراد من وراء تصفية سرجيو ومهمة الأمم المتحدة؟ منذ ذلك الوقت أخذت مسيرة الأحداث في العراق تتجه نحو التأزم والمأساوية وتحول مزاج العراقيين ومواقفهم إلى تنامي الكره للمحتل. ذكر أحدُ المسئولين الأميركيين، أن الرئيس بوش لم يقرأ التقرير المعد له حول خطورة تمرد العراقيين بل أنه لم يكلف نفسه حتى قراءة ملخص له! في تلك الأثناء أصبحت مدينة الفلوجة معقلا يجمع خليطا من المسلحين المناهضين للاحتلال والوضع الجديد برمته من أنصار النظام السابق والقاعدة. في تشرين الثاني 2004 قرر البنتاغون إعادة السيطرة عليها وفي أعقاب ذلك تم تدمير ما لا يقل عن 70 بالمائة منها وقتل وتشريد الألوف. في المقابل كانت تتعاظم قوة الصدر لكن القوات الأميركية تمكنت في النهاية من إزاحة أنصاره من النجف ومحيطها بعد أن سيطروا عليها. كان المسئولون الأميركيون خارج نطاق"الجماعة المتنفذة" تفكر في اجتماعاتها باعتقال الصدر أو تصفيته وكانت حجتهم في عدم تنفيذ تلك المهمة لعدم توفر القوى الكافية لفعل ذلك. قدرت خسائر الجانب الأميركي المادية بنحو (ألف وثمانمائة وستين تريليون دولار)!

 

عبر ودروس ومصائر

كان كل من نائب رئيس الجمهورية الأميركية(ديك تشيني) ووزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) المسئولين المباشرين عن إدارة توزيع أموال إعادة إعمار العراق. كانت شركة (هاليبرتون)والشركات التابعة لها قد عملت بدون عقود موقعة في العراق، مما ساعدها على كسب أموال طائلة. ناهيكم عن أن علاقات الثاني بمؤسسات مماثلة كانت كبيرة كذلك. كانت هناك تعليمات سرية قد صدرت(يشار هنا إلى رامسفيلد) تدعو لخلق حالة من التخويف وسط العراقيين بغرض ترهيبهم وإخماد جذوة التمرد لديهم، فكان احتقار العراقيين وإهانتهم وضربهم أمرا مقصودا. كانت دائرة ضيقة فقط هي المسئولة عما آلت إليه الأوضاع في العراق، ولم تكنْ غالبية العسكريين والسياسيين والخبراء في أميركا على علم بنوايا وخطط المسئولين الأساسيين عن احتلال العراق وخلق حالة من الفوضى والتناحر المذهبي والأثني، ثم التخطيط لتقسيمه إلى ثلاث مناطق حسب المذهب والقومية. لقد وضُعتْ كافة الخطط الخاصة بمستقبل العراق على الهامش وتم تجاهلها عن قصد من قبل المجموعة المتنفذة التي هددتْ وضغطت بشكل مباشر وفاعل على كافة الأنظمة في المنطقة لتمرير فكرة احتلال العراق. كان احتلال العراق يقع ضمن مخطط إعادة رسم خارطة المنطقة من جديد كما هو معلوم. على أنني أرى أن غالبية الشعب الأميركي كانت تؤمن بخلاص العراقيين من النظام الشمولي السابق، ولم تصدق بما آلتْ إليه الأحداث من سوء. في ضوء القتل والدمار وشيوع  دور الميليشيات وتشظي البلاد، خرج جورج بوش في أعقاب إسقاط النظام السابق قائلا: لقد جلبنا الدواء والغذاء والحرية للعراقيين.

لم تكنْ تتوقع غالبية الأنظمة في المنطقة بأن مصيرها لن يختلف في نهاية المطاف عن مصير العراق. لقد وقع العراقيون وغالبية سكان المنطقة بين عواقب خيارين لا مفر منهما في النهاية: البقاء في عهدة صدأ وتخلف وقمع وشمولية الأنظمة التقليدية أو تحمل عواقب مساعدة الآخرين لهم. والأمثلة خارج العراق باتت معروفة.

ختاما، بقي أمامنا أمر حيوي علينا أن ننظر إليه ببراغماتية خالصة وهو إذا كانت مسيرة وعواقب احتلال العراق بهذه الصورة الكالحة فإن ما ينبغي التوقف عنده مليا هو أن مصير العراق متوقف في المرحلة الراهنة والمستقبل المنظور على مهارة وفطنة وقدرة العراقيين على توظيف علاقتهم بالدولة العظمى إلى أبعد الحدود بهدف الاستفادة القصوى منها في كافة المجالات وعلى رأسها الحفاظ على وحدة العراق ودرء الأخطار الخارجية عنه. لن ينفع العراقيين أحدٌ في المنطقة بقدر ما يمكن أن يقوم به"المحتل سابقا" من تبرئة ذمته بسبب ما جرى ثم تحمل تبعات "زواج المصلحة" الذي فرضته الأحداث. أقول بوضوح: على العراقيين أن يستغلوا "عقدة الشعور بالذنب" لدى الدولة العظمى إلى أقصاها وتوظيفها على كافة المستويات كي تصبّ في مصلحة البلاد بدون ادعاء وتنطع وشعارات زائفة.

 

الثامن من نيسان/أبريل 2012

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2087 الاربعاء 11 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم