صحيفة المثقف

في فكرية المنوّر والمصلح الاجتماعي شبلي شميل

المشهد الفكري والثقافي في النهضة العربية. عرف كرائد في نشر الفلسفة المادية وتأكيد فكرة الطبيعة واعلاء شأن العلم وتثبيت قيم الحرية والعدالة. وقد جمع في حياته ونظرته الشاملة بين الفكر والعمل، ولم يكن مجرد مفكّر نظري وانما شارك فعلا في أحداث المجتمع وتطوره بطريقة ايجابية، وتبني المبادئ والأسس العامة لفلسفة النشوء والارتقاء ونظرية التطور لداروين ووجد في ذلك كثيرا من العنت والرفض من رجالات الدين المتشددين والسلفيين المتعصبين الذين اتهموه بالكفر والالحاد.

ولد شبلي شميل سنة 1853 وتعلم في بيروت وعاش في مصر واصدر مجلة "الشفاء" سنة 1881 وتوفي سنة 1917. ومن كتبه ومؤلفاته "فلسفة النشوء والارتقاء، مجموعة مقالات، رسالة الحقيقة" وغيرها.

شبلي شميل من المثقفين العرب الطلائعيين الذين لم يسقطوا في ثقافة التكسب المالي والفكري، واحسوا بالحاجة التاريخية الى الانسلاخ عن الولاء للدولة العثمانية، والدعوة الى اليقظة القومية العربية التي تجمع كل العرب بغض النظر عن الانتماء الديني والعرقي. حارب الجهل والتخلف والظلامية والخرافة والتعصب باشكاله كافة، ووقف ضد الظلم والقهر والاستبداد، وانحاز الى الحداثة والمعاصرة والعلمانية وشارك في معركة تحرر الانسان المقهور من احكام المجتمع وتقاليده، ودعا الى تحرير العقول من ضيق الافق العقلي وانشاء مختبرات فسيحة للفكر التقدمي واحترام حرية المعتقد والفكر والتعبير، وحلم بمستقبل مؤكد تضيؤه افكار التقدم والحضارة والمدنية، والنقد العقلاني، والتسامح الكوني، الديني والسياسي والاجتماعي.

وغني عن القول ان شبلي شميل مفكر ومثقف شمولي المعرفة ومصلح اجتماعي ووجه نهضوي لا يموت، زاوج بين دوره القيمي والثقافي ومساهماته الفكرية وكفاحه السياسي، وكان منفتحا على العلم وسعى الى تغيير الواقع الاجتماعي العربي ورأى في المدنية الغربية بمفاهيمها ومنجزاتها العلمية، المثال الذي يجب ان يحتذى اذا ما ارادت المجتمعات العربية النهوض وتحقيق التقدم العصري والحضاري والتخلص من حالة التخلف والتآكل والانكماش والتقهقر التي تنتابها، وآمن بمقولة "الدين لله والوطن للجميع" وطالب بتحقيق مصالحة بين التيارات الفكرية والمذهبية والايديولوجية المختلفة، وفق مبادئ العقل والفلسفة والعلم، وهو بلا ادنى مبالغة واحد من ملامح الفكر التنويري ورجالات النهضة الثقافية والفكرية والعلمية العربية الذين ساهموا في المعركة النضالية من اجل ارساء مجتمع الحرية والدمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية، ومن الداعين الى احترام العقل والاقتداء به.

واخيرا، لقد حاول شبلي شميل بكل خلايا فكره وضميره ووجدانه ان يعطي الجواب على الاسئلة المصيرية الكبرى، فاعطاه نقيا خالصا ومضى مع مجايليه من اعلام النهضة العربية المعاصرة الى منازلهم الغاربة بعد ان اجهض مشروعهم الفكري التنويري واخفقوا في تحقيق احلامهم وطموحاتهم، وظلوا مصابيح مشعة في فضاء الثقافة العربية التحررية المتنورة والعقلانية، ونبضا في عروق وعصب الوعي العربي والضمير الحي وقرارة الامل الذي لا ينطفئ.

(مصمص)

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1252 الخميس 10/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم