صحيفة المثقف

قراءة في كتاب: المكان والزمان في النص الادبي (الجماليات والرؤيا) للبروفسور الناقد وليد شاكر نعاس

عن دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع صدر للبروفسور وليد شاكر نعاس أستاذ النقد الحديث في جامعة المثنى كتابا نقديا بعنوان المكان والزمان في النص الادبي (الجماليات والرؤيا)ب حوالي 270 صفحة من الحجم المتوسط ؛قسم المؤلف الكتاب الى ستة فصول تناولها محور بحثه فالمكان منفى في وليمة الأعشاب البحر بداية تم الفضاء القراني مقاربة رائعة لسورة يوسف – ع - )

اما في ملحمة كلكامش فجاء البحث تحليليا من خلال أهمية المكان وحتميتة في الأسطورة وفي منعطف مهم يقارب ايدلوجية الزمان والمكان في قصص جليل القيسي ويمضي لمقاربة ايدلوجية الزمان والمكان يتبعها معنى المكان ومفهومه في الفن الادب .

جاء البحث لأهمية تقصي اسرارالنص الادبي والايحاءات التي يعطيها النص والمعنى المكنون فية إضافة لما يختبي في المكان.

ولكون الزمان والمكان المحوران الأساسيات في التعامل معهم من قبل الناقد او المتلقي فان استشراف الابعاد الجمالية والايحائيه اضافة الى الدلالات تتطلب فهما يقارب كل مايحدث من تحولات مفتوحة فيها وتاثيرهاعلى تشكل الخطاب اوالنص أي كان جنسه .

ان الباحث عندما يقارب نصا ما يحاول تفسير وتحليل النص والمعنى الأول الذي يتشكل في ذهنه من خلال الجوانب الواضحة والحقائق المهمة التي تستبطن متن النص.

ولاهمية الغوص او حتى ان يحلق المتلقي في فضاءء أي منجز تتطلب منه الاقتراب من تجسيد فهم الزمان والمكان اجماليا او دلاليا وهما شرطان لابد ان يتحققا لمعرفة قيمة المنجز الدلالية والجمالية والباطن من مخافي المسرود؟

الملفت ان الكتاب او بالاحراى فكرة البحث تمتد لاكثر من عقد من الزمان ولعل الباحث أراد في تلك الفترة ان يمهد لأهمية الرؤية التي المنفى والمكان والشخصية في ولادة النص وتأثيرها على طبيعة المسروداوجزء المؤلف الأمكنة الى متقطعة ومتوحده وأوضح البعد السيميائي لامكنة المنافي

ففي المكان دائما تبرز هوية الشخص ببعدها الاجتماعي والثقافي وحتى البايلوجي فالانسان يدون دلالاته وانطباعاته معتمدا على اللاستعور في القراءة التي تستوطى فكرة ولكون ادراك المكان محسوسا تظهر تصورات الانسان المادية وغير المادية مثل البعد، القرب والصلة بين المجتمع والظروف المؤثرة .

في مجتمعا العربي المضطهد الذي قيدته التقاليد الفارغة قبل ظهور الدين اوجد مناخا خصبا لكي يرسم هذه المعاناة من خلال الشعر والخطاب والنثر او أي وسيلة تعبيرية أخرى فكانت في مجملها (المسرودات او النصوص) تعبر عن دفاع الانسان عن ذاته ورفض القمع من الاخر سيما من يمتلك السلطة عليه .

أراد لكاتب في مقاريته لرواية (وليمة لاعشاب البحر) للكاتب حيدر حيدر ان يظهر مدى تميزها وتجسيدها المكان كمنفى وظهرت معظم شخوصها تحمل أفكار متمردة وبنيت مفاهيمها وددلالاتها مدى البؤرة التي من خلالها سلط الروائي الضوء على مجمل المكان في هذا العمل.

في هذا المضمار يوضح الكاتب من خلال توضيحة للشبهة فيما اختلف فيه من ان المكان المنفى يعد اجمالا من الأمكنة المعادية في حين ان توثيق شعور المنفى والارهاصات التي يسجلها في المكان والزمان معا ومقارنتها ما قبل النفي يوضح مدى أهمية معرفة تعريف المكان والمنفى معا صحيح ان بعض المنافي يتم اختيارها للهروب من القمع الجمعي او الهروب بالوعي الفردي لكن اجراء المقارنة قياسا بالضرر او بالمخرجات التي تشكل انعكاساتها مستقبلا على وجود الانسان ودرء التهديد عنه ونوعية التهديد فهنا ينبغي ان نعيد الوعي والادراك لتعريف تلك الأماكن وفق قصديه واضحة وهي قصدية الوعي فاذا تجاوزنا سلبية التصور او تصوير الفرد لاماكن المنفى وتركناها تتفاعل مع المخزون العقلي والذكريات يعني اننا نميز بين نمط مالوف من القمع الشامل المؤثر في إمكانية اتجاه التلازم مع المكان المنفى لان المنافي ليست دائما اضطهاد او فشل الفرد في عدم التعايش مع ذاته بل ان المعوقات التي تضع امامه تمنعه من ممارسة دوره بدون اغتراب .

كان المكان ومازال محورا أساس في النص الروائي كون الحدث يحتاج الى جغرافية (الواقعة) ويكون المسرود اجتماعيا في هذه الاعمال وتساهم في دعم النظام الاجتماعي القهري ولم تبحث عن حلول لواقع افضل او حتى الاصطدام بالواقع المسيئ .

وفي الأجمال ومنذ الازل نشب خلاف لا ينتهي بين الحاكم والمحكوم وفلسفة كل منهما ومن خلال ذلك تقسم المجتمع الى طبقات مستفيدة وأخرى متضررة وهنا تبرز أهمية أخرى وهي غياب المثل العليا او عدم تطبيقها لان محاور تطبيقها تحتاج الى حل لكل التناقضات والصراعات ولابد من ظهور تغيير حقيقي وتبادل أدوار بين الحاكم والمحكوم ومع ذلك ظل المكان فاعلا اسياسيا في تشكيل المعنى والمقصد من السرد.

في رواية موضوع بحث المؤلف تبرز كثرة المنافي، الاهوار، الاحياء الشعبية، قطار الموت، السجن وكانت الاهوار في مقدمتها كونها كانت ملجا للمنفين اضطرارا او اختيارا.

رغم ان اللبس في الفهم بين الحرية والتمرد يولد شعورا بان كل ما يقوم به المنفي جزء من الحرية وتتعمق جدلية أهمية المكان والحرية في الفضاء القراني مقاربة في سورة يوسف (ع) .

قدم المؤلف امثلة عديدة لمنافي متعددة لرسم الغربة على أساس توافر المنافي في كل سمة في منافي الداخل بثيماتها المتعددة ومنافي الخارج المتعدد الاشكال والابعاد بيرز دور المؤلف في تتبع الخطر والهلاك الذي يشاطر الأمكنة والمنفيون في المدن الواقعة بين الغربة والهجرة وفي هذا بحث الباحث في ص55 رحلته ومقاربة من خلال التوقف عند رواية وليمة الأعشاب للكاتب حيدر حيدر بعدد من الملاحظات حول توظيف ظواهرية الفيلسوف (هوسرل) حول جماليات مكان الالفة كما يهمنى ان اذكر انضاح الرؤية لدى مقاربة الراوي في توظيف المكان واشياءه لادانة السلطة في قمع الفرد وهي ماساة الانسان العربي في العصر الحديث

ص67 يختار المؤلف بحثا اخر مختلف في موضوعه وهو الفضاء القراني في سورة يوسف ولماذا الفضاء القراني ولم سورة يوسف.

وان العبرة في هذا البحث هو تفتيق جماليات القصة القرانية في عنصري الزمان والمكان .

ولان الفضاء هو الحيز الزمكاني الذي تتمظهر فيه الشخصيات و الأشياء متبلسة بالاحداث تبعا لعوامل عده تتصل بالرؤية الفلسفية وبنوعية الجنس الادبي وبحساسية الكاتب .

في هذا ينبه الكاتب المتلقي الى جمالية ان يكون السلطان الأعلى و المبدع الخالق هو الذي يقص علينا هذه القصص ويكشف عما خفي من اسراراها ولما يكون الله سبحانه وتعالى بواسطة جبرئيل (ع) على لسان النبي (ص) يعطي انطباعا وتساؤلا هل هذا القصص القراني بزمانه ومكانه قائم على التخريف أيضا كما في الاعمال الروائية الجواب لا لان فضاء دلاليا رسمه القران بالفعل قص على معنى الخير ووصول النبا والابلاغ عن الواقعة الاختبار وهذه الدلالة المركزية للفعل قص كانت تفيد دائما بدلالات مجاورة يفرضها سياق الحال ؟ ص 71 – 27

وفي هذا الاطار يمكن ان نتحدث عن مباحث عديدة فالمكان والذي بدوره يتبلور الى محاور متتابع احداث القصة يجعلك تتابع احداثها على محور المكان الأصل الذي يتكون من الوضع الأصل توازن البيت، رحيل وخداع، الاستباق، الإساءة الحب .

وفي مكان الاختيار الي يحدث في مكانين وصور الاختيار الترشيحي ص 76 – 77

مكان العثور عليه القصد، السجن، قصر الملك، قصر يوسف في الزمانيعد الزمن محورا مهما من محاور السرد بوصف السرد يروي احداثا في الزمان والمكان معا تكون القصة امام القاري مشخصةبمكان وزمان احداثهما .

وفي هذه القصة يتحدث المؤلف عن مراحل البناء الزمني للحدث واشكال حركة السرد الزمني ويقارب نسقين من خلال تتابع وتضمين متوازي وفي نهاية البحث يعالج المؤلف أسباب الوقفة والحذف في اصل القصة باعتبارها نمطاء من انماط زمن السرد وان كان في القصة توضيحا لعدم وجود سرد تخريفي .

ص9 في خاتمة البحث يوضح مفهوم الفضاء الذي قديثير إشكالية في تطبيقه على النص القراني لانه يحوي اليات منهجية تنسجم مع جنس الرواية التخريفي والتخريف لا يكون في كتاب الله سبحانه وتعالى (القرأن) .... الخ

 

المكان الأسطورة في ملحمة كلكامس

اذا كانت الأسطورة جزء من الثراث الإنساني الذي لاينتمي الى نظام معقول عند البعض كونه تراتيل دينية فان هناك من يدحض هذا التعريف ليذهب الى ان الأسطورة تسطير أي زخر من الاقاويل .

 

ملحمة كلكامش

جاء في اللغة ان الملحمة هي الوقعة العظيمة القتل ويقال الحمن القوم اذا قتلهم حتى صارو لحما وفي الاصطلاح قصيدة قصصية طويلة يقوم بها شخص احد تقوم على خوارق الأمور وتختلط فيها الحقائق والاساطير وتتتغلغل العقائد الدينية والروحية في ثناياها .

وملحمة كلكامش واحدة من عيون الادب السومري العراقي القديم وابدع نتاج ادبي عرفته الملاحم البدائية بمادته الأسطورية والدينية والاجتماعية كما يعد اقدم نتاج ادبي عثر عليه بعد الطوفان فهو يعود في زمنه الى الالف الثالث قبل الميلاد ..... الخ ص108

في هذا البحث يتناول الكاتب المكان الاسطورة ثم الأسطورية في الملحمة ويذهب الى تفتيق دلاله هذه الأمكنة من غابة الأرز، جيل ماتشو، حديقة الالهة، بحر الموت، مصب الأنهار الوعد بالخلود وما ورد فيه من وصف تشبيه الوعد الإلهي بالخلود في الجنة.

وفي خاتمة الحب يتوصيل القارئ الى نتائج اهما

الأماكن الأسطورية كانت عقبة في طريق كلكامش في رحلته في البحث عن الخلود .

الأماكن المعنية لا وجود لها في الواقع من قبل البشر .

هذه الأماكن وصفت بالضخامة والسعة بما يفوق الصور .

الإشارة الى ان هذه الأماكن لم يطاها احد قبل جلجامش

في جوانب كثيرة من الملحمة نستخلص جوانب إنسانية مميزة جرت في تلك الأماكن منها نكبات الدهر وذكر الموت وحياة الانسان بكل أشكالها .

 

ثنائيات المكان في قصص جليل القيسي

لان للمكان حضور فاعل في توجيه النص واغنائه وتاهيله رغم حداثة تبلورة كمفهوم ادبي ودخوله حلبة النقد بعد تخلصه من صيغتة الفلسفية المحصنة واكتشافه في النص الادبي عنصرا ذا تماس عميق ومحمولاته الدلالية وهو الى ذلك قرنين التميز والخصوصية . ص 135 – 214

يقارب الكاتب في رحلته السيرة في بحث ثنائيات المكان عند جليل القيسي ويسجل بعض النتائج التي افضى اليها تحليل النص للمكان في قصصه القصيرة منها ضرورة دراسته المكان عبر تشكيله في النص القصصي ومن تم البحث عن كيفية توظيفه في النص مجاليا وبنائيا وبان لا ينظر اليه بمعزل عن مكونات السرد الأخرى .

ويعتقد الكاتب بان كل مكان في القصة هو عبارة عن منظومة نسبية متحوله قابلة للتغير معتمدة في ذلك على الدافع النفسي للشخصية

كما يوضح الكاتب بان هنالك فرق بين المكان المفترض والمكان التاريخي والمكان الأسطوري

كما رصد الباحث أنماط الأمكنة في قصص القيسي أما في ثنائية المكان المفتوح والمغلق كانت الهيمنة المكانية متساوية .

 

أيدلوجيا الزمان والمكان

مقاربة في رواية سابع أيام الخلق

حينما يعد الكاتب الرواية جنسا ادبيا يزاحم الشعر ويزيحه الى حد ما من دائرة الحضور عند المتلقي العربي حتى تصبح الرواية ديوان العرب اليوم في هذا البحث ايدلوجياالزمان المكان مقاربة في رواية سابع أيام الخلق لعبد الخالق الركابي

يعتقد الكاتب ان هاجس البحث هو إيجاد مقاربة تأويلية تربط الزمانية والمكانية بثيمة الإنسان مع ابرز الجوانب الجمالة الفنية في العمل ومن خلال الإفادة من مناهج النقد الادبي الحديثة ؟

ففي العتبة الأولى من البحث يتناول الكاتب ايدلوجيا النص وتاريخه المحكي ثم قراءة للزمان من خلال تطبيعه ضمن ثقافة المجتمع الذي عاصره النص اما المكان فيقول تمت قراءته كواقع محتمل مع تحليل لأبرز الثنائيات التي يشتمل عليها النص,

في ادلوجيا النص وتاريخه المحكى يوضح الكاتب علاقة الزمان والمكان باحداث الرواية أما أيدلوجيا النص محاولة فهم تلك العلامتين وما يتشظى منها من رموز وإشارات .

يرسم لنا الكاتب صورة واضحة لتطبيع النص زمانيا لان المتن الحكائي خاضع لتوجه مرجعي ولكون ألركابي عرف الراوي السابع بهوية نصه ومرجعياته وزمنية النص ومكانته ثم إليه اشتغاله على الخطوط والنصوص الشفاهية .

 

مفهوم المكانية في الادباء

في هذا المبحث هو اخر مباحث الكتاب أ.د وليد شاكر نعاس

المكان والزمان في النص الادبي الجماليات والرؤيا

أقول يقدم المؤلف توضحيا لمفهوم المكان سواء كان مفهوما لغويا أو عندما يعده ظاهرة في المفهوم والدلالة والمعنى ويرى أن اختلاف الآراء والتوجهات وتعدد زوايا النظر لاتوثر في تنحي مفهوم أن البعد الفلسفي ظاهرة للمكان سيسهم بصيغته الإشكالية على المستوى الفلسفي أولا ثم الأدبي ثانيا

ويستطرد المؤلف في توضيح المفهوم الفلسفي للمكان تاريخيا وأدبيا واشكال المكان في الادب

 

الخاتمة

ورغم ان الكاتب يعد منجزة محاولة في قراءة الابداع المكاني والزماني في اطار أبحاث مفتوحة تلمس العلاقات المكانية والزمنية وتحولاتها وفق منهجية قائمة على رصد الرؤى لمجموع الخصائص التي ينتمي اليها كل نص أدبي إلا أن الأكيد أن هذا الكتاب يفتح الافاق امام المتلقي الباحث المتخصص للغور في مباحث الزمان والمكان من خلال تتبع مواقع الجمال والرؤيا في النص ويجعل من اليسير تفكيك العديد من شفرات النص المفتوح اوغير المفتوح ومعرفة الأسرار الكامنة سواء كانت فلسفيه آو اجتماعية يختزنها السارد في متن النص و أجدني أرتبك كثيرا حينما أحاول أن أبعثر كل هذا الجمال الذي قدمه البروفسور النعاس فلا أجد عبارة أركنها في هذه القراءة المشوشة بلا شك والتي فشلت كما يبدو في تقديمها للقراء وان الدراسة التي قدمها عالم في النقد بمستوى المؤلف فيها مباحث عظيمة تحتاج إلى ناقد حصيف يستطيع أن يقدمها لهواة النقد

 

نجم الجابر ي

13 كانون2 2015

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم