صحيفة المثقف

في جلباب الحزن .. وفاء عبد الرزاق

wafaa abdulrazaq3تضع الشاعرة وفاء عبدالرزاق بصمتها في يوم الأم بحزن عميق تقدمه بنص بين يدي أمها التي ما تزال حية حاضرة في ذاتها ،تجسد في النص معاناتها الحقة إذ تقول:

 

جديلتها السماء

(أشعرُ بحزنٍ عميقٍ يا أمي

كل شيء يصبح أعمى

إن لم يرَ جديلتك السماء

كيف أرتقي الوشم

ويدكِ على كلِ النوافذِ

حزمة ضوء؟.

أشعر بعمق حزن المطر

لأنه ابن دمعكِ

أشعرُ باللا شيء حولي

لأنك هناك

هل " هناك" أعز مني فأطلتِ البقاء؟

أشعر بعمر يلدغ قلبي

فالدقائق أفاعٍ

أفاعٍ يا أمًّي.

والساعاتُ الفأس تحطبني

في غيابك؟)

 697-wafa

إن الحزن بوابة السواد ومدعاة للعمى، حين يستحضر القلب من يحب في الـ (هنا)، يصعب عليه تقبل البعد، فيقبع في عالم السكون لتأسره الذكريات، فيصبح محطا تأتي وتغدو فيه الأفكار.

هكذا تشعر (وفاء عبدالرزاق) بالحزن والضيق الغريب حين ترى أمها بالرؤيا الشعرية وتستحضر زمنا لا يغيب عنها ،على الرغم من أن الكل حولها، فلا مجال للتعويض عن الأم وعاطفتها عن تلك النبتة التي تعطي ببذخ فادح دون مقابل .

لا.. أقول سوى كان الله في عونك كيف انقضت عليك هذه الليلة الغريبة المثقلة بالوجع، وأنت تسطرين وجعك كتابة وشعرا، كيف كانت ليلتك وأنت تعيشين اللحظة تلو الأخرى باحضانها المبعدة .

إذ في القصيدة كل شيء يتأرجح بين الحضور والغياب الـ (هنا وهناك) وعلى الرغم من ان المسافة تطول بينهما، لينتهي الأمر بالغياب في الخاتمة بـ (في غيابك) . لكن تبقى حقيقة الاتصال موجودة اتصالا ذاتيا روحيا يخلد البقاء، ويعطي فرصة للـ(هنا) تنفس الأمل وجلب المحب على عجل.

فالمشاعر التي أثقلت الشاعرة، وجثمت على صدرها تترجمها بمفردات تقف في عالم الغياب بقولها : ( حزن عميق/ كل شيء يصبح أعمى/ لم تر / الوشم / بعمق حزن المطر/ ابن دمعك / اللاشيء حولي / يلدغ قلبي / الدقائق أفاع / الساعات الفأس تحطبني).

وكل هذا يدور ويحدث لأن المخاطبة (الأم) تسكن عالمها الأبدي في الـ (هناك) بقولها: (لأنك هناك/ في غيابك)، فلا شفيع للغياب مهما كان حتى وإن تلبس بالرحيل لعالم آخر .

يأتي السؤال بشقين متباعدين يدوران كذلك في مدار - مكان الـ (هنا وهناك) لتتعمق مرارة الحيرة وتكتمل دائرة الحزن بقولها: (كيف أرتقي الوشم/ ويدك على كل النوافذ/ حزمة ضوء؟) و(هل هناك أعز مني فأطلت البقاء؟) في السؤال الأول نرى الأم ترتبط بالمعين على اختراق الصعاب ومواجهتها بهيبة العطاء والبذخ. وفي الثاني نرى المقابل الأبناء في مواجهة فيضها الحبي الحنيني في تجني وغيرة بالسؤال عن الأعز؟ وكأن السؤالين يترجمان واقع الحال ما بين الأثنين الشخصيتين والعالمين المتناقضين .

الشاعرة ترى وشم يد أمها كحزمة ضوء على النوافذ، فكيف الإرتقاء إليه كي تصله أو تكون مثله ؟ وتقول عن ذلك الشاعرة في حوار معها: (هو حزن ضوء على كل النوافذ، فلا استطيع الارتقاء اليه، لأصبح مثله لذلك اتساءل كيف؟)

تسيطر على الذات عوالم مخيفة واحساس بالزمان قاتل ومميت يعصرها شيئا فشيئا، إذ يصبح الزمان عدوا للذات في غياب (الأم) كما في قولها: (بعمر يلدغ قلبي/ الدقائق أفاع / والساعات الفأس تحطبني)، فكيف بالعمر يلدغ القلب ويتحول إلى أفعى تقتص من الذات، والدقائق كذلك في هذا التحول، لتكون الساعات فأسا تكتظ على الذات تنهي امالها .

هكذا ينسج الغياب فعله على الذات، فيمنعها من الراحة، ويقلق سكينتها في الحاضر التي ما زالت تذكره بما أحدثه من وجع وشرخ أدمى قلبها .

وإذ اسعفت الشاعرة هذا النص بصورة شخصية لها، فهي تحاول الجمع بين العالم الكتابي والتصويري، للتترجم هذا الحزن أصدق تعبير بصورتها الشخصية، وهي راسية بحزنها مستغرقة فيه، وصورتها تمثل الذات والآخر معا أي ذاتها وأمها، لأنها جزء من الأم دالة عليها في كل شيء ،ولا سيما في السمة الجوهرية المشتركة بينهما (الشعر) منفذ الحوار، ولقاء الاتصال وقتما صعب ذلك، وابتعد الاتنان كل في عالمه يصارع الحياة .

فالصورة الشخصية للشاعرة كان اختيارها ينم عن حزن عميق عن قلب ألقى استراحته والتقى بالعيون للحوار كي تواصل مدها البصري الرؤيوي نحو جهة البعيد المجهول .. فهل تقتنص المستقبل ببعدها؟ أم تنظر إلى الماضي تسترجعه شريطا حيا متحركا يمر أمامها وهي في ذهول؟ تجوبين بعيدا أيتها الشاعرة فأنت بجسدك هنا لكنك بروحك هناك تعيشين، تهت في عالمك بين هنا وهناك، فمتى يكتب لك أن ترتاحي مما يثقلك؟!

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم