صحيفة المثقف

قراءة في نبضة وردية لـمؤيد اليوزبكي

(نبضة وردية)

(قبل حلول الصيف لم تُهدِه وردة.. بل بذوراً وقالت له : ازرعها في حديقتك.. وقبل حلول الصيف نَمَت وأورقت وأزهرت عند حافة ممشاه.. كانت تتفتح وتستيقظ عند إغفاءته ليلا وتنكفىء وتغفو حين يقظته نهارًا.. وحين يحلُّ الشتاء تذوي وترتمي على تربة الحديقة لتجرفها مكنسة البستاني دون أن تترك أدنى أثر.. اختفت كما اختفت صاحبتها..هكذا فَكَّرَ.. ثم نسى أمرها وأمر صاحبتها وقبل حلول صيف العام اللاحق فوجىء بنموها وايراقها وازهارها مجددا.. وهكذا ألِفَ حضورها قبل حلول الصيف وغيابها شتاءً.. ومنذ أن انقشعت بعض سحب انشغالاته اليومية وباتت الحديقة فضاء متعته صارت تلك الزهور تشاركه يقظته وإصغاءه لهمس الأرواح في هدأة السَحَر فيما راح يشاركها إغفاءتها ببعض آنات ضجيج نهاراته..... )

  

تبدأ الومضة القصصية بمخالفة المتوقع والمألوف، إذ تضخ مفرداتها البسيطة بإتجاه الرقة والجمال المستقبلي الذي نلمحه يتجدد كل سنة كتجدد الأمل فينا.

فيتحول الإهداء الذي يُمنح للآخر على سبيل الاحتفاظ باللحظات الجميلة من الإهداء بالوردة إلى البذور التي تنبت وتتجدد في الظهور بزي وردة لها من الحضور والتألق في أرواحنا قبل أرض بيتنا الشيء الكثير، إلى شيء اسمى قابل للتجدد والحضور.

وهذا ما يعطي للإهداء حيوية وحركة في المواصلة والاتصال بالآخر ، فتتجدد قيمته بما تنتجه كل سنة بحلية جديدة ولها من الروح نفسها، القابلة لإثارة الجمال في النفوس، فلا تبقى اسيرة الزمن بوقت معين تتلف ويذهب رونقها، هكذا يكون الإهداء ذا فاعلية على التواصل أكثر يأخذ مداه على مر الزمن وسعته في السيطرة على مدارك الروح ودخولها من منافذ بسيطة ،وكأنه يعلمنا معنى الإنفلات من قبضة الواقع المعتاد ومن قيود الزمن التي ما انفكت تسخر طاقتها لمسابقة انسان هذا العصر والقضاء على رمز جماله وحيويته.

أخذ القاص رمز الوردة مدخلا غير طبيعي لومضته، لأنه يخالف المعتاد في (كانت تتفتح وتستيقظ عند اغفاءته ليلا وتنكفىء وتغفو حين يقظته نهارا)، وكأنها تمارس حق الحماية عليه لترقب نومه ليلا وتحرسه، كما هو يفعل في النهار هذه المعادلة المتبادلة في المعاملة من الاعتناء جعلت روح الحب موجودة على الرغم من تبدل الفصول وإدراك الشتاء لمنابت العمر، وإن اختفت في هذا الفصل لكنها تبدي تباشيرها في صيف قادم يبقى ينتظره في حس عال بالمشاركة لأصغر أمور الحياة .

فتأتي المخالفة الأخرى غير المتوقعة من اختيار فصل الصيف، لتفتح الوردة بدلا من الربيع، وكأنها تفتح أبواب الأمل على عتبات قيظ العمر .

إن اللعب هنا بعناصر الزمن أكسب الومضة نوعا من التضاد بين (الصيف والشتاء). لتبق الوردة رمزا للتواصل بين البشر ،ولكل ماهو جميل في حياتنا على الرغم مما طالت هذه الحياة من تغيرات جمة .

هكذا يلتفت القاص إلى هذه الخصوصية الذاتية وإلى الذرات الأوكسجينية في الحياة اليومية ،فيشكلها بقصة ومضة بسيطة أتخذت عنوانا (نبضة وردية) بلون الورد وفعله الحيوي من الجذب والجمال في الحياة، فيجتذب من الحياة أجملها وأحلاها، كما اختار نبضة وهي نبضة من نبضات الحياة .

 

د. إخلاص محمود عبدالله

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم