الرئيسية

كامل مصطفى الكاظمي: محمد صادق الصدر وعباءة التحدي الثائرة.. سطور في ذكرى سنويته السابعة عشرة

mustafa kadomiالمرجع السيد محمد محمد صادق الصدر، تعدد الإعتقال الذي تقصد تصفيته من قبل جهاز مخابرات نظام المشنوق صدام التكريتي. والسبب يعود لإستمرار الصدر الثائر بالمطالبة العلنية من على منبر صلاة الجمعة في مسجد الكوفة بكف النظام عن مطاردة المتدينين وتعذيب المسجونين بتهم واهية ومن ثم مطالبته بإطلاق حريتهم.

فلم يتوان الصدر بهذه المطالبة حتى عجز النظام عن ثنيه واسكات صوته المندد بالسلطة بصور استباقية غير معهودة لم يسبقه فيها نظير. وقد اثبت مقطع الفيديو المنشور في النت ووسائل الاعلام المرئية مدى شجاعته الباهرة وهو يوجه عكازه الى صدر مبعوث السلطة البعثية محمد حمزة الزبيدي ويدفعه في عصاته بصدره غير آبه بما سيلحقه من أذى.

إن أسلوب التحدي الصارخ لأشرس طاغوت في أنظمة الحكم المعاصرة غير معهود، خاصة اذا ما عرفنا عدم مبالاة هذا الثائر للتهديد والموت الذي استعد له بإرتداء عباءة التضحية (الكفن الابيض) في صلاة الجمعة. تلك الصلاة وتلك العباءة التي بلغ صداها مديات بعيدة. فلم يك أمام النظام الفاشيستي سوى طريقته المعروفة بالخلاص من المتحدي الثائر وتصفيته عام 1999 في مدينة النجف الاشرف مع نجليه وهم في طريق العودة الى بيتهم.

الواقع يؤشر على رعب النظام وقلقه من المشروع (الحوزوي الجديد) في الاصلاح. والواقع افرز مراهنات البعض التشكيكية التي تذيع عدم قدرة الصدر على المواجهة أو انها مفبركة. وكذلك أفرز ضمائم من جهات الاتهام التي تقصدت الصدر وحركته وهي ضمائم سيكشفها في وقت آخر (كتابنا المستور حاليا والمعنون: عباءة الموت وسنوات الجمر في المهجر). إلا أن هذه الضمائم وهذه الشكوك تقهقرت بأجمعها بعد أن مارست النفاق السياسي والديني والاجتماعي معاً. كما كشف الواقع جلوداً إلتحفت بعباءة الصدر زوراً وراحت تشيد بقيمه الثورية من بعد مقتله بالمجزرة المعروفة.

معرفة واقع نهضة الصدر الثاني يحتاج الى التدبر الملي في العناوين التالية:

1- تصديه للمرجعية واقامته بشخصه صلاة الجمعة التي كانت مغيبة دهوراً في العراق.

2- مفاهيمه العلنية المشددة على توعية الجمهور وتحذيره بمؤامرات ومخاطر السلطة الصدامية.

3- توجهه المنفرد بمخاطبة العامة والخاصة بوسائل جديدة إبتكرتها عقليته لم تغفل حتى عن فقه العشائر العراقية والتوجه لتكليف المرأة والشباب ودورهم الفاعل في بناء مجتمع متزن وملتزم.

4- نهوضه في مفصل خطير مرّ به العراق حيث عنجهية النظام المتسلط وجنونه في تدمير العراق بحروب خارجية وداخلية من جانب، ومن جانب الحصار الخانق الذي إصطلى فيه العراقيون الى حد بيع أثاث المنزل لتوفير الخبز للاطفال أو قرص دواء للعجزة.

الظنون وعدم لياقة البعض (المعني) بمعارضة نظام صدام في دول المهجر، مع جهات ثبت عدم أهليتها في قراءة حقيقة نهضة الصدر الثاني، إضافة الى الأزمة النفسية الحادة التي كانت تستشيط في أعماق البعض وكانت تطفح في كلمات وخطب وتسويقات غير منضبطة، كل أؤلئك أدى الى إستهداف الصدر وتقويض مشروعه. وهي كلها جهات ترفع شعار الاسلام والثورة إعتورها الإمتعاض والتحسس من ألمعية وكاريزما الصدر الذي هيمن على قلوب الملايين من الاتباع.

وفي ذات الحالة فإن تلك الجهة أو ذلك البوق المغرد بأمان خارج العراق ساهموا بصورة وأخرى في القضاء على الصدر الذي اجتهد مستغلاً كل النوافذ لمشروعه ضمن معادلة دخل فيها بإرادته كطرف فريد عنيد وفاعل ضد هذه التخبطات من جانب وضد أذرع نظام صدام من جانب آخر وهو يعبئ العراقيين لمعالجة فساد النظام في العراق على منهج استاذه الفيلسوف السيد محمد باقر الصدر الذي اعدمه نظام صدام مع أخته العالمة بنت الهدى في نيسان 1980. تميز هذان الرمزان (الصدر الاول والثاني) عن الغير بالعلم وبالتمدد الاجتماعي مع تحرك ثوري سريع ضمن دائرة التنظيم السري بالنسبة للصدر الاول، ودائرة التحدي العلني بالنسبة للصدر الثاني ضد النظام البعثي البربري وفي جميع اتجاهات الفكر والممارسة. وشهدنا إحياء الصدر الثاني لصلاة الجمعة وإرتدائه عباة الموت التي اذهلت الجميع مما أحدث جدلاً واضحاً خافته السلطة.

طرح السيد الصدر الثاني آراءه صريحة ومباشرة من المنبر وانتشرت صوته وذيعت لقاءاته الجريئة المصورة لتكشف عن العلل التي صيّرته وسط كمّاشة جحيم فكّها القاتل صدام التكريتي والآخر هم المشككون والممتعضون ذو النوايا السالبة.

كان لزاما على وجدان كل منصف الإقرار بما قدمه هذا الثائر العملاق، والاعتراف بالتقصير إتجاه حركته. ومن ثم وجوب دراسة مشروعه في منهج المؤسسة الدينية أولاً، وفي آفاق التغيير وبناء حكومة العدل بعد سقوط نظام صدام ثانيا، وثالثاً في المجتمع بجنباته الفكرية والاجتماعية والأخلاقية.

للحقيقة، يُعدّ الصدر الثاني أول من إخترق حاجز الصمت، وهو أول من مزّق حجاب الخوف عن نفوس العراقيين، وبهذا استقطب ضمائر الكثير من معارضي حكم صدام في سوح المهجر. فهرع جند لمناصرته، وجندٌ نفذوا الى العمق العراقي ليلتقوا الصدر في خطط تناصر نهضته بعد ان أتعبتهم أفكار اليأس المريع بعيد إيقاف الحرب العراقية - الايرانية في 8-8-1988وبعد ان تلاشى أمل التغيير في انتكاس إنتفاضة شعبان عام 1991 وعودة نظام القسوة والجريمة للبطش في من نادى أو ساهم أو ناصر أو حتى فيمن صمت حيال الانتفاضة.

وفي هذا الأفق لا نتنكر للملابسة التي طوقت النهضة الصدرية بعوامل كثيرة في الداخل، الا ان ما شهده العالم هو قرار الصدر الاول وتصميمه على الشهادة بعد افتائه جهاراً بكفر حزب البعث، وما رفعه الصدر الثاني من عنوان جلي للتغيير واستكمال مشوار الصدر الاول بإرتدائه عباءة الموت والتضحية.ومن هنا يأتي الكلام بان أسرة آل الصدر يتوجها النبوغ المسؤول، والمهارة النادرة الميعدة لخوض المخاطر تسبقها مهمة إستكشاف موطن الخلل في المجتمع. وبكلمة: هي أسرة مشروع علمي وعملي غير متناه لدرجة ان شهداء هذه الاسرة كلهم مفكرون غرسوا في النفوس مفاهيم التحدي برؤية ثورية جديدة تُجذّر مباني الرسالة في الأمة وتبعث فيها القيم الحقيقية.

لذا فان استحقاق هكذا ثوار لا يتم في إقامة مأتم أو في كلمة هامسة، بل يتحقق بمؤتمرات فكرية شاملة تخوض في واقع ثورة هؤلاء الافذاذ وتبرز ما قدمته أسرة الصدر للعراقي والعربي والاسلامي والانساني.

إمتاز مشروع الصدر الثاني بتحرك ثوري شكل رقماً حقيقياً أرعب المخابرات الصدامية والمراكز التي كانت تغذي هذه المخابرات.اضافة الى نوائر شتى هاجت بأبواقها ضده لتكيل التهمة المتناغمة مع رغبة النظام الصدامي، فالساحات الشيعية خارج العراق تخبطت وتاهت في تشخيص الصدر الثاني المتحدي لشوفينية الجريمة الصدامية المهيمنة على العراق والمذلة لأرخبيل الجوار العربي برغم مساندة هذا الارخبيل لصدام في حرب (القادسية). وقد شهد الكون عملية غزو الكويت وخفجي السعودية وتهديدات متكررة بلغ صداها مصر أيام حسني مبارك.

ختاما فإن خطوة جريئة جداً وجسورة إرتقى ناصيتها الصدر الثاني، أججت مسؤولية الداخل العراقي وحفزت الكثير من عراقيي الخارج. وقد سجلنا بعض الموقف المبجلة لأسرة آل الصدر وتضحياتها في فصل من كتابنا (نظرية التوازن). وهذه الخطوة الجريئة أظهرتها للعيان عباءة الموت التي ابتكرها السيد الشهيد الصدر الثاني.

 

كامل مصطفى الكاظمي - استراليا- ملبورن