الرئيسية

مصطفى كامل الكاظمي: إياك ومعاشرة الأحمق

mustafa kadomiفي حياتنا كبشر، ومادمنا غير معصومين فوقوعنا في حالات ربما حمقاء أو تصرف مغلوط أو إرتكاب خطأ في تقدير أو تعامل يعدّ أمرأ بديهياً وهو ما لا ينكر حدوثه عاقل وترتفع قيمة منزلته بين العقلاء عند إعترافه بذلك الحمق أو الخطأ. بيد أن من يقع في حماقة متكررة طوال مسيرة حياته لدرجة التطبع بها كسجية وصفة ملازمة له هو ما يصح تسميته بالأحمق الفعلي.

 الحمق نوعان، نوع سهل العريكة يتصف صاحبه بالبراءة وبطيب السريرة لكن مع معاناة ربما وقتية في قدرة التفكير أو في معالجة لا تمثل السلوك السليم تجاه بعض القضايا، ويسمى هذا النوع من الحمق بالحمق النسبي أو البعضي أو المؤقت. ونوع ثان تجد صاحبه - مع علمه بجهله في كثير من الأشياء- يكابر بصورة مذهلة فيتربى على طبع سيئ جداً تصعب معالجته، وهو ما يدعى بالحمق الكلي أو المستمر.

 ويُعرّف التفوق الوهمي بأنه غرور شاذ يتسربل به ذو النفس المرهقة بالامراض (الأحمق الكلي) الذي لا يرى مناطق العمى في داخله فيسعى للتستر على عيوبه بالمكابرة والتظاهر باللياقة يرافقهما شعور بالذهول حين يصادفه الكفوء فيبرز مرجل غليان جوفه تجهماً في قول أو فعل ضد هذا المتمكن أو ذلك الكفوء.

 تقول الحكمة: لا ينبغي للإنسان الطبيعي أن يشعر بالعار من الإعتراف بالخطأ. فالإعتراف بالخطأ فضيلة كما في منهج الدين، فيما يؤكد علم النفس على ضرورة الانفتاح النفسي كخطوة تسهل إستعداد المتوهّم لتغيير رأيه نحو بوصلة تعافي نفسيته من أثقالها المتخمة بالوهم المؤدي بدوره للغرور الزائف. ومن هذين المصدرين تمكنا من تصنيف نوعية الحمق.

 سمة الانفتاح تشحّ عند الكلي إذ يجد صعوبة في تقبّلها مع انها تؤمّن له مستقبلاً إيجابياً يؤهله لحياة التعايش مع الاخرين بتؤدة وسلام. وبما أنه يعاند في تقبل تطعيم عقليته بلقاح التواضع لذا فهو يتغافل عن معرفته بحدود قابلياته ويتخاصم مع إحتياجه للتدريب الذي سيمكنه من الإعتراف بجهله وبأخطائه. وعليه قالوا انه يحتاج- كي يكون سوياً- الى ممارسة المراحل الاربعة التالية:

 أولاً: مصارحة عقليته بما في نفسه من أوهام خطيرة عليه وعلى المجتمع.

 ثانياً: تثوير الجدل داخل جمجمته بعد تفكيك عوامل ضعفه وسوء سلوكه مع الآخرين.

 ثالثاً: ترويض نفسه على سُبل الانفتاح والإصغاء للآخرين بعيداً عن هواجس التشنج.

 رابعاً: الضغط على ذاته للتصالح مع القيم الاخلاقية، ومنها إقراره بتقصيره تجاه: المعرفة والتعلّم ومواطن الألفة ورفع الغلّ وإجتناب نظراء التلوث النفسي وعقدة العدوانية.

 في السياق ذاته، فإن التفكير السالب غير المنضبط قطعا سيشاكس الواقع وسيؤجج المشاكل، لأنه حمقٌ ربما يؤدي بالنتيجة الى الكلي. ولأنه تفكير إفتراضي سيفرز الظن السيئ وسيرفع نائرة الإمتعاض التي بدورها سترفع نسبة العقد النفسية. فإفتراض الأحمق معرفته المسبقة بالامور التي يجهلها تعد الطامة المشلّة لإحساسه بالانسانية وقيم إحترام الاخرين.

 فمن أجل أن يتبوأ سالب  التفكير وسيئ الظن مرتبة ولو متدنية من راحة البال، لابد أن يدرك بالحثّ أو بأي طريقة توصيل أخرى: أن تحديد نتائج أقواله وأفعاله قبل وقوعها سيكفل له صيانة وهداية تبين له بعض جوانب حمقه وغبائه ومن ثم سيتمكن من ترويض إضطرابه على الصمت والمحاسبة والانتفاع من قدرات المتمكنين. بيد أن الحمق الكلي هو تصرف بطريقة تنافي التعقل وصاحبها لا يتردد في الكذب وفي اشعال الفتن ربما بوعي وبدونه، كما يحلو له التقليل من الآخرين. فتجده على الاستمرار تقوده اقواله للوقوع في المشاكل والمنازعات وهو يجد المتعة في ذلك. لذا قالوا في التعامل المناسب مع الأحمق الكلي: إن تركه وإهماله أولى كما في الأثر الشريف: (إياك ومصاحبة الأحمق)، وعدم اسداء النصيحة له فإنها مضيعة للوقت، وإشعاره بمنبوذيته في مجتمع الخيرين. لكن هنالك حمقى يمكن رفع نسبة الذكاء عندهم بدرجة معينة وفق الخطوات الاربعة التي مرت إن اكتشف استعدادهم لذلك.

 

بقلم: كامل مصطفى الكاظمي/ ملبورن