الرئيسية

رشيدة الركيك: حوار مع الذات.. المشهد السابع: مرارة الفشل

rasheeda alrakikتهمس الذات لنفسها بصوت خجول وبنبرة استسلامية متحدثة عن إحباطاتها بنوع من الأسى وبتفكير مصحوب بإحساس مرفوض... إحساس يمتزج بنظرة الغير المحرجة وبتعابيرها المخجلة. وكأن الدماغ انشق إلى قسمين بين الاعتراف بالأحداث و مواجهتها وبين تقبل الهزيمة وتجاوزها. لقد عممت الذات تجربتها على اعتبار أن الإحساس بالفشل يصيبها كما يصيب غيرها، لكنها تستطرد:

هل ما أحس به يمكن أن يأخذ طابع الموضوعية بالحديث عن الأسباب؟ أم أن المسألة تتعلق بتجربة ذاتية تكون بمثابة صورة فوتوغرافية قديمة لصحابها؟ هل إحساسي بفشلي اليوم سيجر معه الكثير من الإحساسات الماضية غير المنسية والمكبوتة والمخفية بفعل السنين؟

قد يبهرنا فرويد رائد مدرسة التحليل النفسي بقوله "الطفل أب الرجل" إننا إذا أردنا فهم الرجل علينا بالعودة إلى طفولته المبكرة الحاملة لكل معنى في حياته الراهنة ،على الذات إذن إنطلاقا من هذا القول أن تسأل نفسها وتدخل في أعماق اللاشعور لتفك شفرته ورموزه، عليها أن تفهم الحاضر بمنطق الماضى، على اعتبار أن اللاشعور هو المفسر الأساسي للحياة النفسية، وكأن الوعي لا يمدنا بأي معطيات، وكأننا غير فاعلين في حياتنا الراهنة وأننا لعبة تحت رحمة الأقدار،لا نتحمل أية مسؤولية...

 

فالفشل كظاهرة سيكولوجية لها ارتباط بما كان، و لأنها ظاهرة سوسيولوجية أيضا ترتبط بواقع اجتماعي وبظروف موضوعية مفسرة للظاهرة، فيجتمع إذن ماهو نفسي واجتماعي وعقلي وشخصي وأسري وعلائقي ليترجم على أٍرض الواقع ويرمى بكل ذات لوحدها في درب مرارة الفشل وعليها أن تتحمل عواقبه وكأنها المسؤول الوحيد...

قيل أن الفشل بداية النجاح و أنه ليس العيب أن يسقط المرء ولكن العيب أن يبقى حيث سقط ، لكن تجربتي مع الفشل مرارتها تتجاوز كل تفسير وكل تعقل وأية محاولة للفهم و التأويل.

أنا الذات الفاشلة التي تطاردني أحاسيس الدونية أمام الآخرين و الإحباط أمام كل محاولة و القلق من المستقبل والخوف من المجهول وعدم الثقة بالنفس أمام كل فعل.

أنا الذات التي ترى في فشلها وصمة عار على جبينها أمام كل ذات عاقلة لها أحلام وتستطيع تمثل نفسها، فهل الفشل من اختياري أم أنا التي اخترته؟

ومن شدة حزني على نفسي كان علي مواجهته بإلحاح و بصراخ يعكس مرارة: لماذا أنا وليس الآخر؟ هل أنت قدري أم أني تعاملت مع الأحداث والظروف باستهتار فكان الإنهيار حليفا لي بدون نقاش؟ ثم أين حظي؟ ولماذا لم يحالفني ؟...؟...؟

استطعمت دور الضحية لعلي أخفف من حدة كل الضغوطات التي تواجهني، وحتى لا أبلع الطعم الذي وضعته لنفسي فأقتل كل طاقة بداخلي وأجمد قدراتي و إرادتي ورغبتى في إثبات ذاتي،علي أن أخرج كل إحساس سلبي على اعتبار أنني فاعل في الأحداث ولست منفعلا بها...

بحثت الذات عن أخطائها و لم تجد له أثرا إلا في عيون الناس، فمشت في درب الناجحين لعلها تجد ما يفك لها لغزا مركزيا في الموضوع ،تعلمت أن الحياة ليست وردية و أن طريق العمل والعطاء لا يخلو من وجود أشواك .

في رحلة البحث تلك اصطدمت الذات الفاشلة بالمخترع ستيف جوبز أحد أقطاب الأعمال في الولايات المتحدة فوجدت أن إصراره على النجاح لم يقهر رغم الظروف، لقد انطلق من طفل لقيط في ملجأ إلى أسرة محدودة الدخل تكفلت به ،فاضطر إلى العمل كموزع و مقسم للنفايات ليتمم دراسته ،فيصبح أول من أحدث ثورة إلكترونية باختراعه للكمبيوتر الشخصي ليحدث بذلك ثورة ديموقراطية في المجال التكنولوجي بإحداث شركة التفاحة.لكن نجاحه لم يكن محفوفا بالورود، سيجد نفسه من جديد في الشارع و لكن لم يكن متسكعا ولا من أصحاب المخدرات أو الملاهي الليلية لكنه خدر نفسه بأحلامه، هي المادة المخدرة الوحيدة التي استهوته و وجدت لها مكانا في ذاته لتكون سببا في تحقيق شهرة عالمية............

هكذا لقد كانت كل ضربة يتلقاها البطل تقويه ولم تضعفه وتكون سببا لا في الإقصاء بل لتقذف به في الفعل وتزيد من إصراره وعزيمته على النجاح....

قررت كل ذات فاشلة الخروج من أحاسيسها و البحث عن مفاتيح النجاح ، ولأن القرار تفكير واع مشحون بإرادة الفعل، أرادت التغيير وعلمت أنها لا تستطيع تغيير العالم من حولها ولكن على الأقل كما تقول: علي أكون أنا التغيير الذي أنشده .

لكن التغيير لن يتحقق إلا بوجود دوافع داخلية تحركني وتجعلني أجاهد نفسي للخروج من أعماقي و أتحدى الظروف و الأبواب التي تقفل الواحدة تلوى الأخرى و إن أقفل باب الأمل، لن يبقي سوى خروجي من أعماقي ، أواجه الواقع بقدرتي وطاقتي الداخلية، فأتوقع خيرا لتزداد طاقتي و أرمي بنفسي في عالم الخيال لأحقق رغبتي داخل ذاتي بفعل التخيل في عالم استيهامي جميل ثم أنطلق إلى مستوى الفعل بالعمل لتصبح كل رغبة إنتاجا اجتماعيا يشهد له المجتمع ويصفق له.

غير أن تحقيق القرار يحتاج إلى معرفة ودراية ليسهل الصعوبات ولكن كلما فكرت في الفعل واجهتني أحاسيس الخوف من الفشل وربما الخوف من النجاح، فانهالت علي التوقعات السلبية لتجهض ولادة كل فعل معطاء و كل عمل جاد. و لأن كل تفكير سلبي لا يعطي حياة ناجحة كان علي أن أحاول التخلص من كل التوقعات السلبية لأن المر بطبيعته مر لن يعطي شهدا.

تأملت نفسي من جديد قلت علي بالإصرار والعزيمة ولكن وجدت من المحيط من يصفعني بحديثه عن عالم المستحيلات وبالأفق المحدود و أنه علي أن أضحي بكل عطاء إجتماعي وأكتفي بعالمي الإستيهامي، وكأن أحلامي لا حيز لها في هذا الفضاء ولا يحق لها الخروج إلى الوجود.

استجمعت طاقتي من جديد محاربة كل المعتقدات السلبية، وقفت أمام مرآتي أحاور كل ما أشعر به من عزيمة على التغييرو قلت علي بالإستمرار فالعمل المكتمل ليس كالوقوف في وسط الطريق، وأنه بالصبر تهون المحن على اعتبار أن كل علاج يحتاج إلى دواء مر.

وتستمر رحلتي مع قرارالنجاح غير أن أهدافي كما سطرتها قد تصطدم بحواجز لتقف أمام تحقيق بعضها ،كان علي إذن بالمرونة، فربما أخطأت لأنني تهت الطريق ولأن الربان الناجح من يستطيع إبعاد سفينته عن الرياح العاتية، فلماذا لا أبحث عن طرق أخرى؟

إلتزمت مع نفسي في كل خطواتي دون إلزام الآخرين بإلزاماتي فأدخل في صراع أنا في غنى عنه في هذه الآونة . إن لذي أولويات هي حاضرة بإلحاح وطاقة يجب أن تسير في اتجاه أهدافي :فأينما ركزت تدفقت الطاقة وكانت النتيجة، كما يقال.

ومع ذلك كان لابد من الانضباط والتحكم في النفس من أجل العيش بشكل أفضل كما خططت. بعد ذلك كان على أحلامي أن تسير على أرض الواقع وأن تستبشر خيرا لأن إصرارها على النجاح هو السر في نجاحها. وأن الخروج من أعماقها كان حلا لاستنطاق وطلاق سراح طاقاتها في اتجاه ما تصبو بشغف لتحقيقه.لقد لاحظت الذات أن الرجوع إلى الوراء فيه إفادة واستفادة وأنه على الفشل أن يطاردني في جل مراحل حياتي ليحاورني ويضعني أمام كينونتي فأخرج من أعماقي من جديد لتستمر الحياة بالأمل والعمل وبالطموح والإرادة ...

لذلك رحلة الذات في الحياة كلها معاني تستسقى من الأحداث ومن الوقوف عندها بشيء من التأمل والتأني وأخذ العبر،ولن يتحقق ذلك إلا بالقلق الفكري فأزمة الذات كأي أزمة تخلق المعجزات.

لذلك يستمر الحوار مع الذات دون خوف أو ألم دون العزف على أوتارها الحساسة دون حرج أو ضيق لأنها لازالت لم تخرج من فترة النقاهة تحتاج إلى نوع من الاسترخاء و الارتياح و التأمل و الروية .

 

بقلم رشيدة الركيك