صحيفة المثقف

قراءة في مدونة العام الجديد لـلشاعر ستار عبدالله

مدخل الى العام الجديد / ستار عبد الله

فلنتفق ْ

فوق الظنون ِ السودِ والبغضاء ...

إن لك مقامَك ْ

فضعه كيفما تشاء ْ

خلفَك َ

أو فوقَك َ

أو أمامَك ْ

وهكذا،، فلست َ معنياً

بمن أجعله مقامي

فربما حريتي،،

هي التي أرفعها أمامي،،

ودونها أزهارنا البيضاء ْ

- فذاك َ أمر ٌ مايزال ُ لاهثا ً

وصاخبا ً ..

بين حوار الارض والسماء ْ -

وعن طريق ِ حلْمِنا

فلندَع ِ الأهواء ْ

بعيدة ً .. عن نهره ِ

وعن شقوق نخله ِ

وليكن العزاء ْ

أن نغرق َ الغريب َ في رماله ِ

ونرتدي ظلالَنا الضاحكة َ

تحت َ رذاذ ِ الشمس ِ أصدقاء ...

 

يبدأ الشاعر عامه الجديد في قصيدته بفرض نبرة الاتفاق حول (المقام)، وإذا كان لكل مقال مقام والعكس صحيح ايضا، فإن المقام هنا يختصر بـ: (فوق الظنون السود والبغضاء)، وترتيبه يأخذ مدى الجهات بحسب رغبة الذات في تشكيل هذا المقام بـ (خلفك/ فوقك/ أمامك) نلحظ هنا الابتداء بالخلف وكأنه يعكس الصورة ليجعل عملية البدء صعبة نوعا ما نظرا لصعوبة الالتفات وما يتطلبه من جهد واخذ مساحة واسعة من حركة الذات، ثم (فوقك) التي تستدعي حركة إلى الأعلى، أما (امامك) فهي العودة إلى الاتزان في النظر الطبيعي .

إن هذه العملية كلها مقرونة بالذات الموجه إليها الخطاب، فهي محصورة بـ (كَ) التي تجعل الخطاب محصورا بالذات دون غيرها لكن السؤال هنا أيّ ذات قصدها الشاعر بكاف خطابه هذا؟!

يقابل هذا المقام للذات مقام آخر له، إذ ليس من شأن الذات التحكم فيه (فلست معنيا بمن أجعله مقامي) .لتلعب الجهات الخلف والفوق والأمام شغلها هنا ايضا فيعمل الشاعر على ترتيب الاشياء حول هذه الجهات التي يدخلها دائرة الاحتمال بـ (ربما) وينيط الأمر لـ (حريتي) التي ترفع أمامه والدون لـ (الأزهار البيضاء) .

إذ يركز على الحرية ليضعها أمامه لأنها اساس كل شيء وبها تتوفر الاشياء الأُخر، وبين الحرية وتشكيل الحلم المتمثل بـ(ازهارنا البيضاء) يتكون الحوار بين الأرض والسماء بين الأسفل والأعلى، ما موجود فعلا وما هو قيد حلم مطلق عنانه في السماء بين الحياة الدنيا وحياة أخرى يرنو إلى تحقيقها أكثر بياضا ونصاعة وعلوا ومكانا .

كما يعمل ايقاع أواخر الكلمات في الأسطر الشعرية على مساندة المعنى فهي بين السكون وحركة الكسرة تفيد سكون الذات وانكسارها والمراوحة بين هذين الحالين يجعلها دون تقدم أو تحقيق الحلم المرجو، لذا انتهت القصيدة بهذه النبرة التشاؤمية الساكنة .

 بدأ النص بكلمة (فلنتفق)، لأن الاتفاق صعب التحقيق ويحتاج إلى قوة وعزم وتحقيق شرط العهد، لأنه نوع من العهد بين اثنين، فلا بد من تحقيق الاتفاق من بناء الشروط الواجبة لتوفره، لذا من شأن هذا الاتفاق ترسيخ مقام الذات بحسب ما تريد وللآخر حرية تكوين مقامه أيضا .وجاء النص في البدء بالاتفاق لأن اصل العلاقة المتبادلة بين الناس تدور حول احترام كل واحد للآخر وتقدير مقامه ولا يكن إلا بمعرفة الذات لمقامها أولا، وما جاء هذا إلا رغبة في تأكيد ذلك لأنها تفتقده في هذا العصر فتطالب به وتنشده .

يختتم الشاعر قصيدته بذكر العزاء فهل هو مناسب للمقام هنا إلى العام الجديد؟ وكيف يربط بالعنوان؟! هو يستدعي فينا هذا العام بكل ما فيه من أوجاع ليوجه فينا السؤال بكل ما يحمله العام من أوجاع كيف سنستقبل العام الجديد ونبرة الحزن لم تشف بعد ولم نواجه أنفسنا بعيوبنا ونتخطى ما غرقنا به من ازدواجية مقيتة .

تشتغل الخاتمة في الجزء التحتي/ تحت إذ تأخذ الكلمات هذا المدلول من طمس الاشياء في عالم الـ (تحت) الأسفل بـ :(نغرق / ظلالنا / تحت رذاذ الشمس).

 قوى عليا العالم السطحي تحت القوى العليا

 تمارس فعل الغرق للآخر من الذات الإنسانية

 فتتركه في الأسفل شبه الذات أو الشبيه بالذات

نلحظ أن عامل الشد قائم بين الأعلى والأسفل بين قوى عليا تمارس سلطتها على أخرى سفلى. إن هذا الشد الحاصل بين الأثنين يدعم مساحة الحركة ويشكل عامل جذب وإثارة لدى المتلقي . كما تمثل الخاتمة جزءاً من الاتفاق الذي جاء في بدء القصيدة .

إن الخاتمة تكرس العمق / الظل، والظاهر/ العلن في إشارة إلى الشيء وما يحويه (الظاهر والباطن) فإذا كنا ما زلنا نعامل الآخر بالظل/بظلنا دون المواجهة فهناك اشياء ستحدث ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر في جو يسوده الخداع والنفاق . هذه الخاتمة الصادمة ينهي بها عامه ليستقبل عاما آخر فهل سيكون مثل سابقه؟!

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم