صحيفة المثقف

ما الجديد في الانتخابات الفرنسية 2017؟

waleed kasidalzaydiتمّكنَ حزب (الجمهورية للأمام) بقيادة مانويل ماكرون وحليفته (الحركة الديمقراطية) من الحصول على الاغلبية المطلقة من الاصوات في الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت يومي 11 و18 حزيران الجاري بواقع 355 مقعداً من أصل 577، في حين كانت هنالك توقعات باكتساح أكبر للأصوات من قبل حزب ماكرون بعد الثقة العالية التي أعطاها له الفرنسيون في انتخابات الرئاسة التي جرت يومي 23 نيسان و7 مايس من العام الحالي.

في حين حصل الجمهوريون وحلفائهم الوسطيون على 131 مقعدا، وكان الخاسر الاكبر هو الحزب الاشتراكي الذي فاز بــ 29 مقعدا فقط بعد ان كان يمتلك اكثر من نصف مقاعد المجلس السابق، اما اليسار الراديكالي فقد فاز بــــــــ 27 مقعدا، ودخلت ماري لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية لاول مرة الى الجمعية الوطنية بعد فوز حزبها بـــــ 8 مقاعد فقط.

والمثير للانتباه في الانتخابات التشريعية هو عدم اقبال غير متوقع من الناخبين حيث بلغت نسبة الممتنعين عن المشاركة أكثر من 57 %، وهي نسبة تاريخية لم تحصل في أية إنتخابات تشريعية في عهد الجمهورية الخامسة، بينما كانت النسبة 48.31 في عام 2012، وفي عام 2007 كانت 49.28%، وفي عام 2002 بلغت 50.51% . ولعل نسبة المشاركة في الانتخابات الاخيرة، تؤشر علامة على خيبة الأمل من مشاركة جماهيرية اوسع لدعم برنامج الرئيس ماكرون.

هذه الانتخابات التشريعية هي العاشرة، وتعد الاولى من نوعها التي لا تشبه أية انتخابات سابقة - كما ذكرت مجلة الاكسبريس الفرنسية- وذلك لعدة أسباب، أبرزها اكتساح حزب جديد لمقاعد الجمعية الوطنية، وصعود غير مسبوق للنساء في هذه الانتخابات فقد حصلن على 223 مقعداً بنسبة 38.65 بالمئة من مجمل المقاعد ولأول مرة في تاريخ فرنسا، بينما شهدت انتخابات 2012 وصول 155 إمرأة إلى الجمعية الوطنية بنسبة 26.9 بالمئة، مقابل 18.5 بالمئة في العام 2007، و12.3 بالمئة عام 2002. وبذلك سيكون نصف اعضاء البرلمان من النساء من بينهن اكثر من 30 إمرأة مغاربية سيحصلن على مقاعد، وهو حدث جديد يحصل لأول مرة في الانتخابات الفرنسية منذ 60 عاما.

ولعل هذا النسبة العالية من الفوز الذي أحرزته النساء جاء بعد أن قدم حزب ماكرون (الجمهورية الى الامام) قائمة متوازنة للجنسين، أي نصف المرشحين من النساء والنصف الآخر من الرجال، والتي استطاعت أن تحقق الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، كما أعطت حصة أكبر للشباب في تشكيلة الجمعية، فضلاً عن دخول وجوه جديدة في البرلمان أكثر من أي وقت مضى.

وقد تميزت هذه الانتخابات أيضاً بممارسات ومعطيات جديدة، أبرزها الدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي والذي كان مؤثراً في تغيير مسار نتائج الانتخابات.

وقد وصف المرشح الرئاسي وزعيم اليسار الراديكالي (جون لوك ميلانشون) ما حدث في الانتخابات الرئاسية والتشريعية بأنه ( ثورة مدنية)، قادها ماكرون بعد أن استخدم شخصيته في الانتخابات التشريعية أيضاً إثر فوزه في الرئاسة، متوخياً إبعاد الأحزاب الاخرى العريقة كالاشتراكي والجمهوري والجبهة الوطنية وغيرها. 

وكانت شعارات ماكرون التي طرحها في حملته الانتخابية قد مكنّته من الفوز، وأبرزها شعاره    " أنا مع أوربا بل ومع أوربا الفيدرالية "، والتي تمثلت بسعيه الى اجراء اصلاحات واسعة في مجالات العمل والبيئة والطاقة،، وهو حديث كان من المحظورات التي لم يكن يستطيع اليمين الحديث عنها من قبل، وفرض قواعد أخلاقية في الحياة السياسية، وإصلاح قانون العمل وتغيير منظومة الشغل، وتعزيز ترسانة مكافحة الارهاب، وتوجهاته نحو اشراك الشباب والمجتمع المدني بدلاً من إعادة تدوير الوجوه السياسية القديمة من جديد، وتخفيف القواعد التنظيمية التي يقول عنها مستثمرون إنها تكبّل ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

ومن بين أبرز نتائج صعود ماكرون وحزبه – وكما سبقت الاشارة اليه- هو الاطاحة بأحزاب تقليدية وعريقة كبرى، مثل الجمهوريين والاشتراكيين اللذين يمرون بأزمة سياسية شعبية ومالية أيضاً وحتى حزب الجبهة الوطنية، في حين استقطب ماكرون العديد من مرشحي اليسار وكوادره بحسب وصف مجلة (لو آن) الفرنسية، مما أدى الى استقالة الامين العام للحزب الاشتراكي من منصبه.

النتيجة باختصار هي تمكّن ماكرون، الذي لم يكن معروفا قبل ثلاث سنوات، من دخول الجمعية الوطنية بأغلبية مريحة أغلبها من الشباب والنساء تتيح له تمرير أي مشروع يطرحه خلال الخمس سنوات القادمة، ومن خلال الحصول على الاصوات اللازمة لتحقيق ذلك،  للقيام بالاصلاحات كان قد وعد بها الشعب الفرنسي.

وعلى الرغم من وجود تخّوفْ من سيطرة الحزب الواحد على المشهد السياسي الفرنسي كما يُروّجْ لذلك خصوم حزب "الجمهورية الى الامام" بقيادة ماكرون، إلا أن ما يبدد هذه الشكوك، هو أن حزب ماكرون ليس حزباً أيديولوجياً منظماً فهو يضم شخصيات من اليمين واليسار والمحافظين وشخصيات أخرى من المجتمع اللمدني وأنصار البيئة وغيرها.

 

وليد كاصد الزيدي

مدير عام العمليات السابق في مفوضية الانتخابات، وخبير انتخابات دولي سابق  لدى الامم المتحدة ومؤسسة الآيفس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم