صحيفة المثقف

تأثر اللغة الاسبانية بلادب و اللغة العربية

بات من المؤكد أن الادب العربي في الاندلس كان رافداً من الروافد التي صبت في الأدب الاسباني بوجه خاص وفي الآداب الاوربية بشكل عام، ولم يكن الادب سوى فرع من فروع الشجرة الكبيرة التي نمت في الأندلس وأتت ثمارها المتنوعه في ميادين المعرفة كافة، ولم يترك التقدم الحضاري الذي أحرزته الاندلس آثاره في الثقافه العامة في شبه الجزيرة الايبيرية بل تجاوزها الى دول اوربية اخرى.

يقرر اكثر الدارسين أن الاندلس وصقليه كانتا اوسع منفذين وبابين، انتقلت عنهما ضروب المعرفة والثقافة الى اوربا في القرون الوسطى ولقد استمر هذا التأثير قرونا طويله.

وكان من أثر هذا الانفتاح على الحضارة الاوربية إقبال المتنورين من علماء اوربا على الثقافة العربية بكل ضروبها وانكبابهم عليها بنهم وشغف شديدين، ولم يكن نقل هذه الحضارة ليتم بين عيشة او ضحاها، فقد ظلت ترجمة كتبهم المصدر الوحيد للتدريس في جامعات اوربا خمسة او ستة قرون فيما يذكره غرستاف لوبون.

ومن الخطأ أن نتصور تأثير الحضارة العربية في بلاد الاندلس اقترن بسنوات سيادة دولة المسلمين فيها، إذ أن هذا التأثير لم ينته بسقوط سنة 897 بل استمر بعد ذلك ممثلا في المورسكين.

وفي الاتجاه الادبي يرى الاستاذ جلال مظهر ان شواهد التاريخ قد دلت بوضوح انه لم ينشأ مثل هذا الأدب في اي جزء من أجزاء اوربا، فيما عدا اسبانية.

لقد مضت مراحل التأثير في الحضارة العربية في ثلاثة اشواط هي:-

عصر التأثير غير المباشر، وعصر الترجمة من العربية الى اللاتينية، وعصر الاستعراب قمة التأثير العربي،

ويتمثل في العصر الأول تأثير الاندلس في الحضارة الاوربية عن طريق البعثات العلمية التي كانت تفد اليها في عصور متقدمة حيث وفد الراهب الفرنسي جربرت دي اورباك في عهد الحكم المستنصر، وأصبح فيما بعد بابا روما، وكان دوره البارز في نشر علوم العرب،

واما العصر الثاني فيتمثل في معهد الترجمه الذي اسسه مطران طليطلة ريموند 1126-1152م ويعد من كبار مترجمي عصره، واستمرت حركة الترجمة في القرن السابع الهجري مقرونة بشخصية الفونسو العاشر الملقب بالعالم (650-681) حيث انتشرت حركة ترجمة الكتب من العربية ولم يقتصر على كتب العرب انفسهم بل كتب الامم الاخرى التي ترجمت الى العربية .

واما العصر الاخير فيمثل القرون الثلاثة الاخيرة من السيادة العربية في الاندلس وقد اتصف هذا العصر ب (القبول الاعمى لكل ما هو عربي والنظر اليه بوصفه الحجة النهائية).

ومن أقدم المحاولات لرصد اثار اللغة العربية في اللغتين الاسبانية والبرتغالية ما قام به فرانشسكوا مارينا حين احصى الالفاظ القشتالية ذات الاصل العربي المختصر وذلك سنة 1805 يليه المعجم اللغوي الذي اعده دوزي وانحلمان بعنوان (معجم الكلمات الاسبانية والبرتغالية المشتقة من العربية) وصدرت الطبعة الاولى منه سنة 1861 . والف ايكيلاث (معجم اشتقاقي للكلمات الاسبانية ذات الاصول الشرقية) غرطانه 1886.

وتتابعت المؤلفات في هذا الاتجاه على نحو ما يحصيه الدكتور حكمت الاوسي في بحثه عن التأثير العربي في الثقافة الاسبانية فيشير الى بحوث تناولت الالفاظ العربية والاسبانية والبرتغالية وبعض اللغات الاوربية الاخرى . ومن الدراسات التفصيلية التي كتبت مبكرا دراسة المستشرق ليفي بروفنسال عن اثر اللغة العربية في اللغة الاسبانية وهو في اصله محاضرة القاها في الجامعة المصرية سنة 1938 ويقرر فيها أن اللغة الاسبانية وجدت نفسها مضطرة على أن تأخذ من اللغة العربية لتسطيع التعبير عن المفاهيم الجديدة وبخاصة في مجال النظم والمؤسسات والحياة الخاصة. ويشير المستشرق مونتكمري واط على نحو تفصيلي الى ابعاد التأثير اللغوي للعربية في فنون الملاحة والمنتوجات الزراعية والمعادن في ضروب حياة الترف فيؤكد أن أكثر اسماء الالات الموسيقية من اصل عربي مثل العود والقيثارة والربابة والنقارة مما يشير الى إن هذه الالات دخلت اوربا بواسطة العرب . وهو ما يؤكده الدكتور عبد الرحمن الحجي في دراسته عن الموسيقى الاندلسية.

ومع هذا التداخل بين اللغة العربية واللغتين الاسبانية والبرتغالية يقرر عباس محمود العقاد ان هذه المفردات تملأ معجما غير صغير، ولكنه يرى أن العبرة ليست بدخولها في صفحات المعاجم ولكن بدخولها في الحياة الاجتماعية والمقاصد النفسية لانها لم تتمثل على الألسنة الا بعد أن تمثلت في احوال ونوازع الاحساس والتفكير.  ومن التأثيرات العربية الواضحة استخدام صوتي الخاء والثاء . فالاسبانية هي الوحيدة التي تستخدمها بين اللغات اللاتينية وكذلك استخدام ال التعريف التي دخلت كثيرا من الكلمات.

 

م.م. ابتهاج عباس احمد

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم