صحيفة المثقف

الحياة خيارات وأقنعة

wadea shamekh3تتشكل الطبيعة الإنسانية من عوامل شتى، منذ بزوغ صرختها الأولى الى عالم الطبيعة وقطع حبل سرها مع الرحم المكين، فلكل حياة شروط ووقائع .

الخروج من ظلمة الرحم الى الفضاء القصي للضوء والحلم لا يفترض القطيعة نهائيا وإن قطعَ الكائن حبله السري ورماه وترك الرحم ولن يعود له .

..........

لاشك ان النطفة التي ذهبت مسرعة للفوز ببيضة الأنثى لا تفكر بآلاف لحيامن في ماراثون الوصول الى تاج الحياة .

لحظة مارقة وجنون، لهاث سرير يوقد للحياة جذوتها، كلها عوامل تحترق لتكون مشعلا للكائن وهي يخرج من رحمة الرحم الى دياجير الحياة وظلماتها معا .

........

للحياة بداية ونهاية، وفصول تتلازم في ما بينها لتكتمل دورة استحالة الكائن،ولعل مايثري المقال هنا تشابه دورة استحالة الكائن بدورة الحضارات ونشوئها وانهيارها .

الانسان ممثل الحضارة الأول،وحامل سيميائها وتحولاتها، وهو عنوانها وشرفها وداؤها وداؤها .

.......

يخلص الفيلسوف الاجتماعي والرحالة الكبير ابن خلدون في كتابه المهم "ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر .."الى حقيقة مفادها إن" للدول أعمار كما للأشخاص أعمار، لا تتعدى مائة وعشرين عامًا، وتمر بثلاثة أجيال: الخشونة والبسالة في المجد، والترف والانكسار وضعف العصبية، والترف والعجز عن المدافعة وانقراض الدولة"

وللانسان مثلها اجمالا، فكيف يتمثلها ادوارا .. هل هي خيارات حرة أم أقنعة ووجوه ؟

.........

الانسان حامل شعلة الحياة يقف عند مفترق طريقين وهو ينشطر في خياراته بين ان يكون انسانا وبين ان يكون شبحا .

ان يكون انسان يعني وعيه في دورة استحالة الحياة وتمثلها بابداع وخصوصية وتفرد، لكي يكون انسانا ذو ابعاد متعددة، منفتح على الحياة بأفقها العام وله لونه وصوته وقامته واحلامه، وبين ان يكون الانسان ذو البعد الواحد، الشبح، البوق، الواحد المساق في قطيع .

................

خيارات الانسان تشير الى وعيه للوجود، الى اسئلته التي لا تصدأ، الى دهشته المستديمة، جرأته الواخزة، حيويته في الابتكار والتجدد، انسانيته المشرقة، نوافذه القصية على الآخر، كائن الخيارات هو حواري بامتياز، ولا حجة دامغة له، ولا يقين .. انه دائم التلمذة في مدرسة الحياة .

الاقنعة تعني الطرق المسدودة، اليقين القار، حنجرة القطيع، لهاث خلف السراب، صمت الفضة بثمن الذهب، الانكفاء حول الشروط، الذهاب الى النفق بكامل العبودية .

الاقنعة تلد اقنعة ومكائد ودسائس، تُفقّس أكياسا سوداء لتكميم الرؤى، وهي حاضنة أمينة لجلد الذات والركض وراء سراب النهايات .

............

الكائن ذو الخيارات يحيا وصاحب الاقنعة يجيد صناعة الموت بحرفة عالية، الحياة بمعنى الولادة الوجودية للسؤال، والخلود بتناسل المشاعل، بينما الاقنعة مقبرة عامرة بالصمت والعويل ..

الانسان الحقيقي خُلق لكي لايكون نسخة من أخر حتى مع توأمه، حتى مع كل سلالته، رغم وجود تشابه جيني وشكلي معلوم، فلكل كائن بصمة خاصة به، عليه ان يعي انه خرج من الرحم وحيدا وبصرخة خاصة، رغم انطلاقه لمسيرة الحياة المتعددة الخيارات .

حرية الكائن من عبوديته هي قرار فردي اولا لان البدايات واحدة وخط الشروع واحد،

ومع تباين الظروف والحاضنات، وكثرة المغريات والعصي والجزرات، وتكالب الموضوعيات على سلب حرية الشخص، وانسياق القطيع الى نفقه وصوت الرعاة، تبقى للانسان مسؤوليته وخياراته، احلامه، وجنونه.. ثورته الداخلية على المحيط المطوق بالسياط .

..............

الحضارات هي سؤال الانسان ودرسه المديد، وان تشابهت شكليا في ادوار استحالتها معه، فلأنه صانعها بحريته وابداعه ونزوعة للتعايش مع الآخر وفقا للخيارات وليس الاقنعة ..

عندئذ يكون الانسان والحضارات توأمين مشعين يتبادلان شعلة الحياة بوفرة وجودية عالية .

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم