الرئيسية

افلاطون وميتافيزيقيا عصر النهضة (2)

ali mohamadalyousifيبين ان الجدل الدائر عن الخلود موجّه باسره ضد علم اللاهوت الطبيعي، يريد(بومبو ناتنزي) ان يسخر منه واراد ان يدافع من خلال اظهار ان النفس بطبيعتها فانية، عن الارثوذوكسية ضد الافلاطونين، فالديانة الارثوذكوسية وحدها تضم الحقيقة، أي بعث الجسد من خلال العناية والخلاص الفائقين للطبيعة.

وفي دفاعه عن الموقف الارسطي لم يكن موفقا، في تأكيد ان النفس تتحد على الصعيد الفردي مع الجسد في وجوده، وقد اذهله السؤال عن السبب في ان العقل ليس عضواً يسكن اليه. ومما له اهمية اذا كان قبوله الرد المسيحي على الموت املته عليه النفعية والخوف من الاضطهاد، أو انه كان يؤمن فعلا بذلك!؟

التفلسف الافلاطوني يعني على نحو ما رأينا تدريبا على الموت، والموت هو لحظة التحقق العظمى التي تنفصل فيها النفس عن الجسد. فانه كان يعني لمونتاني ان نتعلم كيف نقبل الموت باعتباره الفناء النهائي للشخصية الانسانية(1).

ومونتاني رغم كونه مسيحيا بالاسم فحسب اذ ان سخريته من القس لا حدود لها، الا انه يعارض الالحاد بشدة، وغالبا ما كان يوحد بين الله والطبيعة والقدر.

وبمجيء جيورد انو برونو الذي يندفع في فهم الدين والحياة والموت والروح من منظار (كوني Cosmology) فبعد ما جعل كوبر نيكوس الشمس مركز الكون، أو بالاحرى مركز المنظومة الشمسية فقط، اطاح برونو بهذا المجد لكوبرنيكوس قائلا ان الشمس مركز الكون لكنها مجرد جرم صغير و(نجم) من نجوم وشموس اخرى.... ويبدو ان الكنيسة التي مررت على مضض لكوبرنيكوس وغاليلو مركزية الشمس، الا انها لم تفّوت تطاول برونو على الشمس ذاتها واعتبارها جرما صغيرا، فما كان منها إلا ان احرقته على الخازوق، وقال برونو على لا نهائية الكون (ان من يظن انه ليس هناك من الكواكب اكثر مما نعرف بالفعل يشبه في غروره ذلك الذي يعتقد انه ليست هناك طيور اخرى تحلق في الهواء غير تلك التي يراها من نافذة صغيرة) (2).

بل ان برونو يعني متجاوزاً هذا بقوله: (ان من يعتقد ان في الفضاء اللامتناهي وفي العوالم التي لاحصر لها، والتي من المؤكد ان معظمها يتمتع بحظ افضل من حظنا، ولا يوجد في الاجرام الا الضوء الذي نراه، هو شخص احمق تماما، انه لمن السخف ان نفترض انه لا توجد كائنات حية ولا عقول اخرى أو حواس اخرى غير تلك المعروفة لنا)(3).

ان هذا السبق والتوقع الذي يرقى إلى مرتبة النبوّة يبدو اكثر قدرة على التأثير من حيث انه قيل قبل اختراع التلسكوب، وفي وقت لم يكن فيه عدد النجوم التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة يتجاوز (1500) نجما.

يحتل (اسبينووزا) مكانة مرموقة بين فلاسفة القرن السابع عشر العظام وكان بدوره ينشد الخلاص في طريق يتعارض فيه مع كل من (باسكال) ومع التراث المسيحي اللاهوتي بصورة عامة، وهو نموذج الفيلسوف الذي دعا وطبق على نفسه عدم الاكتراث للموت واللامبالاة. وبهذا الصدد يقول ان الانسان يعيش في هدي العقل، ولا يقوده الخوف، وانما يرغب بصورة مباشرة فيما هو خير، وبتعبير آخر، يكافح من اجل التحرك والحياة، والحفاظ على وجوده على اساس من السعي الحق، ولذلك فان مثل هذا الانسان لايفكر في شيء اقل مما يفكر بالموت، وحكمته تأمل الحياة(4).

واسبينوزا لا يقصد بعدم التفكير والاكتراث للموت، ان تنتاب العقل السليم الذي تتقاذفه الهواجس من الموت والرعب في ما يشل مقدرة الانسان من توظيف سلامة عقله في معرفة الموت، وقرن سلامة العقل بالحكمة والحرية في التفكير.

يقول وولفسون (ان تصور اسبينوزا لخلود النفس يمكن ان ينظر اليه مرتبطا بالتصورات الاخرى للحياة الآخرة، باعتبارها اما تأكيدا للخلود أو نفيا له، غير انه بقدر ينكر استمرار وجود النفس بعد الموت بكاملها، وبقدر ما ينكر امكان فناء النفس تماما فانه يظل تأكيدا للخلود)(5).

يصف براتراندرسل الفيلسوف (ليبنتز) بانه واحد من اعظم العقول في كل العصور، الذي يقول ما من كائن حي يفنى تماما، هناك تحولات فحسب، وبذل جهودا كبيرة في فلسفته لتحقيق مصالحة بين الدين والفلسفة، ويؤكد ليبنتز التفريق بين الخلط بين غياب طويل عن الوعي، ينبع من تخبط عظيم في الادراك، ويعتقد ان الحيوانات العامة لا تولد كلية من خلال الحمل أو التوالد، وبالتالي فانها لاتعود وتفنى كلية في ما نسميه بالموت، ذلك ان العقول ان مالايأتي إلى الوجود من خلال الوسائل الطبيعية، ينبغي ان لايصل إلى نهايته في مجرى الطبيعة(6). ويختتم انه من الضروري ان نربط بين الوعي الاخلاقي وبين اصحاب الميتافيزيقيا، أي ان على المرء ان يعتبر الرب لا المبدأ هو المسبب لكل الجواهر وجميع الموجودات.

اشتغالات علم الميتافيزيقيا، أي ما وراء الطبيعة، هي عن الخالق (الله)، الاساطير والميثولوجيا، نشأة الاديان وطقوسها، والنصوص المقدسة، كما تبحث الميتافيزيقيا في مسائل النفس والروح والخلود والفناء، ومن اشتغالاتها البحثية ايضا الزمان والمكان، وما يتصل بهذه العناوين المذكورة من مديات استقصائية فلسفية، دينية، اجتماعية، واعتبرت الميتافيزيقيا عبر العصور فكرا خصبا بل وشديد الخصوبة، ينافس الفلسفة واحيانا يحتويها، فالفلسفة على تعبير المفكر محمد الشيخ هي ميتافيزيقيا بعينها وكانت تسمى ملكة العلوم، وقد ردد شوبنهاور: الانسان كائن ميتافيزيقي.

واول من فرق بان الحيوان لايدرك الموت، بخلاف الانسان الذي يعي جيدا حتمية الموت هو فولتير بمقولته: ان الجنس البشري هو الجنس الوحيد الذي يعرف انه سيموت.

ومعرفة الانسان للموت تعلمها وجاءته عن طريق التجربة، وتعتبر الميثولوجيا الدينية في قتل قابيل لاخيه هابيل، وفزعه واضطرابه ماذا يفعل بجثة اخيه القتيل، حتى وجد غرابيين يقتتلان حد الموت، فوارى احدهما (القاتل) الغراب الميت تحت التراب، فقام قابيل في محاولته ستر فعلته النكراء بان دفن جثة اخيه تحت التراب، كما فعل احد الغرابين بالآخر.

وتعتبر الميثولوجيا الدينية مقتل هابيل علامة مفصلية فارقة في تاريخ البشرية في معرفة معنى الموت، واستطاع الانسان البدائي اكتشاف حتمية الموت بعد مراحل طويلة قضاها، حينما تجاوز مراحل العقلية البدائية، أي حينما كف الانسان ان يكون بدائيا على حد تعبير جاك شورون.

وقبل انتقالنا لميتافيزيقيا افلاطون وصولا الى آراء بعض فلاسفة عصر النهضة، نشير الى افكار فلسفية عرضية كمثل العبارة لفيلسوف يوناني مجهول: (الاموات يحكمون الاحياء)، عبارة فلسفية ميتافيزيقية عميقة المعنى والتأويل والاستدلال أخذت بعداً تاريخياً راسخا في فلسفة الميتافيزيقيا، فقد أفاد منها ماركس وآخرين سبقوه، ومن جاؤوا بعده، رددها في تنظيراته الفلسفية بنفس المعنى: هناك (كم) هائل من افكار وموروثات الاموات تجثم على صدور الاحياء من البشر.

والعبارة اليونانية (الاموات يحكمون الاحياء) ذات مدلولات فلسفية رغم اختصارها بالمفردة اللغوية، لكن اكتنازها بالمعنى وهي تنطبق اليوم على معظم شعوب الدول النامية، وبوجه التحديد منها شعوب الوطن العربي، في تكبيل الموروث التاريخي والحضاري المتحفي فقط، نهضة الشعوب العربية ومنعها ان تعيش عصرها، بهيمنة الموروث على حركة الحاضر والمستقبل، فيما الاموات يحكمون الاحياء بحق.

وفي نبرة تفاؤلية على غير ما أنهى سقراط حياته، والروائي الامريكي آرنست همنجواي، هو الآخر مات منتحرا رغم مقولته الشهيرة التي كتبها في تصدير روايته الشهيرة (العجوز والبحر) قائلا: (قد يتحطم الانسان لكنه قط لا يهزم). وفي المعنى ذاته يذكر الروائي المغربي محمد الاشعري على لسان بطل روايته (القوس والفراشة): (كلنا ننهزم امام الموت، لكن لاشيء افضع من الهزيمة امام الحياة).

ويبقى الموت اكبر من كل مصائب الحياة واحزانها والامها، فالموت يمثل اوج ذروتها وبداية نهاية للانسان على الاقل بايولوجيا، ومفهوما ميتافيزيقيا ملغزا يثير التساؤلات الازلية الدائمة.

كتب آرنست كاسبرز يقول: ان العقل وهو على مستوى الميتافيزيقيا لابد له ان يسعى الى ادلة لبقاء الروح بعد الموت، وتسود العلاقة العكسية في بداية الثقافة الانسانية، ان ما يتعين اثباته هنا ليس الخلود وانما الفناء(7).

كما نعت الشاعر البرتغالي (بيسوا) الميتافيزيقيا انها امتداد لجنون خفي ليس الا. من جهة اخرى قال اونا فونو: (أننا لا نحيا الا على متناقضات، ومن اجل متناقضات، فليست الحياة الا مأساة وصراعا مستمرا لايعرف الانتصار، بل ولا حتى امل الانتصار، انها تناقض ولا شيء سوى التناقض، ان فكرة الموت، تقض مضجع الانسان وتقلق بالهُ، وتكاد تلاحقه في حلّه وترحاله. حتى ان الضمير ليخفق دوما بتلك القشعريرة الاليمة التي يسببها سر الموت وما قد يجيء بعدهُ)(8).

ويؤكد ماكس شيلر (1784-1928) وهو فيلسوف ظاهراتي اجتماعي، أخذ عن (هوسرل) منهج الظاهريات وطبقه على مجالات الاخلاق وفلسفة الحضارة، يذهب شيلر ان الانسان يعرف على نحو حدسي انه يتعين عليه ان يموت، وان الموت مدركه حتى ولو كان وحيدا في العالم ولم يسبق له قط ان شاهد مخلوقات او كائنات اخرى عانت الموت وتحولت الى جثة، فالموت حسب شيلر قبلي سابق على اية ملاحظة (حيث ان الموت ليس احتضارا عرضيا بدرجة او باخرى يدركه هذا الفرد او ذاك، وانما هو جزء لا يتجزأ من الحياة)(9).

ويضيف شيلر، الموت ليس جدارا نرتطم به في الظلام، وليس سحقا للكائن الحي، على يدي قوى خارجية معادية، صحيح ان الموت قد يحدث بتأثير ما، عمل يقوم به الكائن الحي ذاته باستمرار، واختصارا فان هناك يقينا حدسيا بالموت، وبقدر ما يتعين علينا ان نعزو لكل حياة شكلا من اشكال الوعي، ينبغي علينا ان نعزو لها ايضا ضربا من اليقين الحدسي، ويتسائل شيلر كيف يمكن اثبات (الخلود)؟ انه لايمكن اثباته، فان تكن (خالدا) فهي واقعة سلبية لايمكن اثباتها لانها لاتقبل برهانا(10).

كما نعت هيدجر اصطلاح الميتافيزيقيا بثلاث نعوت قاسية: انه مفهوم سطحي شكلي، وقلق مضطرب مشوش، وغير مستوف المضمون، الذي وضع له، ولا مكترث باشكاله، كما قال ان الميتافيزيقيا علم غامض، وقيل فيها ضدا، انها الوضوح بعينه. كما يعتبر هيدجر القلق هو يكشف عن العدم الذي يحدد اساسا الوجود الانساني، وهو يربط بشكل وثيق الصلة بظاهرة السقوط في (الناسية) الذي هو استسلام الانسان للعالم، والتحلل في الكلية (العام) أي اندماج الفرد بالمجتمع، ونسيان الوجود الحقيقي، وهو بتعبير هيدجر يعني فرار الوجود الانساني من ذاته، ومن امكانية ان يكون المرء ذاته الصحيحة، وما نهرب منه انما هو الوجود الذاتي الحقيقي الجوهري. هنا يصوغ هيدجر مفهوم الاغتراب الذاتي، اغتراب الذات (الأنا) عن (أناها) العليا المثلى بالقيم.

ويذهب ابيقور الى انه ما دامت الروح موجودة، فانها تبتلى بالمرض الذي تسببه المعتقدات الدينية من خشية الالهة.

ونشير الى ما ذهب له الرواقيون، عن النار الخلاّقة باعتبارها المبدأ الروحي والمادي في آن معا، وعندهم ان العالم ليس واقعا تحت رحمة (الصدفة) وانما هو يخضع لقوانين كونية، والعناية الالهية التي تحكمه سامية في مكانتها، وفي هذه الضرب من وحدة الوجود، نجد موقفا وسطا بين النزعة التشبيهية المنتمية الى الديانة الشعبية، والنزعة الالحادية الابيقورية، ان النفس البشرية ذات طبيعة مادية، وهي تنشأ مع الجسد، وان كانت مادتها اكثر نقاءا او اكثر نبلا، انها جزء من الروح الالهي التي صدرت عنه في نهاية العالم.

ويتساءل سنكا (4 ق.م – 65م) أليس بمقدوري ان أبحث عن بدايات الاشياء كافة، من الذي شكلها، ومن الذي ميّز ما كان ملقى في كتلة مختلطة غير متميزة ؟ اليس باستطاعتي تساؤل من هو مبدع هذا الكون كله؟ أينبغي عليّ ان اكون جاهلا بالمكان الذي انحدرت منه؟ والى اين انطلق من قيد البشرية؟ (11).

كتب الاستاذ صلاح سالم: ألهمنا المسيح مفهوما عن دين مجرد يمثل اجابة عن السؤال: كيف تحيا ذاتك؟ وتواجه هذه الذات، تقمع غرائزها، ومطالبها، وليس اجابة السؤال: كيف نعيش العالم مع الاخرين، وكيف نغيّره للافضل، نهضت الكاثوليكية، أي تأسست وتمت في ظل علاقة مراوغة مع المفهوم المسيحي، عن الانسان اذ كان عليها ان تدير موروثا روحانيا، يدعي السمو على الارض، من ناحية، فيما تحيا معضلات الواقع من ناحية اخرى، وقد دفع بها هذان الامران الى تناقض وجودي بين روحانية نظرية، ودنيوية عملية، كانت كفته تميل باستمرار ضد الروحانية الصرفة، ولمصلحة الانشغال على قلب الاقطاع الاوربي(12).

يبدو لنا ان هذه الاشكالية التي طرحها الاستاذ صلاح سالم هي ذات الاشكالية الازلية التي صاحبت ظهور الديانات السماوية وغير السماوية ولا يمكننا فصل ما هو دنيوي، عما هو روحاني آخروي الا في اديان لا سماوية كما في البوذية مثلا، لكنها كأشكالية قديمة – حديثة هي قائمة في جميع الاديان تقريبا، ولكل مجالات اشتغاله.

نيكولوميكافيلي (1949- 1527) كان ابن محام في فلورنسا، اهم كتبه (الامير) و (الخطابات)، صاحب القول بعد اعدام المصلح الدومنيكاني (سانفونارولا) حرقا عام (1498) الانبياء غير المسلّحين يخفقون دائما. ويمكننا تعميم العبارة على الكثير من الانبياء والرسل والكهنة في مختلف الديانات. هذا حدا بماركس ان يقول ان تاريخ البشرية هو تاريخ القوة، ومن المرجّح انها مستمدة عن نيتشه في مقولته عن (السوبرمان) التي بدورها مهدت لظهور النازية.

كما يؤكد ميكافيلي ان كل حرب تصبح عادلة عندما تصبح ضرورية، ومنها تحولت فكرة (العدالة) من الجانب الاخلاقي الى الجانب النفعي البراجماتي.

الدين في نظر وليم جيمس (1842-1910) احد ابرز اقطاب البراجماتية الامريكية: هو مجموعة وجدانيات وافعال وتجارب يعانيها الافراد في وحدتهم، وكلما ادركوا انهم على علاقة مع شيء يعتبر (الها). والدين يقدم لنا نفسه اولا على انه امر خطير الشأن لانه افترض اننا سنجني من وراء اتباعه خيرا كثيرا، نحتاج اليه في حياتنا، وسنخسر بالاعراض عنه ذلك الخير الحيوي، ويقدم الدين ثانيا على انه تخيير ملزم ضروري لان ذلك الخير متوقف عليه(13).

ويضيف وليم جيمس القول بوجود الله، بقطع النظر عن الادلة الخارجية يحتل مكانا طبيعيا في نفوسنا، منسجما مع طبقة عقولنا كمفكرين، واضاف ينبغي لنا كفلاسفة ومن اجل تحقيق غايتنا من ايجاد نظام اخلاقي موحد، وذلك ان نفترض وجود الله، وان نتمنى انتصار الدين على الالحاد، كما ان الدين عند جيمس اعتقاد فردي وموقف شخصي لا يقرّه منطق العلم، ولايدعمه مصدر سماوي.

وقد أقرّ بعض اللاهوتيين صراحة بالصعوبة التي يمثلها مبدأ البعث، هكذا يحاول جيمس على سبيل المثال التغلب على تلك الصعوبة: من الواضح ان ذلك لايعني ان الجسد المعّين هو جسدي في الوقت الراهن سيستمر الى الابد، فعناصره في الحقيقة لن تدوم سبع سنوات، لكن يعني انه ستكون هناك استمرارية لشخصيتي، وان الله يقدر الشخصية والفردية الانسانيتين(14).

ولكن (جاروسلاف بيليكان) يقول: ان موت الانسان لايمكن فهمه عن موت المسيح، والشكل الذي يمكنه ان يقول كل هذا هو الصليب، والصليب يترك اسئلة عديدة دون اجابة وشطرا من الموت دون رصد.

مع مونتاني ظهر في العالم الغربي ردا على الموت قدر له ان يكون البديل الاكثر شيوعا في الاعم الغالب للرد المسيحي على الموت، وان طبيعة الموت كفّت ان تكون القضية الرئيسة، فالموت اصبح ينظر اليه على نحو ما يبدو للحس العام أي باعتباره فناءا شاملا. والحياة مقدر عليها الموت، ذلك الموت الذي يتهددها في كل لحظة، فما الذي يمكن للمرء ان يفعله ازاء تسلط فكرة الموت عليه، والاثار التي تصيبه بالشلل والمترتبة على الخوف من الموت؟. ان على المرء - حسب مونتاني – ان يتعايش مع هذه الفكرة والطريق لذلك هو الفلسفة هي التي يمكن ان تعلم الانسان كيف لايخشى الموت والاحتضار، ويكرر مونتاني نصيحة سنكا، انه على المرء ان يألف الموت، وعليه ان يبقي نعليه في قدميه طول الوقت، وان يستعد للرحيل بمجرد اخطاره!! وان من يتعلم الموت ينسى العبودية، ان الموت المخلّص يحررنا من كافة القيود من العبودية، ومن يعرف ان الحرمان من الحياة ليس شرا سيعرف كيف يتمتع بالحياة(15).

ونجد في مؤلف مونتاني (مقالات 1580) ما ساهم في تغيير نظرة مونتاني للموت فأخذ يردد (اننا نعكر صفو الحياة بخشيتنا من الموت، ونعكر الموت بانشغالنا بالحياة)، ويرى ان من المؤكد الاستعداد للموت خلق من الاضطراب ما يفوق ما خلقه الموت ذاته، وتواجه مونتاني ان الهدف من سعينا الى الموت، الى انه الى حد قوله اصبح واضحا انه نهاية الحياة وليس هدفها. من الجلي ان تعريف مونتاني القائل: ان التفلسف هو ان تتعلم كيف تموت، له معنى مختلف تماما عن المعنى الذي كانت الفلسفة تعنيه بالنسبة لشيشرون الافلاطوني الذي ينقل عنه مونتاني قوله: بأن التفلسف لا يعد ولا يكون استعدادا للموت.

 

علي محمد اليوسف / الموصل

 .....................

(1) نفس المصدر السابق بتصرف، ص111.

(2) الكون اللامتناهي.

(3) نفس المصدر السابق.

(4) كتاب الاخلاق لاسبيوزا، ترجمة الويز،1951.

(5) وولفسون، فلسفة اسبينوزا، نيويورك، 1958، ج3، ص322.

(6) جاك شورون، مصدر سابق، ص141.

(7) نقلا عن جاك شورون، فلسفة الاشكال الرمزية، 1995، ج2، ص37.

(8) د. عبداللطيف الزكري / عالم الفكر، مج41، ع2، 2012، ص307.

(9) جاك شورون، مصدر سابق، ص19.

(10) نفس المصدر السابق، ص20.

(11) جاك شورون، مصدر سابق، ص71.

(12) صلاح سالم، مجلة العربي، شباط، 2013، ص23

(13) د. محمد الشيخ، عالم الفكر، الكويت، مج41، ع2، 2012.

(14) سكريبنر، 1953، ص126.

(15) جاك شورون، مصدر سابق بتصرف، ص107.