الرئيسية

ميثيولوجيا الخلود في البوذية

ali mohamadalyousifاثناء حياة مؤسس البوذية جوتا ماشاكيا سوني اظهر الكثير من الازدراء للاراء الفلسفية التي لا تساعد الفرد بشكل مباشر اكتساب الاستنارة الروحية. ولم يكن مهتما ان يرسم حدودا للكون، أو ان يجيب عن اسئلة فيما اذا كان هذا الكون ابديا ام لا!! لكن التعليم البوذي انتج صورة مفصلة عن التناغم الكوني، في ما يتعلق بدراما الخلاص، بمعنى الرحلة الطويلة التي تسلكها الروح منذ وقت تجسيدها من جديد في عالم الجحيم، إلى عالم النعيم السماوي، وصولا إلى الخلاص الاخير، وهروبها من اعادة الولادة نهائيا(1).

تتكون الأرض في الفكر البوذي من قرص كبير مكون من اربع قارات، ومحمولة من تحتها بمحيط دائري واسع، وهذا بدوره محمول على كتلة من الأرض الذهبية، وهذه أيضا محمولة على طبقة هائلة من الهواء وكلها تستقر في الفراغ، ويتكون سطح الأرض من جبل عملاق في الوسط (جبل ميرو أو سوميرو) والذي يمتد ارتفاعا إلى السماوات. يوجد حول الجبل الضخم سبع حلقات من سلاسل الجبال، التي تتناقص في ارتفاعها نحو الخارج، بين كل سلسلة جبلية والاخرى يوجد حلقة من البحر. حول الحلقة الخارجية من سلسلة الجبال، وعند نقاط الاتجاهات الأصلية الأربعة توجد القارات الاربع مع جزرها الصغيرة، ويحيط بكامل القرص الارضي والمحيط حلقة من جبال عالية من الحديد تسمى (شاكرافالا) حيث اخذت كل المجموعة الارضية اسمها( 2).

احد الاساسيات في النظرة البوذية للحقيقة هي الاعتقاد ان كل الكائنات هي بالضرورة تولد وتنمو لتصبح كهلة وتموت ثم تعاد ولادتها مرة بعد مرة بسبب رغباتها، وتوقها الشديد اثناء الحياة. بعد الموت يمر الإنسان في العديد من التجارب ومنها الحساب القاسي والعسير تسمى الفترة (بين الحيوات) في التبت، وتعني (الشيء البيني) ثم يعود الميت عن طريق اعادة ولادته في جسم جديد، وبشكل طبيعي يوجد لديهم ستة احتمالات للعوالم التي تعاد فيها الولادة، والتي تقع على الأرض أو تحتها أو فوقها. عجلة الحياة والموت في البوذية، ان الإنسان يولد ويموت في عالم واحد فقط، ولكن ولادته في هذي الحياة ثم يموت في عالم اخر، اعتمادا على حياته السابقة أو (الكارما) حياة الفرد. حلقة من حلقات الحياة إلى مالانهاية، حتى يتم خلاص الإنسان عن طريق تحرير (النارفانا) Narvana(3 ).

يوجد الجحيم في اعماق باطن الأرض (عادة ثمان درجات) وكل درجة سفلى من الجحيم يكون التعذيب فيها اشد واقسى مما يعلوها، هؤلاء الاشخاص سيئو الحظ الذين تعاد ولادتهم في الجحيم، سيقضون حياة من المتوقع ان تكون ملايينا من السنين. كما توجد مواضع اخرى على القارات الاربع للتعساء ممن تعاد ولادتهم في شكل حيوانات أو اشباح شريرة جائعة.

ويعيش على هذه القارات الاربع الذين يولدون كبشر أيضا. ويوفر الجبل المركزي للعالم المسمى ميرو Meru المكان لاعادة الولادة (البعث الجديد) انصاف الالهة، وإله هذا العالم (ديفاس Devas) ويستقر انصاف الآلهة عند قاعدة الجبل، يتمتعون بحياة كلها بهجة وسعادة ولكن تغذيهم الغيرة من الحياة الاكثر رغدا التي يحياها الالهة فوقهم. ومن ثم حينما لايسرفون في شرب الخمر أو ممارسة الجنس، يشن انصاف الالهة الحرب على رؤسائهم ويخسرونها مرة تلو الاخرى (4).

العقيدة البوذية في تطور البعث مرت رغما من ذلك بتحول تدريجي في الوقت الذي تطورت فيه البوذية الهندية عبر القرون منذ ابتدائها، وكان هذا التحول فجائيا، حينما دخلت البوذية مناطق شرق اسيا في القرون الاولى بعد الميلاد، يتحول مؤسس البوذية شيئا فشيئا إلى شخصية إلهية، مع اضفاء طاقات كبيرة عليه اكثر فأكثر مع مرور الوقت. زيادة على ذلك تنامي العادات والطقوس البوذية المختلفة، تمت أيضا الفكرة التي تقول: حيث ان الكون يتضمن منظومات عالية ضخمة، فبكل تأكيد لابد من وجود شخصيات اخرى لبوذا في المجرات الاخرى. وهذه الشخصيات لبوذا لها نفس الطاقات والقوى تماما مثل بوذا المعروف لنا في هذه الأرض. واعتقد ان مثل هذه الشخصيات لبوذا تحكم أيضا في هذه المنظومات العالية والتي تتميز بوجود جنة ونار وانبعاث. ان هذا الاعتقاد بوجود شخصيات لبوذا في عوالم اخرى والممارسات المؤدية إلى البعث في (الأرض الطاهرة) اصبحت شائعة جدا في البوذية المتأخرة وخاصة في الصين وكوريا واليابان، وتطورت مدارس البوذية الجديدة تماما حول موضوع الأرض الطاهرة في السماوات مثل السماوات (الجنة) التي تسمى سوخافاتي Sukhavati، يحكمها بوذا المسمى اشوبها يا Ashobhya نظريا. ان الهدف من وراء البحث عن البعث تلك في الأرض الطاهرة هو تسهيل السعي النهائي وراء الخلاص من الخطايا ولكن حقيقة الامر في البوذية الشائعة هي ان معظم الناس اكثر اهتماما بالسعادة في الجنة، اكثر من الخلاص الروحي، وبالرغم من ان البوذية الحديثة في اماكن مثل التبت ونيبال وسريلانكا وتايلند وبورما لا تقبل عادة هذا الشكل من البوذية، وان الأرض الطاهرة النقية في السماء شائعة جدا في ايامنا هذه في الصين واليابان(5).

 

علي محمد اليوسف/ الموصل

...........

(1) الموت في الفكر الفلسفي الغربي،  سلسلة عالم المعرفة، جاك شورون، ص213.

(2) المصدر السابق، ص214.

(3) المصدر السابق بتصرف، ص101-104.

(4) المصدر السابق، ص216.

(5) المصدر السابق، ص216-219.