صحيفة المثقف

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية: قضايا عامة

karima nooresawiمقدمة: من سنن الله في خلقه تعدد اللغات. قال سبحانه وتعالى: « وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ»[1]. غير أن هذا التعدد لا يتعارض في الوقت نفسه مع الدعوة المباشرة إلى التعارف والتفاهم والحوار بين أبناء المجتمع الإنساني. ومن هنا كانت الترجمة هي الأداة الأساسية لتحقيق هذه الغاية. ولقد تنبه القدماء إلى هذا الأمر فلم يترددوا في ترجمة ما يحتاجون إليه من معارف إلى لغاتهم الأصلية. وينطبق هذا القول على العلماء المسلمين وعلى غيرهم. وإذا كانت ترجمة بعض الحقول المعرفية من لغة إلى أخرى قد تفتح بابا واسعا للتثاقف، وقد تكون وسيلة مثلى للتلاقح بين الحضارات فإن النص الديني حينما يُنقل من لغة إلى أخرى يكون محملا أحيانا بخلفيات إيديولوجية وعقدية. وهذا ما سيتجلى في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية. فما هو المسار الذي قطعته هذه الترجمات عبر تاريخ يمتد من ما قبل القرن العاشر الميلادي حتى الآن؟ وما هي أهم خصائصها؟

ترجمة الكتب الدينية ما بين الحاجة والواجب

عرفت الكتب الدينية، منذ ظهورها، ترجمات عديدة إلى غير اللغات التي كُتبت بها في الأصل. وكان ذلك في الغالب استجابة لظروف سياسية ودينية معينة. ولا شك في أن ترجمة التوراة إلى لغات أخرى كانت تعكس بشكل ملموس التحولات التي طرأت على اللغة العبرية، والتي انتهت بتراجعها أمام اللغة الآرامية، وتوقفها تماما عن الاستعمال. فقد تبنت الدولة الأخمينية اللغة الآرامية لغة رسمية للبلاد، الأمر الذي أدى إلى اتساع مجال استعمالها لدى اليهود بما في ذلك يهود مصر الذين تبنوا حسب وثائق إلفنتين ( Eléphantine ) في القرن الخامس الميلادي اللغة الآرامية، واستعملوها للتواصل مع إخوانهم في فلسطين. و ليس صدفة أن تُكتب بها أعمال دينية مثل حكمة أحيقار، وسفر أخنوخ (Apocryphe de la genèse Le testament de Lévi )، إلى جانب نصوص أخرى تم العثور عليها ضمن مخطوطات قمران.

 وبدأت قصة ترجمة التوراة من العبرية إلى الآرامية أو ما يُعرف بالترجوم في الكنائس اليهودية حيث جرت العادة أن يقرأ الربي التوراة باللغة العبرية، وأن تُصحب هذه التلاوة بترجمة شفوية باللغة الآرامية تكون موجهة لأولئك الذين يجدون مشقة وصعوبة في استيعاب وفهم معاني التوراة في لغتها الأصلية. واشتهرت هذه الترجمة بحرفيتها. إلا أنها تعدت في المقابل ترجمة النص الأصلي إلى شرحه وتأويله . إنه شرح وتأويل يعبر، حسب أحمد شحلان، عن نظرات وتأملات صبغها الأحبار بواقع الحال[2].

أما أقدم ترجمة للتوراة، فهي تلك التي كانت بأمر من ملك مصر بطليموس فيلادلف. وقد أسهم في إعدادها، كما تُخبرنا بذلك بعض المصادر التاريخية، اثنان وسبعون حبرا من يهود مصر في سنتي 282 و283 قبل الميلاد[3]. ومن هنا سميت بالترجمة السبعينية. وقد توالت بعدها ترجمة التوراة إلى لغات أخرى، مثل اللغة اللاتينية والآرامية والسريانية والعربية.

وكان حظ الأناجيل من الترجمة كبيرا، خاصة بعد تحول المسيحية - على يد بولس - من ديانة خاصة ببني إسرائيل إلى ديانة عالمية. واكب هذا التحول الحاسم انتشارا واسعا لهذه الديانة في حوض البحر الأبيض المتوسط، سرعان ما أدى إلى بدء ترجمة الأناجيل من الآرامية والسريانية إلى اليونانية، ومن اليونانية إلى اللاتينية، فباقي اللغات الأخرى.

وأمام هذه الترجمات الكثيرة التي عرفتها في وقت مبكر الكتب الدينية لكل من اليهودية والمسيحية يحق لنا أن نتساءل ما السر وراء عدم ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات الشعوب التي كانت خاضعة لحكم الدولة الإسلامية، أو تلك التي كانت معادية لها كتلك التي كان ينعت إليها في التصور الإسلامي بدار الحرب أو الكفر.

القرآن الكريم والترجمة

يتبين لنا من خلال استقراء تاريخ الإسلام أن القرآن الكريم، أو على الأصح معاني القرآن الكريم، لم يُترجم بشكل كامل إلى أي لغة من اللغات قبل سنة 1143م. وكان ارتباط ترجمة القرآن الكريم ببداية الاستشراق بمفهومه الحديث (بذرة الاستشراق) واضحا وجليا بحيث لا يمكن التنكر لذلك. ومن المهم الإشارة إلى أن مدرسة طليطلة كان لها الفضل في تعريف الغرب المسيحي بالثقافة العربية الإسلامية من خلال اعتناء علمائها بترجمة أشهر المؤلفات الفلسفية وغيرها إلى اللغة اللاتينية. غير أن أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية كانت على يد بطرس المبجل Peter the Venerable رئيس دير كيلاني (1092- 1157) بمساعدة الراهبين روبيرت الشستري أوالكيتوني (Robert of Chester أوالكيتوني Robert of Kettonو هيرمان الكارينثي أو الدلماتي Herman of Carinthia.

وإذا ما تساءلنا عن الدوافع الخفية وراء هذه الترجمة فلن نتردد في القول بأنها ترتبط بانهزام الصليبيين في موقعة إيدسياس أمام قوة المسلمين، فكان تأثر المقاتلين الصليبيين بحضارة المسلمين وتقاليدهم ومعيشتهم في حلبات الفكر سببا مباشرا لترجمة معاني القرآن الكريم. وقد خرج بطرس المبجل، حسب يوهان فوك، بقناعة مفادها أنه لا سبيل إلى مكافحة هرطقة محمد بعنف السلاح الأعمى، وإنما بقوة الكلمة، ودحضها بروح المنطق الحكيم للمحبة المسيحية[4]. لكن تحقيق هذا المطلب كان يشترط المعرفة المتعمقة برأي الخصم أولا. وهكذا وضع خطة للعمل على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية. الشيء الذي يبين أن الغاية المبتغاة من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللاتينية لا تتطابق مع الغاية من وراء ترجمة كل من التوراة والإنجيل، إذ أن وجه الاختلاف الجوهري يتمثل في كون ترجمة الكتب الدينية لكل من اليهودية والمسيحية كانت تحركها دوافع أخرى.

 بالنسبة للمسيحية كان ظهور أي ترجمة جديدة يعبر عن حاجة المسيحيين الجدد إلى نص ديني مترجم إلى لغة يفقهونها جيدا. وكثيرا ما تكون الترجمة مندرجة في إطار تبشيري محض يتناسب مع تطلع المسيحية إلى الانتشار في أصقاع مختلفة من العالم. أما بخصوص اليهودية، فإن ترجمة التوراة من العبرية إلى لغات أخرى فقد اقتضتها ظروف استقرار اليهود في هذه المنطقة أو تلك.

أسباب تأخر ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات أخرى

لم تترجم معاني القرآن الكريم كاملة قبل سنة 1143م حيث كانت هناك ترجمات جزئية لبعض آياته لا يسع المجال لذكرها، لكن يمكن أن نجمل أسباب تأخر ترجمة القرآن الكريم إلى لغات أخرى، وخاصة العبرية، فيما يلي:

أولا: اختلاف الفقهاء بخصوص مسألة تحليل أو تحريم ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى. فقد انقسم العلماء المسلمون إلى مؤيدين للترجمة ومعارضين لها. فالفريق الثاني عارض فعل الترجمة على اعتبار أن الأولين لم يقدموا على ترجمة القرآن الكريم إلى لغات البلدان التي فتحوها حتى لا يتم هجران اللغة العربية من قبل مسلمي الدول المفتوحة، وبإحجامهم عن الترجمة، انتشرت اللغة العربية على نطاق واسع، بل ونجحت حركة التعريب في كل من مصر والشام والعراق وشمال أفريقيا. هذا بالإضافة إلى قصور الترجمة، مهما بلغت دقتها، عن تبليغ المعاني الكثيرة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بنظم عربي معجز.

ويقول ابن قتيبة بعد أن ذكر خصائص كلام العرب : "وبكل هذه المذاهب نـزل القرآن؛ ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من الألسنة، كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية، والرُّومية، وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب الله تعالى بالعربية؛ لأن العجم لم تتسع في المجاز اتساع العرب»[5].

 ويفصل النووي في ذلك قائلا : « مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب، سواء أمكنته العربية أو عجز عنها، وسواء كان في الصلاة أو غيرها، فإن أتى بترجمته بدلاً عن القراءة لم تصح صلاته، سواء أحسن القراءة أم لا، هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء منهم مالك وأحمد وداود…». ويستمر قائلا: «… ترجمة القرآن ليست قرآناً بإجماع المسلمين ومحاولة الدليل لهذا تكلف، فليس أحد يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآناً، وليس ما لفظ به قرآناً، ومن خالف في هذا كان مراغماً جاحداً، وتفسير شعر "امرئ القيس" ليس شعره، فكيف يكون تفسير القرآن قرآناً …»[6].

أما مؤيدو الترجمة من العلماء المسلمين فيقولون بضرورة ترجمة معاني القرآن الكريم لنقل روح القرآن وأهدافه - ما أمكن - لمن لا يحسنون، أو لا يعرفون اللغة العربية.ومادام الأحناف قالوا بصحة تلاوة ترجمة القرآن في الصلاة، فهم - ومن باب أولى - يجوزون ترجمته باعتبارها تفسيرا ونقلا لمعاني القرآن وأحكامه.

ثانيا: عدم معرفة العرب للغات الأجنبية، ولاسيما اللغة العبرية جعلهم لا يقبلون على الترجمة بشكل عام، والتي كان يقوم بها، إذا دعت الضرورة إلى ذلك، السريان. أما ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية من قبل علماء اليهود فلم يكن هناك أي مبرر لها لأنهم كانوا عربيي اللسان. ناهيك عن صعوبة ترجمة القرآن الكريم إلى لغة مثل العبرية التي كانت تشكو كثيرا من ضعف واضح في رصيدها اللغوي.

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية

نميز في تاريخ ترجمات معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية ما بين الترجمات الجزئية والترجمات الكاملة.

1- الترجمات الجزئية

على الرغم من الانخراط المبكر لليهود في الثقافة العربية الإسلامية، وتأثرهم الكبير بها، وإسهامهم المتميز فيها كتابة وتأليفا فإننا لا نعثر، كما ذهب إلى ذلك أحمد شحلان، على أي أثر يُعنى بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم سلبا أو إيجابا. كما أنهم لم يسعوا أبدا إلى ترجمة معاني القرآن الكريم إلى العبرية[7]. ويُضيف أحمد شحلان قائلا: «وإن النصوص القرآنية المترجمة التي وصلتنا ضمن التراث العربي الإسلامي الضخم الذي نقلوه إلى العربية، ونُقل بواسطتهم إلى الغرب، كلها تنبئ عن جهل بلغة القرآن، وعن غياب نص عبري مترجم كانوا يركنون إليه في نقلتهم العلمية.»[8]. ويبدو أن إلمامهم باللغة العربية التي كانوا يحررون بها مؤلفاتهم جعلتهم يتقاعسون عن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية، فقد كانوا يرجعون إليه في لغته الأصلية متى دعتهم الضرورة إلى ذلك، ولاسيما ضمن كتابات الجدل الديني اليهودي للرد على الإسلام، والطعن فيه مثلما هو الحال مع شمعون بن تسيمح دوران في كتابه "القوس والمجن" קשת ומגן. ويمكن القول بأن ترجمة أجزاء من الآيات والتعبيرات القرآنية إلى اللغة العبرية كانت ظاهرة لافتة للانتباه حيث كان اليهود يحرصون على إضافتها إلى أشعارهم. ومن أشهر هذه الأشعار العبرية قصائد موسى بن عزرا – شموئيل هاناجيد.

 ومن المؤكد أنهم حينما كانوا يترجمون بعض الآيات التي لا يخلو منها أي مؤلف مكتوب باللغة العربية فإن هذه الترجمات كانت تتسم في الغالب الأعم بعدم دقتها. وسيزداد الأمر سوءا مع اليهود الذين لم تعد اللغة العربية لغتهم الأم، وسيصبح المعجم هو ملاذهم الأول والأخير في الترجمة. لهذا ليس غريبا وكما يذهب إلى ذلك الكثير من الباحثين، أن تُترجم بعض الاستشهادات القرآنية إلى اللغة العبرية، وأن يحذف بعضها، وأن يُعوض قسم منها بنصوص توراتية أو تلمودية أو مأثورات يهودية. ويسري هذا الأمر على مؤلفات ابن رشد والغزالي وغيرهما.

2- الترجمات الكاملة

تُعتبر ترجمة الحاخام يعقوب بربي اسرائيل هليفي، وهو من سلونيكا في القرن السادس عشر للميلاد أول محاولة لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية. ولا تزال هذه الترجمة مجرد مخطوط لم يحظ حتى الآن بالتحقيق والطبع، وهي محفوظة بقاعة الآثار الشرقية بالمتحف البريطاني. ولم تتم هذه الترجمة عن الأصل العربي، بل أخذت عن لغة وسيطة هي اللغة الإيطالية المنقولة ذاتها عن ترجمة لاتينية[9]. وفي مقدمة هذه الترجمة وجه الحاخام يعقوب بربي يسرائيل هليفي نقدا لاذعا للقرآن، مرددا للآراء اليهودية المتطرفة ضد الإسلام والمسلمين، وناعتا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بأبشع النعوت.

وفي سنة 1857م صدرت في ليبزيج ترجمة ثانية للمستشرق اليهودي الألماني تسفي حاييم ركندورف بعنوان: אלקוראן או המקרא נעתק מלשון ערבית ללשון עברית ומבואר (القرآن أم المقرا نقل من اللغة العربية إلى اللغة العبرية مشروحا).

ويتجلى من خلال العنوان أن المقرا أو التوراة هي الأصل، وأن القرآن الكريم لا يعدو أن يكون حسب هذا التصور فرعا لها، هادفا من وراء ذلك الادعاء بأن الأفكار الواردة في القرآن الكريم مقتبسة كلها من أسفار العهد القديم، مقتفيا في ذلك النهج الذي سار عليه كبار المستشرقين المعاصرين له، والسابقين على عصره من أمثال ماراتشي وجورج سال وجوستاف فايل[10]. وعلى الرغم من أهمية هذه الترجمة بسبب اعتماد صاحبها على النص الأصلي مباشرة دون النقل عن لغة وسيطة، إلا أنها اتسمت باستعمالها للأسلوب التوراتي الخالص. وهو الأمر الذي حال دون تجاوب الكثيرين معها. وبالإضافة إلى أنها تعكس الخطاب الاستشراقي الذي كان سائدا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والذي تميز بروح العداء الذي كان يكنه للإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن الكريم. وهو ما يظهر في المقدمة الطويلة التي خص بها هذا الموضوع فإن المترجم لم يكن يتردد في إسقاط العديد من المفردات والآيات القرآنية.

أما الترجمة الثالثة لمعاني القرآن الكريم فقد صدرت في فلسطين عام 1936م على يد المستشرق اليهودي يوسف يوئيل ريفلين بعنوان: אלקוראן – תרגום מערבית (القرآن: ترجمة عن اللغة العربية). وهي ترجمة مشكولة، صدرت منها حتى الآن أربع طبعات. كان سعي المترجم واضحا في تفادي الوقوع في الأخطاء التي سقط فيها سابقوه. إذ لم يتعرض في مقدمة كتابه إلى نقد القرآن الكريم أو الإسلام[11]. غير أن يوسف يوئيل ريفلين حرص، مع ذلك، على إبراز التأثيرات اليهودية في القرآن الكريم من خلال الهوامش الكثيرة التي لا تخلو أي صفحة منها. ونظرا لما اكتسبه من مهارة استمدها من ترجمته للسيرة النبوية لابن هشام بين عامي 1932 و1933 فقد بذل قصارى جهده لكي يقترب من فصاحة النص القرآني وبلاغته. لهذا فإن دائرة المعارف اليهودية ذهبت إلى القول بأن هذه الترجمة هي الأقرب إلى الترجمة الحرفية لمعاني القرآن الكريم.

في حين صدرت الطبعة الأولى للترجمة الرابعة لمعاني القرآن الكريم، على يد أهارون بن شمش سنة 1971م بعنوان: הקוראן – ספר הספרים של האשלאם תרגום מערביתת (القرآن المقدس، الكتاب المقدس للإسلام، مترجم من العربية). كما صدرت طبعة ثانية منقحة سنة 1978م بعنوان القرآن كتاب الإسلام الأول[12]. وتميزت هذه الترجمة بأسلوب جديد وغير معهود بحيث أنه لم يقم بترجمة كل آية من آيات القرآن الكريم على حدة وبالترقيم الخاص بها، بل إنه تصرف بحرية أكثر عامدا إلى ضغط كل خمس آيات قرآنية مترجما إياها في شكل آية واحدة دون أي التزام بالأصل.كما اختلف الترقيم لديه عن الترقيم المتعارف عليه في آيات القرآن الكريم. وهي بانتهاجها لهذا الأسلوب تُصنف ضمن الترجمة التفسيرية. وعلى غرار ما درجت عليه الدراسات الاستشراقية في نظرتها إلى القرآن الكريم فإنه لا يرى فيه سوى صياغة عربية لتوراة موسى. أما لغة هذه الترجمة فهي عبرية مبسطة تسعى بكل السبل لخدمة أهداف استخباراتية في إسرائيل تتمثل في توفير معلومات عن الإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم.[13].

وفي سنة 2005 صدرت الترجمة الخامسة لمعاني القرآن الكريم بتل أبيب على يد أوري روبين بعنوان: אלקוראן תרגום מערבית (القرآن الترجمة من العربية). وقد نالت هذه الترجمة أهميتها لسببين: فقد جاءت استجابة للحاجة الملحة لترجمة عبرية جديدة للقرآن الكريم من شأنها أن تًصحح وتُنقح الترجمات السابقة لها والإضافة عليها. والسبب الثاني فيكمن في أنها صدرت في ظل متغيرات سياسية ودولية متعلقة بأوضاع المسلمين في العالم لا سيما عقب أحداث 11 سبتمبر، وظهور نظريات سياسية وفكرية تتحدث عن الصراع بين الحضارات والأديان وتصادمها[14].

خاتمة

على الرغم مما لحق ترجمات معاني القرآن الكريم من العربية إلى العبرية من انحراف بسبب انخراط هذه أغلب الترجمات في متاهات الخطاب الديني الاستشراقي فإن الكتابات العربية الحديثة لم تتعد حدود نقد هذه الترجمات إلى مستوى السعي إلى إعادة ترجمة القرآن الكريم على يد باحثين عرب ومسلمين يملكون ناصية اللغة العبرية، ويُلمون بخصوصية النص القرآني، وينتمون إلى مؤسسة بحثية مستقلة قادرة على تمويل هذا المشروع الحضاري.

 

د كريمة نور عيساوي

.......................

 فهرس المراجع

- القرآن الكريم

- إبراهيم أنيس :دلالة الألفاظ، مكتبة الأ نجلو المصرية، القاهرة، 1963.

- أحمد شحلان: ترجمات القرآن إلى اللغة العبرية، المجلة المغربية لدراسات الترجمة، مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، وجدة، 2014.

- أحمد صلاح أحمد البهنسي: الترجمات العبرية لمعاني القرآن، الكريم، التاريخ والأهداف والإشكاليات، المجلة المغربية لدراسات الترجمة، مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، وجدة، 2014.

- عامر الزناتي الجابري: سورة طه في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم، دراسة نقدية، ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية، 9 المدينة المنورة - 11- 2006.

- علي عبد الواحد وافي: اليهود واليهودية، دار نهضة مصر، القاهرة، .2002

- محمد أحمد صالح حسين: أثر الصراع العري الإسرائيلي في حركة الترجمة من العربية إلى العبرية، عالم الفكر، مج 63، ع 3، يناير مارس 2008.

- محمد محمود أبو غدير: ترجمة أوري روبين لمعاني القرآن الكريم بالعبرية، عرض وتقديم، ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية، المدينة المنورةـ، 9- 11- 2006.

- يوهان فوك: تاريخ حركة الاستشراق، ترجمة عمر لطفي العالم، دار قتيبة، بيروت ودمشق، 1996.

..........................

هوامش

[1] سورة الروم الآية 22

[2] أحمد شحلان: لغة موسى وهارون ورسالتهما، لغات الرسل وأصول الرسالات، ص 64

[3] علي عبد الواحد وافي: اليهود واليهودية، ( دار نهضة مصر، القاهرة، 2002،) ص 19

[4] يوهان فوك: تاريخ حركة الاستشراق، ترجمة عمر لطفي العالم، (دار قتيبة، بيروت ودمشق، 1996،) ص 15

[5] تأويل مشكل القرآن، ص21 .

[6] المجموع شرح المهذب 3/379- 380 .

[7] أحمد شحلان: ترجمات القرآن إلى اللغة العبرية، المجلة المغربية لدراسات الترجمة، مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، وجدة، 2014، ص 11

[8] أحمد شحلان، مرجع سابق، ص 11- 12

[9] عامر الزناتي الجابري: سورة طه في الترجمات العبرية لمعاني القرآن الكريم، دراسة نقدية ضمن ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية، 9- 11- 2006، ص 10

[10] المرجع السابق، ص 11

[11] المرجع نفسه ، ص 14

[12] محمد محمود أبو غدير: ترجمة أوري روبين لمعاني القرآن الكريم بالعبرية، عرض وتقدي ضمن ندوة القرآن الكريم في الدراسات الاستشراقية، 9- 11- 2006، المدينة المنورة، ص 9

[13] محمد محمود أبو غدير: مرجع سابق، ص 9- 10

[14] أحمد صلاح أحمد البهنسي: الترجمات العبريبة لمعاني القرآن، الكريم، التاريخ والأهداف والإشكاليات، المجلة المغربية لدراسات الترجمة، مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، وجدة، 2014، ص 159

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم