صحيفة المثقف

الأديان السماوية والاختلاف ومصير البشرية

يقول بعض المفكرين أن هناك دينا سماويا واحدا ولنسمه ما شئنا بغض النظر عن التسميات (اسلام او مسيحية او يهودية او صابئية) وأن هذا الدين جاء على شكل شرائع متعددة، اليهودية والمسيحية و الصابئية والاسلام سميت أديانا وهي شرائع أي طرق للعبادة وللتشريع طالما أنها جميعا تتوجه الى الله سبحانه وتعالى . و يمكن تسميتها باسم النبي الذي بشر بها، فالشريعة الموسوية والشريعة المسيحية والشريعة المحمدية . وبسبب تناقلها بين البشر جيلا من بعد جيل اضفى الانسان لمساته على هذه الشرائع من خلال الشروح والتفسيرات والتأويلات، مما أدى الى وصولها الى الأجيال اللاحقة ليس بنسختها الاصلية التي بلغ بها الرسول وانما بصورتها التأويلية بعد جميع الإضافات البشرية التراكمية التي حدثت عليها. كما لعبت الترجمات من اللغات الاصلية التي بلغ بها الرسل رسالاتهم الى اتباعهم بها، ثم تناقلتها الأمم الاخرى بلغات أخرى الى مزيد من التغييرات والتأويلات لتصل الينا بأشكالها الحالية، والتي تتضمن الكثير من الأمور غير الواضحة والتي تحتاج الى توضيح .اضفى البشر الذين نقلوا هذه الشرائع او فسروها او أولوها او شرحوها الكثير من أرائهم ولمساتهم وافكارهم الذاتية على النصوص المقدسة او المتناقلة مما أدى الى ورود نسخ متعددة في كل شريعة وأدى ذلك الى ظهور الطوائف داخل الشريعة الواحدة وفقدان النسخة الموحدة واصبح كل من أبناء هذه الطوائف يدعي أنه على الطريقة الصحيحة وأبناء الطوائف الأخرى على خطأ. لذا فأن ما يدعيه رجال الدين والفقهاء والعلماء والمفسرون هو يشكل بالنتيجة ما أخذوه عن اسلافهم، او هي أراؤهم التي كونوها خلال دراستهم ولا يمكن اعتماده كنسخة نهائية وصحيحة ومعتمدة. ورأينا الاختلافات بين علماء وفقهاء الطائفة الواحدة على مسائل بسيطة كبدايات الأشهر القمرية وما يتعلق بشروط الصلاة والصوم والمبطلات له وغيرها. الرابط بين جميع الاديان او الشرائع السماوية هو وجود الله الخالق الواحد، وطالما اتفقت على وجود الله الخالق الواحد فمن غير المعقول أن الخالق الواحد يغير الأديان للناس بين فترة وأخرى، ولكن من المعقول أكثر أن ينّزل شرائع متعددة للأمم حسب الفترة الزمنية والتطور الذي وصلت اليه البشرية،فالشرائع تتضمن التعليمات والقوانين التي تسير حياة البشر والطقوس والفروض،وهي من المؤكد يجب ان تختلف حسب الفترة الزمنية ومكان الأمة المقصودة بالشريعة، وبما يتلاءم مع درجة التطور العلمي والثقافي والبيئة الاجتماعية والاقتصادية السائدة. الاديان السماوية وحسب مدوناتها المتواترة والتي توجد بين أيدي اتباعها الآن متفقة على وجود آدم ونوح وإبراهيم وأن الاخير هو ابو الديانات السماوية . المهم في هذا السياق هو أن الخالق وهو الله سبحانه وتعالى يريد شيئين مهمين من الخلق هما :

أولا : التوحيد والتنزيه وعدم الاشراك به، الها واحدا لا شريك له وربا ومعبودا لذا فأن أي شريعة او دين يتناقض مع هذه المادة يشير إشارة واضحة الى انحرافها او انحرافه (الدين) سواءا كان ذلك دينا او طائفة وهو امر لم تستطع البشرية طول تأريخها الالتزام به بشكل مطلق، فالشرك بوحدانية الله كان موجودا بشكل او بأخر وقد يسميه بعض الاصوليين الاسلاميين الشرك الخفي فمعظم البشر يعتقدون بوجود قوى أخرى مؤثرة بالاضافة الى الله، من البشر او غيرهم فبعضهم يستعين بالاولياء وآخرون يستعينون بالسحرة واخرون يستعينون بمعدات أخرى كأم سبع عيون او قطعة من الحديد او خاتم او قطعة من الخشب او قطعة من الأحجار الكريمة بلون معين او وضع تعويذة تحت الرأس او الاستعانة بالمنجمين او المعابد والقبور وغيرها وتحت مختلف التسميات والمبررات.

والثانية: هي أن الله كان يريد من البشر أن يتعاملوا بشكل حسن مع بعضهم ومع بقية الكائنات ومع البيئة المحيطة بهم،وعدم الاسراف في التعامل مع مواردها وتخريبها وحسب ما جاء في جميع الشرائع .ولكن الانسان من اتباع هذه الشرائع أمعن في القتل والسرقة والتدمير والظلم والعدوان والحروب وتخريب البيئة .قد يكون عدد قليل منهم حاولوا الالتزام به ولكن الأغلبية بمجملها خالفت هذه الشرائع واستعملت الأرض وبيئتها بما يخدم الانانية الفردية والتسلط والاستفادة القصوى والوقتية من الموارد والتصارع على الموارد والتقاتل والحروب بينهم ولو لم يفعلوا ذلك لتغير وجه الأرض . وهذا التصارع وعدم الالتزام بالشرائع سببه وحسب الشرائع نفسها مبوب على أنه: انانية الانسان وذاتيته المفرطة وحبه لأشباع الغرائز وحبه للتسلط والمال والملذات أي يتعلق (بالنفس الامارة بالسوء) والسبب الثاني: هو غواية الشيطان المستمرة للإنسان لحرفه عن منهج الله الحق الذي أراده أن يلتزم به وهو صراع لن ينتهي وهذان السببان أديا الى ما وصلت اليه البشرية حسب المفهوم الديني من فساد وانحلال .على الجانب الاخر لا ترى المفاهيم الاخرى (غير الدينية) ما وصلت اليه البشرية سوى انه تطور علمي وتقدم للإنسانية وأن الصراع الحالي والحروب أمر طبيعي كجزء من السلوك البشري المتسم بالتنافس . مصير البشرية متعلق في الوصول الى اتفاق او تفاهم بين اتباع المفهومين وهو امر صعب في المستوى الحالي من التفكير والتصرف الذي عليه البشرية وتشتتها بين المفهوم الديني والمفهوم اللاديني ولكن ما هو مؤكد أن التقدم سيستمر وأن التفسيرات والتأويلات ستستمر حتى اليوم الاخير من عمر الانسانية .

 

د.احمد مغير

طبيب اختصاص وباحث

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم