صحيفة المثقف

الحاجة الى فلاسفة تاريخ

هناك فرق جوهري بين المؤرخ، وفيلسوف التاريخ. فالمؤرخ يرصد الاحداث، ويسجلها، وينقلها كما وقعت. مهمة المؤرخ الرصد والتسجيل والنقل. اما مهمة فيلسوف التاريخ فمختلفة، فليست مهمته ان يرصد الحوادث التاريخية، ويسجلها وينقلها لنا. مهمة فيلسوف التاريخ هي: ان يبحث في اعماق الحوادث والوقائع، ليكتشف القوانين التي تحكم هذه الظواهر.

وعلى ضوء هذا التحديد لمهمة المؤرخ، وفيلسوف التأريخ، نستطيع ان نصنف الطبري وابن الاثير والمسعودي بانهم مؤرخون، ولكنّنا لايمكننا تصنيف ابن خلدون في خانة هؤلاء المؤرخين؛ فهو فيلسوف حضارة، وعالم اجتماع، درس الحوادث، واكتشف السنن التي تحرك التاريخ، وتنشيء الدول، وعوامل سقوطها.

ابن خلدون فيلسوف تاريخ، وكذلك الامر مع المؤرخ الالماني فيشته، لم يكن مجرد مؤرخ يقرا التاريخ، ويسجّل وقائعه، بل كان يقرا خلفيات الحوادث التاريخية بعقلية الفيلسوف، ونلحط كل ذلك في كتابه (ملامح العصر الحاضر الاساسيّة)، والمسألة لاتختلف مع (شلنغ)، ومع الفيلسوف الالماني هيغل، الذي كتب في تاريخ الفلسفة كتابا اسماه (محاضرات في تاريخ الفلسفة)، وله كتاب تحدّث فيه عن فلسفة التاريخ، اسماه (فلسفة التاريخ). هؤلاء فلاسفة تاريخ، وليسوا مجرد مؤرخين رصدوا حوادث التأريخ ووقائعه. وكذلك الامر مع المؤرخ البريطاني (توينبي)، الذي عرف في قانونه (التحدي والاستجابة) في تفسيره لنشوء الحضارت وسقوطها. وفي هذا السياق نقرأ الماديّة التاريخية على انها فلسفة للتاريخ، لاتاريخا يرصد الحوادث؛ لانها محاولة لاكتشاف الوانين المحركة للتأريخ، سواء اتفقنا معها ام اختلفنا معها.

وفرنان بروديل لم يكن مؤرخا فحسب، بل كان واعيا للروح التي تحرك الحضارات، في حديثه عن دور الدين في الحضارة حيث يقول: (ان الدين هو السمة الاكثر قوة، اذ يتموقع في قلب الحضارات، وهو ماضيها وحاضرها). (برودويل، قواعد لغة الحضارات، ص 75).

وفي هذا الاتجاه يسير غوستاف لوبون في حديث عن المباديء التي تؤثر في الحضارة، يقول لوبون: (اهم المباديء التي تؤثر في الحضارة هي المباديء الدينيّة، واعظم حوادث التاريخ نشات من المعتقدات الدينيّة). (لوبون، السنن النفسيّة لتطور الامم، ص 157).

وهذا الاتجاه ينسجم مع النظرة القرانية للتاريخ، فالقران الكريم لايقدم لنا التاريخ معزولا عن السنن والقوانين التي تحركه، ولايقدم القصة معزولة عن العبرة، وخلاصة القول، نحن نحتاج الى فلاسفة تاريخ، يقرؤون خلفيات الاحداث، ويكتشفون قوانينها، اكثر من حاجتنا الى راصدين للحوادث التاريخية فقط، ولااريد ان اقلل من عمل المؤرخ في كلامي هذا. وفي الختام اختتم المقال ببعض الايات التي تشير الى السنن التي تحكم التاريخ:

(ان الله لايغيّر مابقوم حتى يغيّروا مابانفسهم). (الرعد: الاية: 11).

(سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا). الفتح: الاية: 23.

(قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين). ال عمران: الاية : 137.

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم