صحيفة المثقف

لمذا يدافعون عنه باستماتة ؟

المهدي بسطيليكتبت في تدوينة على صفحتي الشخصية على الفيسبوك، أعبر فيها عن امتعاضي من خطبة رئيس الحكومة السابق التي خرج فيها يدافع عن حقه في أجر عن مهمة هو من طلبها، فهاجمني أتباع الرجل  قائلين "بحالا غي بنكيران لي خيب في هاذ البلاد"، استغربت في الحقيقة لهؤلاء ولماذا يدافعون عنه وباستماتة؟ هل هو إيمانهم المتجذر بقضية حزبهم ومشروعه السياسي؟ أم إيمانهم أن الرجل قدم لهذا الوطن ما يشفع له؟ وفي محاولة بسيطة لتفسير هذا السلوك حاولت من موقعي كباحث في السوسيولوجيا أن أنبش في تاريخ الأّحزاب السياسية بالمغرب لعلي أجد لهذا السلوك مرجعية تفسره.

في الحقيقة وجدت نفسي أمام زوبعة فكرية، تاريخ طويل يفسر ويكشف عن الحاضر والمستقبل ومرجعية الممارسة السياسية داخل (الأحزاب المغربية) وتحديدا أمام سؤال لحظة التعرف على المؤسسة الحزبية بالمغرب، وارتبط بحثي في المسألة بمفهوم مهم هو مفهوم النخبة لأطرح سؤالا آخر كيف تشكلت النخبة السياسية بالمغرب؟

ويحيل مفهوم النخبة في السياق على التعريف الذي قدمه رايمون آرون "الأقليات الاستراتيجية التي تؤثر على السلطة وفاعلة في النسق السياسي" ، كانت الأقليات الاستراتيجية  قبل الاستعمار  تتشكل أساسا من;  من يتولون سلطة رسمية ، أما بالبلاط; أو  إحدى الوزارات التقليدية، وزارة الإمناء، وزارة الشؤون البرانية، وزارة الشكايات ،... بالإضافة إلى الكتاب، ومؤسسة الصدر الأعظم . إلى حدود سنة 1912،ستصبح مهام هده النخبة مهام صورية لا غير ،فقد أفرغتها الحماية الفرنسية، من محتواها لكنها حافظت لها على قيمتها الرمزية ،وهي سياستها الذكية ، سيتم خلال هذه المحطة تأسيس مجموعة من المدارس الفرنسية الإسلامية استجابة لسياسية ليوطي، يرتادها أبناء العائلات الثرية، تحديدا شباب فاس، الرباط،، مراكش، الذين سبق أن تلقو، تكوينا تقليديا ،دينيا، بمؤسسة الزوايا، والتحقوا بعد ذلك لإتمام دراستهم الجامعية بالجامعات الفرنسية وبالشرق الأوسط كذلك، هنا تحديدا بلغة الراحل "عبد الكريم غلاب" بدأت تتبلور الأحاسيس والمشاعر الشعبية الوطينة ،،فاجتمعوا في صفوف جمعيات أسسوها على الأراضي الفرنسية ،وتجدر الإشارة الى أن هؤلاء الشباب، تربطهم علاقة قرابة في الغالب وهي ما سميت بالمصاهرة السياسية، فكانت بداية لما يوحدهم.

بعد ذلك سيعودون إلى المغرب، حاملين حماس الدفاع عن الوطن، وتحرير أراضيه من الاستعمار، وتشكلت الحركة الوطنية ،نتيجة هذا الانصهار الذي عرفته البنيات الاجتماعية ،مما يحيل على أن الطابع القبلي يسجل حضوره خلال هذه المرحلة، لكن هذه النخبة لم تتنكر لماضيها، ولم تتخلى عن أصولها والسلطة الأبوية التي نشأت في ظلها ،وللنشأة التي تلقتها بالزوايا، خصوصا وأن أسرها في الغالب، كانت تظم شيوخ الزوايا، فاستعملت التقليد للحصول على غير التقليدي،  وأرادت بناء مجتمع شهدت ملامحه الأولى بأوروبا البيروقراطية والعقلانية بأوروبا ،فأنتجت الحركة الوطنية التي هي نتاج للتوغل الفرنسي بالمغرب .

لقد كانت هده الشبيبة تحمل مشعلا تنويريا، "فبلافريج "كان صديق لحفيد "كارل ماركس "وأسس برفقته ،جريدة أسموها "المغرب" أما "علال الفاسي" كان قد درس قضايا الشرق الأوسط،أما شبيبة هذه النخبة فقد شكلت في فكرها جيلا انتقاليا، حاول أن يضع القطيعة،مع التنشئة التقليدية السالفة، بتأثره باليسار الفرنسي، لينقسم عن الجيل الأول مشكلا ،جيلا ثانيا يحمل المشعل النضالي،  بعد استقلال المغرب ( بن بركة بن جلون ،عبد الرحيم بوعبيد،...).

إن النخبة الوطنية، لعبت دور المهدي المنتظر، في ذهنية أعضاء الحركة الوطنية ; "فعلال الفاسي "زعيم حزب الاستقلال ،لطالما كان ينتشي بلقب" الزعيم" ،أما "بن بركة "فقد رفض هذا اللقب، لكنه خضع للجماعة، رغم اعتباره للقب، تكريسا للتقليدانية السالفة ، واستمرارية لها، لقد خضع 'الشيخ لمريديه .

قبلا أدرك المخزن، أن من يحمل السلطة بيده يشكل خطرا، وعدوا يهدد باستمرا، كما حصل الأمر مع الزوايا، التي كادت أن تنزع بساط السلطنة من القصر . إن  الأمر يحصل من جديد، مع النخبة الوطنية، فالحركة الوطنية  تشكلت أساسا ضد إدارة الحماية الحاكمة حينها . لكن اليوم ونحن بمغرب 1960 تحديدا، غادرت الحماية فما الداعي  لوجود هذه القوة النضالية إذن ?

وهذا ما أكده "اليازعي"  -الكاتب العام السابق لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية- بقوله ;'بدأت الحركة الوطنية تنهار في يد مؤسسيها، فلم يعد لهم غاية،وهذا ما يؤكد غياب المشروع السياسي الاجتماعي لهذه الحركة .

ظلت النخبة الوطنية، مهيكلة إلى حد ما، في المؤسسات المستحدثة شكليا، فهي تبدو على مستوى الشكل عقلانية، لكنها مؤسسات تقليدية على مستوى المضمون .

سنة 1965 يعلن القصر من جديد، رغبته في الإمساك بكل خيوط السلطة، واعتبرت فاجعة 23مارس من نفس السنة، التي شن فيها ،"الجنرال أوفقير" حملة بركان دم بالدار البيضاء ،على مجموعة من الطلبة، الذين احتجوا على قرار وزير التعليم، القاضي بإقصاء، عدد كبير  منهم من حق التمدرس ، ستعلن النخبة بدورها انسحابها من مؤسسات الدولة، بعدها سيتم اغتيال "بن بركة " بفرنسا ،وبنجلون  من بعده بسنوات على أيدي خفية .

ستبدأ الانفصالات الحزبية ،فلم يعد هناك زعيم، يقود هذه "النخبة الوطنية" وتتشكل البنيات الحزبية الجديدة، ويتأسس التيارالمتأسلم ،كنقيد لليسار أساسا، فيتدخل القصر 'كحكم' يفصل في النزاعات ،بحكم سيادته الدينية، ونفوده السياسي، التي تبلورت وتمأسست دستوريا، فأصبحت الصراعات على مستوى أفقي بين اليسار واليمين وظلت المرجعية السياسية والمشروع الحزبي مستمدة من ذهنية  تقليدية وغابت فاعلية المؤسسة الحزبية بالمغرب ولم يتمأسس دورها في عقلنة الحياة السياسية وتأطير النسق السياسي، تبدو باستمرار أنها مؤسسات حزبية شكلا . لكن في  العمق هي زوايا على مستوى التركيبة والممارسة، مادامت نخبتنا لا تتبنى مشروعا أيديولوجيا سياسيا عقلانيا ، لن تستطيع التحرك داخل النسق بعقلانية.

فاتضح لي الأمر إذن . كيف لا يدافع المريدين عن شيخهم ؟

 

المهدي بسطيلي- طالب باحث بسلك الماستر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم