صحيفة المثقف

نحن والجنس

المهدي بسطيلي"يبدو الأمر شبيه بالمحرم والمجرم، أنت متهم إذا ناقشت وتحدث عن الجنس بمجتمعاتنا، ونظرت بصورة تحتمل قدر لا بأس به من المنطق، هي حالة مرضية يرفض صاحبها تشخيص مرضه ويصبح السوي فيها موصوما اجتماعيا ومنحلا أخلاقيا "

كيف ننظر للجنس؟

أثارتني في الحقيقة نظرية الإنتقال الجنسي التي تحدث عنها عالم الاجتماع عبد الصمد الديالمي المتخصص في سوسيولوجيا النوع، حينما تحدث عن مسار العلاقة بين السلوك الجنسي والمعيار الديني. في المرحلة الأولى وتحديدا منذ جيل الستينات إلى جيل الألفين كان السلوك الجنسي محكوم ومؤطر بالمعيار الديني، أي النص المقدس وبالتالي فكل العلاقات الجنسية تتم داخل إطار مؤسسة الزواج (خضوع تام للمعيار الديني)، في المرحلة الثانية والتي في حقيقة الأمر تحتاج الكثير من محاولات التحليل والتفسير، منذ جيل الألفينات إلى الآن قصور المعيار الديني في تأطير السلوك الجنسي، وبالتالي أصبحت العلاقات الجنسية تتم أيضا خارج مؤسسة الزواج، فبالرغم من استمرار النص الديني من خلال مختلف تأويلاته، للتحريم والتجريم يستمر السلوك الجنسي في التمرد عليه، ويلاحظ أيضا أنه خلال هذه الفترة يسجل حضور قوي للنص أكثر من المرحلة الأولى، اذن لمذا هذا التناقض؟ هل تفسره المسألة "كل محظور مرغوب فيه"؟

ربما تحيل المسألة في سياق التفسير على الدراسة التي قام بها الأستاذ عبد الرحيم عنبي انتقال استخدامات الجسد الأنثوي، والتي أعتبرها جوابا قد يفسر هذه "السكيزوفرينيا" التي نعيشها خلال هذه المرحة، بأن الجسد الأنثوي انتقل في تأدية وظيفته من الإنتاج البيولوجي وبالتالي انتقال من  النظر للمرأة في أنها الحرث الخصب لإكثار النسل، واستحضار مختلف التأويلات والغايات السامية في تعمير الأٍرض وغيرها، إلى تحقيق المتعة الجنسية اليوم فقط والعامل المفسر هو الارتفاع القوي لاستهلاك موانع العمل بالمجتمع المغربي داخل نسب كبيرة جدا تحتاج ما تحتاجه من التفسير والتحليل، وبالمقابل أيضا الاستهلاك القوي للمحفزات الجنسية سواء منها الطبيعية أو الاصطناعية

نستنتج اذن أنه هناك انتقال في سياق خروج السلوك الجنسي عن طوع السلوك الديني والحظور القوي لكليهما في نفس الوقت وكلما ازداد السلوك الديني تحريما وتجريما كلما ازداد السلوك الجنسي من نشاطه.

نستنتج أيضا وجود إنتقال في النظرة لدور الجسد الأنثوي واستخداماته من الإنتاج البيولوجي إلى تحقيق المتعة الجنسية مع وجود النص الديني طبعا. ماهي نتيجة هذه الحالة من التناقض التي اعتبرها الديالمي انفجار جنسي مرغوب فيه وغير مباح؟

يمكن اعتبار هذه الحالة نوع من النفاق الاجتماعي رغم أن مصطلح النفاق لا يحظى بقدر العلمي لكنه يبدو حاملا للمعنى المطلوب، وهي تناقضات بين القول والفعل في استحضار مستمر للنص الديني، من خلال تأويلاته ونتبجح باستمرار به لكننا نشجع بشكل خفي وظاهر في كثير من الأحيان على ممارسة الجنس، ونمارسه في سياق يتناقض تماما مع القول الديني، وهو ما دفع الديالمي للقول بضرورة علمنة المعيار الديني في الجنس

ألا يبدو الأمر مفسرا لمختلف جرائم المتأسلمين في السلوك الجنسي؟

ألا يبدو هذا مفسرا لكثير من الأحداث التي شهدناها، حالات اغتصاب في حق قاصرين قام بها شيوخ دين كما يدعون؟

إن الفرد المغربي يستدعي الإسلام الشعبي في كل محطات حياته، وحتى في المسألة الجنسية

ويتعامل بنوع من الإنتهازية الخطيرة جدا، ويعتبر علاقته الجنسية الشرعية محكومة بشروط الحياء كما يتمثله هو، ويرفض كل محاولات النقاش من أجل متعة جنسية للطرفين، رغم حاجته المشتركة لذلك، ويبحث في المقابل عن متعة جنسية مع طرف آخر خارج العلاقة الشرعية، وقد يتقبل كل أنواع المتع الجنسية ويحللها حينها، ولعل ها التناقض خطير يعاني منه الفرد المغربي وينعكس بالضرورة على علاقته الأسرية. وهذا كله في سياق حضور المعيار الديني.

كما أن المغربي (الذكر) منذ بلوغه، يجد نفسه مطالبا بفتح غزواته الجنسية الخاصة، والإستمتاع بعلاقته الجنسية مع نساء مختلفات، وعليه أن يبحث في أخر المطاف على أنثى حافظت على جسدها الذي لا تملك الحق فيه، وينادي بحقه المشروع في جسد طاهر بمعنى ما يتصوره، ويطلب الضمانة المتمثلة في عذرية الأنثى.

في الحقيقة ما دفعني لكتابة هذه الورقة هو مقال عدد اليوم بجريدة الصباح المغربية  والذي كشف امتهان طالبات للجنس وولوج عالمها وكشفت الصحيفة عن السبب المادي كأول مسبب لولوج عالم الامتهان الجنسي، لكن يبدو السؤال الانتهازي بين القول والممارسة هو السبب، ويعلن عن فئة تعيش تخبطا في محاولة الفهم بين الانفتاح على الجنس والحرية الجنسية والحق في الجنس، الذي أعطته حاجة بيولوجية وحفزته حاجة "اللوكس الاجتماعي" والتعبير عن ذات واعية متحررة متمردة على الوضع الاجتماعي والثقافي إن صح التعبير

أكتبها من جديد ما ندعي فهمه نحن مخطئين فيه والاتزان الذي ندعي أننا نتملكه، نعيش تناقض بين القول والممارسة، لذلك يجب أن نحسم بين تحريم وتجريم تام للممارسات الجنسية وخضوع تام للمعيار الديني عبر القول والممارسة، أو نعلن عن علمنة السلوك الديني في سياق السلوك الجنسي ونعلن الحرية الجنسية ونؤطرها داخل مؤسسات مشروعة عبر الثقافة الجنسية، ولتكن للفرد حرية الاختيار في الشكل والأسلوب

 

 بقلم المهدي بسطيلي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم