صحيفة المثقف

بأي معنى يمكن الحديث عن سوسيولوجيا مغربية؟ (1): محاولة في الفهم

المهدي بسطيليإن السوسيولوجيا كتخصص علمي متكامل من حيث الموضوع والمنهج لم يتبلور إلا في سياق تاريخي محدد، وارتبط بشكل رئيسي بظهور الرأسمالية وما رافقها من ظواهر ومشاكل والتي نتجت عن عمليات التصنيع في المجتمعات العربية كظاهرة الهجرة والبطالة وغيرها .

فالسوسيولوجيا من هذه الزاوية كانت استجابة لضرورات داخلية فرضتها  التحولات التي اقترنت بنشأة الرأسمالية، وفي نفس الوقت شكلت محاولة لفهم وتفسير التحولات والتغيرات وكان ذلك بهدف الضغط والتحكم، لكن حينما يتعلق الأمر بمجتمعات تقليدية لم تعرف التصنيع والرأسمالية وما زالت في المرحلة الزراعية فبأي معنى يمكن الحديث عن سوسيولوجيا ؟

إن الجواب عن هذا التساؤل يكمن في فهم السياقات التاريخية التي عرفتها المجتمعات الأوربية، نتيجة عمليات التصنيع وما رافقتها من تحولات عميقة والتي مست كل البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على مختلف الأصعدة، وجدت أوربا نفسها مجبرة على التمدد والتوسع إما بحثا عن أسواق خارجية لمنتوجاتها المصنعة أو لجلب المواد الأولية التي كانت محاجة اليها.

فكان ذلك بداية اهتمام الأوربي بالأخر المختلف ثقافيا وبذلك تشكلت تخصصات في مختلف العلوم الاجتماعية والتي حاولت فهم هذا الاخر المختلف، وانطلق الباحثين في شكل كشافة ورحلات تبشيرية دينية بين دريعة ظاهرة وهدف خفي في البداية .

يمكن اعتبار معركة إيسلي سنة1844 لحظة كشفت عن ضعف الجهاز التقليدي المغربي و هشاشة الوضع الداخلي بالمغرب الأمر الذي سيذكي المزيد من الأطماع وسيدفع الدول الأوربية الى تعزيز مواقعها داخل المغرب، ففرنسا اعتبرت المغرب هدفا استراتيجيا بحكم قربه من مستعمرتها الجزائر، وفرض عليها الوضع حماية مكتسباتها في الجزائر وحسم التنافس حول المغرب لصالحها ومن جانبها وقعت انجلترا اتفاقيات تجارة مع المغرب تتعلق بفتح الاسواق والحماية القنصلية.

ثم ان فرنسا وبحكم وجودها على الحدود مع المغرب كانت لها حصة الأسد بكل ما يتعلق بالبعثات الانسانية والدراسات والأبحاث، استطاعت الإدارة الفرنسية بالجزائر وبتنسيق مع الحكومة الفرنسية جمع رصيد هام من الوثائق حول شمال إفريقيا؛ وبالخصوص حول المغرب باعتباره هدفا استراتيجيا، وشملت هذه الوثائق كل جوانب الحياة سواء الاجتماعية أ الدينية أو الاقتصادية، حتى الجغرافية وغيرها ...

وبموازاة هذا التنافس بين الدول الأوربية حول المغرب من خلال إرسال البعثات والقيام بالدراسات والأبحاث، اذ اعتبر الصراع حول المغرب  يمر عبر امتلاك اكبر قدر من المعرفة، اذ بموازاة هذا التنافس كان هناك تنافس آخر يدور داخل الأوساط الفرنسية، ونعني بذلك فرنسيو المترو بول وفرنسيو الجزائر بهدف التحكم في البحث العلمي، ولهذا الغرض تكتلت الأطراف المتنافسة ضمن مؤسسات ومهيآت وشكلت جماعات الضغط، فظهرت لجنة المغرب ولجنة إفريقيا الفرنسية، هذه اللجان كانت تضم سياسيين ودبلوماسيين، علماء، شخصيات من عالم الاقتصاد، وشخصيات أخرى مؤثرة في الحياة العامة.

شكلت سنة 1890 حدثا مهما في تاريخ البحث العملي حول المغرب أعطى قوة للبحث العلمي حول المغرب حيث مو( جول كابمو الذي عيين  حاكما على الجزائر وعرف عن هذا الحاكم انه كان من دعاة الاستعمار الجديد أي الاستعمار  المبني على العلم والمعرفة،) نشرة من أربعة اجزاء وهي : وهي وثائق لدراسة الشمال الغربي لإفريقيا، وبذلك بدا وكأن كفة البحث العلمي تميل لصالح فرنسيي الجزائر، غير أن تشكل لوبي اقتصادي، أعاد خلط الأوراق من جديد، يضاف الى ذلك انشاء الشركة المغربية واتحاد الابناك الذي كان يقوده بنك باريس والبلاد المنخفضة، وبدأ هذا التحول من خلال إنشاء كرسي السوسيولوجيا الإسلامية سنة 1908 من طرف الفريد جورج، وإن كانت ارهاصات هذا الكرسي ترجع الى قبل هذا التاريخ وتمثلت أهداف هذا الكرسي في تكوين منظرين في الشؤون الأهلية أو اعداد جيل من الأطر  والباحثين الذين ستوكل اليهم عمليات التدخل الاستعماري وإدارة شؤون المغرب بعد احتلاله، وذلك على أساس من العلم والمعرفة، غير أن هذا الكرسي سرعان ما تفرعت عنه بعثة علمية صغيرة عرفة بالبعثة العلمية بالمغرب والتي كان مقرها طنجة 1904 على يد le chatelier.

تميزت شخصية le chatelier  بقدرة كبيرة على التخطيط، بحيث استطاع في فترة قصيرة أن ينشئ سوسيولوجيا أو كرسي السوسيولوجيا الإسلامية والذي سرعان ما وسع من نشاطه، فأصبح بعثة علمية مرتبطة بهذا الكرسي، الأمر الذي أثار استياء أعمدة مدرسة الجزائر وبالخصوص ادموند دوتي، وقد زاد الاستياء حين عين (gorge  salamon  (على رأس هذه البعثة  فوجهت له العديد من الانتقادات، اذ اعتبر غير مؤهل ليشغل هذا المنصب فهو يمتلك شهادة من معهد الآثار بمصر، غير أنه رغم هذه الانتقادات استطاع أن يثبت جدارته وأحقيته لهذا المنصب، اذ تمكن وخلال شهور قليلة من تعيينه، من إصدار المجلد الأول من المحفوظات المغربية في ماي1904 ،عرف عن le chatelier أنه مؤسس البعثة العلمية بالمغرب، وقبل ذلك ضابط لشؤون الأهلية لمدة عشر سنوات، كما شارك في بعض البعثات الاستكشافية وعمل ملحقا عسكريا زار العديد ممن الدول العربية والإسلامية، منها المغرب مصر، تركيا،

بعد gorge  salamon تولى Michaus bellair  الذي في عهده عرفت هذه البعثة تحولا كبيرا اذ ازداد دورها وتحدد أهدافها، ولم يعد خفيّاْ دورها : كأداة في المشروع الاستعماري، حدد "ميشو بيلير " أهداف البعثة كما يلي: (ان هدف هذه البعثة هو البحث في عين المكان عن وثائق تسمح بدراسة المغرب وبإعادة تشكيل تنظيمه وحياته، وذلك ليس فقط من خلال الكتب والوثائق، بل وكذلك الاعتماد على المعلومات الشفاهية وتراث القبائل والزوايا والأسر ...) إذن الامر يتعلق بدراسات سوسيولوجية أجنبية حول شمال أفريقيا.

 

المهدي بسطيلي

.....................

ملحوظة

اخترنا تقسيم الموضوع لثلاث أجزاء حسب أهميته، لذلك سندرج المراجع التي اعتمدنا عليها في توظيف هذه المعطيات في الجزء الأخير

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم