صحيفة المثقف

بأي معنى يمكن الحديث عن سوسيولوجيا مغربية؟ (2)

المهدي بسطيليتحددت اذا وظيفة البعثة العلمية كما سبق أن تحدثنا عن ذلك في الجزء الأول، في التعرف على المجتمع المغربي بالشكل الذي سمح بالتحكم فيه وضبطه، فالمغرب سيصبح في قادم الأيام جزءا من التراب الفرنسي، أو على الأقل سيكون تحت الإدارة الفرنسية، وعلى هذا الأساس تشكل الوعي بضرورة التدخل في المغرب انطلاقا من أسس تنبني على العلم والمعرفة، وبهذا المعنى اعتبر (ميشو بيلير) المخطط الأول للبحث السوسيولوجي الكولونياني حول المجتمع المغربي، اذ ساهم في نشر 20 مجلدا من المحفوظات المغربية، كما كتب أكثر من 20 دراسة بيبلبوغرافية حول قبائل ومدن المغرب.

ولد (ميشو بيلير) سنة 1858 بمدينة هوان واستقر بمدينة طنجة سنة 1883 كلف بالعديد من المهام داخل المغرب، عمل قنصلا بالقصر الكبير، تعاون مع جورج سلمون في إنشاء وإدارة البعثة العلمية بطنجة، والتي أصبح مديرا لها بعد وفاة سلمون، ثم عين مستشارا للشؤون الأهلية سنة 1927 الى أن توفي سنة 1930

قدمت البعثة العلمية مادة ضخمة حول المجتمع المغربي وشكلت مرجعا لا يمكن الاستغناء عنه في كل ما يتعلق بالسياسات الاستعمارية، سواء ما تعلق بعملية التدخل أو سياسة التهيئة، لذلك أعلنت الحماية أن البعثة مؤسسة قانونية.

ارتبط البحث السوسيولوجي بالمغرب ارتباطا وثيقا بالتدخل الاستعماري ومختلف العمليات السياسية والعسكرية، والتي اقترنت بعمليات الضغط والتحكم فإلى جانب البعثة ووضعها القانوني الجديد، أنشأت الإدارات الاستعمارية القسم السوسيولوجي التابع للاستعلامات، وفي سنة 1920 سيتم توحيد البعثة والقسم السوسيولوجي والمدرسة العليا في مؤسسة سيطلق عليها المعهد العالي للدراسات المغربية والذي كان مقره بالرباط وضم هذا المعهد قسما خاصا بالانثروبولوجيا والسوسيولوجيا أشرف عليه (روبير مونطاني) وابتداءا من سنة 1929 أصدر هذا المعهد حملة اختصت بالدراسة المتعلقة بالمغرب .

يعتبر "ميشو بيلير" هذه اللحظة المخطط الأول للبحث السوسيولوجي في المغرب، حدد في دراسة شهيرة معالم البحث السوسويولوجي التي ينبغي التركيز عليها عند دراسة المجتمع المغربي وعنون هذه الدراسة "بالسوسويولوجيا المغربية "والتي نشرت في المحفوظات المغربية، المجلد 28 والذي نشر ضمن منشورات البعثة العلمية بالمغرب سنة 1928.

قسم ميشو بيلير السوسيولوجيا التي ينبغي أن تهتم بالمجتمع المغربي الى ثلاث حقول أساسية :

- سوسويولجيا مغربية

- سوسيولوجيا اسلامية

- سوسويولوجيا المخزن

فما المقصود بهذه الحقول السوسيولوجية؟ وما هي الظواهر التي ينبغي لكل حقل أن يهتم بها ؟ وما هي الخلفيات التي تحكمت في هذا التقسيم؟

السوسيولوجيا المغربية:

يهتم هذا القسم بدراسة قبائل البربر ويشكل أهم مبحث في السوسويولوجيا التي ينبغي أن يكون موضوعها المجتمع المغربي، فهذا الحقل بالإضافة الى اهتمامه بالقبائل البربرية يركز على الرواسب الما قبل إسلامية والتي تسود في بلاد السيبا سواء تعلقت هذه الرواسب بالمعتقدات أو الممارسات، أو المؤسسات جليا يبدو من خلال هذا الطرح أنه يحاول عزل المناطق البربرية عن باقي المناطق الأخرى، والتي ينبغي أن تعود الى بداياتها الأولى، وتستأنف حضارتها انطلاقا من الحضارات الرومانية والفينيقية وغيرها وإغلاق القوس الذي انفتح مع دخول الاسلام لبلاد المغرب، فهذه المناطق يجب أن تعزل عن سلطة المخزن وأن يكون لها وضع خاص وأن تحكم من طرف الفرنسيين، الأمر الذي يفرض خلق مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية ودينية تخص هذه المناطق.

إن التمييز بين السوسيولوجيا الغربية والسوسيولوجيا الإسلامية بني على أساس إبراز خصوصيات الانسان البربري والمناطق الجبلية التي ينبغي أن يوضع لها قانون ومؤسسات خاصة بها، هذا الوضع الذي كانت الغاية منه تنصير إيديولوجيات خاصة، وهذا الإتجاه هو الذي يستكمل لاحقا مع "روبيرمونتاني" في أطروحته حول البربر والمغرب في جنوب المغرب .

تتميز المنهجية التي يستند اليها "ميشو بيلير" فيإبراز جملة من "التنائيات في مقاربتها للمجتمع المغربي."ومن الناحية الاجتماعية: تبرز ثائيات / عرب / بربر / مخزن / قبائل /.

اما من الناحية القانونية نجد ثنائيات شرع عرف وجغرافيا، ثنائية السهل والجبل والمدينة والبادية .

إن هذه الثنائيات ّأو هذه الرؤيا المحكومة بمنطق الثنائيات، تفرض نوعا من التوازن أو على الأقل، أن التوازن ينبعي أن يكون السمة الأساسية لهذا المجتمع وفي غياب هذا التوازن يستحيل الكلام عن مجتمع متغير، اذا وقف هذا الطرح نحن إزاء مجتمع ساكن وراكد، ومنطق الثنائيات يحيل على التوازن

يرى ميشو بيلير ان هناك ثلاث مؤسسات لا غنى عنها لفهم المجتمع المغربي وهي : القبيلة والزاوية والمخزن .

1- الزاوية:

ينتمي معظم المغاربة بالضرورة الى زاوية ما، فهناك زوايا تخص الأغنياء وأخرى خاصة بالفقراء، كما ان هناك زوايا لها نفوذ في المدن وأخرى ننتشر في البوادي؛ الامر الذي جعل من الزاوية مدخلا مهما في تحديد هوية المجتمع المغربي . (قل لي ماهي طريقتك اقول لك من أنت)

والواقع أن للزاوية مسارها التاريخي الخاص فالزاوية تبدأ باستثمار المقدس، ثم سريعا ما تأخذ مسارات ما متداخلة أو متكاملة فتتحول الى مالك للعقارات أو الأراضي، وقد تسيطر على الطرق التجارية وتصبح قوة اقتصادية واجتماعية، وقد يصل بها الطموح وتتحول الى إمارة، أو تذهب الى أبعد من ذلك فتطمع في الحكم.

تتأسس الزاوية حول أو من خلال شيخ يتمتع بنوع من الهبة والقداسة، ويمتلك نوعا من البركة وقد تظهر عليه أو على يديه بعض المعجزات، فيقام بعد موته ضريح يتحول الى مزار . يكون لورثته كل النفوذ، اذ يرثون عنه البركة والقداسة.

يرجع الاهتمام بظاهرة الزوايا في المجتمع المغربي الى الدور الاقتصادي والسياسي  والاجتماعي التي كانت هذه الزوايا تقوم به.

يقول ميشو بيلير:

" لعبت الزوايا دورا مهما في شمال إفريقيا وبالأخص في المغرب ابتدءا من القرن 19 والدراسة المعمقة لاشتغالها تتشكل بدون ريب احدى الاشكال الاكثر اهمية فيما يتعلق بفهم المسارات السياسية .

تعتبر الزاوية "سوسيوسياسية" لها امتدادات متعددة، فهي ظاهرة اجتماعية ظلت باستمرار مؤسسة حية، وشكلت شبكة ضخمة بحيث اقترنت بالتوسع الإسلامي، بل إن نشأت الدول والمماليك بدوره ارتبط بها، فدولة المرابطين هي دولة بربرية نشأت انطلاقا من زاوية صنهاجية والموحدون انطلقوا من زاوية أسسها ابن تومرت قرب مراكش، الدلائية.

فالزاوية كانت وسيلة من وسائل الوصول الى الحكم من خلال التحكم في التجارة، فكان بإمكانها التوسع، الامر الذي خول لها القيام بمجموعة من الوظائف، فكانت بمثابة مجال للتنشئة الاجتماعية، ومركز للتعليم والتطييب، كما كانت تؤدي وظائف كالجهاد في حالة وجودأخطار أجنبية، لذلك ومن هذا الجانب يمكن أن نتحدث عن تعدد مراكز السلطة، فالزوايا تنتشر في جغرافيا بلاد المغرب، اذ أن مسارها قد يعرف تطورا خصبا. فيتعاظم دورها السياسي .

يقول ميشو بيلير خلف كل مؤسس زاوية يختفي طامح في

 

المهدي بسطيلي طالب باحث بسلك الماستر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم