صحيفة المثقف

القيم الجمالية في الظاهر والباطن (2)

1182 شمهود 1الظاهر والباطن هما وجهان لحقيقة واحدة حيث تلتقي الصورة الظاهرة مع الصورة الداخلية الخفية لتكتمل انسانية الشخص .

وفي تراثنا الديني بان الظاهر ينبغي ان يكون صورة معكوسة ومعبرة عن الداخل وهو ما يصطلح عليه اليوم بالشفافية وان انفراد الباطن عن الظاهر يعد نفاقا او رياءا وبالتالي يفسد الحياة ويربك العلاقات الاجتماعية (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم ..)، احيانا يتنازل الانسان عن الظاهر لظروف معينة وقاهرة او مصلحة اجتماعية ولكنه يبقى محتفظا بانسانيته وايمانه او معتقده حيث يبقى سليما غير مخدوش، وسيكون في هذه الحالة الباطن مقدما على الظاهر .

اليوم نحن نعيش فترة كارثية سواء كان ذلك في الحقل السياسي او الثقافي او الفني، حيث نعيش نفاقا ورياءا وجهلا بامتياز، وغالبية هؤلاء يركبون تيار النفاق والفساد سواء عن قصد او جهل، فهم يظهرون شيئا ويخفونا شيئا آخر خاصة في المجال السياسي ومع ذلك تجدهم يتظاهرون بالوطنية والثقافة والفن، جهلا وخداعا وما يخدعون الا بانفسهم وسوف يلعنهم الناس ولن يرحمهم التاريخ .

1182 شمهود 2

في الفنون التشكيلية

في الفنون التشكيلية فان الظاهر والباطن يقابله الشكل والمضمون، فالشكل هو الهيئة المرئية والمحسوسة . فعندما نتحدث عن عمل فني ما سنجد هناك اكثر من شكل في اللوحة مجتمعة مع بعضها لتصنع نسقا مرئيا، وحينما يكون هناك شكل فني يكون هناك خلفه فكرة وانفعالات وجماليات تتسرب هذه كلها من اللوحة الى المتلقي فيتفاعل معها ويتمتع بها. بعض المفكرين يذكرون بان الظاهر والباطن اعم من الشكل والمضمون، فالظاهر هو كل شئ مكشوف وتدركه الحواس من ماديات محسوسة ومسموعة وغيرها، اما الشكل في الفن فيعني الصورة المحسوسة او المتوهمة. اما الباطن فيعني كل ما اخفي وغير منظور، وقد يكون في النية والمعنى او الباعث، (انما الاعمال بالنيات)، بينما المضمون في الفن يعني ما حوته اللوحة او الكتاب، وبالتالي فالباطن اعم واشمل من المضمون .

كما ان الظاهر يرمز الى العقل الواعي وقدرته على التمييز والتحليل والحكم وتحويل التخيلات الى تصورات والادراكات المعرفية . اما الباطن فيرمز ايضا الى العقل الباطني او اللاواعي، وحسب بعض المحللين بانه هو مستودع الضمير والذوق والوجدان والبصيرة، وقد قامت عليه اليوم مدرسة فنية حديثة هي المدرسة السريالية. وهناك عقل ثالث يذكره بعض المفكرين وهو العقل الابداعي، وفيه كلام كثير .و نجد ذلك في كتاب – المدخل الى فلسفة الجمال – للدكتور مصطفى عبده .

1182 شمهود 3

ويمكن تحليل العمل الفني من خلال عناصره الفيزيقية الموجودة في الصورة، ثم نتأمل هذه العناصر في حالة ارتباطها فيما بعضها في تناسق وجمال، وربما كانت ابرز العناصر في العمل الفني هي: ايقاع الخط، وحجم الشكل، والفراغ، والضوء والظل، واللون . فالشكل لابد له ان يتحدد عن طريق خط معين ينتج ايقاع خاص به، وقد استخدمه رسام الكهوف القديمة، ولازال يستخدم من قبل بعض الفنانين المعاصرين المعروفين مثل جماعة المدرسة الوحشية وكذلك الفنان الصيني لما للخط من قيمة روحية وجمالية.. ولكن الفنان الحديث تخلى عن الظل والضوء والبعد الثالث وغيرها، واصبح همه البحث عن ما وراء الاشكال من مضامين اي البحث عن الباطن . وقد اكد الفيلسوف الصوفي ابن الرومي. بان الصورة الظاهرة تقودك الى صورة باطنة.. وهناك من يقول انه اذا كانت الفنون المرئية عاجزة احيانا عن نقل المشاعر والاحاسيس الى الجمهور فهناك وسيلة اخرى للتعبير عن تلك المشاعر والافكار وهي اللغة التي تتزين بجمال البلاغة والشعر والادب الساحر والمؤثر (رب كلمة جلبت نقمة وازالت نعمة) . والى جانب القيم الشكلية توجد هناك قيم فكرية ووجدانية، وقد اكد الفلاسفة القداما على ان لكل شئ في الحياة هناك تستقر في باطنه روح، وبالتالي فهي حية وليس جامدة او ميتة كما يتبادر الى ذهن الآخرين . (لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله).. وقد انتبه الفنان الصيني الى القيمة الجمالية في جوهر الطبيعة وروحها، فرسمها بقدسية واجلال . وبالتالي فان القيم الجمالية موجودة في الكون وفي كل شئ، في الشكل والمضمون وفي الظاهر والباطن ..

 

د. كاظم شمهود

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم