صحيفة المثقف

عن المجتمع - لورانس لابادي

أنتم ايها المصلحون تريدون أن "تحولوا" الدولة من أداة للقمع والاستبداد وانتهاك الحقوق إلى وكالة تعاونية لدعم الأهداف العامة للبشر، بينما يريد الأناركيون أن يلغوا الدولة . بما أن الأناركيين لا يعارضون أية وكالات تعاونية أو مؤسسات تقوم على التعاون كما تصفون، فمن الواضح أن الدولة لا تعني بالنسبة لكلينا نفس الشيء . يعود هذا الاختلاف في الأصل إلى طريقتي تفكير مختلفتين في النظر إلى العلاقات بين البشر . أحدها جماعية والأخرى أناركية . واحد يحاول تنظيم المجتمع والآخر يريد تحريره . أولها يبحث عن شكل معين للتنظيم، والآخر عن جملة مبادئ . إذا كان غرض المجتمع هو اكتشاف نمط ما من التنظيم يجب الالتزام به، لا بد عندها من وسائل أو أدوات لفرض التطابق مع ذلك الشكل . فرض الالتزام بتنظيم ما يعني الإكراه والتعدي، أما الدفاع عن جملة مبادئ فهو بعيد عن أي تعد أو انتهاك . في مجتمع حر تكون الأشكال المختلفة من التنظيم ممكنة . ليست الأناركية إذن مبدأ لتنظيم معين للمجتمع . إنها تعني مجتمعا يقوم على الاتفاق الحر، حتى المؤسسات المكلفة بالدفاع عن مبادئه يجب أن تكون طوعية . إني مضطر للقول هنا أن الحكومة (التي تعني الاعتداء والتعدي على الحريات الفردية – المترجم) والدفاع (عن هذه الحريات) هي أشياء متناقضة، تعني الحكومة التطابق والتماثل الذي إما أن يكون مفروضا أو طوعيا، وبالتالي من دون التمييز بين الدفاع والانتهاك أو التعدي لا يمكن أن يوجد علم للمجتمع . لكن قد يكون ما أعنيه غير واضحا بشكل كاف ومن الأفضل أن أحاول شرح أصل هذين الموقفين المختلفين تجاه المجتمع . في الحياة البدائية كان العيش في جماعات ضروريا للفرد كي يتمكن من النجاة . كان على البشر أن يتنظموا معا لصالح المجموعة . خضع صالح الفرد لصالح الجماعة، لدرجة التضحية بالفرد عند اللزوم . تشكل عندها ما نسميه اليوم "غريزة القطيع" . ما يمكن تسميته اليوم بفلسفة ال"نحن". جوهر هذه الغريزة هو الوحدة . القوانين العشائرية والقرارات الصارمة لكل الجماعة كانت ضرورية وقتئذ . كان الاختلاف أو الفرقة كارثة . اذكر أيضا أنه كلما عاد بنا الزمن إلى الأزمان البدائية كلما كانت العضويات الحية أكثر تشابها، كما نشاهد اليوم بين النمل والنحل الذين يبدون لنا دون أية تمايزات أو فردانية . رغباتهم هي نفسها ما يمكن أن يعبروا عنها بالقول "نحن" . لكن تطور العضويات الحية ينزع نحو ظهور ونمو الفردانية أي الاختلاف . مع نمو المعرفة الإنتاجية وظهور تقسيم العمل أصبح البشر أكثر قدرة على أن يتوحدوا بشكل أكثر حرية – بدأوا بالسير على الطريق نحو ظهور إمكانية حقيقية لاستقلال الفرد، الذي يعني في الحياة العملية حرية الفرد والترابط المتبادل الذي يعنيه الاختيار الحر ويعتبره أفضل مما سواه . يمكن للبشر أن يفترقوا أو يختلفوا الآن دون أن يعني هذا أنهم سوف ينتهون أو ينقرضون . ومع نمو الفردانية (التمايز) يصبح أفضل طريقة لحل الخلافات هو الافتراق أو الانفصال – تحرير كل فرد من التدخل المتبادل أو التطابق الإلزامي مع نمط حياة واحد . عندما خطرت هذه الفكرة لأول مرة على ذهن الإنسان، ولدت فلسفة الأناركية . ربما كان ماكس شتيرنر أول من قال بجرأة أن الفرد هو المهم، لا الجماعة، وأنه عندما يدرك الفرد منزلته ككائن بشري فإنه سينحي جانبا كل القيود الخرافية التي تحرمه من حريته، أما بالنسبة الجماعات، عندها ستتشكل هذه الجماعات من بشر أحرار . بعده أعلن يوشيا وارن اكتشافه أن الافتراق بين هذه الآراء المختلفة هو سر الانسجام لا المزج بينها واٌلإصرار على توحيدها . كان برودون قد قال أن الاجتماع ليس "قانونا اجتماعيا" وأن البشر الذين يبحثون عن أنظمة للمجتمع طوباويون . وصرح بعده هربرت سبنسر أن مبدأ الحرية المتساوي الذي يهدف لإعطاء الفرد أكثر ما يمكن من حرية يتوافق مع مبدأ الحرية المتساوية . باختصار، يسير التطور من الشيوعية باتجاه الفردانية، من حالة الأمر الواقع إلى حالة التوافق والتعاقد، من السلطة باتجاه الحرية . لكن "غريزة القطيع" ما تزال موجودة . ما نزال نسمع أشخاصا يتكلمون عن "نحن" كما لو أن عقول البشر ورغباتهم وحاجاتهم موحدة أو متطابقة . هذا هو الأصل الذي ترجع إليه النزعات الجماعية، القومية، الدولتية (الداعية لتأسيس حكومات ودول – المترجم) . تقريبا كل البشر الذين يلجأون إلى (مثال) الدولة هم مشبعون بغريزة القطيع هذه . ونتيجة كل هذه الخطط المعدة سلفا بشكل جيد هو أنا ستؤدي حتما إلى الشمولية (الحكم الشمولي) – وأن الفرد سيصبح صفرا (لا شيء) نتيجة لها .

سبتمبر أيلول 1937

 

ترجمة مازن كم الماز

..........................

نقلا عن

https://ia600800.us.archive.org/33/items/AnarchoPessimismTheCollectedWritingsOfLaurenceLabadie/Anarcho-Pessimism%20-%20The%20Collected%20Writings%20of%20Laurence%20Labadie.pdf

لورانس لابادي (1898 – 1975) أناركي فرداني، "أميركي" .. يوشيا وارن (1798 – 1874) أناركي ورسام وموسيقي "أميركي" .. بيير جوزيف برودون (1809 – 1865) أناركي، اقتصادي، جماعي أو تبادلي، "فرنسي" ..

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم