صحيفة المثقف

الهوية الشيعية

احمد الزبيدييؤكد المعجم الاصطلاحي الفلسفي أن الهوية هي: خصائص الشخص المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية التي تجعله مميزًا عن غيره تميزاً يكسبه فرادته وخصوصيته.. إنها الوعي الشعوري بشخصية الفرد والسعي اللاشعوري لبقائها، فهي تمثيل الذات في نظام الآخرية.. أو هي لا شيء سوى الآخر

ويرى فوكو العظيم أن كل هوية عشوائية تبحث عن هوية منظمة لتلجأ لها وتنتمي إليها..

هذا التوصيف ينطبق تماما على الهوية الشيعية العراقية، فهي منذ تبلورها، عراقيا، هي هوية عشوائية، لعدم وجود هوية منتظمة بنظام سلطة أو دولة، وقد فشلت المراجع في تنظيمها واستقلالها، لأنها بقيت في نطاق المعارضة وعدم الجنوح إلى تأسيس دولة تحمل مرتكزات الهوية الشيعية، ولعدم وجود هوية شيعية عربية كدولة أو سلطة كان من الطبيعي أن تلجأ الهوية الشيعية العراقية العشوائية إلى الهوية الشيعية الإيرانية المنتظمة، فلو كانت هنالك دولة شيعية عربية لانتمت الهوية الشيعية العراقية إليها، ومن ثم فإن التدخل الإيراني في العراق ليس من طرف واحد، وليس هيمنة إيرانية فقط، بل حاجة فلسفية وثقافية واجتماعية ودينية تدعو الشيعي العراقي إلى التوجه لمرجعية سياسية تشكل ذاته الوجودية، ولأن الهوية لا شيء سوى الآخر، لذلك كان العربي السني العراقي أو العربي  هو الآخر بالنسبة للشيعي العربي العراقي، وخاصة بعد موقف العرب السنة من الشيعة في العراق بسبب كرههم لصدام، والمفخخات والقتل الجماعي والطائفي وعليه فالشيعي الإيراني الفارسي يمثل ذاتا وتطابقا للشيعي العراقي العشوائي..

ومن هنا سعت إيران جاهدة على ألا تكون الهوية الشيعية العراقية منتظمة لأنها ستنفلت منها، وتقل سلطتها عليها وحاجتها لها، وأفادت من الأحزاب الدينية الآيديولوجية من أجل استمرار عشوائيتها، فالدعوة والمجلس والفضيلة والصدر، كلها خطابات آيديولوجية تسعى لعدم انتظام الهوية واستقلالها، ومن هذا المنطلق، كان مقتدى الصدر يسعى دائما لقيادة التظاهرات خوفا من استقلال هويتها، فهي - أي التظاهرات - تعبير اجرائي عن الكوامن الذاتية الفردية بأسلوب جماعي بما يعكس ثقافة مشتركة وطاقة معارضة وصريحة .. وهم يدركون جيدا (إيران وآيديولوجياتها) أن استقلال الهوية يعني غياب الهوية الشيعية وحضور الهوية الوطنية وربما ستكون بمرجعية قومية لا دينية، وهذا يشكل خطرا كبيرا على الهوية الشيعية المنتظمة (الإيرانية)..

لا أنكر محاولات الصدريين باستقلالية هويتهم حين هتفوا أيام العبادي (إيران برا برا) لكن سرعان ما ادرك الصدر الخطر فامتطى طيارته ليلتها وذهب إلى إيران، ولا نختلف في أن جلوس الصدر قرب عرش خامنئي بأقل من ارتفاعه بشبرين له رسالة واضحة تعبر عن حاجة العشوائي إلى المنتظم أو الفرد إلى الجماعة..

لا شك في أن أخطر مظاهر الانتفاصة الجديدة التشرينية أنها دعوة صريحة إلى تشكل هوية وطنية عراقية مستقلة بعيدا عن أي انتماء مرجعي ديني منتظم، وهذا يشكل خطرا كبيرا لإيران، لأن استقلالية الهوية  العراقية وضعف الهوية الدينية  يعني البحث عن هوية منتظمة بديلة للدينية وخوفا أن تكون قومية.. والأخطر أن تكون مدنية رافضة للهويتين.. ولعل من أبرز انعكاسات الانتفاضة الجديدة هو تشكل وعي شعوري متمرد على مرجعيات هويته الدينية التي سلبت انتظامه الهوياتي والذاتي، لذا بدأ التمرد بسلبية الهوية المنظمة الدينية وإدراك أنها تحتكره لنظامها، وبالتالي فإن أهم ما حققته هذه الانتفاضة العظيمة هو تشكل هوية وطنية موحدة وسعيها لاستقلالها عن أية هوية مهيمنة..

 

د. أحمد الزبيدي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم