صحيفة المثقف

"الإرهاب" والعُنف" و"المُقدس"

علي المرهجعلى الرغم من التداول السلبي لمفردة الإرهاب عالمياً، إلَا أنه يبقى مفهوماً إشكالياً، يُرفض وفق تطورات مدولالات اللفظ تاريخياً، إلَا أنه بشكله في منظومة الفكر الإسلامي من حيث النشأة لا دلالة سلبية كبيرة فيه، فالإرهاب هو لتخويف العدو ورده عن مقاصده ومراميه في القضاء على فكر منبعه لاهوتي مُقدس من أعداء خرجوا عن الملَة ومقتضيات الوجود المجتمعي الذي جاءت به الرسالة "الربانية" "توأعدوا لهم من رباط الخيل تُرهبون به عدوكم وعدو الله".

لم يخلو التاريخ الإنساني منذ بداية الخليقة إلى يومنا هذا من وجود أو حضور لما يُسميه (تيري إيجلتون) "الإرهاب المُقدس"، فقد ظهر جلياً في الحضارات الأسطورية القديمة أشكال من التعبير عن مفهوم "الإرهاب المُقدس"، ولك في نزوع كلكامش وبحثه عن عشبة الخلود مظهراً من مظاهر نرجسيته واعجابه المفرط بنفسه وبقوته وفرادته بالقياس لأنكيدو وسكان الوركاء، فكان يظن أن الوجود لا بد أن يصطفيه.

"فديناه بكبش عظيم" قربان فيه تشكيل وقناعة للقبول بـ "العُنف المقدس" بحق البشر، ولكن رحمة الله خففت من شكل العنف، فبدل من أن يكون عُنفاً القصد منه ذبح إنسان، صار "الكبش" أضحية نستسيغ ذبحها وتوزيع لحمها لأن فيه كسب لرضا إلهي "مُقدس".

تظهر الأضحية هنا أصلاً للدين كما يقول (رينيه جيرار) في كتابه "العُنف والمُقدس"

وفي أسطورة (عشتار وتموز) أو (إينانا وديموزي) ما يشي بنزاع بينهما فرض على أحدهما القضاء على الآخر، فكانت (عشتار) هي التي تمكنت من ايداع (تموز) في (العالم السفلي) بقصد اثبات قوتها وتفوقها على تموز. إنه "عُنف مُقدس"، فكلاهما إله، والإله في الأساطير يمكن أن ينتصر على إله آخر بحكم دهائه أو قوته.

عدم رضا (قابيل) عن (هابيل)، بعد أن تخاصما حول زواج "الشقيقة"، فقدما قُرباناً، فنزلت نار من السماء أكلت قُربان (هابيل)، وبعدها قتل (قابيل) أخوه (هابيل)، ولا أخوض في تفسير وتفاصيل القصة، ولكن بنائها الدرامي مرسوم على أساس تبيان الطبيعة البشرية لرفض الرأي الآخر، حتى وإن كان من أقرب المقربين، والتبرير هو الصراع على السلطة، وتصوير قتل الأخ لأخيه على أنه شكل من أشكال الطاعة!، ولذلك هو يدخل في مُسمى "الإرهاب المقدس".

في قتل الخضر للطفل ممارسة لنوع من أنواع "الأرهاب المقدس" لأنه خشيَ أن يُرهق أبويه "طُغياناً وزندقةً"!، لأنه رأي فرد (تقي) لا مبرر عقلاني لفعل القتل سوى وضعه بأنه نوع من أنواع "الإرهاب المقدس".

أسطور اليهود وإيمانهم بأنهم "شعب الله المختار" وأن الله اصطفاهم على بقية بني البشر، جعلتهم يمارسون الإرهاب بحق كل شعوب وأهل الديانات الأخرى تحت عنوان "الإرهاب المُقدس".

إن مفهوم "الإرهاب المُقدس" هو ذاته "العُنف المُقدس" مع اختلاف تاريخية لفظ "الإرهاب" بوصفه مقترناً بمدلوله القرآني، مع تاريخية لفظ "العنف" الذي هو أسبق تأصيلاً في الحضارات والديانات القديمة.

"عُنف السلطة" واحتكارها للعُنف، فيه ما يشي أن عُنفها مقبول وفي مقبولية عنفها مجتمعياً ودولياً ما يجعل هذا بمثابة "عُنف مُقدس".، فعنف السلطة وإرهابها ضد كل من تضعهم أو تصفهم بأنهم من الخارجين عن القانون يكون مقبولاً وينال استحسان الأغلبية وكأن مقبوليته تسير جنباً إلى جنب مع مقبوليتنا لوجود "العنف المُقدس" أو "الإرهاب المُقدس".

"الحرب المُقدسة" ماذا تعني؟ إنها نوع من أنواع الدفاع عن النفس والأرض والجنس والنوع تُبررها الشرائع السماوية والدولية، فكل من يحارب من أجل الدفاع عن وطنه وحدوده ضد خطر عدو فهو يمارس حقه في "القتل" للعدو، وقتل العدو للوطن أو للأمة أو للدين واجب أخلاقي وشرعي، تُمارسه الجماعة لرد العدوان كل بحسب أيديولوجيتها أو معتقدها.

رفض الماركسية للرأسمالية على الرغم من عدم انتماء أصحاب المذهبين لتبرير "الحرب الباردة" بينهما وفق مقولات "ثيولوجية" (لاهوتية) إلَا أنها بحكم طبيعة الصراع والرفض القطعي لأحدهما للآخر، ومحاولة كل قطب منها جمع أكبر عدد من المؤيدين، جعل من حربهما تبدو وكأنها حرب بين معسكرين: (دار الكفر) و (دار الإيمان) بحسب استخدام جماعة الأخوان المسلمين لهذين المفهومين، وكل مختلف مع معسكر يدعي "وصلاً بليلى" المعسكر المخالف أو "الآخر". إنها حرب بين مذهبين إنسانيين ولكنهما في طبيعة الصراع بينهما إنما يحملان مضمر التعبير أو "المسكوت عنه" بأن حرب أحدهما ضد الآخر إنما هي "حرب مُقدسة".

هي "دكتاتورية البروليتارية" المشروعة أو الحقة بعبارة ماركسية ضد "الهيمنة الامبرايالية" ورديفتها "الرأسمالية".

واقلب المعادلة، وقُلَ: إنها "الديمقراطية" و وعودة الفرد لذاته في بحثه الدائم والجاد عن "الحرية الفردية" للخلاص من سطوة "الأنظمة الكليانية" أو الشمولية، أو "الديكتاتورية" التي لا تقوض بنيانها سوى "الليبرالية".

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم