صحيفة المثقف

ثورة بلا قيادات

1262 الثورة بلا قيادةكتاب يحمل بين دفتيه دعوة للجماهير المُستضعفة للثورة على الأنظمة الفاسدة المدعومة من أنظمة رأسمالية أو فاشية أو أنظمة ثيولوجية (لاهوتية) تؤمن بتصدير رؤيتها (ثورتها) أو أنظمة اقطاعية (أنظمة دول لا أيديولوجيا فيها ولا رؤية سياسية سوى امتلاكها لرؤوس أموال ضخمة وظفتها لشراء أنظمة دول وحكومات وجماعات لا وطنية فاسدة وفق قاعدة "السيد والعبد").

هذا الكتاب عودة لفهم "الديموقراطية" بمعناها التقليدي "حكم الشعب بالشعب وللشعب"، لأنه هو الأعرف بظروفه والأقدر على الحكم على فهمها، خارج سطوة وهيمنة النُخبَ السياسية والفكرية والثقافية التي يوجه كل منها المجتمع بحسب بوصلته الأيديولوجية أو العقائدية.

تعتمد فكرة الكتاب على أطروحة موجزها أن الفرد قادر على احداث تغيير عبر صرخة مدوية صادقة لرفض الظلم.

فمن شأن فرد أو جماعة بسيطة في ملعب كرة قدم (وتصور هذا الملعب وكأنه وطن) فحينما يصرخ الفرد أو الجماعة القلَة بصوت مؤيد أو رافض لحركة فريق في الملعب لأن فريقه لم يُتقن اللعب مع الخصم، ستهب كل جماهير الفريق تُعيد ذات الصوت.

ليس شرطاً أن تُحقق الجماعة مطاليبها في التو واللحظة، ولكن الفريق سينتبه، ومدربه واتحاد الكرة سيراجع خططه، وهنا ستكون "الأفعال لا الأقوال الأداة الثاني للجماعة بعد كسب تأييد الجمهور الذي لنزوعها نحو التغيير. واجعل من المدرب مثابة رئيس الوزراء واتحاد الكرة بمثابة البرلمان.

أما مفتاح الثورة (الرفض) الجماهيري الثالث، فهو اقدام الجماهير هذه على اتخاذ قرارات تحرج المسؤولين، وجعل الناس هم المسؤولون عن قراراتهم، وكلما شعروا أنهم هم المسؤولون تجدهم ميالين لاستخدام السلطة بحكمة.

وكأنها محاولة للجمهور لاستعادة السلطة من مُمثليه في البرلمان، بعد أن شعروا بأن هؤلاء البرلمانيين لم يعودوا أهلاً للثقة ولا يصلحون لتمثيلهم.

إن هذه الرؤية هي نواة ما أسماه (روس) "الثورة بلا قيادات".

طرحت كارن روس رؤية للثورة مخالفة لما هو معروف عن الثورات التقليدية.

إن الثورة التقليدية تحتاج لقيادة كارزمية مؤثرة في جماهير الثورة، هي التي تُحركهم متى متى تشاء وتوقف حركتهم وتحد من فعل "الهياج الثوري" متى ما تشاء. إنهم يأتمرون بأمرها.

أما أطروحة (روس) فإنها تُؤسس على فعل الجماهير أو "الناس العاديون" ودورهم في تغيير السياسة والقضاء على سلطة الحكومة من دون الحاجة لوجود قائد أو قيادة تتحكم بها. من أهم منطلقات "الثورة بلا قيادات" هي:

ـ مبدأ اللا عُنف، وهو مبدأ عمل عليه (غاندي) في ثورته ضد الاحتلال البريطاني للهند، ولكن هذه المرة ثورة من دون الحاجة لقيادة، إنما النس العاديون هم قادتها.

أما أدواتهم فهي "الاضراب العام" أو "العصيان المدني"، وهي ممارسات يُتيحها الدستور، وتحرج الحكومات لأنها تُعطل كل مؤس سات الدولة بما فيها التعليمية ووسائل النقل والمواصلات، وتعطيل عمل المصانع والدوائر الحكومية.

من العجيب المُدهش في هكذا ثورات أنك تجد الجماهير فيها مُستعدة للتضحية ليس بالمال فقط، إنما بالنفس أيضاً، لأنهم يعدَون الموت من أجل قضية عظيمة وسامية هي خلق وطناً جديد لا فساد فيه وشعب حرَ إنما هي قضية تستحق التضحية.

إنها ثورة سلمية أجلى تعبير فيها هو "بلاغة الجمهور"، عبر التعبير عن الرفض بطرق شتى منها الفن والإيثار والتمسك والتضامن الاجتماعي ونبذ العُنف، وكل هذه رسائل سمها "بلاغة الجمهور" في احراج الحكومة وأجهزتها الأمنية والقمعية.

ـ المقاطعة: مقاطعة الحكومة ومقاطعة الدول المساندة لسياستها القمعية تجاه شعبها، ومن أشكال هذه المقاطعة هي مقاطعة شركات ومصانع هذه الدول وعدم الاستيراد منها ومقاطعة شرائها في السوق المحلية، والعمل على دعم النتوج الوطني.

ـ العزل، ومحاولة سحب التأييد الاجتماعي من الأشخاص والأفراد المؤييدين لسياسة السلطة ونبذهم مجتمعياً ورفض التواصل معهم في مسراتهم وأحزانهم. وعدم التهاون مع أمثالهم أو السماح لهم بحضور مناسبات مجتمعية، وفي حال حضورهم ينبغي إظهر التذمر من وجودهم.

ـ التعطيل لمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام المدافعة عن رجالات السلطة الفاسدين عبر تهكيرها أو التشويش عليها، وهذه أعمال تخريبية ولكنها في الأن نفسه ليست عُنفية.

ـ كسب تأييد المجتمع الدولي ومنظماته عبر الكشف عن جرائم السلطة وممارساتها العُنفية بحق أبناء شعبها.

آلية عمل الجماعات في الثورة بلا قيادة

ـ أن تُتخذ القرارات من قبل المُحتجين بالتوافق لا بالاجماع، عبر لقاء يومي تُشرف عليه "ججمعية عمومية" للمُحتجين.

ـ ينبغي على الجميع احترام القواعد العامة والالتزام بالأخلاقيات العامة المعهودة في المجتمع الذي تحدث فيه مثل هكذا ثورة بلا قيادة.

ـ إلتزام المحتجين بحضارية ثورتهم والعمل على تحسين وضعهم وضبط اعتصامهم، والكشف عن طاقات المُحتجين الفنية والثقافية والعلمية كي تكتمل رسالتهم الثورية بصيغتها الحضارية.

ـ نزوع المُحتجين ـ في الغالب الأعم ـ نحو تبني سلوك مثالي يكون بمثابة رسالة اقناع للمخالفين "تنبثق منه شبكات تعاون داعمة للتغيير الايجابي في أماكن أخرى"، وكأنك تجد مجتمعات أو دول صغيرة أساس وجودها التماسك والتعاون المجتمعي، وستنتقل عدوى التماسك هذا لأمكنة أخرى في جغرافية المجتمع الذي حدثت فيه هذه الثورة.

أما من عيوب مثل هكذا ثورات، فهي غياب الاتفاق على مطاليب واضحة ومُحددة، وكل من ينبري ليكون ناطقاً باسم الثورة تظهر له جماعة تقول هذا لا يُمثلنا إنما يُمثل نفسه وربما جماعته.

إن ميزة الثورة بلا قيادة إنها تبدأ صغيرة وتنمو تدريجياً لتكسب عبر تعبير أصحابها الحضاري بكسب أكبر عدد من المؤيدين لها حتى داخل أفراد الحكومة التي خرج المحتجون عليها.

 

المصدر: كارن روس (2017) ثورة بلا قيادات، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ط1.

المنشور تلخيص للكتاب بحسب ما فهمت.

 

ا. د. علي المرهج

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم