صحيفة المثقف

القاهرة.. عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2020

محمود محمد عليإن فكرة عاصمة الثقافة العربية هي فكرة استحدثها اليونسكو من خلال المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة وذلك على غرار عاصمة الثقافة الأوروبية، حيث شرع في تطبيق فكرة عاصمة الثقافية العربية سنة 1996، وجاء ذلك بناءً على اقتراح للمجموعة العربية في اليونسكو خلال اجتماع اللجنة الدولية الحكومية العشرية العالمية للتنمية الثقافية (باريس ما بين 3 و7 يناير 1995) .

وتستند الفكرة إلى أن الثقافة هي عنصر مهم في حياة المجتمع ومحور من محاور التنمية الشاملة. وتهدف إلى تنشيط المبادرات الخلاقة وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري، وذلك عبر إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة لفعاليات تظاهرة عاصمة الثقافية وتنمية ما تقوم به من دور رئيسي في دعم الابداع الفكري والثقافي تعميقاً للحوار الثقافي والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب وتعزيز القيم، التفاهم والتآخي، التسامح واحترام الخصوصية الثقافية.

إن برنامج عواصم الثقافة الإسلامية يهدف إلى توطيد أواصر العلاقات بين الشعوب التى تتشارك فى الكثير من المفردات والعناصر من خلال إقامة حوار إبداعى بينها وتعزيز مجالات التواصل الفكرى بين إبناء الأمة الإسلامية، ويعمل على إبراز مضامين التراث الزاخر بالمفاهيم التى تدعو إلى التسامح والتعايش أمام العالم وتقديم صورة حقيقية عن الحضارة الإسلامية العريقة.

وبرنامج عاصمة الثقافة الإسلامية يسند سنويا إلى ثلاث مدن إسلامية عريقة واحدة عن كل من المناطق الإسلامية الثلاث: العالم العربي وأفريقيا وآسيا، تضاف إليها العاصمة التي تستضيف المؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة الذي ينعقد كل عامين  وتمتد الاحتفالات والتظاهرات على سنة كاملة، وتم توقيع الاتفاق على اقامة هذه التظاهرة منذ عام 2001 مع انعقاد المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة وتم اعتماده في المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة الذي انعقد في الجزائر عام 2004، وحملت مكة المكرمة اللقب الاول عام 2005 ثم تداولت المدن الاسلامية اللقب وعلى التوالى انتقل الى حلب (سوريا)، فاس (المغرب)، الاسكندرية (مصر)، القيروان (تونس)، تريم (اليمن)، تلمسان (الجزائر)، النجف (العراق) المدينة المنورة (السعودية)، الشارقة (الامارات)، نزوى (سلطنة عمان)، الكويت (الكويت)، عمان (الاردن)، المنامة (البحرين)، تونس (تونس) حتى وصلت الى القاهرة عام 2020 الذى اختارت منظمة الايسيسكو خلاله ايضا العاصمة الأوزبكية بوخارى عاصمة الثقافة الاسلامية فى المنطقة الآسيوية وباماكو بجمهورية مالى فى أفريقيا.

وتتمثل أهداف برنامج عاصمة الثقافة الإسلامية، فيما يلي :

1- نشر الثقافة الإسلامية وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدن التي تختار كعواصم ثقافية إسلامية بالنظر لما قامت به في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية.

2- تقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم أجمع من خلال إبراز المضامين الثقافية والقيم الإنسانية لهذه الحضارة

4- تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها عالمنا اليوم وتستدعي من المجتمع الدولي تضافر الجهود جميعاً على شتى المستويات من أجل إنقاذ الإنسانية مما يتهددها من مخاطر جمة.

مبادرة

وخلال الأيام الماضية تسلمت مصر شعلة تنصيب القاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية خلال عام 2020، خلفاً للعاصمة التونسية، وذلك فى الاحتفال الذى أقامته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بمدينة الثقافة فى تونس.

إن اختيار القاهرة عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2020 يؤكد مكانة مصر فى قلب العالم الإسلامي باعتبارها ملتقى للثقافات على مر العصور، وقد  قامت وزارة الثقافة المصرية بإعداد برنامج أنشطة متنوع للاحتفال بهذه المناسبة تشارك فيه جميع الهيئات والقطاعات ويتضمن العديد من الفعاليات التى تعكس جانباً من شخصية الثقافة المصرية المتفردة .

وتعدّ مدينة القاهرة التاريخية من أهم المدن التراثية وأكبرها في العالم؛ وهي تضم عدداً كبيراً من الآثار والمباني التاريخية، بما يعبر عن تاريخ القاهرة الطويل بصفتها عاصمة سياسية وثقافية وتجارية كبيرة ورائدة في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط.

وقد أدى موقع القاهرة الاستراتيجي على حافة الدلتا بين نهر النيل شرقاً، وجبل المقطم غرباً، إلى التفاعل البشري المستمر مع الموقع، وكانت الفترة منذ القرن التاسع إلى الخامس عشر – المعروفة أيضاً بعصر النهضة الإسلامية – عصراً ذهبياً للمدينة، عندما كان للرواد من العلماء والأطباء والفلكيين وعلماء الدين والكُتاب تأثير قوي ومكانة كبيرة امتدت لما يتجاوز حدود العالم الإسلامي.

والعاصمة المصرية القاهرة، تعد نموذجاً متميزاً للمعمار الإسلامي؛ حيث تضم كثيراً من النماذج المعمارية الفريدة، من عصور الأمويين والطولونيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، ونظراً لوفرة وثراء هذا المعمار الذي يزين القاهرة، فقد عرفها العلماء والمؤرخون والجمهور باسم «مدينة الألف مئذنة».

كما أن اختيار القاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية 2020 لا يقل أهمية عن اختيار الأقصر عاصمة الثقافة العربية لعام 2017، فلهذا نتوقع من وزارة الثقافة بأنها تستعد ببرنامج ثقافى ضخم فى قلب القاهرة، يهدف إلى نشر الثقافة الإسلامية وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية للمدينة لما قامت به فى خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية، لذا نتوقع وجود عدد من المؤتمرات المهمة عن تاريخ مصر الإسلامى ودور المدينة فى حماية التراث، كما نتوقع إقامة العديد من حفلات دينية، ودعوة وفود وفرق موسيقى إسلامية من الدول المختلفة، إضافة إلى إصدار عدد كبير من الكتب التى تحاكى تاريخ القاهرة الإسلامى وذلك حسب قول أحمد إبراهيم الشريف في مقاله باليوم السابع عن القاهرة عاصمة الثقافة الإسلامية 2020 .

أعود وأكرر بأن اختيار القاهرة عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2020 يؤكد مكانة مصر فى قلب العالم الإسلامي باعتبارها ملتقى للثقافات على مر العصور؛ فمصر هي مهد وأرض الحضارات؛ ففي مصر ولد التاريخ والحضارة البشرية منذ آلاف السنين، وكما قال المؤرّخ اليوناني هيرودت بمقولته الشهيرة مصر هي هبة النيل، نعم فأصل وجودها هو نهر النيل وعزيمة وحب أولادها لتلك الأرض التي وهبتهم المعنى الحقيقي للحياة منذ قديم الزّمان فتلك الأرض العظيمة هي أرض الحضارة والتّاريخ العريق، فهي الأرض التي قامت عليها حضارة من أعظم الحضارات التي مرّت على تاريخ البشريّة ألا وهي الحضارة الفرعونيّة القديمة والتي لا تزال آثارها شامخة حتى الآن تشهد عن عظمة المصريّين القدماء التي تحدّت كل الصّعاب وظلّت صامدة في وجه الزّمان وتقلباته.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم