صحيفة المثقف

الشعر العربي في العصر الاموي (2)

فالح الحجيةوالاحوال المعاشية والاجتماعية ورفاهية العيش كان لها تاثيرا عظيما في الشعر الاموي و كذلك ظهور اللهو والترف فنشط الغزل الحضرى في الحجاز وخاصة في المدينة المنورة ومكة المكرمة والطائف وظهر الغزل البدوي (العذري) في نجد والبادية وبين قبائل عذرة وكذلك اتسعت معالم الشعر الخمري ومجالسه والشعر الوصفي نتيجة اختلاط العرب بالامم الاخرى كالفارسية والرومانية والهندية اضافة لما ورثوه من موروث جاهلي.

لم يسر الامويون على السياسة التي انتهجها الاسلام في القران الكريم (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) وما سار الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم او الخلفاء الراشدون من بعده في تسيير دفة الحكم وامور الدولة .

فقد انتهجت الدولة الاموية سياسة التعريب وتفضيل العنصر العربي على غيره من اتباع الدولة الاسلامية التي اصبح في داخلها ومن رعاياها الفارسي والرومي والهندي والافريقي والاوربي والتركي ومن كل العناصر الانسانية الاخرى فكانوا يسمون غير العرب (الموالي) ويعتمدون العنصر العربي في كل مفاصل الدولة ويفضلونهم على غيرهم من الاقوام أي ان الدولة الاموية دولة قومية عربية فيقدمونهم على الموالي الذين ينظرون اليهم نظرة فيها نوع من ريبة وخشية ومذلة ولا يستخدموهم في شؤون الدولة الا النزر القليل منهم والذي لا يجدون عنه بديلا عربيا . لذا عزف الموالي عن وظائف الدولة وتحولوا للعمل في الحرف و الصناعا ت البسيطة كل بمعرفته لتلك الحرف التي كان يأنف منها العربي او يستهجنها ويعتبر العمل فيها عيبا . 

ومن المعلوم انه نبغ في العصر الاموي او قال الشعر فيه عدد من الشعراء كثير . فقد ذكر ان عدد شعراء هذا العصر او من قال الشعر فيه قد تجاوز عددهم مائتي وخمسين شاعرا منهم المخضرمون الذين عاشوا في عصر صدر الاسلام والعصر الاموي وقالوا الشعر في كل منهما . وقد انتقيت في هذا الكتاب كما في العصر الجاهلي والاسلامي كوكبة من الشعراء فترجمت لحياتهم وقد شمل هذا الاختيار كل مناحي الحياة في هذا العصر وكذلك كل الفنون الشعرية وجئت بالافضل والاسمى في الاختيار فيما يخص الاشخاص والقصائد المقالة والاغراض الشعرية وانواعها .

وقد ادى هذا التصرف الخلافي الى ظهور التباغض والتناحر والكراهية بين العرب وبين العناصر الاخرى من المسلمين الاعاجم وخاصة الفرس , وقد ظهر هذا جليا في الشعر اذ ظهر شعراء من الموالي تعصبوا لقومياتهم وافتخروا بها ثم كانوا وبالا على العربية ومستقبلها كالشاعر الفارسي اسماعيل بن سيار الذي راح يفتخر بالفرس ويفضلهم على العرب .

وعلى العموم اتسعت افاق الشعر في كل مدارج الحياة في هذا العصر بعد ركودها في عصر صدر الاسلام الاول ويمكن ان نقول ان الشعر في العصر الاموي كان في بداية ثورته وبداية شدة غليانه .

وكان من الطبيعي ان تتوسع وتزداد الفنون الشعرية في هذا العصر بعد الانكماش الذي لحقها في العصر الذي قبله فقد طرق الشعراء في هذا العصر ابوابا فنية كثيرة في الشعر منها ما كانت موجودة في الجاهلية والاسلام فوسعوها واكثروا فيها . ومنها ما هو محدث وجديد ابتكروه تبعا لظروف الحياة وسعتها ومتطلباتها ومنها ما كان له اثر في الجاهلية و الاسلام فا ضا فوا فيه حتى جعلوه غرضا مستقلا قائما بذاته فمن الفنون التي اتسعت في هذا العصر: 

الفخر والمدح : فقد توسعت فنون شعر الفخر في هذا العصر كثيرا لوجود التحزب واشتداد المنافسة بين الاحزاب من جهة وبين التعصب القبلي من جهة اخرى ايضا فتفاخر الشعراء كل بقبيلته او حزبه او مذهبه كما تفاخروا في الشجاعة والكرم وكثرة الاموال والاولاد ويتميز الفخر هذه المرة بطابعه الاجتماعي الجماعي وسلوكه جماعية الفخر وابتعاده عن الفردية ومن اشهر شعراء الفخر:

جرير والفرزدق والاخطل وقيس الرقيات ومن شعر الاخير هذه الابيات:

خلق من بني كنانة حولي

بفلسطين يسرعون الركوبا

 

من رجال تفنى الرجال وخيل

رجم بالقنا تسد ا لغيوبا

 

وان قوم الفتى هم الكنز في

دنياه والحال تسرع التقليبا

اما في المدح فقد بالغ الشعراء متأثرين بالتيارات السياسية والتحزب و التعصب القبلي او الطمع والتكسب في الشعر لدى بعض الشعراء وخاصة شعراء خاصة الخلفاء وامراء الولايات الجديدة.

والمديح اما حزبيا فيعبر عن رأي و عاطفة الشاعر بصدق اتجاه ما يحمل من افكار ومفاهيم او قبليا مدافعة عن عصبيته وقبيلته وفي كل تنبع العاطفة فيه صادقة تعبر عما يجيش في نفس الشاعر اتجاه الممدوح او من احب ومن ذلك قول الشاعر الكميت الاسدي في

مدح بني هاشم يقول:

بني هاشم رهط النبي فانني

بهم ولهم ارضى مرارا واغضب

 

فمالي الا ال احمد شيعة

ومالي الا مذهب الحق مذهب

وربما كان المدح عن طمع وتكسب فيكون الكذب والمخاتلة الشعرية واضحة فيه وغير معبر عن عاطفة صادقة خالصة ويكون التكلف ظاهرا فيه ومنه قول الفرزدق البصري مادحا الخليفة عبد الملك بن مروان:

ارى الثقلين الجن والانس اصبحا

يمدان اعناقا اليك تقرب

 

وما منهما الا يرجى كرامة

بكفيك او يخشى العقاب فيهرب

 

وما دون كفيك انتهاء لراغب

ولا لمناه من ورائك مذهب

اما الهجاء فهو ايضا فن توسع كثيرا في هذا العصر وقد تشعب عدة شعب او فنون ترفد كل فن روافد اخرى فكان الهجاء السياسي والهجاء المذهبي و الهجاء الفرقي الطائفي والهجاء التعصبي القبلي ومن الهجاء قول الاخطل التغلبي النصراني في هجاء الانصار:

ذهبت قريش بالمكارم والعلى

واللؤم تحت عمائم الانصار

 

فذروا المعالي لستموا من اهلها

وخذوا مساحيكم بني النجار

ومنه الصراع القبلي الذي ادى الى انقسام العرب الى يمانية وعدنانية وفيه يقول الشاعر الطرماح بن الحكيم في هجاء قبائل تميم:

تميم بطرق اللؤم اهدى من القطا

ولو سلكت سبل المكارم ضلت

 

ولو ان برغوثا على ظهر نملة

يكر على صفي تميم لولت

ومنه الهجاء الفردي الذي يظهر فيه العداء الشخصي للشاعر او المنافسة بينهم وقد ظهر لدى فحول الشعراء مثل الفرزدق وجرير و الاخطل ويتميز بتجاوزه حدود الهجاء التي كانت معروفة من قبل وربما تجاوز الاداب الاجتماعية التي كانت سائدة حيث يهجو الشاعر غريمه باقذع الكلمات واخسها مما لم تألفه العرب من ذي قبل وبذلك ظهر فن جديد سمي (النقائض) . من ذلك هجاء جرير للفرزدق:

خلق الفرزدق سوءة في مالك

ولخلف ضبة كان شر غلام

 

مهلا فرزدق ان قومك فيهموا

خورالقلوب وخفة الاحلام

 

كان العنان على ابيك محرما

والكير كان عليه غير حرام

 

مازلت تسعى في خيالك سادرا

حتى التبست بعرتي وعرامي

واما الرثاء بقي على ما هو عليه في الجاهلية والاسلام غير موسع الا انه ظهر فيه فن يكاد يكون جديدا هو رثاء الخلفاء والامراء والقادة واؤلي الشأن ولم يكن صادق العاطفة بل في اكثر الاحيان كان تقليدا طمعا في التكسب والمال الا ان بعضه ذو عاطفة صادقة فياضة، عندما يكون المرثي ذا علاقة بالشاعر كالقرابة والصداقة فتشعر بحراة نفسه المتاثرة او المحزونة على فقد المرثي .

يتبـــــــــــــــع

 

امير البيــــــــان العربي

د. فالح نصيف الحجية الكيلاني

العراق - ديالى - بلــــــد روز

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم