صحيفة المثقف

الشعر العربي في العصر الاموي (3)

فالح الحجيةفالغزل فن من الفنون الشعرية القديمة قدم الشعر وفيه تعبير عما يعتمل في عاطفة الشاعر الشخصية وما يختلج في نفسه وقلبه من هواجس ولواعج حب وشوق ووجد ووله وغرام يبثها لحبيبته. راجع كتابي (الغزل في الشعرالعربي) .

وقد انكمش في صدر الاسلام واصابه الضعف والوهن ثم بعث من جديد في العصر الاموي بصورة واسعة حتى ان بعض الشعراء لم يكن لهم شعر الا في الغزل وهم امتداد لعشاق العرب الجاهليين ويتبين في شعر الغزل ثلاثة اتجاهات واسعة ومختلفة احدها عن الاخر تبعا لطبيعة ونفسية الشاعر ومكانته وشاعريته .

وقد انكمش في صدر الاسلام واصابه الضعف والوهن ثم بعث من جديد في العصر الاموي بصورة واسعة حتى ان بعض الشعراء لم يكن لهم شعر الا في الغزل وهم امتداد لعشاق العرب الجاهليين ويتبين في شعر الغزل ثلاثة اتجاهات واسعة ومختلفة احدها عن الاخر تبعا لطبيعة ونفسية الشاعر ومكانته وشاعريته .

اولها الغزل التقليدي:

وهي ابيات في الحب والغزل والتشبيب يفتتح الشاعر فيها قصيدته وسمي تقليديا لأنه استمرار لغزل الجاهليين وصدر الاسلام في افتتاح القصيدة وفيه يتغزل الشاعر بمن يحب وفي اكثر الاحيان يذكر اسما لحبيبته ويذكر ساعات اللقاء وايام الجفاء والم الشوق ولوعة الهوى والفراق وقد اكثر فيه فحول الشعراء هذا العصر وهم : جرير والاخطل والفرزدق في افتتاحيات قصائدهم وغيرهم ايضا ومما قاله جرير في الغزل و يتمثل فيها بافضل بيتين قالتها العرب في شعر الغزل في الشعر القديم او الحديث اذ لم يجاريه شاعر بمثلهما فيه:

لقد كتمت الهوى حتـى تهيجنـي

لا أستطيـع لهـذا الحـب كتمانـا

 

كاد الهوى يوم سلمانيـن يقتلنـي

وكـاد يقتلنـي يومـا ببيـدانـا

 

لا بارك الله في من كان يحسبكـم

الا على العهد حتى كانـا ماكانـا

 

لا بارك الله في الدنيا اذا انقطعـت

أسباب دنياك من اسبـاب دنيانـا

 

ما احدث الدهـر مما تعلميـن لكـم

للحبل صرما ولا للعهـد نسيانـا

 

ان العيون التي في طرفها حـور

قتلننـا ثـم لـم يحيـن قتـلانـا *

 

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن اضعـف خلـق الله انسانا *

اما الغزل الاخر فهو الغزل العفيف او العذري وسمي بالعذري لانه شاع بين قبائل بني عذرة التي تقطن في نجد و قرى الحجاز الشرقية و منها اشتقت تسميته. يتميز الشعر العذري بانه شعر يروي قصص حب حقيقية وصريحة وهو شعر الحب العفيف المحتشم البعيد عن التبذل والتفسخ الخلقي ويطلق عليه (الغزل البدوي) ايضا وقد تسمى شعراؤه او بعض منهم باسماء من يحبون ومن اهم من اشتهر به من الشعراء جميل بثينة و كثير عزة وعبد الله بن الدمينة ومجنون ليلى وغيرهم يقول الشاعر (جميل بثينة) او جميل بن عبد الله العذري في حبه لبثينة حبيبته:

واني لأرضى من بثينة بالذي

لو ابصره الواشي لقرت بلابله

 

بلاه بان لا استطيع و بالمنى

وبالامل المرجو قد خاب امله

 

وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضي

واواخره لا تلتقي واوائله

بينما ذاع او انتشر غزل اخر نسميه (حضري) في الحجاز خاصة في المدن الثلاث الكبرى مكة والمدينة والطائف لتوفر اسباب العيش المترف واستتباب الامن وكثرة الاموال والترف الاجتماعي .

وهذا الحب حب مبني على المادة الجسدية واللذة الجنسية وقد ذكر الشعراء في قصائدهم قصصا واحداث بعبارات جريئة بشكل لا مثيل له في العصر الجاهلي ولا في عصر صدر الاسلام وقد توسع هذا الغزل ليشكل مدرسة شعرية بذاتها ويمثل حياة العبث والمجون واللهو والفسوق وخلاف خلق الاسلام .

ويتميز بالاعتماد على الحادثة لذلك كثر فيه القصص الغرامية والمغامرات في طلب النساء والتعرض لهن ونلاحظ فيه الحوار الشعري بين الحبيب وحبيبته او الشاعر وحبيبته .

ومن اهم شعراء هذا النوع من الغزل : عمر بن ابي ربيعة والاحوص والعرجي والحارث بن خالد ومن قول الشاعر عمر بن ابي ربيعة هذه الابيات:

فحييت اذ فاجأتها فتولهت

وكادت بمكنون التحية تجهر

 

وقالت وقد عضت بالبنان فضحتني

وانت امرؤ ميسور أمرك أعسر

 

فوالله ماادري أتعجيل حاجة

سرت بك ام قد نام من كنت تحذر

 

فقلت لها بل قادني الشوق والهوى

الايك وما نفس من الناس تشعر

ومن الفنون الشعرية التي توسعت كثيرا (الخمريات) فهي غرض من اغراض الشعر العربي التي كانت معروفة في الجاهلية الا ان الاسلام حرّم الخمر والقول فيها فا متنع شعراء صدر الاسلام من القول في الخمرة وحتى عن ذكرها في اشعارهم وقصيدهم ومن المفروض ان تهجر نهائيا طالما حرمها الاسلام الا انها ظهرت في العصر الاموي مجددا لقلة حدة الدولة اتجاه الدين وانتشار اللهو والترف وظهور المجون لدى بعض الشعراء الشباب او من اديان اخرى .

ومن اسباب ظهورها ايضا التمازج الاجتماعي بين الاعاجم من فرس وروم واقباط وغيرهم في الدولة الاموية واتساع رقعتها الجغرافية ومن شعراء الخمرة الشاعر الاخطل التغلبي حيث كان نصرانيا اذ ذكرها كثيرا في قصائده وتغنى بها وفيها يقول:

تفوح بماء يشبه الطيب طيبه

اذا ما تعاطت كاسها من يد يد

 

تميت وتحي بعد موت وموتها

لذيذ ومحياها الذ واحمد

واختم بحثي هذا بفن النقائض وهي قصائد في غاية في البلاغة والمتانة تمتاز بطولها وتكاد تكون تطورا لشعر الهجاء الا انه يداخل القصيدة المدح والفخر ايضا يردّ الشاعر فيها على خصمه الشاعر الاخر او خصومه من الشعراء.

و تتميز هذه القصائد انها تشترك في الوزن والقافية والروي فكل قصيدتين متضادتين تأتيان من بحر واحد وروي واحد وقافية واحدة كانهما قصيدة واحدة لولا اختلاف المقاصد والاهواء ونستطيع ان نقول انها قد تطورت من الهجاء الجاهلي وفي النقيضة يمدح الشاعر قومه ونفسه بافتخار ويفند مزاعم خصمه الشاعر الاخر .

وقد شاعت النقائض في هذا العصر الاموي نتيجة للصراع الحزبي او القبلي او العداء الشخصي بين الشعراء انفسهم حتى اصبحت فنا جديدا من فنون الشعر العربي له شعراؤه وفرسانه وقيلت فيه القصائد الطوال الرائعة التي اعجب بها الادباء والنقاد واعتبرت من روائع الشعر العربي.

والنقائض فن متطور من الهجاء الجاهلي حيث يعتبر البذرة الاصلية له والقصيدة في هذا الفن تختلف عن قصيدة الهجاء كونها ملتزمة الرد والنقض لما يرد في القصيدة المقابلة مع التزام القصيدة الناقضة نفس وزن وقافية وروي القصيدة المنقوضة .

ويمكننا ان نقول انها لم يكن لها وجود في الشعر الجاهلي او شعر صدر الاسلام وانها وليدة هذا العصر فهي فن مستحدث من فنون الشعر العربي الجديد في العصر الاموي.

ان هذه النقائض زادت من حدة الخلاف وشدة النزاع الحزبي والقبلي بين الاطراف المتنازعة حيث اتجه الشعراء في البحث عن مثالب بعضهم البعض ومثالب الاقوام الاخرين واللهاث وراء معرفة كل مثلبة في الشاعر الاخر و في قومه وعشيرته في الماضي او في الحاضر وان كانت خافية الا ا نها رسمت صورة لحياة المجتمع العربي والقبلي وكانت سببا مباشرا في دراسة المجتمع القبلي من قبل هؤلاء الشعراء واحداث عصرهم فكانت مصدرا مهما من مصادر تاريخ العصر الجاهلي فهي دراسة او نبش في التاريخ وراء الاحداث وما تمخض عنها من نوازع وامور تهم هذا الطرف او ذاك وقد خرجت بعض هذه القصائد عن المالوف في الاصول والاداب واهم شعراء هذا الفن الفرزدق والاخطل وجرير .

يقول جرير في الفرزدق:

ولقد ولدت ام الفرزدق فاجرا

فجاءت بوزار قصيرالقوادم

 

هو الرجس يا اهل ا لمدينة فاحذروا

مداخل رجس بالخبيثات عالم

 

فيرد عليه الفرزدق فيقول:

قال ابن صانعة الزروب لقومه

لا استطيع رواسي الاعلام

 

ووجدت قومك فقؤوا من لؤ مهم

عينيك عند مكارم الا قوام

 

صغرت دلاؤهم فما ملاءوا بها

حوضا ولا شهدوا عراك زحام

واستطيع ان اقول لقد تميزت الافكار عموما بوضوحها وعدم المغالاة في اخفائها وراء كلمات العاطفة فلم يختلف الشعراء في رهافة عواطفهم وحساسيتها ولا في صورهم الشعرية عن شعراء العصرين الجاهلي وصدر الاسلام فكانت الدافع المباشر الى القول وموقف الشاعر فتفتحت نفس المتلقي وبعثت القصيدة فيها بحيث تكون أهم الحقائق والافكار والهدف الرئسي منها اثارة الانفعال في نفوس المتلقين بعرض الحقائق الرائعة و تمتاز العبارة بالانتقاء والتفخيم والوقوف على مواطن الجمال كما تكون الصور الخيالية والصنعة البديعية والكلمات الموسيقية مظهرا للانفعال العميق فاتت العبارة في القصيدة الاموية جزلة متينة وقد عبرت عن عاطفة صادقة قوية حية انبعثت في وجدان الشـاعر العربي . حيث ان الشـعر هو صياغة لغوية يجتمع فيها الحرف الرصين والمعنى الشريف والبلاغة المعبرة والخيال الواسع و بهذه العناصر المختلفة في وحدة متكاملة للتعبير عما يريد الشاعر أن يقوله. او ينشده .

 

امير البيــــــــــــــان العربي

د. فالح نصيف الحجية الكيلاني

العراق - ديالى - بلــــــد روز

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم