صحيفة المثقف

الشعر في العصر العباسي الاول (6)

فالح الحجيةاما فن الهجاء فنلاحظ فيه في العصر العباسي اتجاهين الهجاء السياسي والهجاء الشخصي وقد امتاز اللونان معاً بالسخرية الشديدة والإيذاء المؤلم للمهجو. فالهجاء السياسي في الاغلب اتجه نحو التركيز على الإنحراف الديني ونسب الشذوذ والزندقة للمهجوين.

و مِنْ الهجاء السياسي او الهجاء العام قول دعبل الخُزاعي في هجاء الخليفتين المعتصم والواثق:

خليفةٌ ماتَ لمْ يَحزنْ لهُ أحدُ

و آخرٌ قامَ لمْ يفرح به أحدُ

 

فَمَرَّ هَذا وَمَرَّ الشُؤمُ يَتبَعُهُ

وَقامَ هَذا فَقامَ الشُؤمُ وَالنَكَدُ

و الهجاء الشخصي اتجه نحو السخرية ورسم الصورالهزلية المضحكة والمعيبة للمهجو. مثال ذلك:

قول ابن الرومي في الهجاء:

ولحية يحملها مـائق

مثل الشراعين إذا أشرعا

 

تقوده الريح بها صاغرا

قودا عنيفا يتعب الأخدعا

 

فإن عدا والريح في وجهه

لم ينبعث في وجهه إصبعا

 

لو غاص في البحر بها غوصة

صـاد بها حيتانه أجمعا

*

والزهد ليس ظاهرةً جديدة على العصر العباسي إنما هو من عصر الصحابة او التابعين ثمّ العصر الأموي الذي برز فيه الكثير من الشعراء في أشعارهم بوادر للزهد والتصوف مثل الحسن البصري وقطع الأسباب المتصلة بالقلوب .لذا أصبح الشعر الذي ينظم في الامور الزهدية والدينية بذاته اصبح سلاحا حادا يواجه تيار الزندقة والإنحرافْ والمجون.

و الزهد بحد ذاته يعتبر سلوكية يهدف للابتعاد عن الدنيا وهجرها والالتزام بالعبادات والطاعات الربانية .

أما التصوف فهو نزعة روحية خالصة اساسها المجاهدة والرياضة الروحية والوصول للكشف عن الذات الالهية. وقد ظهر من الرجال المتصوفين: الشيخ معروف الكرخي والجنيد البغدادي والحلاج والقاضي الفاضل وابن الفارض والشيخ عبد القادرالكيلاني والسهروردي وابن عربي .

راجع كتابي (الغزل في الشعر العربي) صفحة 233- 258.

ومن النساءِ المشهوراتِ بالعبادة والاستغراق في الذات العلية الشاعرة رابعة العدوية وقد نادت بالحب الإلهي .

نلاحظ قولها تناجي حبيبها بعد تعشقت بالذات الالهية:

أحبك حبين حب الهوى

وحبـًا لأنك أهلاً لذاكـا

 

فأما الذي هو حبّ الهوى

فشغلي بذكرك عمن سواكا

 

وأما الذي أنت أهل له

فكشفك للحجبِ حتى أراكا

و شعر الزهد الخالي من الغلو يتجلى في شعر أبي العتاهية وشعر أبي نواس الشاعر الماجن بعد توبته في شيخوخته فله أبيات في الزهد تعد من روائع الشعرالعربي وقيل انه قالها في اخريات ايامه بعد أنَ تيقظ من غفلته وتاب إلى الله تعالى .

لاحظ قوله في الزهد:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرةً

فلقد علمت بأن عفوك أعظمُ

 

أدعوكَ ربِّ كما أمرتَ تضرعاً

فإذا رددت يدي فمن ذا يرحمْ

 

إنْ كانَ لا يرجوك إلا مُحسنٌ

فبمن يلوذ ويستجيـر المجرم

 

مالي إليكَ وسيلةً إلا الرجــا

و جميل ظني ثمَّ إني مسلـمُ

اما في شعرالحكمة - وكانت هذه في الجاهلية ايضا قالها كثير من شعراء الجاهلية مثل زهير بن ابي سلمى ولبيد – وقد أثرَّت حركة الترجمة الواسعة في شعر الحكمة فنجد أن بعض الشعراء في العصر العباسي استوعبوا الحكم اليونانية والفارسية والهندية التي ترجمت للفارسية ثم نقلها ابن المقفع وغيره إلى العربية فتمثلوا بها شعراً، وضمنوا بعضها أبياتهم مثل كتاب (كليلة ودمنة) ذي الاصول الهندية او كتاب (الأدب الكبير) وكتاب (الأدب الصغير) اللذين نقل فيهما ابن المقفع من تجارب الفرس وحكمهم الكثير .

نلاحظ قول صالح عبد القدوس يقول:

المرء يجمع والزمان يفـرق

ويظـل يرقع والخطوب تمزق

 

ولأن يعادي عاقلا خيـر له

مـن أن يكون له صديق أحمق

 

فارغب بنفسك أن تصادق أحمقا

إن الصديق علي الصديق مصدق

 

وزن الكلام إذا نطقت فإنما

يبدي عيوب ذوي العقول المنطق

اما في الرثاء فقد أثرَّت الحضارة فيه فبعدَ أن كان الشعراء العرب ينظمونه في البحور الطويلة اصبح الشعراء في هذا العصر ينظمونه في البحور الخفيفة. وفي رثاء الخلفاء وليس جديدا على الشعر العربي رثاؤهم . نلاحظ قول ابي نؤاس في رثاء الامين:

طوى الموت ما بيني وبين محمّد

وليس لما تطوي المنية ناشر

 

وكنت عليه أحذر الموت وحده

فلم يبق لي شئ عليه أحاذر

كما بكى شعراء هذا العصر أبنائهم ورثوهم مثلما فعل الشعراء في العصور المتقدمة قبلهم ومِنْ ذلك رثاء ابن الرومي لأ بنه محمد حين توفاه الموت اوخطفته يد المنون:

بكاؤكما يُشفي وإنْ كانَ لا يُجدي

فجودا فقد أودى نظيركما عندي

 

بُنيَّ الذي أهدتـهُ كفاي للثـرى

فيا عزَّة المَهديّ يا حسرةَ المُهدي

 

ألا قاتل الله المنايا ورميـها

من القوم حبات القلوب على عمد

 

توخى حمام الموت أوسط صبيتي

فللَّه كيف اختار واسطة العقد

الا ان من جديد رثاء العصر العباسي رثاء المغنين والاحبة والاصدقاء وتضمن هذا الرثاء أوصافًا لم يعرفها الرثاء العربي.

و من ذلك قول أحدهم في رثاء المغني إبراهيم الموصلي:

بكت المسمعات حزناً عليه

وبكاه الهوى وصفو الشراب

 

وبكت آلة المجالس حتى

رحم العود دمعة المضراب

اما الخمرة فهي فنٌ أدبيٌ ليسَ بجديدٍ على الشعر العربي وإنما هو قديم ابتدأ قبلَ الإسلامْ ومن أشهرالشعراء في العصرالجاهلي في وصفِ الخمرة الاعشى وعمرو بن كلثوم ولما جاء الإسلام أمر بتحريمها وحدّ شاربيها وصانعيها وبائعيها وحامليها . لذا قلت معاقرتها والقول فيها واقتصر على نفرٍ قليل . وفي العصر الاموي انبعثت من جديد على ايدي عدد من الشعراء اغلبهم من غير المسلمين مثل الاخطل التغلبي .

اما في العصر العباسي فقد شاعت الخمرة وتوسعت مجالسها وكثرت حاناتها وزاد الإقبال عليها نتيجة الترف وكثرة اللهو والمجون في هذا العصر وانفتاحه ويبدو أن الحرية وراء هذا الإقبال. وفي كل هذا قال الشعراء وانشدوا ومن اشهر من قال فيها الشاعر ابو نؤاس والشاعر غالب عبد القد وس الذي يقول فيها:

أديرا عليّ الكأس إنّي فقدتها

كما فقد المفطوم درّ المراضعِ

و قول ابي نؤاس هذه الابيات:

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء

وداوني بالتي كانت هي الداء

 

صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها

لو مسها حجر مسته سراء

 

قامت بإبريقها والليل معتكر

فلاح من وجهها في البيت لألاء

 

فأرسلت من فم الإبريق صافية

كأنما أخذها بالعين إغفاء

 

رقت عن الماء حتى ما يلائمها

لطافة وجفا عن شكلها الماء

 

فلو مزجت بها نوراً لمازجها

حتى تولد أنواراً وأضواء

 

دارت على فتية دان الزمن لهم

فما يصيبهم إلا بما شاؤوا

 

لتلك أبكي ولا أبكي لمنزلة

كانت تحل بها هند وأسماء

اما الفترة الزمنية التي تحدثت عن شعرائها فتشمل القرنين الثاني والثالث أي من \ 132هجرية - 746 ميلادية وحتى بداية القرن الرابع الهجري أي لسنة \400 هجرية .

فالشعراء الذين عاشوا في هذه الفترة الزمنية من الدولة العباسية هم من تحدثت عن اشهرهم وهو مانسميه بالعصر العباسي الاول - واهم شعراء هذا العصر بشار بن برد شيخ المجددين وابو تمام والبحتري وابر نؤاس وابو العتاهية وابن المعتز وصريع الغواني والمتنبي وكشاجم وابو فراس الحمداني وغيرهم كثير. عسى ان وفقت فيما قدمته وافدت .

.

اميرالبيــــــــــان العربي

د. فالح نصيف الحجيــة الكيلاني

العراق - ديالى - بلــــــد روز

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم