صحيفة المثقف

الشعر العربي في بلاد الاندلس (1)

فالح الحجيةتقع جزيرة (البيرة) او (ايبيريا) كما يسمونها العرب في اقصى الجنوب الغربي من قارة اوربا. يحدها من الشمال بحرالشمال وفرنسا تحدها من الشمال والشرق اما من الجنوب فيحدها البحرالابيض المتوسط ويحدها من جهة الغرب المحيط الاطلسي وتشمل في الوقت الحاضرعلى مملكة اسبانيا ومملكة البرتغال .

لقد فتح العرب جزيرة اسبانيا (الاندلس) في زمن الخليفة الاموي الوليد بن عبد الملك سنة\ 93 هجربة عندما وجه اليها حملة قوية بقيادة القائد العربي (طارق بن زياد) ومن المفارقات النادرة ان هذا القائد العظيم بعد عبوره البحر من المغرب الى اسبانيا - من المضيق الذي يقع في فم البحر الابيض المتوسط وكان يسمى مضيق (اعمدة هرقل) لان فيه كهف تكثر فيه الاعمدة الحجرية الطبيعية وتغير اسمه الى مضيق(جبل طارق) بعد عبوره وحتى هذه الساعة - احرق كافة السفن التي اقلته هو وجنوده المقاتلين بحيث اصبح الجيش الغازي امام امرين اما الفتح والحياة واما الهزيمة والموت المحقق فكان الجيش العربي قاتل قتالا مريرا دفاعا عن النفس قبل كل شيء اذ لا امل له بالرجوع ومستلهما من التضحية والجهاد في سبيل الله نبراسا بحيث باعوا نفوسهم لله تعالى:

(ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) سورة التوبة الاية \ 111

فكان النصر العظيم حليفهم .

وغزت اللغة العربية بلاد الاندلس مع الفاتحين وانتشرت بمرور الوقت لكثرة من رحل من العرب او البربر الساكنين في شمال افريقيا او العرب الذين هاجروا اليها لتصبح بعد فترة لغة سكان الاندلس وما جاورها فقد انتقل عدد كبير من العرب الى الاندلس بعد فتحها وتمركز الحكم العربي الاموي فيها وبالاخص من الشام ومصر وبلاد المغرب.

ولما كان الشعر متأصلا في نفوس العرب وعواطفهم كغريزة فيهم فقد عبر معهم البحر الى البلد الجديد وليجد مناخا طبيعيا رائعا رائقا لم بجدوا مثله في البلاد التي قدموا منها حيث وجدوا الجمال والبهاء والخضرة الدائمة سواءا في الجبال او السهول او ضفاف الانهار الجارية وكثرتها مما اوقد جذوة الشعر والثقافة في نفوسهم وافكارهم فشعروا بالهجة والحياة الجديدة وانتشر فيها الشعر الا انه طغت عليه الصفة التقليدية العربية في البدء ثم بدء التاثر في المجتمع الاسباني والطبيعة الاندلسية الجميلة فتحولت الا ندلس الى جنة الله في الارض.

افتخر العرب في بلاد الاندلس بانسابهم واحسابهم كما كانوا في المشرق وهاجرت معهم كل امورهم حتى عصبيتهم القبلية بين العدنانية والقحطانية وانتشرت كما مدحوا اقوامهم وخلفائهم وامراءهم وهجوا اعداءهم والمنافسين لهم فكان الشاعر الاندلسي اول ذي بدء مقلدا للشاعر العربي في المشرق ويحذوا حذوه ويسيرعلى نسقه فقلد ابن زيدون في شعره ا لبحتري وقلد ابن هانىء الاندلسي المتنبي على سبيل المثال وغيرهم كثير .

ظهر الشعر في الأندلس في ظروف تختلِف عنها في الشرق، ظروف تتَّصل بطبيعة الارض الأندلسية وتنوُّعها والعناية بمواطن جمالها، وأخرى متَّصلة بالتكوين الثقافي والنفسي للسكَّان، فلأوَّل مرة يلتقي العربي مع أجناس مختلفة قوطية ولاتينيَّة وبربريَّة ويهوديَّة ومسيحية وعلى أرض واحدة، وتعايشت ابتداءا تحت سمائها الأدْيان السماوية الثلاثة: الإسلام والمسحية واليهودية، فكان في البدء يسمع صوت المؤذن إلى جانب رنين أجراس الكنائس والبِيَع، وتتحدَّث العربيَّة إلى جانب الأمازيغية، والإسبانية وفي مرور الزمن تبلورت في بوتقة واحدة لتكون العربية هي اللغة العامة لهذه البلاد وتذوب كل اللغات فيها الا نادرا وفي الاصقاع البعيدة او في البدان المجاورة او على حدودها وانشر الاسلام في كل اصقاعها الا ماندر.

انتشر الشعر العربي في بلاد الاندلس بعد ان دخل فاتحا مع الفاتحين العرب وسار معهم اينما توجهوا فبلغ ايطاليا وبحر الادرياتيك ووصل الى جزيرة صقلية وجزيرة مالطة بل وفي كل بقعة او جزيرة في البحر الابيض المتوسط وحتى سواحل الاطلسي الجميع تتكلم العربية وتكتب فيها واعتبرت العربية اللغة الرسمية لهذه البلاد وثقافتها وعلومها وادابها وخاصة الشعر فازدهر في كل مكان صار اليه ووجد فيه لجزالته ورقة اسلوبه ووضوح معانيه وخاصة انه نظم في هذه الاصقاع الجديدة الغناء بين الخضرة الدائمة والجو اللطيف وقد اكثرالشعراء من وصف هذه الديارالجديدة ورياضها فهذا الشاعر

ابن سهل الأندلسي في قصيد ته المشهورة بالرداء الأخضر يقول:

الأرض قد لبست رداءاً أخضـرا

والطـل ينثر في رباها جـوهرا

 

هاجت فخلتُ الزهر كافـورا بها

وحسبتُ فيها الترب مسكا أذفرا

 

وكأن سوسـنها يصافـح وردها

ثغر يقبـل منه خـداً أحمـرا

 

والنهـر ما بين الريـاض تـخاله.

سيفا تعلق في نجـاد أخضرا

 

و يقول الوزير ابن الحمارة الأندلسي:

 

لاحَتْ قُرَاهَا بَيْنَ خُضْرَةِ أَيْكِهَا

كَالدُّرِّ بَيْنَ زَبَرْجَـدٍ مَكْنُـون

ويقول الشاعر لسان الدين بن الخطيب في وصف عرناطة:

غِرْنَاطَةٌ مَا لَهَا نَظِيرٌ

مَا مِصْرُ مَا الشَّامُ مَا العِرَاقُ

 

مَا هِيَ إِلاَّ العَرُوسُ تُجْلَى

وَتِلْكَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّدَاقِ

ويقول الشاعر ابن سفر المريني متغنِّيًا بالأندلس ومواطن الجمال فيها:

فِي أَرْضِ أَنْدَلُسٍ تَلْتَذُّ نَعْمَاءُ

وَلا يُفَارِقُ فِيهَا القَلْبَ سَرَّاءُ

 

وَلَيْسَ فِي غَيْرِهَا بِالعَيْشِ مُنْتَفَعٌ

وَلا تَقُومُ بِحَقِّ الأُنْسِ صَهْبَاءُ

 

وَأَيْنَ يُعْدَلُ عَنْ أَرْضٍ تَحُضُّ بِهَا

عَلَى المُدَامَةِ أَمْوَاهٌ وَأَفْيَاءُ

 

وَكَيْفَ لا يُبْهِجُ الأَبْصَارَ رُؤْيَتُهَا

وَكُلُّ رَوْضٍ بِهَا فِي الوَشْيِ صَنْعَاءُ

 

أَنْهَارُهَا فِضَّةٌ وَالمِسْكُ تُرْبَتُهَا

وَالخَزُّ رَوْضَتُهَا وَالدُّرُّ حَصْبَاءُ

إنَّ السماحة التي ظلَّلت المجتمع الأندلُسي وبعده عن التعصُّب المقيت، لعِب دورًا كبيرًا في خلق التَّعايُش والتَّجانُس بين سكَّان الأندلس، كان أثره المباشر على الشِّعْر الأندلسي.

لقد انتشر الشعر العربي في الاندلس حتى وصل الى منتهاه في الرقي والتطور في زمن ظهور دول الطوائف حيث ان كل امير جمع حوله الادباء والشعراء وبذلك حصل الشعر العربي في الاندلس على مكانة عظيمة وثروة ادبية كبيرة نتيجة هذا التنافس بين الا مراء والشعراء والطبيعة الخلابة التي بهرت الفكر العربي وبالاخص الشاعر العربي فابدع فظهرت نتيجة هذا الابداع معان جديدة واساليب جديدة متطورة ومتمدنة وظهر الموشح في الشعر والذي لايزال يعد مفخرة من مفاخر الشعر العربي في الاندلس .

يتبــــــــــــــــــع

 

امير البيــــــان العربي

د. فالح نصيف الحجية الكيلاني

العراق - ديالى - بلـــــــــد روز

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم