صحيفة المثقف

بهاء درويش.. عاشق الفلسفة النسوية الإيكولوجية

محمود محمد عليالأمة التي ينشط فيها العقل ويتحرك فيها الفكر، أمة لا يخشي عليها من شئ، لأنها تكون حية حياة عقول أبنائها، متحركة بحركة أفكارهم. وفي مثل هذا المناخ الفكري السليم يختفي التعصب الأعمى وما يصاحبه من ضيق في الآفق وتحتجر في الفكر، ويحل محل ذلك التسامح واحترام وجهات نظر الآخرين، وافتراض حسن النية فيما يصدر عنهم من آراء وأفكار حتى فيما يتصل بأمور الدين؛ وهنا نشهد في واقعنا المعاصر عدداً من الأساتذة الاكاديميين الجاديين يقدمون لنا رؤي ومناهج من واقع خبراتهم للعديد من القضايا التي لا يستطيع المفكر والإنسان العربي المعاصر أن يغض الطرف عنها وفي مقدمتها : العقلانية، والحرية، وإعادة النظر في التاريخ والواقع، والمفاهيم اللامحدودة التي تمتلأ بها الثقافة العربية والفكر العربي المعاصر" .

ومن هذا النوع نذكر الأستاذ الدكتور "بهاء جلال السيد درويش"- أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة المتفرغ بكلية الآداب – جامعة المنيا بجمهورية مصر العربية، والذي أشرف بالكتابة عنه في هذه السطور، فهو يمثل واحداً من زملائنا المفكرين المصريين المعاصرين، الذين قدموا لنا منهج عقلاني تكاملي متفتح، ورؤية فلسفية ملتزمة : تؤكد التسامح، والحوار، والتعددية، وتفسح المجال للآخر.

وقديماً قال الكندي الفيلسوف (250 هـ) الفلسفة هي علم الأشياء بحقائقها، ويحتاج طالب العلم إلي ستة أشياء، حتي يكون فيلسوفاً، فإن قُصت لم يتم ؛ ذهن بارع، عشق لازم، صبر جميل، روع خال، فاتح مُفهم، مدة طويلة؛ وأحسب أن بهاء درويش (مع حفظ الألقاب) قد تحققت له وفيه هذه الشروط التي فرضها فيلسوف العرب، في دارس الفلسفة وطالبها .. إذا كان النبوغ هو المقدرة علي تحمل الجهد المستمر، علي حد قول تشارلز ديكنز ؛ فإن بإمكاننا القول إن بهاء درويش كان واحداً من النابغين المصريين الذين أضافوا كثيراً إلي الثقافة الإنسانية.

فبهاء درويش من الباحثين المتميزين الذين أحب أن أقرأ لهم أو أسمعهم حين يحاضرون .. منذ وقت قريب حضرت معه مؤتمراً بقسم الفلسفة بجامعة المنوفية دعاني إليه صديقي الأستاذ الدكتور "صلاح عثمان"، وجاءت الكلمة علي بهاء درويش ليلقي كلمته عن الفلسفة التطبيقية .. ادهشني حديثه وكلامه فهو من النوع الذي تلمحه علي المنصة في وقفة الحزم والعزم .. وقبالته الأفواج المرصوصة.. مشدودة الأحداق نحوه.. مرهفة الأسماع إليه .. ترقب ما يلفظ من قول .. كأنها بحر يزخر بالموت مسته عصا ساحر .. فأمسك عن الحركة بغتة .. وران عليه سكون عميم.. هنالك يبدأ حديثه وكلامه .. ناعم الصوت .. ثابت المقطع .. يرسل الكلمة تلو الكلمة .. والجملة بعد الجملة .. تتجاوب بها أرجاء الفضاء الفسيح .. فإذا هي تبلغ شغاف القلوب وتنفذ إلي مكامن الشعور .. ما أجله مشهد تنقل فيه بصرك بين الخطيب وجمهوره .. وقد استولت مهابة واكبار.. إنه في هذه الوقفة الجبارة .. في هذا السمت الأشم وهو مستسرل يجلجل بنبراته .. يروعك أول ما يروعك قسمات وجهه .. إذ تتشكل في طواعية معبرة وتأدية مصورة .. كل خلجه ترف علي محياه كأنما هي مرآة الكلمة التي ينطق بها لسانه .. وروح المعني الذي يريد الإعراب عنه .. فما هذه الخلجات التي تتعاقب علي صفحة وجهه إلا ترجمة حسية لتلك الكلمات التي تنبس بها شفتاه لا يعوزها البيان والإفصاح .. حسبك أن تراه  وتسمعه ..

بهاء درويش وإن كان أكبر مني بسنوات قليله فهو من جيلي الذي احترمه وأهابه .. فنشاطاته البحثية كثيرة ؛ خاصة في الندوات والمؤتمرات .. فلم أتمكن من أن ألاحقه بكل ورقة بحثية كتبها .. اسهاماته كثيرة ؛ فمثلا في سبتمبر 2007، تم تكليفه من هيئة اليونسكو، بمراجعة أكاديمية للترجمة العربية لكتاب " أخلاق البيئة والسياسة الدولية " الذي صدر باللغة الإنجليزية عن هيئة اليونسكو، وذلك قبل صدور هذه الترجمة العربية عن الهيئة نفسها.. وفي 12 – 14 فبراير 2008 شارك ضمن مجموعة خبراء من مختلف الأقطار العربية في وضع توصيات لتقنين استخدام الخلايا الجذعية في العلاج وفي البحث العلمي  وذلك  بترشيح من مكتب اليونسكو بالقاهرة.. وفي 8 – 16 سبتمبر 2008 تم اختياره عضوا ممثلا لجامعة قطر في لجنة تقييم المتقدمين  للحصول على تراخيص إنشاء مدارس مستقلة والتابعة للمجلس الأعلى للتعليم في قطر.. وفي 18 – 19 – مايو 2009، تمت دعوته ضمن مجموعة خبراء من مختلف الأقطار العربية لحضور اجتماع الخبراء العرب للنانوتكنولوجيا والأخلاق بالدوحة وذلك  بترشيح من مكتب اليونسكو بالقاهرة، باعتباري استشاري لهيئة اليونسكو في ميدان أخلاقيات العلم  البيولوجيا... وهلم جرا.

وحتي لا ينسينا الحديث الجميل عن بهاء درويش فاسمح لي عزيزي القارئ أن أقدم لك نبذة عن سيرته الذاتية .. بهاء درويش هو من مواليد 03  – 02 – 1959، حصل علي ليسانس فلسفة، 1980، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، تقدير عام جيد جدا، ثم حصل درجة الماجستير في الفلسفة  فلسفة، 1987، تخصص (فلسفة حديثة ومعاصرة، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، تقدير عام ممتاز)، ثم حصل بعد ذلك علي درجة  دكتوراه فى الفلسفة المعاصرة (من جامعة الإسكندرية 1995 بمرتبة الشرف الأولى مع توصية اللجنة بطبع الرسالة على نفقة الجامعة).. تدرج في عمله بالجامعة حيث حصل علي درجة أستاذ مساعد، فبراير 2003 حتى أغسطس 2010، وحصل علي الاستاذية في تخصص فلسفة حديثة ومعاصرة، أغسطس 2010.. ثم شاءت الأقدار بأن يكون أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة ( فبراير 2003 حتى يونيو 2004)، ثم أعُير بعد ذلك إلى كلية الآداب والعلوم – جامعة قطر ( في سبتمبر 2004 حتى يونيو 2012 )... وعندما عاد إلي أرض الوطن ترأس قسم الفلسفة – كلية الآداب – جامعة المنيا (من 27 يناير 2014 إلى 26 فبراير 2018)، ثم تقلد منصب وكيلا لكلية الآداب للدراسات العليا والبحوث ( من 27 فبراير 2018 حتى 30 يوليو 2018)، وكذلك تقلد بعد ذلك وكيلا لكلية الآداب لشؤون الطلاب ( من 31 يوليو 2018 حتى 31 يوليو 2019).. الخ..

من مؤلفات بهاء درويش علي سبيل المثال لا الحصر : كتاب في الفكر المعاصر، وكتاب التفسير الطبيعي المعاصر للوعي، وكتاب ألفريد جولس آير من الوضعية المنطقية إلى التحليل الفلسفي، وكتاب الهوية التصورية كأساس لنظرية المعنى بين القبول والرفض، وكتاب فلسفة اللغة عند دونالد دافدسن، وكتاب فلسفة نيقولاي هارتمان النظرية..الخ.

علاوة علي كثير من الأبحاث والدراسات ونذكر منها : الأسس الفلسفية لتحليلات حجر التاريخية، هل يمكن لضحى  التنوير عند حسن حنفي أن يرى شمسا؟"، مفهوم التحليل عند جورج ادوارد مور، مشروعية وحدود العلاج الوراثي، الوعي الذاتي عند إرنست توجندهات، المردود الفلسفي لأبحاث أبي زيد الأنثربولوجية، رفاعة الطهطاوي مترجما، مارتن هيدجر بين تحليلاته الأنطولوجية وممارساته السياسية، النزعة الوظيفية في فلسفة ويليم ليكان، أخلاقيات الميديا: دعاوي التنظير ومبررات التفعيل، تهافت ما بعد الاستعمارية: نحو مبادئ أخلاقية للتعامل مع المرأة والبيئة، الاختلاف سنة كونية تكتمل بالائتلاف: رؤية فلسفية، الليبرالية المصرية التي جسدتها ثورة 1919” ، حوارات تأسيسية حول علم الاستغراب، الدور المعاصر للمؤمن في مواجهة الإلحاد واللاأدرية، دافيد هيوم كممثل لمعضلة التنوير، المبادئ الأخلاقية الموجهة للاقتصاد الإسلامي، كيف نجعل من حراك يناير نواة مشروع تنويري؟ .. وهلم جرا..

وله ترجمات كثيرة من أهمها : كارل بوبر" الحياة بأسرها حلول لمشاكل. ترجمة عن الألمانية، ألفرد جولس آير "الفلسفة في القرن العشرين " دراسة و ترجمة عن الإنجليزية،  والاستعمارية والاستعمارية الجديدة" في "نحن وأزمنة الاستعمار: نقد المباني المعرفية للكولونيالية وما بعد الكولونيالية لكوفي أنكوما، العلم والدين بداية كل الأشياء. هل يمكن أن تكون هناك نظرية واحدة لكل الأشياء؟ لهانز كونج... الخ.

وبهاء درويش هو واحد من عشاق النسوية الإيكولوجية الذين يؤمنون بأنها تمثل تيار فلسفي له امتداداته في تاريخ الحركة النسائية العالمية، وتعتبر “فرنسوا دوبون Françoise d’Eaubonne” أول من استخدمت مصطلح ” النسوانية الإيكولوجية “L’ecofémimnisme” في كتابها المشهور «النسوانية أو الموت Le féminisme ou La mort » في عام 1974، من خلال تحليل أفكار”سيمون دو بوفوار”Simone De Beauvoir”،  حيث ربطت بين ما أطلقت عليه “فكرة الهيمنة الذكورية” بالهيمنة على الطبيعة، فالنسوانية البيئية غايتها الدفاع عن البيئة ومقاومة التلوث والتغيرات المناخية التي تسببها مختلف الانشطة الصناعية للإنسان، ونشأ هذا التوجه نتيجة الوعي بالمخاطر التي تعرضت إليها البيئة في المجتمعات  الصناعية .

ويتفق بهاء درويش بأن “الايكوفمنزم” قد بدأت كحركة سوسيو- سياسية معنية بقضايا اضطهاد المرأة والطبيعة في آن، لتتحول إثر ذلك الربط الموضوعي بين الحركتين (بيئية/نسوانية)، إلى حركة تحررية كبرى صارت تعنى بمناهضة كل ما يشي بالتفرقة أو الاضطهاد العرقي أو الجنسي  أو الطبقي أو البيئي.ّ

كما يتفق أيضا  وتشير الإيكولوجية النسوانية إلى مظلّة تغطي تنوعًا من المواقف التي تمتد جذورها إلى نظريات وممارسات نسوانية مختلفة، وأحيانًا متنافسة. وتعكس هذه المنظورات الإيكولوجية المختلفة منظورات (مثلاً، النسوانيات التحرريات أو الماركسية، والجذرية، والاشتراكية، والمضادة للكولونيالية). لكن على الرغم من التباينات بين النسويين/ات الإيكولوجيين/ات، فإنهم/ن يتفقن/ون على فرضية فلسفية أساسية، بـأن النسـاء أقـرب إلـى الطبـيعة من الرجال، بفضل طبيعتهن الأساسية، والتـزامهم/ن باستكشـاف العلاقـة بين النساء والطبيعة وبتطوير فلسفات نسوانية بيئية.. وتحولت على المدى القصير إلى حركة سياسية وفكرية نقدية حملت على عاتقها الاهتمامات الملحة بقضايا النساء والسلامة البيئية، والقيم، والتطور والثقافة، ومعاملة الحيوانات، والسلام، والنشاط المضاد للأسلحة النووية والنزعة العسكرية.

واسمح لي عزيزي القارئ أن أقدم لنا جانباً من اهتمامات بهاء درويش في النسيوية الإيكولوجية وذلك من خلال بحثه الذي نشره في مجلة "الاستغراب"، والتي يترأس تحريرها المفكر اللبناني المبدع صديقي الدكتور محمود حيدر، وهذا البحث بعنوان (تهافت ما بعد الاستعمارية- نحو مبادئ أخلاقية للتعامل مع المرأة والبيئة)، حيث يحاول بهاء درويش في هذا البحث ـ بمقاربة مستقلة ـ الوصول لمجموعة من المبادئ الأخلاقية يري  بهاء درويش أنّها ما يجب أن يحكم التعامل مع المرأة والبيئة، وذلك في مواجهة المنظور الغربي للنزعة النسوية البيئية  ecofeminism  . وفي هذا يقول بهاء درويش :" لن نحاول في هذه المقاربة الاستناد إلي أي مبررات دينية أو تاريخية، ولكن ستكون مبرراتنا مبررات عقلية صرفة. ومبرات ظهورها ـ هذه المقاربة تتطلب منا أولاً تأريخاً سريعاً لظهور النزعة البيئية ومبررات ظهورها والتي نتجت عن الاهتمام بالبيئة والقلق عليها وهو الاتجاه الذي ظهر حديثاً في الغرب، ثم مبررات ربط النزعة النسوية البيئية المرأة بالبيئة ومراحل تطور هذه النزعة ثم ننتقل من شأنها أن تحدد الصلة بني النساء والبيئة وتبرر أو تدحض دعوى الغرب بأن القهر شمل كلاً من النساء والبيئة، وهي الفكرة الأساسية التي تبني عليها النزعة النسوية البيئية اتجاهها" .

ثم يتحدث سيادته عن صلة النزعة " النزعة النسوية البيئية بما بعد الاستعمارية فيقول : تعد هذه النزعة »النزعة النسوية البيئية ذات صلة بالفكر ما بعد الاستعماري ذلك لأنه أصبح من الواضح أن هناك صلة بين تعامل الاستعماريين مع الحياة النباتية والحيوانية للبلاد المستعمرة وتعاملهم مع المناطق المستعمرة. فاستعمار المكان هو ما مهد السبيل لاستعمار الشعوب. بل ويمكن القول أن التدمري الذي حاق بالبيئتين الفيزيقية والبشرية مازال حتى الآن.

وأما فيما يتعلق بالنزعة البيئية ونشأتها فيقول بهاء درويش : لا شك ّ أن النزعة البيئية قد نشأت بعد أن بدأ المفكرون والعلماء يلاحظون تأثّر  البيئة بأشكال التلوث المختلفة. يمكن العودة بالاهتمام بالبيئة إلي عصر التصنيع وبداية إدراك الضرر الذي أحدثه وسيحدثه التلوث الناتج عن التصنيع. انتقل الاهتمام بالبيئة نقلة هامة في القرن العشرين مع صدور كتاب ريتشل كارسون   Rachel Carson "الربيع الصامت" The Spring Silent  سنة 1962،إذ لاحظت عاملة البحار  الأمريكية أن الطيور التي كانت تملأ فضاء مدينة ما في الولايات المتحدة رحلت ولم تعد تغني في الربيع كما كانت وأن الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية ـ ومعظمها كان ساماً مثل الدي دي تيDDT  ـ أدى إلي تدمير في نسق الطبيعة بأسره وليس فقط إلي هروب الطيور..

ثم تطرق بهاء درويش للحديث عن النسوية الإيكولوجية فيقول : اتخذ الاهتمام بالبيئة أشكالاً مختلفة منها تعاطف نسوي زعم أن ما أصاب البيئة من ظلم واستنزاف قد أصاب النساء أيضاً وهو الاتجاه الذي عرف بالنسوية الإيكولوجية ecofeminism، بدأت النسوية الإيكولوجية تحظى بقدر من الانتباه في العالم الغربي في السبعينيات من القرن السابق، فمنذ أن قدمت فرنسوا دوبون مصطلح النسويّة الإيكولوجية عام 1974 كي تلفت الانتباه إلي إمكان أن تُحدث النساء ورمزية، استُخدم المصطلح ليعني أن ثمة ارتباطات مهمة – تاريخية ورمزية- بين الهيمنة علي النساء والهيمنة علي الطبيعة.. وقبل أن تظهر النسوية الإيكولوجية كفلسفة ٍ مستقلة، يؤكد بهاء درويش أن هناك ثلاثة اتجاهات مهدت لاكتمالها. هذه الاتجاهات هي: أخلاقيات الحيوانات، أخلاق الأرض، ثم الاتجاه الذي عرف بـ «الإيكولوجيا العميقة«....تنطلـق أخلاقيات الحيوان مـن الافتراض بأن الحيوان كائن يشترك مع الإنسان في أنـه كائـن أخلاقي، لـه حقـوق. رأى بيتر سـنجر  P .Singer، في كتابـه "تحرير الحيـوان: أخلاقيات التعامـل مـع الحيـوان« أن صيـد الحيـوان والتجريـب على الحيـوان وتربيـة الحيوانـات في أماكـن مغلقة من أجل تسـمينها ممارسـات لا داعي لهـا لأنهـا تسـبب ألمـاً للحيـوان الذي يشترك مـع الإنسان في خاصية الإحساس والشـعور بالألم.

ثم يؤكد بهاء درويش فيقول : إذا ما حاولنا الآن عرض خصائص الفلسفة النسوية البيئية كفلسفة مستقلة ما حدث من أواخر ثمانينات حتى منتصف تسعينات القرن الماضي ـ أي بعيداً عن ارتباطها بأخلاقيات الحيوان أو أخلاق الأرض أو الإيكولوجيا العميقة – فإنه يمكننا أن نجد أنها تتصف بعدة ملامح رئيسية:

1- التفكير الهرمي القيمي لكائنات أعلي وأخرى أقل: هذا التفكير الديني كان يضع الرجل في مكانة أعلي، بينما يضع النساء والطبيعة في مكانة أسفل. هذا التفكير الذي نسب قيمة عليا للرجال في منظومة فيها ما هو أعلي وما هو أدني يبرر لنفسه عدم المساواة بني ما هو أعلي وما هو أدني. بينما الحقيقة أن ما هو موجود هو تعددي كيانات وليس كيانات أعلي وأدنى.

2- الثنائية الاستبعادية: ينسب هذا التفكري قيمة أعلي ألحد طريف علاقة الفصل هذه. هذه الثنائية التي أنتجتها الفلسفة الغربية بين النساء والرجال، وبين الثقافة والطبيعة نسبت قيمة أعلي للرجال والثقافة علي النساء والطبيعة، بينما الحقيقة أن العلاقة علاقة تكامل وليس عالقة فصل.

3- السلطة والتميز: ينسب هذا التفكري قيمة أعلي لمن يمتلك السلطة والتميز ـ وهم بالضرورة الرجال والثقافة ـ أي من هم أعلى. ففي مجتمع ما، نجد أن الأكثر ثراء هم من يتحكمون في المجتمع ويحركون الموارد وفقاً لغايات تخدم مصالحهم، وقد يحدث أن ينسوا ضرورة مساواتهم بالفقراء، فينظرون للفقراء علي أن فقرهم هو خطؤهم وبالتالي يبررون عدم إعطائهم الفرص ذاتها التي يعطونها أنفسهم.

ويطول بنا الحديث وفي النهاية لا نملك إلا أن نقول بأننا لسنا نستطيع في مقال كهذا، أن نزعم بأننا قادرون علي تقديم رؤية ضافية شملة ومستوعبة لكل جهود الأستاذ الدكتور بهاء درويش في الفكر النسوي الإيكولوجي، وحسبنا هذه الإطلالة السريعة الموجزة علي الجانبين الإنساني والعلمي لمفكر فلسفي، ونموذج متفرد لأستاذ جامعي نذر حياته بطولها وعرضها لخدمة الفلسفة، وأثري حياتنا الفكرية بكل ما قدمه من جهود ونتمي له التوفيق والسداد .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم