صحيفة المثقف

التحليل البلاغي الحجاجي للخطب الدينية

صلاح الدين اشرقي(خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم أنموذجا)

مقدمة: تندرج خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ التي تعتبر أول خطبة جمعة جمعها بالمدينة ـ ضمن الخُطب الوعظية الإرشادية، وذلك لوجود مجموعة من المعطيات التي تؤكد انتماءها إلى هذا النوع من الخطب، من بينها الحضور القوي للثنائيات الضدية، مثل: الإيمان والكُفر، الجنة والنار...، فهذه الثنائيات من أهم ما يميز الخطب الوعظية الدينية التي يهدف الخطيب من خلالها إلى الإقناع بالدرجة الأولى، هذا إلى جانب انقسام معجم الخطبة إلى قسمين: الأمر والنهي، بالإضافة إلى لجوء الخطيب إلى استهداف أهواء الجمهور المتلقي، وهي تقنية إقناعية أساسية يوظفها الخطيب بشكل قوي في مثل هذه الخُطب، فالمتلقي يأتي للاستماع إلى الخطب الدينية وهو مشحون بأحاسيس ومشاعر يفرزها طبيعة الموقف وكذلك طبيعة الكلام المتمثل في كلام الله عز وجل وما له من تأثير نفسي قوي على الإنسان، لذا فإن متلقي الخطب الدينية يكون مهيئا للاقتناع بالعاطفة أكثر من العقل، ومهمة الخطيب الأساسية تكمن في هذه النقطة بالذات، أي تحريك أهواء المتلقي ثم اختيار الخطة المناسبة للموضوع الذي عليه مدار الإقناع في الخطبة، والذي يتجلى ـ في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ "في تقوى الله عز وجل".

نص الخطبة

"الحمد لله أحمدُهُ وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به ولا أكفرُهُ وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداٌ عبده ورسولهُ، أرسله بالهدى والنور والموعظة على فترةٍ من الرُّسلِ، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنُوٍّ من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسولهُ فقد رشِدَ، ومن يعصهما فقد غويَ وفرط، وضلَّ ضلالا بعيداٌ، وأوصيكم بتقوى الله، فإنه خيرُ ما أوْصى به المسلمُ المسلمَ أن يَحُضَّهُ على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحةٌ، ولا أفضل من ذلك ذكراٌ، وإن تقوى الله لِمنْ عمِلَ به على وَجلٍ ومخافة من ربه، عَوْنُ صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يُصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السِّر والعلانية لا ينوِي بذلك إلا وجهَ الله، يكن له ذُكراٌ في عاجل أمره، وذُخراٌ فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدَّم، وما كان من سوى ذلك يودّ أن بينه وبينه أمداٌ بعيداٌ، ويحذركم الله نفسه، والله رءوف [كذا] بالعباد، والذي صدق قوْلَهُ، وأنجز وعده لا خُلف لذلك، فإنه يقول عز وجل: (ما يُبدَّلُ القولُ لديَّ، وما أنا بظلاّمٍ للعبيد) فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السِّر والعلانية، فإنه من يتقِ الله يُكفر عنه سيئاته، ويُعظم له أجراٌ، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله يُوقِّي مقْتهُ، وُوقي عقوبته، ويوقي سخطه، وإن تقوى الله يُبيضُ الوجوه، ويُرضي الرَّبَّ، ويرفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تُفرطوا في جنب الله، قد علَّمكم الله كتابه، ونهجَ لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا ويعلمَ الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينةٍ، ويجيا من حيَّ عن بينةٍ، ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يُصلح ما بينه وبين الله يكفِهِ الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يَقضي على الناس، ولا يَقْضون عليه، يملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم"[1]

ـ ظروف ما قبل الخطبة

قدم الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة حتى نزل بقُبَاء، على بني عمرٍو بن عوفٍ يوم الاثنين الثاني عشر ربيع الأول، حين اشتد الضُّحى، فأقام بقباء إلى يوم الخميس السادس عشر ربيع الأول وأسس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة السابع عشر ربيع الأول إلى المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوفٍ في بطن وادٍ لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا، فجمع بهم وخطب، وهي أول خطبة جمعة جمعها بالمدينة.

ـ معجم الرسول صلى الله عليه وسلم في الخطبة

لقد وظف الخطيب مجموعة من الكلمات في خطبته، بهدف إقناع الجمهور المتلقي، وقد اختلفت هذه الكلمات باختلاف سياقات الإقناع داخل الخطبة، ومن هذه الألفاظ ما كانت سهلة واضحة،  ومنها ما يحتاج إلى شرح وتوضيح، مثل: كلمة " غَوَى " بفتح الغين، فكلمة غوى ـ كما جاءت في لسان العرب لابن منظور ـ غوى، الغيُّ: الضلال والخيبة، وغَوى بالفتح غَيًّا، وغَوِيَ غَوَايَةً: ضلَّ، ورجل غَاوٍ وغَوٍ وغَوِيٌّ وغَيَّانُ: ضَالٌّ، ومن معاني كلمة غوى أيضا " الفساد "، كما في قوله عز وجل " فعصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى "، أي فسد عليه عيشه[2]، لكن المعنى المقصود بكلمة غوى في الخطبة، هو المعنى الأول أي الضَّلال والخيبة، لأن السياق الذي وردت فيه هو تبيان أن من يعصي الله ورسوله فقد غوى بمعنى ضل الطريق وضاع، ومن الكلمات الغامضة التي تحتاج إلى شرح، كلمة " وَجَلْ "، فالوجلُ: الخوفُ، وقد وَجِلَ بالكسر يَوْجَلُ وَجَلاً ومَوْجَلاً أيضا بفتح الجيم فيهما، والموضع مَوْجِلٌ بالكسر[3]، وكلمة وَجَلْ في الخطبة معناها الخوف، إذ وظف الرسول صلى الله عليه وسلم الكلمة لكي يثير عواطف المتلقين وذلك من أجل إقناعهم بتقوى الله، ومما جاء كذلك في الخطبة من الكلمات التي تحتاج إلى توضيح، كلمة " عَوْنُ "، والعَوْنُ: الظهير على الأمر، والجمع الأعْوَانُ، والمَعُونَةُ الإِعَانَةُ، يقال: ما عنده مَعُونَةٌ ولا مَعَانَةٌ ولا عَوْنٌ، قال الكسائي: والمَعُونُ أيضا المَعُونَةُ، وقال الفرَّاء: هو جمع مَعُونَةٍ، ورجل مِعْوَانٌ: كثير المَعونةِ للناس، واسْتَعَانَ به فَأَعَانَهُ وعَاوَنَهُ، وتَعَاوَنَ القوم: أَعَانَ بعضهم بعضا، واعْتَوَنُوا: أيضا مثلُهُ[4]، فالمعنى المقصود بكلمة عَوْنُ في الخطبة التعاون، إذ يحث الرسول صلى الله عليه وسلم العباد بالتعاون الصادق بينهم لتحصيل ما يطمحون إليه في الآخرة، وتكملة لشرح معجم الرسول في الخطبة، نقف عند كلمة " مَقْتَهُ "، فمَقَتَهُ بمعنى أَبْغَضَهُ من باب نَصَرَ فهو مَقِيتٌ ومَمْقُوتٌ، فتوظيف هذه الكلمة له دلالة في الخطبة، فقد جاءت لتبين النتائج الإيجابية لتقوى الله عز وجل، إذ بتقوى الله يتجنب المرء غضبه وبغضُهُ عليه، فهذه هي أهم الألفاظ التي لمِسنا فيها شيئا من الصعوبة في الفهم، وعلى العموم فإن معجم الرسول في الخطبة كان واضحا ومفهوما لكونه موجها لعموم الناس وليس لفئة معينة منهم.

ـ مضمون الخطبة

لقد بدأ الخطيب الخطبة بتبيان الغاية من إرساله والتي تتمثل في هداية الناس إلى النور وإرشادهم إلى الطريق الصحيح، وإنقاذهم من الضلال والضياع، وكذلك نشر العلم والقضاء على الجهل، وبعد تبيانه صلى الله عليه وسلم الغاية من بعثه، انتقل إلى إظهار النتائج الإيجابية المترتبة عن تقوى الله والنتائج السلبية الناجمة عن معصيته، وذلك من خلال استهداف الجانب العاطفي للجمهور المتلقي، إذ ركز الرسول صلى الله عليه وسلم على بيان مصير من يتقي الله، ويتجلى هذا المصير في الفوز بالآخرة ولقاء وجه الله عز وجل وهو الأمر الأكثر مطلبا من قِبل المسلمين، وقد اعتمد الخطيب ـ لإقناع المتلقين بتقوى الله ـ أسلوبا الترغيب والترهيب وهما من الأساليب الحاضرة بقوة في الخطابات الوعظية، فبالنسبة للترغيب أورد الخطيب مجموعة من الأمور الوخيمة التي يتجنبها الإنسان بتقوى الله، مثل: تجنب بغضُ الله، وتجنب عقابه وسخطه أيضا، هذا وقد لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الترهيب كوسيلة للإقناع، غير أن الترهيب الذي مارسه الرسول في خطبته هو ترهيب " مهذب "، بمعنى أنه لم يفرض على المتلقي اتباعه قسراٌ، مثلما نجد في خطب الحَجَّاج الوعظية التي تتميز بالتسلط وقمع المتلقي، فالنتيجة في خطب الحَجَّاج معروفة منذ البداية، حيث يُجبر المتلقي على اتباع رأيه بالقوة من خلال التهديد، لذا فإن الترهيب في خطب الحَجَّاج هو ترهيب قسري، لأنه يَحرم المتلقي من الاختيار، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد ترك ـ في خطبته ـ الفرصة للمتلقي من أجل الاختيار والتقرير، ويتضح هذا الأمر من داخل الخطبة حيث قدم الخطيب أطروحة ونقيض أطروحة، ومنح المتلقي حرية الاختيار، ويمكن أن نمثل لهذا الأمر بما نصه: " من يطع الله ورسوله فقد رشِدَ، ومن يعصهما فقد غويَ وفرط وضل ضلالا بعيداٌ "[5]، ففي هذا النص أطروحتين متناقضتين، الأولى توضح مصير من يطع الله، والثانية تبين طريق من يعصه، غير أنه صلى الله عليه وسلم لا يفرض على الجمهور المتلقي اتباع طريق دون آخر، وبعد أن أظهر الخطيب مصير المتقي ومصير العاصي، انتقل بعد ذلك ـ في آخر الخطبة ـ إلى أسلوب الوصية، حيث دعا السامعين إلى الجهاد في سبيل الله والإكثار من ذكره عز وجل والعمل للمستقبل لتحقيق النجاح الأكبر، وهو الفوز بالآخرة.

ـ الاهتداء بالبلاغة من أجل الإقناع

ـ مكونات البلاغة في الخطبة

تعتبر البلاغة من أهم الوسائل التي يهتدي الخطيب بها من أجل الإقناع، ولأن أي خطبة تكاد لا تخلو من مكونات البلاغة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم وظف مجموعة من العناصر البلاغية في خطبته، من بينها الطباق، ويظهر في قوله: " الحمد لله أحمدُهُ وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأومن به ولا أكفره "[6]، فكلمة الإيمان ضد كلمة الكُفر، وهو طباق الإيجاب، حيث لم يختلف فيه الضدان إيجابا وسلبا، ومن أمثلة الطباق في الخطبة كذلك، قوله صلى الله عليه وسلم: " ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه "[7]، وهو طباق السَّلب، إذ اختلف فيه الضِّدان، والطباق وظيفته الأساسية الإفهام والتوضيح، فالأمور تتضح بأضدادها، ومن الوسائل البلاغية التي اهتدى بها الخطيب، أسلوب المقابلة، ويتضح فيما نصه: " من يطعِ الله ورسولُهُ فقد رشِدَ، ومن يعصهما فقد غوِيَ وفرط "[8]، فقد أتى الخطيب بمعنٌى ثم أتبعه بما يقابله في الترتيب، والمقابلة من أهم وسائل البلاغة إقناعا في الخطب، وخاصة الخُطب الدينية، ومن العناصر البلاغية المميزة لخطاب الوعظ، ثنائية الأمر والنهي، حيث تعتبر من صميم الإقناع في الخُطب الدينية، ومن أمثلة الأمر في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، قوله: " فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده "[9]، ويتضح لنا جليا في هذا النموذج النصي توظيف الخطيب أسلوب الأمر، أما فيما يتعلق بالنهي، فمن أمثلته، قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تُفرطوا في جنب الله "[10]، ففي هذا النص يدعو الخطيب إلى تجنب التفريط في الله عز وجل، وللأمر والنهي حضور قوي في الخطب الإرشادية إذ يسيطران على معظم أجزاء الخطبة، وقد وظف الخطيب أيضا أسلوب القصرِ، ويتجلى في قول الخطيب: " وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له "[11]، حيث يَقصر الخطيب الشهادة على الله دون شريك له، هذا ونجد حضور الاقتباس أيضا بوصفه وسيلة للتأثير، ويظهر فيما نصه: " ما يُبَدَّلُ القول لديَّ، وما أنا بظلاّمٍ للعبيد "[12]، فقد لجأ الخطيب إلى الاقتباس من القرآن الكريم لتدعيم فكرة وهي، تخويف المتلقين من عقابه عز وجل، وبالإضافة إلى ما سبق فإن الخطبة تميزت بخاصية الإيجاز، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " وما كان من سوى ذلك "[13]، حيث تغاضى الخطيب عن ذكر سلوك وأفعال الذين لا يتقون الله، وفي هذا التغاضي تكثيف للمعنى وإقناع للمتلقي أيضا، حيث إن عدم ذكره لأفعالهم دليل على أنه ليس أمراٌ مهما بل ثانوي وهامشي، ومن الأساليب البلاغية الحاضرة في الخطبة، الجناس بنوعيه: التام، وغير التام، فبالنسبة للجناس التام من أمثلته: " يودُّ لو أن بَيْنَهُ وبَيْنَهُ أمدا بعيداٌ "[14]، ففي كلمتي بينه وبينه جناس تام، أما الجناس غير التام، فمن نماذجه قول الخطيب: "ويحيا من حيَّ عن بينة، إذ بين حيَّ ويحيا نَقص من حيث عدد الحروف لذلك فهو جناس غير تام، فهذه هي أهم الوسائل البلاغية التي وظفها الخطيب للتأثير على المتلقي وإقناعه.

ـ إستراتيجية التأثير بالعواطف

لقد لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تقنية ـ تعتبر مميزة للخطابات الوعظية الدينية ـ وهي التأثير في الجمهور المتلقي من خلال تحريك الجانب العاطفي فيهم، فالخطبة الوعظية تفرض على الخطيب أن يَسلك هذا المنهج من أجل الإقناع وذلك لعدة أسباب، أهمها طبيعة المتلقي، فالمخاطَب المستهدف ليس محدداٌ بل هو الجمهور، لذا من الصعب الإقناع بالعقل في الخطابات الجماهيرية، فالمتلقي متعدد ومختلف، فمنهم من هو مثقف، ومنهم من هو ليس كذلك، أي من العامة، وعليه فإن أنجع وسيلة للتأثير في مثل هذا الموقف استهداف الجانب العاطفي، وتختلف طرق التأثير العاطفي، فقد يكون مصدره الخطيب نفسه، كأن يلجأ إلى البكاء في حال إيراده لموقف حزين، أو ذكره لعذاب الآخرة وغير ذلك، وقد يتمثل كذلك في نص الخطبة، وهو ما نجده واضحا في خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ وظف بعض المصطلحات التي فيها ترهيب وترغيب، وهذا الترهيب والترغيب يمسُّ نفسية المتلقي بالدرجة الأولى ويجعله يقتنع بموضوع الخطبة، الذي يتجلى في " تقوى الله عز وجل "، ومن النماذج النصية التي تدل على هذا المُعطى، قوله صلى الله عليه وسلم: " فاحذروا ما حذركم الله من نفسه "[15]، وقوله كذلك: " ويحذركم الله نفسه، والله رءوف بالعباد، والذي صدق قوله، وأنجز وعده لا خُلف لذلك فإنه يقول عز وجل: ( ما يُبَدَّلُ القول لديَّ، وما أنا بظلامٍ للعبيد ) "[16]، ففي هذين النموذجين النصيين وغيرهما يتضح لنا جليا أسلوب التخويف الذي وظفه الخطيب لكي يُدخل الرعب في نفس المخاطَب، فالغاية الأولى من الخطب الوعظية إقناع المتلقي والتأثير فيه، وليس الأساس هو الجانب الجمالي الذي يُمثله الخطيب بكلامه، فالتركيز في الخطبة الدينية يكون على الرسالة وليس على المرسل الذي يعتبر وسيطا بين الله والمخاطَبين، فهو يعيد قول الله لذلك تكون مهمته إقناعية بالأساس.

خاتمة

من خلال ما سبق يتبين لنا امتلاك الخطيب خطة مُحكمة في إقناع المتلقي بموضوع الخطبة، وهو الخوف من الله عز وجل واتباع طريقه السَّوي، وهذه الخطة تتماشى مع طبيعة الخطبة، أي تتلاءم مع الوعظ  والإرشاد، وعليه فقد كان الخطيب آخذا في نظر الاعتبار طبيعة الموضوع والوسائل الإقناعية المناسبة له، فلكل مقام مقال معين، هذا وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم مراعيا لنوعية المتلقي أيضا، وهو الجمهور وما يتميز به من اختلاف وتعدد، لذا فقد تسلَّح بالتقنيات المنسجمة مع هذا موقف، وأبرزها إثارة أهوائهم بنص الخطبة، إذ لجأ إلى أسلوب مألوف في الخُطب الوعظية، وهو أسلوب التخويف وما له من تأثير يصل إلى درجة أن يَعدل المتلقي عن توجه أو قرار ما، ويُعوِّضه بقرار آخر، وعليه فإن خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم تعتبر أنموذجا للإقناع في الخطب الوعظية الدينية.

 

صلاح الدين أشرقي

طالب باحث بسلك الدكتوراه في جامعة محمد الأول بالمغرب

.........................

الهامش

1)ـ جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوة، ص: 148 ـ 149

2)ـ لسان العرب، ابن منظور، دار المعارف، ص: 3320

3)ـ مختار الصِّحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مكتبة لبنان، ص: 296

4)ـ نفسه، ص: 194

5)ـ جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوة، ص: 148

6)ـ نفسه، ص: 148

7)ـ نفسه، ص: 149

8)ـ نفسه، ص: 148

9)ـ نفسه، ص: 149

10)ـ نفسه، ص: 149

11)ـ نفسه، ص: 148

12)ـ نفسه، ص: 149

13)ـ نفسه، ص: 149

14)ـ نفسه، ص: 149

15)ـ نفسه، ص: 148

16)ـ نفسه، ص: 149

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم