صحيفة المثقف

اليومي والمحكي في شعر مظفر النواب

الشاعر مظفر النواب من الشعراء العراقيين الذين امتازوا بالشعر السهل، والشاف، والمثمر؛ لأنه يدخل من باب الألفاظ المألوفة البعيدة عن جفاء البلاغة وصعوبتها، ويأتي ليتسلل الينا من زاوية المألوف، والعامي، والشعبي، وهو ما اتاح له سمة الأنتشار، والشعبية العالية، وليحفظ من شعره الكثير من العراقيين، لنجد شعره متداولاً بين العامة والخاصة، بين الريف، والمدينة، بين الطبقات السياسية، وبين العشاق، والمغنيين، وغيرهم.

وهذه العبقرية في اللغة وسلاستها تحسب للشاعر لا عليه، وحققت وجوده ونجاحه في ميادين الساحة الشعرية، وهي التي رصندها في نجاح قصيدة (للريل وحمد)، وهي اول قصيدة يطلق لها العنان والنور، بعد الحاحاً قوي من صديقه، وليفاجيء النواب نفسه، بالنجاح الذي نالته هذه القصيدة، وليتعلق بنهج شعره اكثر واكثر، خصوصاً بعد قراءته للتعليقات والأصداء التي نالتها قصيدته.

فاللغة ملكة تدخل في كل جوانب الحياة وافاقها، بخيالها، ونسيجها، وعفوية صياغتها، أو ببلاغة صياغتها، وتكثيفها النحوي واللغوي ببساطته، فضلاً عن أن النتاج الشعري من الأجناس الأدبية المستقلة بذاتها، ببنائها، وامتيازها بالوزن، والايقاع المميز.

اشكد نده نكط عالضلع

ونسيت اكلك يمته

اشكد رازقي ونيمته

واشكثر هجرك عاشر ليالي الهوى ومالمته

انت السحنت الليل بكليبي وكلت موش انته

ياما التراجي مرجحن حسك الصافي وغفه

وياما اسفحتلك بالليالي ادكوع كانت ترفه

ويا ما الدمع ضوه سواد العين

وعينك صلفه

وتدري تنبت الدفو ابلهفة ورده

وماجيت ونيمتي الثلج والشته كله اتعده

في مثل هذا النص، يمكن أنَّ نرى الأفصاح المباشر، إذ ارتبط الحب باللغة العامية المفهومة، والمحكية، ليفاجئنا الشاعر في نصه هذا بتوظيف (اشكد)، متوارية و متداخلة مع الفعل الإيروتيكي .

إذ تظهر قدرة الشاعر في السيطرة على فضاء المعنى، وفي القدرة على توظيف الفعل ؛ وذلك حين يقول: (ونسيت اكلك يمته) إذ كسر الحاجز بمعادلة رياضية، وهي معادلة تشي بالاستمرار أمام صورة تشي بالقسوة، في تصويره (واشكثر هجرك عاشر ليالي الهوى ومالمته)، والأفعال الواردة في النص (تدري، تنبت) دلالة للحدوث والتجدد والاستمرار، فالنص أمام مخاتلة معلنة للحب، حيث تبدأ ذات الشاعر في احتلال موقعها داخل النص الشعري بعيداً عن المخاتلة، فنجد الشاعر يهدف إِلى الكشف عن العشق، والهيام، بلغة نسيجية بعيدة عن التكلف، وتهدف الى الأعلان المباشر، وبمخاتله جميلة تارةً اخرى، عن طريق توظيفه لفظة (وعينك صلفه) تسرد النص، ولعل هذا الكشف بدوره يكشف حقيقة تجاوز الشاعر لحدود التابو ؛ لأن الحب والعشق في النص، جاء ليبين  هوس الشاعر بجسد المرأة ومكنوناتها الحسية (ياما التراجي مرجحن حسك الصافي وغفه)، وذهب ليطلق العنان لأحاسيسه.

اضيف، أن اللغة الصريحة المعلنة، البريئة العامية، شكلت هندسة لغوية جميلة، واسلوب منفرد، يمتاز به الشاعر عن غيره، شعلا جمع الحداثه بالصياغة الشعرية المتقنة، وبايقاع  حسي، واوزان شعرية جميلة، وهذه الميزة تكاد تكون قلة ؛ لأن العامي والمحكي، لم يعد ينال الحظوة التي نالها عند النواب، وهو ماجعل شعره منفرد بناسجه، وصائغه.

 

د. وسن مرشد.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم