صحيفة المثقف

الاهداء.. شذرة على جبين النص

ثامر الحاج امينيمثل الاهداء الذي يتصدر عادة كتب المؤلفين عالما خاصاً يحمل في طياته الكثير من الأسرار والمشاعر والنوايا المختلفة، ولأهمية الاهداء في التمهيد لمعرفة نفسية ومشاعر وتوجهات المؤلف فلا يكاد كتاب معرفي او أدبي يخلو من هذا التقليد الذي صار ملازما لأغلب الاصدارات، ولأن المؤلف حر في طبيعة اهدائه وفي اختياره الطريقة التي يريد بها التعبير عن مشاعره ومكنوناته لذا ليس هناك من قاعدة محددة او قالب جاهز لكتابة الاهداء انما هوأمر شخصي جدا ويصفه أحد النقاد بانه (مساحة خاصة يمتلك الكاتب كامل الحرية في ملئها بما يريد) ويراه آخر (الفصل الأول للكتاب)، ونراه الومضة التي تشد القاريء للنص وتمهد له الطريق للغور في ثناياه .

وتختلف دوافع الاهداء لدى المؤلفين، فبعضهم من يجد فيه فرصة ومساحة للتعبير عن الامتنان والعرفان واعتراف بالفضل لمن مد لهم يد العون في انجاز مشاريعهم او ظهور اصدارهم وهو مافعله ماركيز في اهداء روايته " الحب في زمن الكوليرا " :

(الى زوجتي مرسيدس .. طبعا)

او يأتي الاهداء ايضا للعائلة موشحا بالاعتذار وطلب الصفح وهو ماجاء باهداء الشاعر احمد فؤاد نجم في كتابه " الفاجومي " :

(الى بناتي .. عفاف ونوار وزينب

يمكن ماتلاقوش في حياة ابوكو شيء تتعاجبوا بيه

لكن أكيد مش حتلاقوا في حياة ابوكو شيء تخجلوا منه)

وفي ذات السياق نجد كاتبا يدين بالفضل لمن حال دون سقوطه على الارض وقت الانهيار فيكتب اهدائه :

(الى الكتف الذي استندت عليه حين خانتني قدماي)

في حين بعض المؤلفين يجد في الاهداء فرصة للنيل من الخصوم وتوجيه الشتائم لهم، فالروائي السعودي عبده خال في اهداء روايته " نباح " يوجه الصفعة لأعدائه :

(لكل أوغاد العالم .. لعنة كبيرة)

وعلى ذات النهج يسير الكاتب المصري محمد جعفر في اهداء كتابه المختص في علم النفس :

(الى حماتي وحيوانات اخرى)

وكذلك ما أورده نيرودا في مذكراته " اشهد انني قد عشت " من ان شاعرا ارجنتينيا اسمه عمر بيغنوله ساقه حظه العاثر لمنازلة احد المصارعين الذي أسقط عمر على الأرض بلا حراك، وبعد شهور نشر بيغنوله كتابا جديدا تصدره :

(أهدي هذا الكتاب الى الاربعين الف ابن كحبه الذين كانوا يصفرون ويستهزئون ويطالبون بموتي في حلبة الصراع)

وهناك من المؤلفين من يبدي في اهدائه تعاطفا جديا مع الفقراء فيكتب لهم :

(الى الذين لن يشتروا هذا الكتاب لأنهم لايملكون ثمنه، الى الذين لايعرفون رياضة يومية سوى الركض وراء الرغيف، اهديكم كتابي الذي لن تقرأوه)

او يأتي التعاطف مشوبا بالطرفة وهو ماجسده اهداء الكاتب احمد رجب :

(الى زوجتي تقديرا واعجابا وانبهارا بقوة احتمالها عند غنائي في الحمام)

كما لاتخلو بعض الاهداءات من نرجسية وغرور وهو ما انطوى عليه اهداء الشاعر حسين مردان الذي تصدر ديوانه " قصائد عارية " :

(لم احب شيئا مثلما احببت نفسي، فالى المارد الجبار الملتف بثياب الضباب، الى الشاعر الثائر والمفكر الحر، الى حسين مردان ارفع هذه الصرخات) .

وهناك من يشيد بالذين يبالغون في تطلعاتهم فيكتب لهم مشجعا :

(الى الذين كانت اقدامهم دائما أطول من اللحاف)

ان الاهداء فضاء واسع متعدد الجمال يجمع بين الطرفة وحسن الصياغة وسعة المخيلة وجمال الصورة فأحد الروائيين يشعر بالندم ويعتذر عن غفلته ولكن بعد فوات الأوان فيهدي الى خيبته :

(الى تاجر المخدرات الذي سخرت منه قبل خمس سنوات عندما أقسم ان تجارة المخدرات اصدق من تجارة الحب والجسد واقل ضررا من تجارة الكلمات الدينية والسياسية وكلمات العشق اهدي هذه الرواية واعتذر عن جهلي وسخريتي وقتها) .

 

ثامر الحاج امين

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم