صحيفة المثقف

دولةُ المُتملِّق: في ذهنية الاحتيال (3)

سامي عبد العالالخنوع للسلطة أحد آثار الأنظمة المستبدة التي اعتادت دهس إنسانية الشعوب العربية. وهو ما جعل التملُّق جزءاً لا يتجزأ من أدوات العيش والحياة ورؤى العالم. ثم لكونها شعوباً استمرأت الفعل السياسي (تملق + كسب = سعادة)، فالأجيال حين تفتقد طاقات حرةً تدمن العبودية. وكان ذلك نقطة عبور إلى اجترار ثقافي مرتهن باستمرارية الحُكم الشمولي. مما أفرز مستويات كلية و قابلة للتكرار من القهر حتى على صعيد الذوات والجماعات.

وليس قبول الاستبداد والتصفيق الجماعي له ببعيدين عن مجتمعاتنا قبل الربيع العربي وبعده. مرة باسم دولة الوطنية التي تغلي كالقِدْر المسعور لالتهام الحقوق والمبادئ، ومرة باسم دولة الدين داخل لهيب الخلافة التي تحولت إلى سيف قاتل، ومرة باسم سلطة الرؤساء الملهمين القادرين على إعادة دولة العجوز الشمطاء إلى سابق عهدها. بينما هم أقزام لا يستطيعون إلاَّ وضع الاصباغ وتشذيب الحواجب وتقليم الأظافر لتخرج الدولة المنتظرة كائناً مسخاً أو لا تكون.

إن العرب كما كانوا يصنعون آلهتهم في شكل أصنام، فإنَّهم يجيدون صنع جلاديهم وقواديهم بالمثل. والظاهرتان لا تنفصلان عن طلب الخضوع والتملق كطريق للسعادة برأي ابن خلدون. لكن أية سعادة إذا كانت الحياة مجرد "عبودية مختارة " بطريقة دي لا بواسيه في كتابه الذي يحمل نفس الاسم؟ وكيف تكون العبودية مدلولاً يتقاطع خلاله السياسي والديني جنباً إلى جنب؟

يبدو أنَّ ابن خلدون يطرح المسألة دون استشكالها في غير موضعها. أي لم يتطرق لتلك المسألة خارج السياسة وبعيداً عن " اقتصادها المحدود " كنمط من أنماط الثقافة. أين " اقتصادها الكلي " الذي يطال تفاصيلها البعيدة؟! وبالتالي ليس غريباً أن يعتبر " الإمارة أحد أسباب المعاش... وفاقد الجاه بالكلية ولو كان صاحب مال فلا يكون يساره إلاّ بمقدار ماله وعلى نسبة سعيه.."( ابن خلدون، المقدمة، الجزء الأول، تحقيق خليل شحادة، مراجعة سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2001. ص ص 487- 488). وهو يتحدث بدرجة من التصديق الخافت لمجريات الحياة اليومية، مغيباً ذاته بعيداً لتحضر المَشاهد دون تدخل وتاركاً الأورام الخبيثة تستفحل في غير قصد حتى تُظهِر أكثر مما تؤلم!!

وربما لحرصه على تدوين الملاحظات (ككتاب: عجائب الآثار في التراجم والأخبار لعبدالرحمن الجبرتي)، ترك ابن خلدون مهمة تكملة القوس الكلي لملاحظات القارئ. بعبارة أخرى لجأ صاحب المقدمة إلى حيلة أسلوبية بلاغية بكونه يجدل القارئ (هذا الضمير الضمني والغائب والمختلف والمتتابع والمتناثر) في جسم النص الذي يكتب. يتيح له الفرصة العالقة ضمناً لجمع ما لا يُجمع من أول وهلة ولربط الأحداث ببعضها البعض وتركيب شذرات الصور وتشظياتها وراء المعطيات والأقوال التاريخية.

 لكن الفكرة السابقة (الاقتصاد × الجاه) خطيرة جداً، لأنَّ الكسب يضع المال في جانب قيمته المادية بينما يوازي الجاه (السلطان) قيماً مادية أكبر وقابلة للتداول والزيادة. أي أنَّ هناك رباً اجتماعياً ثقافياً آخر للتعلق بالجاه والسلطة. فلئن كانت المحرمات تحول دون الربا كما هو متواتر عن الفقهاء، فإنَّ كسب الجاه هو الربا المتواصل بلا قدرةٍ على تحديد الارباح. بل وتظل الارباح تجر قيما مرابية في لاوعي الأفراد والعلاقات الاجتماعية. كانت الدلالة على السلطة دالة مترجمة في صورة " اقتصاد ريعي " يمكن اكتسابه بقدرة اخضاع المجتمع لغلبتها. وفي هذا لن تكون المسألة قائمة على مكتسبات الروح بالنسبة للمسلمين. فالروح لديهم هي المادة، الدراهم والدنانير والذهب والفضة.

إنَّ القسمة الجارية في الذهنية الاسلامية، باعتبار الاموال من زخارف الدنيا بينما الجوانب الايمانية والروحانية هي الأعلى، تعد قسمة مشكوكاً فيها. هي ثنائية (روح / مادة) مخاتلة وتُشطّب عند عمليات الكسب دون مقابل ودون عمل. كل عمل لا هوتي ديني قد يتحطم على صخرة الاقتصاد عندما يجد نفسه غير قابل للحياة دون وسائل ناجعة للتأثير وللاستمرار بين الناس. ومن ثم يلجأ إلى التربح بخطاباته تفعيلاً لفائض الجوانب الروحية وترجمتها لأشكال من الأموال والعلاقات المادية. وهذا ما يحدث بالنسبة لاقتصاد الخطابات الدينية التي تسترزق من عوائد تأثيرها في الواقع العربي الاسلامي.

ولقد يتحول الدين إلى اسواق مفتوحة تنادي على زبائنها وتهبط أكثر بمستويات إنتاجها وسلعها وصولاً إلى درجة (السوق عاوز كده). وهذا هو الشكل المتأخر من تلك المقدمات المبكرة التي سبقت التطور والتفكير الحر في وظائف الأقوال الدينية في الحيوات العربية العامة وعلاقتها بالسلطة السائدة.

وبإمكان من يدور في فلكها أنْ يترجم خطابه إلى ذات اللغة الرقمية. لأن أهل الجاه أيسر حالاً من سواهم " مما يشهد لذلك أنا نجد كثيراً من الفقهاء وأهل الدين والعبادة إذا اشتهروا حسن الظن بهم واعتقد الجمهور معاملة الله في إرفادهم فأخلص الناس في اعانتهم على أحوال دنياهم والاعتمال في مصالحهم وأسرعت إليهم الثروة وأصبحوا مياسير من غير مال مقتنى إلاَّ ما يحصل لهم من قيم الأعمال التي وقعت المعونة بها من الناس لهم" (المرجع السابق، 488).

هذا المضمون يدل على التربح من القوة المفترضة في الجانب الاعتقادي. وهو ما يثبت تداخل الجاه (السلطان) مع المقدس مباشرة. ولعلنا نلاحظ بداية القول الديني وترجمته إلى رصيد اقتصادي قابل للاستعمال والادخار والإنفاق ويُسر العيش تحت ظلال السلطة. إنه خطاب ديني مستعمل بقدرات السلطة لأجل كسب الأموال ومعها كسب الجاه أو العكس. لم لا يكون ذلك مسار الانحراف في سلطة النص الديني لصالح الحاكم؟!

القضية أنَّ رجال الدين يتكسبون من قدراتهم في اظهار اتصالهم بالإله. إذن طالما أنَّ الاتصال خاص بهم، فيستطيعون جعله خاصاً بسواهم كنوع من التوظيف سياسياً واجتماعياً. وقد حدث الأمر في التاريخ الاسلامي بحثاً عن الأموال بلغة السلطة. فالحكام كانوا يدجنون الفقهاء والشعراء في "حظائر سياسية" لضمان الهيمنة على الاعتقاد والقول. ولم يسلم الفقه حتى الآن من وضع ممارسات السلطة موضع التسليم والقبول. ومنه قضايا الفتاوى والتدخل في الشؤون السياسية والاجتماعية والعلمية بدوافع الوصاية على حياة الناس.

وخطابات الفقهاء ضرب من الكلام المؤسَّس في ضوء الكسب بعبارة ابن خلدون. ليس شرطاً: ماذا تكون مألات الكسب، لكن الأهم أن خطاباتهم تحصده السلطة في النهاية. وكحقيقة اجتماعية، فالقوة الناعمة للكلام الديني تصبح جزءاً من دائرة اجتماعية تضيف إلى رصيد السلطة. لأن الفقهاء كي يحصلوا على كسبهم، لا يجدون مهرباً من السلطة إن اختلفوا معها. ذلك لسبب خلدوني أنَّ الجاه هو الستارة التي تشمل المساحة التي يتفرع لديها كل كسب وكل قوة اجتماعية. وهنا منشأ التكلم، ومنشأ التمدد الأفقي للحقيقة لدى أكبر قدر من الناس.

دوماً يتحدث ابن خلدون عن الفقهاء بوصفهم متقبلين لكسب يأتيهم بما هو كذلك لدى أغلب أهل المدن والأمصار، لكنه لا حظ هذه الظاهرة أكثر لدى أهل البدو حيث: " يسعى لهم الناس في الفلح والتجر وكل هو قاعد بمنزله لا يبرح من مكانه فينمو ماله ويعظم كسبه ويتأثل الغنى من غير سعي. ويعجب من لا يفطن لهذا السر في حال ثروته وأسباب غناه ويساره والله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب" (المرجع السابق، ص 488).

لانعرف ما إذا كانت جملة ابن خلدون الأخيرة عن أنَّ (الله يرزق ما يشاء بغير حساب).. تعجب أم افصاح عن المخبوء في جوف نصه؟ لأن مكر الثقافة يكشف عن سرقة الألفاظ لمضامين الفكرة تجاه تساؤل يفترض نفسه افتراضاً: كيف لفئة من الناس( الفقهاء) يكسبون أموالهم بلا مجهود، بلا بذل، بلا حسابٍ؟ فبدلاً من أن يقدم الفقهاء جهداً بحسب الطاقة الوظيفية في المجتمع، فالناس يسعون إليهم. ليس هذا فقط بل ينالون جاهاً وعليه سيكون مقدار الكسب. كأن شرط الكسب هو الجاه الذي لولاه ما كان كسباً ثم يتحقق الجانب الفارغ من المسألة... بأنْ ينال هؤلاء الفئة ثمناً دون سعي ولا جهد.

وأحد أسباب التملق الوصول إلى تلك النقطة تحديداً: أنْ ينال صاحبه مبتغاه دون سعي. لكونه يأخذ مكانة ليست له اعتماداً على جهد غيره من الناس الذين يفترض أن ينالوا الفرصة بمجهوداتهم. هي خطوة مزدوجة. أولاً: الكسب بلا عمل. وثانياً: تضييع خيار الآخرين في بلوغ الكسب بعمل. وبالتالي سيكون بناء المجتمع الذي يتسق مع النقطة الأخيرة على المحك.

ووجود كلمة "السر" كإشارة خلدونية لتوضيح كيف يكسب الفقهاء دون عمل، يعتبر دساً قرائياً متواصلاً يخرج عن احتمال نص صاحب المقدمة. والخروج يعني بحثاً عن جذور السر في كافة قطاعات المجتمع العربي. فالأسرار تستدعي بعضها البعض. لا يمكن لسر أنْ يجري وحده، السر ليس خاصاً بالفقهاء، لأن الظواهر التي تتجلى عنه منتشرة. هل لأن السر يعبر عن وجود فئة لا تعمل وفوق ذلك تكسب مالاً وافراً؟ هل أن السر عام بدرجة تسمح بوضعه تحت التساؤل بالنسبة لهذا المجال وما ينبغي له؟

بالمقابل لا يعنى ذلك حل السر كما نوه ابن خلدون بجذوره العامة، إنما القضايا التي صاحبته وحولته إلى (شيء من لا شيء) قادرة على كشف طبيعة التملق بالمنطق عينه. فالوظيفة التي أخذها أصحاب الخطابات الدينية هي الوظيفة نفسها التي يقتنصها السياسي بإعْمال الحيل وإعادة تشغيلها. ويتيح سقوط الخطابات العامة في هذا الفخ مراراً. وإذا كانت السياسة نوعاً من الرعاية لرعية لا تتمكن دائما من الحياة ولا يسمح لها بذلك في بلاد الشرق إجمالاً، فلن تكون الرعاية سوى فراغ يختلسه العاملون بالشأن العام للإغارة على الحقوق والأعمال.

يستدرك ابن خلدون مؤقتاً ليعتبر (العمل وقيمه) هما المقياس لحركة الأشخاص واحتياج الناس إليهم. لكنه يعتبر أن بذل الأموال لصالح المشتغلين بالشأن العام كالفقهاء لم تكن دون مقابل كما نظن. المقابل هو الأغراض: " كان ما يتقربون به (أي الناس) من عمل أو مال عوضاً عما يحصلون عليه بسبب الجاه في صالح أو طالح.." (المرجع السابق، ص 488). وكأن الجاه لا يحصل إلا بهذا القربان. والترميز هنا في (صالح أو طالح) ينقل الأغراض من مجرد قضايا إلى هدفٍ. ويجعل القربان مستحضراً لخيط دلالي مرتهن بتقديس القوى الميتافيزيقية قديماً. فالقرابين كانت تقدم هكذا لدفع المخاوف من عقاب الآلهة واتقاء لغضبها وجلب المنافع من وراء وجودها. وهو الشكل البدائي من استمالة القوة المقدسة لجانب البشر. هل الفقهاء ينشطون تلك الوضعية الغابرة؟ هل المتملقون الصغار حالياً يذكروننا بقرابين البشرية البدائية لقوة عليا لا ننال رضاءها إلاَّ بهذه الوسيلة المهترئة؟!

الحقيقة أنَّ تملقاً يمارسه السياسيون للسلطة لا يخلو من البعد القرباني. والقربان رمزي بالنفس الحرة التي تنحدر لتحاذي الأقدام والمكوث بينها لجني المنافع. والقربان السياسي يطلب الانبطاح العام باستمرار. أي ليس الفاعل هو المقصود بمفرده إنما هناك إرادة خفية تطلب خضوعاً من الآخرين بالمثل. كل قربان في شكل تملق بمثابة طقس في غير موضعه. فالسياسة – أو هكذا تفترض- تؤمن عدم اللجوء إلى القربان بالممارسات القانونية المباشرة دون وسائط. لكن السلطة الفاسدة تجعل نفسها مقدساً وتطلب القرابين مباشرة.

 والتملق يدفع الوسائط الذاتية إلى حيز السياسة ثانية. وينفي فاعلية أية قدرات انسانية والمعارف والتحضر والعمل إنما أولويته أن يجعل الحيل الخاطفة وسيلة سائدة. والاحتيال بادي العيان ههنا لأن القربان كان نوعاً من تحايل لكسب رضا القوى الخفية. وعلى ذات المنوال يندرج المتملق في انشاء احتياله بترسانة من الاستعارات وبلاغة التبرير والإقناع.

وربما انسداد الأفق السياسي أمام مواطني الدول العربية دفع الناس للتربح من طرق أخرى، فانتشار الظاهرة يكرس فكرة التوسط (الوساطة). ولعلنا نتخيل في اللحظة الراهنة ماذا ستكون السياسة إن امتلأت بالوسائط بين قواها في الواقع؟

1- لن تجدي المؤسسات لإدارة الحياة وتلبية مطالب ظروفها الحرجة. فالمؤسسات وضعت ابتداء لمنع أية توسط بين الفاعلين السياسيين وبين الدولة. بحيث لا يسعى كيان الدولة كمحظور يقف أمامهم. وفراغ الدولة من الإجراءات القانونية يترك السبق إلى المحتالين كي يمارسوا أدوارهم كما كان دجالو وسحرة الثقافات القبلية الغابرة يفعلون.

2- تخلق أوهام بديلة عوضاً عن أهداف مقبولة ونسبية. والوهم الكبير أن هناك طريقاً سحرياً لإنجاز الأعمال، لأنها قائمة على فائض خفي من العلاقة بين طرفين أحدهما أكبر بينما يخضع له الطرف الثاني. إن السحر والشعوذة هما عنوان هذا المصير لكنة يرتدي حلل العصر وتحولاته.

3- ينخر التوسط كالسوس في جسد الدولة. لأنه صريح الرفض لطرقها الواضحة والتي يجب أن تأخذ وقتها. إنه ضد الوقت المطلوب لإنجاز الأعمال كما ينبغي بشكل قانوني. ويسعي لبث الهشاشة في مفاصل الدولة، لأنها لو كانت قوية ما كان ليستمر في عمله كثيراً.

4- يفتح التوسط الباب لتسريب الوسطاء الذين يدَّعون التأثير على السلطة. وسيكون وضع الدولة مرهوناً بقوى داخلها ولكن تلوي عنق قوانينها لأجل التربح الخاص.

5- التوسط معناه جماعات طفيلية تستنزف قدرات المجتمع والدولة. وهذه الطفيليات لا تتوقف عن النهب باسم المصالح والوساطة. لكنها تنهب كي تعتاش وترهن الدولة إزاء المهام البديلة التي تقوم بها. هناك في مجتمعات عربية توجد طفيليات تزور الشهادات والوثائق الرسمية وتستطيع استخراجها من مصادر في الدولة. وهذا معناه تحويل الدولة إلى مجرد إدارة بعلم القانون لأرتال من الطفيليين الذين يتناسلون في كافة الهيئات والمؤسسات.

6- التوسط يضاد المعتقدات الدينية، ورغم أنه لا مساحة منطقية لعرض تلك النقطة غير أنها تكشف انفصاماً في شخصية المتملق ذي الخلفيات الاسلامية. لأنه يعرف أن الدين نهاه عن التزلف لقضاء الاعمال ورغم ذلك لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلاَّ وتملق بها رؤساءه. كيف ذلك؟! إن الوضع هنا متواصل مع انهيار التماسك الحياتي في شخصية المتملق. والمدهش أن لا يبالي بهذا الانفلاق ويراه أمراً محموداً (أليس سعيدا بنتائجه؟).

7- كل توسط هو نوع من المقايضة البدائية. فلا ينبغي أن نفهم الموضوع كأنه اتمام لعملية مؤقتة لكنها تجارة بأدوات قديمة. والسلع لا تقف عن حد. فالأمور لا تقاس بمقابلها المادي فقط، إنما أهدار لأشياء ضرورية في أفق المجتمعات (كالقيم والقوانين والعدالة)، في مقابل ارباح شخصية وجزئية. ولا يجانبها بالوقت نفسه جر الآخر إلى ضحالة في التفكير والممارسة.

يعتقد ابن خلدون أن المال الذي يحصله رجال الدين من الجاه جزءاً من أقدارهم مع كل النقاط السابقة. وهو يستعمل كلمات اقتصادية ربما ليبعد عن نفسه شبة الاصطدام فورياً بتلك الأفعال والمعتقدات الجارية مثل كلمات: الثروة، الغنى، اليسار، الرزق، الأقدار، الله، الدنيا، الآخرة. وهي دوال يخفت فيها بروز أية معان مشبوهة أو ممجوجة. وربما ينتمي ابن خلدون إلى نطاق ثقافي لا يدرك ما يحدث بالفعل رغم الآفاق التي تفتحها كتابته نقدياً. فالنص الخلدوني يورط " صاحبه المعلن" في أحبال " صاحبه الخفي". لأنَّه في كل فقرةٍ يدرج عبارة وعظية خاصة بالدين على سبيل المثال: (... والله يرزق من يشاء بغير حساب). وهي نوع من مسح البصمات وإزالتها عن جوانب النص ومراوغاته. وخوفاً من فهم الكلام في سياق بعينه، يدفع القارئ إلى سياق آخر لتنقية الكلمات على طريقة الاستغفار والتوبة.

 

سامي عبد العال

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم