صحيفة المثقف

قراءة في كتاب: الإخوان من الميدان الى الليمان

ثامر الحاج امينتشكل ثورة 25 يناير 2011 في مصر منعطفاً كبيراً في تاريخها الحديث، فقد تكللت هذه الثورة بانتصار الإرادة الشعبية وازاحة نظام الحكم الذي ظل جاثما على صدور المصريين طيلة ثلاثين عاما، وكان من أبرز افرازاتها وصول (جماعة الأخوان المسلمون) ــ للمرة الأولى ــ الى هرم السلطة في مصر والتي استمر بقاؤها (368) يوما . .

 ويتناول كتاب (الإخوان من الميدان الى الليمان) لمؤلفة "حمادة إمام" تفاصيل هذه المدة من حكم الجماعة لمصر وتفاصيل الصراعات التي أعقبت استلامها السلطة والتي خفيت اسرارها على الكثير من المتابعين لمسارات الثورة ومارافقها من إجراءات تصحيحية انتهت باستلام العسكر لمقاليد السلطة في هذه البلاد ذات الأهمية الجغرافية والتاريخية . .

يستهل المؤلف كتابه بالأزمة التي واجهت الرئيس "مرسي" المتمثلة برفض المجلس الأعلى للقوات المسلحة الإجتماع به في 11 ايريل 2011 بسبب اتهامه للقوات المسلحة بارتكاب مجازر ضد المتظاهرين واعتبار ذلك تشويها لصورتها وذلك عن طريق تقرير تم تسريبه لصحيفة الجارديان البريطانية (التي ترتبط بعلاقات خاصة بالرجل القوي في جماعة الاخوان المسلمين خيرت الشاطر ص 6) ولم يتم تسوية هذه الأزمة الاّ بعد حضور الرئيس لمقر الأمانة العامة للقوات المسلحة وتقديم الأعتذار لضباطها، ثم يتناول المؤلف الخطة التي وضعتها الجماعة لإدارة الدولة ومواجهة الاخطار التي يمكن ان تهدد مستقبل الثورة وذلك من خلال الانتشار في طبقات المجتمع الحيوية والقدرة على تحريكها وكذلك الانتشار في المؤسسات الفاعلة مثل الجيش والشرطة وسياسة التهدئة مع القوى الأخرى، ورغم الوعود التي قطعها "مرسي" في تبنيه للديمقراطية وللمساواة وذلك في أول مؤتمر صحفي مع الاعلاميين والصحفيين في 28 يونيو 2012 أي بعد مرور ثلاثة ايام على دخوله قصر الرئاسة حيث قال بالنصً (البلاد ستحتفظ بطابعها الوطني دون ان تصطبغ بصبغة فصيل سياسي معين، و" أخونة " الدولة المصرية مستحيلة، ولايستطيع فصيل واحد قيادتها بمفرده ص 13) الا ان جماعة الأخوان بمجرد وصولها للحكم سارعت الى نشر كوادرها في المناصب الرئاسية والتنفيذية والقضائية واستحوذت على المواقع القيادية في أكثر الوزارات المهمة حيث يستعرض المؤلف بالاسماء الاشخاص الذين تبوؤا المناصب في كل وزارة رغم ان بعضهم لايمتلك أي مقومات للمنصب سوى انتمائه وولائه للجماعة وهو يشبه مايحدث في العراق في ظل حكم الاسلام السياسي من توزيع المناصب على اساس الولاء الحزبي والطائفي، كما يستعرض المؤلف أساليب المكر والخديعة التي مارستها سلطة الأخوان أيام حكمها ومحاولتها شق وحدة صف المؤسسة العسكرية وتيئيس الشعب المصري من الاحتفاظ بجيش وطني نقي من فيروسات الانتماءات السياسية وذلك عن طريق بث الشائعات وافتعال الأزمات التي تسيء الى قيادات الجيش التي وجد فيها الأخوان الجدار الصلب الذي لايمكن اختراقه بسبب وقوفها وانحيازها الى جانب الجماهير الغاضبة على سلطة الأخوان وذلك انطلاقاً من رؤيتها الثاقبة ان الشعب الذي يدعوها لنصرته لايدعوها لسلطة أو حكم وانما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب الثورة وكانت القوات صادقة النوايا، فقد بذلت جهودا مضنية لاحتواء الموقف الداخلي واجراء مصالحة وطنية بين كل القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة التي قابلت بالرفض دعوة الجيش لحوار وطني استجابت له كل القوى السياسية الوطنية وقد رافق فشل الحوار والاصلاح السياسي أزمات معيشية واقتصادية للمواطن العادي وغياب رؤية الرئاسة لادارة الدولة واهتمامها فقط بأخونة الدولة وفرض الأمر الواقع كل ذلك عجّل في انفجار الشارع بالغضب الجماهير الذي سارع الى محاصرة قصر الرئاسة وبعض مؤسسات الدولة المهمة وكان المطلب واضحا في 30 يونيو هو اسقاط الرئيس مرسي واسقاط حكم الأخوان، وقد انتهت الأزمة بأبلاغ الرئيس قرار العزل وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا برئاسة الدولة بشكل مؤقت أعقب ذلك جو من الفوضى تمثل بالاعتصامات المؤيدة والرافضة لهذا القرار، ويرصد الكاتب عملية فض اعتصامات جماعة الاخوان ــ أنصار الرئيس المعزول مرسي ــ من قبل القوات الأمنية بدقة والتزامها بتطبيق المعايير الدولية المتبعة في فض الاعتصامات المماثلة مع عدم انكار الاصابات والحوادث التي وقعت بين صفوف المعتصمين جراء مواجهتهم للقوات الأمنية بالسلاح والرصاص الحي حيث يفرد الكاتب صفحات عديدة للاعمال الانتقامية لجماعة الخوان المسلمين وانصارهم تمثلت بحرق منشآت تابعة للأقباط وكنائس ومكاتب وأقسام حكومية ومرافق تعليمية وممتلكات عامة وخاصة ومراكز شرطة وصل إجمالي الخسائر في هذه المواجهات الى عدد من الضحايا بلغ 1068 من بينهم أفراد من قوات الشرطة اضافة الى الخسائر المادية الكبيرة، ويتسائل المؤلف في نهاية هذا القسم عن المقابل الذي حصل عليه الاخوان يوم قبلوا على انفسهم ان يكونوا الجسر الذي عبر عليه كل الحكام بدء من اتصالهم بالملك فاروق حتى جمهورية مبارك .

في القسم الثاني من الكتاب يستعرض المؤلف جذور ونشأة جماعة الاخوان المسلمين على يد الداعية " حسن البنا " واعلان ظهورها عام 1928 معرجا ً على الانشقاقات التي شهدتها الحركة بسبب مشاكل التمويل وتبادل الاتهامات وتوجيه تهمة العمالة الى حسن البنا وتلقي معونات من الخارج وتحديدا من السعودية ويشير الى تصريحات البنا وعلاقته بالسعودية جاءت كلها لتأكيد الرباط البيولوجي بين الاخوان والوهابية، ثم يصل الكاتب بمسيرة الاخوان المسلمين الى عهد الرئيس جمال عبد الناصر حيث يصف علاقته بالسيئة بهم نتيجة اتصالات الحركة ولقاءاتها بالسفارة الامريكية والتي كانت مرصودة من قبل الجهات الأمنية الحكومية (وتبلغ الاتصالات واللقاءات بين الاخوان والامريكان ذروتها في 21 يونيو 1953 بلقاء المرشد العام للاخوان المسلمين في ذلك الوقت " حسن الهضيبي " والمسئول المكلف من السفارة الامريكية ص 121) حيث يكشف الهضيبي في هذا الاجتماع عن نية الحركة في ان تصبح مصر دولة اسلامية وقد استمر الصراع بين السلطة والحركة ووصل الى محاولة اغتيال عبد الناصر في مارس 1954 اثناء خطابه في المنشية ويسرد جانبا من وقائع جلسة محاكمة المتهمين بمحاولة الاغتيال، ويتوصل المؤلف الى ان دوافع وقوف امريكا والسعودية الى جانب هذه المحاولة هي بسبب التقارب المصري الروسي الذي أخذ بالتنامي الى حد التحالف، ثم يعرج على محاولة اغتيال عبد الناصرالفاشلة عام 1965 في الاسكندرية وظلوع " سيد قطب " في تدبيرها وبفشلها بدأت عناصر التنظيم تتساقط حيث بدأت الاعترافات الاخوانية تشريح تفاصيل عملية الاتقلاب والدور السعودي في العملية، ويفرد المؤلف صفحات لوقائع جلسة محاكمة " سيد قطب " واعترافاته .

ويسرد استمرار تدخل السعودية والأمريكان في شؤون مصر بعد وصول السادات الى السلطة وكان الخوف هذه المرة من تكرار ماحصل في ايران واعادة سيناريو الثورة الاسلامية في مصر ومن اجل منع ذلك قامت امريكا بفتح قنوات حوار مع قيادات الاخوان وتمهيد الطريق لحوارهم مع السادات وبدأ الاتصال فعلا من خلال الملك فيصل، ومن اجل المضي بسلاسة في هذا الاتجاه والتوصل الى اتفاقية مع قيادات الاخوان المسلمين كان لابد من مواجهة امكانية تحرك المؤيدين لأفكار عبد الناصر وكان التيار الوحيد الذي يستطيع السادات ان يعتمد عليه هو التيار الاخواني لما يحمله هذا التيار من ميرات عدائي مع الناصريين وان الصدام بين التيارين من شأنه ان يؤمن الجبهة الداخلية، وفي مارس وضع السادات خطة للتخلص من رفاق عبد الناصر(والخطة قام بوضعها محمد حسنين هيكل ونفذها الليثي ناصف ص 162) حيث تم تنفيذ هذا المخطط تحت المظلة الامريكية والمباركة السعودية . .

جاء الغزو الروسي لافغانستان ليعيد هاجس الخوف المشترك بين السادات والاخوان والامريكان والسعودية وكان لكل ضلع من هذا المربع وجهة نظر في العامل مع القضية الافغانية كان ابرزها هاجس السعودية من وصول الافكار الشيوعية الى منطقة الجزيرة التي من شأنها زعزعة الاستقرار وتهديد عرش آل سعود . ولكن ماكان يشغل جماعة الاخوان في خضم هذا الصراع والهواجس هو أهمية سيطرة الأخوان على حركة المقاومة الافغانية باعتبار ان السيطرة عليها ونجاحها في اخراج الروس ستكون افغانستان اول دولة تسيطر عليها حركة الاخوان، ويكشف هذ القسم ايضا تعاون السادات مع المؤسسة الدينية الممثلة با لأزهر في التحشيد ضد الروس ومحاربة الكفاءات المصرية الوافدة من الدول الاشتراكية والدعوة الى ايقاف البعثات العلمية اليها .

ويصف المؤلف علاقة السلطة بالقوى السياسية عندما تسلم محمد حسني مبارك مقاليد الحكم في مصر بأنه كانت هناك شبه قطيعة حيث نسف السادات في نهاية حكمه كل الجسور بين السلطة وهذه القوى يضاف الى ذلك العلاقات المصرية العربية التي وصلت الى أدنى مستواها بعد اتفاقية السلام بين السادات والكيان الصهيوني ولكن كان الأبرز في ذلك المشهد الذي واجهه مبارك في بداية عهده هو انتشار الاخوان المسلمون في القطاعات الحكومية والمدنية معا من نقابات وجمعيات واحزاب سياسية بعدما وفر لهم السادات كل الحريات للتغلغل في هذه الصفوف واختراق الحياة الحزبية وتحالفها مع حزب العمل الاشتراكي والاحرار وتوظيف خطاب جريدة " الشعب " ــ جريدة حزب العمل ــ للتعبير عن افكارها واطروحاتها والاستفادة من كل الفرص والظروف المتاحة .

وأبرز ماكشف عنه هذا القسم من الكتاب هو الوصول الى " وثيقة التمكين " التي اضطرت الاجهزة الى الاستعانة بخبير كمبيوتر مصري مقيم بالولايات المتحدة الامريكية لفك شفرة الكمبيوتر والملفات المحفوظة عليه وجاءت هذه الوثيقة في ثلاث عشر ورقة فلوسكاب تؤكد ان المرحلة الجديدة من عمر تنظيم الاخوان تتطلب المواجهة وتوضح الشكل الانقلابي الذي يعده الاخوان للسيطرة على نظام الحكم والوصول الى مرحلة ادارة الدولة حيث يفرد المؤلف صفحات عديدة لتفاصيل الخطط لتحقيق ذلك بالاعتماد على الدعم الخارجي الذي كانت تتلقاه الحركة من أجل احتوائها والاستفادة من خطأ التجربة الايرانية وذلك من خلال فتح قناة اتصال سرية مع قادة العنف في مصر وكانت السلطة المصرية على علم بكل هذه الاتصالات وحذرت منها الى ان جاء اليوم الذي اكتوت فيه الولايات المتحدة بنار القوى المتطرفة ووقوع أعمال ارهابية فيها جعلها تعيد حساباتها مع هذه القوى . وفسحت المجال لحكومة مبارك عام 1999 في توجيه ضربة قاصمة لحركة الاخوان وذلك بالقاء القبض على قياداتها الذين يشرفون على ملف النقابات المهنية بتهمة الانضمام الى تنظيم سري غير مشروع يهدف لقلب نظام الحكم ويهدد الاستقرار الداخلي، ثم يعود الى بداية النهاية حيث يصل في تسلسل الأحداث الى يوم 25 يناير 2011 الذي بدأت فيه الدعوة الى التغيير ويصفها بأنها (كانت عفوية ولم يكن مخططا لها من أي قوى سياسية أو شعبية ص 254) بدأت بمطالب اربعة هي مواجهة مشكلة الفقر، الغاء حالة الطواريء، اقالة وزير الداخلية، تحديد مدة الرئاسة وينهي هذا القسم من الكتاب باستعراض سيرة أبرز قيادات الاخوان المسلمين خيرت الشاطر، عصام العريان، خالد القزاز، عصام الحداد، محمد محمود حافظ، محمد حامد وفي القسم الأخير من الكتاب يصف المؤلف محاولة الرئيس حسني مبارك لانقاذ عرشه وذلك من خلال التحالف مع القوة السياسية والآيدلوجية للاسلام السياسي بعد ان أدرك قرب النهاية وان الثورة أعمق من ان يتم اخمادها بالعنف وذلك بعدما تخلى العسكر عنه ولكن الأمور انقلبت فقد انتقل التحالف بين المجلس العسكري والاسلام السياسي وبالأخص الاخوان المسلمين بعدما شعر العسكر انهم بحاجة الى تغطية سياسية تعتمد على قوة سياسية كبيرة كالاخوان المسلمين تساعدهم في امتصاص الحالة الثورية، وقد نجحوا بالفعل في ذلك والتخلص من مبارك، ويتناول اجواء الانتخابات البرلمانية التي جرت بعد رحيل مبارك وجاءت بالاخوان المسلمين والسلفيين (باستخدام كل وسائل وادوات وأساليب تزييف ارادة الشعب بما في ذلك الرشاوى العينية والنقدية اعتمادا على الفقروالجهل والمرض ص 276) وعلى غرار ماحدث عندنا في الانتخابات البرلمانية الأولى فان هذه القوى أخذت تبشر من يصوتون للاسلام السياسي بالجنة خالدين فيها أبدا وتنذر من يصوتون لغير الاسلام السياسي وخاصة انصار المدنية والليبرالية والعلمانية بجهنم وبئس المصير، بهذه الاساليب وغيرها من استخدام دور العبادة في الترويج لمرشحيهم وبرامجهم الانتخابية واعتماد الشعارات الدينية خلافا لضوابط الدعاية الانتخابية تمكنت هذه القوى من الهيمنة على نتائج الانتخابات واغتنام الفرصة للسيطرة على كل مؤسسات الدولة وكل مفاتيح السلطة والتمهيد لتشكيل حكومةاسلامية ذات طابع اسلامي، ولكن بدأت بوادر التعارض بين الثورة وكل من المجلس العسكري والاسلام السياسي بقيادة الاخوان من خلال المفاوضات بينهما والتي شعرفيها العسكران الاخوان في طريقهم الى الهيمنة وكذلك من خلال معارضة الثوار لطريقة اجراء التعديلات الدستورية وانتهت الأزمات بنزول الجماهير الى الشارع ووضع حد للصراعات الجارية واستلام العسكر لمقاليد الحكم في هذا البلد العريق .

في هذا الكتاب يكتشف القاريء ان احزاب الاسلام السياسي هي واحدة في توجهاتها وأساليب وصولها الى السلطة التي هي الهدف الرئيس لها أما الاسلوب فهو استخدام المقدس للسيطرة على ارادات وعقول البسطاء واستغلال فقرهم .

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم