صحيفة المثقف

مؤبد ألعزلة للشاعر فلاح الشابندر.. نزوع فلسفي لعزلة قسرية

احمد فاضلمدخل أول لقراءة القصيدة

من يقرأ للشابندر أعماله الومضية الثمان الحديثة، يجدها مربكة، صادمة، تقفز كحد فاصل بين النزوع للحرية كمنهج حياتي، وبين الخنوع، هذا الأخير لم يكن من السهل للشاعر الوصول لاستنتاجه، فقد توقف أمام شائكتين هما – قمع الإسكات – واستعادة – صوت الحرية -، فهو حينما يقول في ومضته الأولى:

تعارفنا... وظلي

.........

إنما يعطي صوتاً لصورة أصبحت باهتة، لكنه فضل من خلالها البقاء معها إلى الأبد، إن حواس الشاعر وروح الدعابة السوداء تغازل خيالات عزلته المفروضة عليه كما في ومضته الثانية، هنا هو القلب الوصفي للقصيدة،

مسراتُ العزلة

الجنون فكرةً....

.........

في هذه المرحلة من الحجر الصحي للفيروس التاجي الذي طوقنا ، ربما نفهم منظوره جيداً، بينما نتحسر على حرياتنا المفقودة، فإننا نختار قضاء معظم حياتنا خلالها داخل منازلنا، إنما هو يتحدى فهمنا، هنا يقدم العلماء بالطبع الكثير من النظريات حول عزلة الشاعر، بالنسبة لي، فإن الحجة الأكثر إقناعاً هي :

إذا كانت الشاعرة الأمريكية الشهيرة إيميلي ديكنسون قد عاشت الحياة الاجتماعية التقليدية لامرأة من الطبقة العليا في القرن التاسع عشر، لما كان لديها الوقت أو الطاقة لإنتاج 1789 قصيدة .

وعندما نكون على أعتاب ومضته الثالثة، فإننا سنتوقف عند سؤاله فيها :

في الحجر الحجري ما الذي يمكن

أن يطرأ... سوى قلب يتمرن قفز الموانع

في سوح ميدان الصمت والفراغ .

.........

وعلى الرغم من أننا لا نحتاج بالضرورة إلى صنع ما قامت به ديكنسون، فقد نجد حياتنا غنية - أثناء الحجر الصحي وخارجه على حدٍ سواء - باستخدام وتيرتنا البطيئة حديثاً للانتباه إلى التفاصيل في الوقت الحالي ، فهي اتخذت قراراً غير عادي بالعزل الذاتي من أجل تحرير نفسها لتكون شاعرة، في حين أن معظمنا لن يختار عن طيب خاطر الحجر الصحي كأسلوب حياة دائم، فإن الهزة التي يسببها هذا التغيير الجذري قد تقودنا إلى التفكير في اختياراتنا ما هو الأكثر أهمية وأهم بالنسبة لنا وما هو غير ذلك ؟ ماذا نريد حقا أن نفعل بالوقت الذي أعُطي لنا على هذه الأرض – الصمت والفراغ - ؟

إنه مجرد منعطف، لرغبة في الحرية، كما قالها الشاعر في ومضته الرابعة :

سماء الرغبة

طائرتي ألورقية....!

.........

هذه الرغبة في الحرية لم يمنعها الحجر بالاشتياق إلى الانعتاق حتى عن المرايا الموهومة التي أسرت وجوهنا ، كما عبر عنها الشاعر في ومضته الخامسة، وصولاً إلى حلمه في التجوال حتى وإن كان صامتاً، فالمطر كان ولا يزال وحده الذي يتجول بحرية :

الحجر الحجري

مرايا في معتقل الوقت

اشتقت وجهي...!؟

...............

تجوال أن ترسو صامتا

وحده المطر يتجول......

وعندما ينظر الشاعر بعيداً لارتحالاته وهو لا يزال في حلمه داخل محجره، يتذكر عجزه وإيمانه أن عكازه هو ساقه الوحيد بإمكانه تحقيق كل تلك النبوءات :

عكازُ.... ذاك هو الساقْ

...............

ويبقى السؤال ونحن نأتي ختام ومضاته الثمان، أننا ووسط هذا الحجر نبقى في زنزانة السؤال ؟ محجورين لأن كورونا صلبتنا على عمودها، ولن تغادرنا بسهولة ..

سألني مرة والى الابد

في زنزانة السؤال...؟

..............

كُورونا... صلبت العالم على عمودِها....!؟

مدخل أخير /

" مؤبد العزلة " عنوان لثمان قطع شعرية قصيرة، أو ما يطلق عليها بالومضة، كتبت برمزية الشابندر العالية، والتي أرى من خلال مكنوناتها أنها ذات طابع فلسفي، فرضته كورونا على الشاعر وهو يعيش في معتزله الحجري، ومع أننا :

نعلم جميعاً أنه وفقاً لسقراط وأفلاطون، كان هناك شجار طويل بين الفلسفة والشعر، ومع ذلك، في السنوات الأخيرة تبنى الفلاسفة الأدب بطرق لم يكن من الممكن تصورها قبل جيل واحد فقط، قام الفلاسفة الأخلاقيون باستخراج الروايات الكبرى وليست العظيمة للأساتذة لما يجب أن يقولوه حول الأمور الأخلاقية والمعنوية، وقد أظهر فلاسفة اللغة والمنطق تفضيلاً لتوضيح حججهم بالأعمال الخيالية، من بين أنواع الأدب، كان البعض أكثر تفضيلاً من البعض الآخر، والشعر ليس من بينهم، معظم العمل في فلسفة الأدب، واستخدام الأدب في مجالات فلسفية أخرى، تم القيام به بالإشارة إلى أعمال الخيال، معظمها روايات، قد يؤدي التحول إلى الشعر إلى إعادة النظر في التعميمات حول الأدب، وربما تعديله، أو التخلي عنه في بعض الحالات، لذلك هناك أسباب كثيرة للفلسفة لإلقاء نظرة فاحصة على الشعر، يدعي الناقد الإنكليزي جون جيبسون في كتابه المعروف " فلسفة الشعر "، أن الشعر هو آخر حدود الجماليات التحليلية، وتهدف مجموعته المكونة من أحد عشر مقالة أصلية إلى استكشاف هذه المنطقة الجديدة والمطالبة بها، ومع ذلك، فهو ليس المستكشف الأول لها.

في السنوات الأخيرة، أنتج الفلاسفة كتباً مهمة حول جميع الفنون الرئيسية تقريباً: الرواية والرسم والموسيقى والمسرح والرقص والهندسة المعمارية والفن المفاهيمي وحتى البستنة، الشعر هو الاستثناء الوحيد، هذا إغفال مذهل، واحدة ستصححها هذه المجموعة من المقالات الأصلية، إذا كانت الفلسفة المعاصرة لا تزال تعتبر الاستعارات مثل `` Juliet is the sun '' مشكلة خطيرة، فإن المرء لديه إحساس حاد بمدى استعداده لإضفاء إحساس فلسفي وجمالي للقصائد مثل WB Yeats's 'The Second Coming'، سيلفيا بلاث 'Daddy "أو" Todesfuge "لبول سيلان، تجمع فلسفة الشعر بين فلاسفة الفن واللغة والعقل لفضح ومعالجة مجموعة المشاكل التي يثيرها الشعر للفلسفة، من خلال القيام بذلك، فإنه يضع الأساس لفلسفة مناسبة من الشعر، وتحديد مختلف الألغاز والمفارقات التي يجب على العمل المستقبلي في الميدان معالجتها، نظراً لاتساع نطاق مقاربته، فإن كتاب جيبسون لا يتعلق بالجماليات فحسب، بل بجميع مجالات الفلسفة المعنية بالمعنى والحقيقة والسلطات التواصلية والتعبيرية للغة بشكل عام، الشعر هو آخر جبهة غير مستكشفة في الجماليات التحليلية المعاصرة، حيث يقدم هذا الكتاب عرضاً قوياً لكيفية أن يكون الشعر مركزاً مهما في الفلسفة ، الشابندر حقق ذلك ..

 

للاطلاع على قصيدة الشاعر في صحيفة المثقف

مؤبد ألعزلة / فلاح الشابندر

 

كتابة / أحمد فاضل

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم