صحيفة المثقف

محمد عبد العظيم طلب.. فيلسوف الاقتصاد (1)

محمود محمد علي"الأسس والمنطلقات"

سعدت كل السعادة حين تفضل علي الدكتور طارق الجمال رئيس جامعة أسيوط أن ضمني ضمن أسرة مركز دراسات المستقبل بالجامعة، وكان هذا المركز ضم خيرة كبار الأساتذة المحترمين، ومن بين الأساتذة الدكتور محمد عبد العظيم طلب، وهذا الرجل لم ألتقي به لكن كنت أسمع عنه، فهو يمثل أحد القامات الاقتصادية الرفيعة الباقية في مصر، مهما كُتب عنه فلن تأتي الكتابة، مع الجهد المبذول فيها، وافية لحقه مقرّرة لحظه الوافر من العناية بمبدعي الفكر والاقتصاد.

فالرجل لعلمه الغزير وثقافته الواسعة، ولأخلاقه الأصيلة، مطبوع على البحث والدرس والتفكير، أمين غاية الأمانة فيما يكتب ويستخلص من مباحث وآراء، حلو المعشر جميل الأحدوثة، يجذبك برُقيّه وسمو روحه وفكاهته إلى درجة تعجب فيها أن تصدر تلك الفكاهة عن اقتصادي عاش بين الآراء الجادة والمباحث العميقة سنوات عمره المنتجة، ولم يفقد مع ذلك روح الدعابة والمرح؛ لكأنه يريد أن يلطّف جفاف الفكرة بخفّة الروح الحانية.

علاوة علي أنه عميق الفكرة خفيف الظل، يألفه النظر ويعشقه القلب من أول وهلة، لا يضنّ برأيه على مسترشد، ولا يتهجم في وجه طالب علم، ولم يعرف لسانه العف كلمة نابية، ولم تكن الأخلاق التي قضى حياته يدرسها، ويدرّسها، وينظّر لها، ويحللها، مُجرّد أقوال لعلماء الاقتصاد بل كان يستقيها من روحه ويستدعيها من ضميره، يستحضرها حيّة عاملة فاعلة لتكون فيه حقيقة لا صورة.

والدكتور محمد عبد العظيم طلب ولد في مدينة "بني مزار" بمحافظة أسيوط بجمهورية مصر العربية في الأول من فبراير سنة 1949م، حيث حصل علي بكالوريوس التجارة شعبة الاقتصاد، كلية التجارة، جامعة أسيوط، عام 1972، ثم دبلومة الدراسات العليا فى التنمية الاقتصادية، جامعة لانكستر، إنجلترا، 1979م، ثم حصل علي درجة الماجستير فى اقتصاديات القطاع العام، جامعة سالفورد، مانشستر، بإنجلترا، 1982م، ثم حصل علي درجة الدكتوراه فى الاقتصاد القياسى، جامعة سالفورد، مانشستر، إنجلترا، عام 1985م

له مؤلفات عديدة نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر: التخطيط الاستراتيجى لمؤسسات التعليم العالى فى مصر، دراسة مقدمة لوحدة إدارة المشروعات، مشروع التطوير المستمر والتأهيل للاعتماد، مارس 2009م. ودراسة عن آفاق تنمية الصناعات الصغيرة بمحافظة الوادى الجديد حتى عام 2017م، ونشرت ضمن ندوة تنمية الصناعات الصغيرة فى صعيد مصر التى ظمتها جامعة أسيوط بالتعاون مع الهيئة المصرية العامة مواصفات والجودة ومعهد الأهرام الإقليمي،فبراير 2007م، - التمكين الإقتصادى للمرأة : ودراسة فى السياسات، المؤتمر السادس للمرأة، المجلس القومى للمرأة، أسيوط، 28 مارس 2006م، والتضخم كهدف استراتيجى للسياسة النقدية. مجلة دراسات مستقبلية، مركز دراسات المستقبل، جامعة أسيوط، يوليو 2004م. ودراسة عن الإصلاح الاقتصادى: من عمومية الرؤية الدولية إلى خصوصية الحالة المصرية. المجلة العلمية، كلية التجارة، جامعة أسيوط، يونيو 2004م. ودراسة عن التفسير النقدى لتقلبات أسعار الصرف الحرة. مجلة دراسات مستقبلية، مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط، يناير 2003م، ودراسة عن تحليل قياسى لفرضية الدخل الدائم للاستهلاك مع التطبيق على مصر، مجلة البحوث التجارية المعاصرة، كلية التجارة بسوهاج، جامعة جنوب الوادى، يونيو 1999م، ودراسة عن مدى فاعلية السياسة النقدية فى المملكة العربية السعودية، المجلة العلمية، كلية التجارة، جامعة أسيوط، العدد 20،1994م. ودراسة عن مدى ملاءمة تحليل المرونات لتخفيض سعر الصرف على البلاد النامية: دراسة تطبيقية، المجلة المصرية للدراسات التجارية، كلية التجارة، جامعة المنصورة، العدد 17،1993م. ودراسة عن التضخم العالمى : الظاهرة والتفسير، مصر المعاصرة، أكتوبر 1990م.

وقد قام الدكتور طلب بالتدريس بكليتى التجارة والحقوق لمقررات الاقتصاد المختلفة لطلاب ً عن تدريس المقررات التالية باللغة البكالوريوس والدراسات العليا. هذا فضلا الإنجليزية ببرنامج التدريس باللغة الإنجليزية منذ بداية العمل به فى منتصف التسعينيات مستخدما المراجع المعروفة ببريطانيا وأمريكا . كما قام بإعداد مجموعة من الكتب للتدريس الجامعى، يتولى نشرها جهاز نشر وتوزيع الكتاب الجامعى بجامعة أسيوط. وهنا أهمها : باللغة العربية : اقتصاديات النقود والبنوك، 2005م، ومحاضرات فى مبادئ الاقتصاد الجزئى، 2004م،والمالية العامة، 2003م .والتنمية الاقتصادية والتخطيط الاقتصادى، بالاشتراك مع أ.د. عبد المطلب على عبد المطلب، 2002م. ودراسات الجدوى الاقتصادية، 2001م. ومحاضرات فى المحاسبة القومية، بالاشتراك مع أ.د. عبد المطلب على عبد المطلب، 2000م.

كما شارك الدكتور طلب في عضويات كثير من اللجان العلمية والنشاط العلمي التطبيقي وخدمة البيئة مثل : عضو لجنة ترقية الأساتذة والأساتذة المساعدين في الاقتصاد 2013 – 2015، وعضو مجلس العلوم الاقتصادية والإدارية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا حتى 2012،ويختص هذا المجلس بوضع الخطط الاستراتيجية للبحوث على الاقتصادية والإدارية على المستوى القومي ويتابع تنفيذها، وعضو اللجنة العليا لاختيار القيادات بجامعة أسيوط، وعمل مديرا تنفيذيا لإعداد خطة استراتيجية لجامعة أسيوط تغطى مجالات التعليم والبحث العلمي لخدمة المجتمع وتنمية البيئة، وشارك في مشروع إنشاء نظام جودة داخلي بكلية التجارة جامعة أسيوط QAAP2 حيث أنه كان عضو الفريق الإداري للمشروع، كما أقوم برئاسة الفريق القائم بإعداد الخطة الاستراتيجية للكلية، وشارك في في ورش العمل التى ينظمها مشروع التطوير المستمر والتأهيل للاعتمادCIQAP كمدرب للكليات المتقدمة للمشروع على كيفية إعداد وكتابة الخطط الاستراتيجية، وشارك في في دراسة إنشاء كلية متميزة باسم "الكلية التكنولوجية للصناعات المتقدمة"، تهدف الكلية إلى زرع مركز متميز يعمل بنظام معتمد على الجودة ويدفع إلى تطوير التعليم العالي بأسيوط ويساعد على رعاية الطلاب المتفوقين والموهوبين ويعمل على خدمة قضايا التنمية؛ كما قام بالمشاركة في الدراسة الاستراتيجية لتنمية الوادى الجديد حتى 2017 م التى قام بأعدادها عدد من أساتذة الجامعة بالتعاون مع مركز بحوث ودراسات جنوب الوادى بجامعة أسيوط، حيث كان عضو لجنة التنسيق العليا لهذه الدراسة والمسئول عن القطاع الاقتصادي بها.. الخ.

وثمة نقطة مهمة وجديرة بالإشارة وهي أنني في هذا المقال أحاول أن أعرب عن تقديري الكبير لجهود الدكتور طلب فى نشر المفاهيم الفلسفية في علم الاقتصاد، ذلك العلم الذي يمثل في الحقيقة توزيع الموارد النادرة بين المنافسين. أو كما جاء في الكتب المنهجية والمستعملة بكثرة: إن علم الاقتصاد هو دراسة كيفية تحديد المجتمع لما سينتجه وكيفية انتاجه والمستفيد من هذا الانتاج.

إن علم الاقتصاد في نظر محمد طلب يدخل حياتنا اليومية ويتحكم فيها، حتى لو لم نكن على وعي بذلك. فهذا العلم يشمل كل شيء، وهذا لا يتطلب منا ان نكون خبراء اقتصاديين لكن !على الأقل معرفة مهما كانت بسيطة عن أثر الاقتصاد في حياة كل منا حتى نكون قادرين على فهم مجريات الحياة وأسلوب تعاملنا الواجبة معها.

ونظرًا لأن نشر الوعي بالفكر الاقتصادي بين أسرة الجامعة ومجتمعها المحيط كان من أبرز الأهداف التي سعي إليها الدكتور محمد طلب في أهمية نشر المعرفة الاقتصادية لترشيد القرارات الاقتصادية للفرد والمساعدة على نجاح السياسات الاقتصادية للحكومة ولفهم طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية .

وقد اختار الدكتور محمد طلب موضوع الإصلاح الاقتصادي لأهميته ولنقص المعرفة بشأنه ؛ فعرض في كتاباته بالتفصيل لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبناه المؤسسات الدولية؛ وبصفة خاصة صندوق النقد الدولي وتدفع به إلى الدول الراغبة في الحصول على المساعدات .

لقد كشف لنا الدكتور محمد طلب أهم سمات البرنامج وأهدافه وآلياته في تحقيق أهدافه وأجبت عن سؤال رئيس حول قدرة البرنامج على علاج المشكلات الاقتصادية التي تواجه مصر والإصلاحات الأخرى الواجبة الاتباع وتعتبر مكملة لبرنامج الصندوق.

ففيما يخص البرنامج فقد أوضح الدكتور محمد طلب أنه يقوم على أسس سبعة :-

1- تقليص حجم القطاع العام ببيع وحداته المنتجة للسلع (الخصخصة) ورفع كفاءة الوحدات المنتجة للخدمات.

2- إصلاح نظام الصرف بإجراء تخفيضات متتالية في سعر العملة تمهيدًا لإطلاق حرية الصرف أي تعويم العملة .

3- تحرير التجارة الخارجية بإزالة القيود الكمية وتخفيض الجمارك ألى غير ذلك من متطلبات منظمة التجارة العالمية.

4- تشجيع الاستثمارات الأجنبية الخاصة كبديل للاقتراض الخارجي.

5- علاج التشوهات السعرية عن طريق إزالة الدعم السلعي وتحرير التجارة الدولية كما سلف بحيث يكون الهدف النهائي هو مواكبة الأسعار المحلية للأسعار العالمية أي ترك الأسعار تتحدد بقوى السوق بدون تدخل حكومي.

6- الإصلاح النقدي يتضمن تحرير أسعار الفائدة والتحكم في عرض النقود المحلية . ٧- الإصلاح المالي يهدف إلى مواجهة العجز في الموازنة العامة عن طريق:

أولا - تقليص حجم الإنفاق العام بتخفيض الدعم أو إلغائه وتخفيض الاستثمار العام وتجميد بند الأجور. وثانيًا - زيادة الإيرادات العامة بإصلاح النظام الضريبي ورفع أسعار المنتجات العامة .

للبرنامج أساليب مشجعة على التنفيذ مثل تسهيلات الاقتراض من الصندوق والقروض والمنح التي يقدمها البنك الدولي كذلك قد يتضمن إسقاط جزء من الديون الخارجية والتخفيف من أثر البرنامج على محدودي الدخل وتجاوز مرحلة الانتقال .

لقد أجري الدكتور محمد طلب دراسات كثيرة على الأثر الاقتصادي والاجتماعي لبرنامج الصندوق للإصلاح الاقتصادي ولا يتسع المكان هنا لعرض نتائج هذه الدراسات ولكن خلاصة الخلاصة لهذه الدراسات أن البرنامج يضع الدول النامية على طريق الرأسمالية ولكنه لا يساعدها كثيرا على التحرك في هذا الطريق فالبرنامج وحده ليس كافيا لعلاج المشكلات الاقتصادية التي تواجه هذه الدول ومن ثم فإن الاعتماد عليه وحده يحول البلاد النامية إلى سوق لتصريف منتجات الدول المتقدمة وتدرك كل الحكومات قصور البرنامج بمفرده عن مواجهة المشكلات الاقتصادية وتحقيق التقدم الاقتصادي المنشود.

وبناء على ما سبق قدم الدكتور محمد طلب ما يراه ضروريًا من إصلاحات مكملة لبرنامج الصندوق وهي تتلخص في خمس نقاط :

أولًا - مواجهة حاسمة لبعض الاختلالات الخطيرة التي تعيق حركة الاقتصاد المصري، وحددت أهم هذه الاختلالات في:

1- الفجوة المتسعة بين الاستثمار ومعدل الادخار.

2- بطء النمو في القطاع الزراعي.

3- عدم التوازن بين التنمية الحضرية والتنمية الريفية.

4- الاختلال الناجم عن المشكلة السكانية ٥- الاختلال في الخدمات العامة .

ثانيا- تفعيل السياسة النقدية والمالية بما يحفز على النمو الاقتصادي، ومحفزات النمو هي ١- السيطرة على التضخم ٢- أن يكون معدل الفائدة الحقيقي موجبا ٣- محاربة الأسواق السوداء ٤- مواجهة عجز الموازنة ٥- عدم المبالغة في صرائب الدخل والتقليل من الجمارك على السلع اللآزمة للإنتاج ٥- رفع جودة الخدمات العامة .

ثالثا - تطبيق القانون لمحاربة الفساد وتقليص حجم الاقتصاد الخفي ومواجهة الاحتكار والمساعدة على تكوين المؤسسات اللآزمة للتقدم الاقتصادي .

رابعًا- إصلاح نظام التعليم فقد وصلت مخرجاته إلى مستويات خطرة على أداء الاقتصاد المصري.

خامسا- المشاركة السياسية ؛ فقد قدمت الدراسات التطبيقية برهانا على العلاقة الوثيقة بين النمو الاقتصادي والمشاركة السياسية.. وللحديث بقية..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم