صحيفة المثقف

الغزو والحروب وأثرهما في الادب

يسري عبد الغنيتقوم بين الأمم علاقات وارتباطات يدعمها السلم في أغلب الأحيان, وقد تنشأ ظروف تؤدي إلى قيام المشاحنات والحروب بين أمة وأخرى, وقد تؤدي الحرب أحياناً إلى غزو شعب لشعب آخر واحتلال أراضيه ويحاول الشعب الغالب أن يفرض لغته وثقافته على المغلوبين ويؤدي هذا بالطبع إلى حدوث عملية التأثير والتأثر بين اللغات والآداب .

وتعد الحروب الصليبية ذات أثر كبير في نقل حضارة المسلمين إلى أوربا، وتأثرها بفكر العرب وآدابهم، وقد أكدت الدراسات والأبحاث أن هذه الحروب بتأثيرها الأدبي والفكري كانت ذا أثر كبير واضح في فرنسا خلال العصور الوسيطة .

كما كان فتح الأندلس هو الآخر محدثاً لصدى واسع في نقل الحضارة الإسلامية كذلك إلى أوربا كلها وعن طريق الترجمة للتراث الإسلامي نقل إلى الجامعات والمعاهد الأوربية وقد بدا أثر ذلك واضحاً في نقل ألفاظ عربية عديدة إلى اللغات الأوربية عن طريق أسبانيا .

ويجدر بالذكر هنا أن تأثير اللغة العربية في اللغة الأسبانية كان تأثيراً كبيراً، فدخلتها ألفاظ عربية عديدة، وإن نال التحريف بعضها .

وفي مضمار الأدب نقلت آثار عربية كثيرة إلى أوربا فبعد أن كان الشعر الكلاسيكي الأوربي لا يعرف القافية تأثر بالشعر العربي، وأضحى يجري على منواله في استعمال القوافي .

كما أثر الشعر العاطفي وقصص الحب العربية في شعر التروبادور عن طريق بعض شعراء فرنسا .

وهناك جوانب متعددة من التأثير تتضح لمن يقرأ بالتفصيل عن أثر الأدب العربي في الأدب الأوربي وذلك عن طريق فتح العرب للأندلس ووصول العرب إلى جزيرة صقليه الإيطالية وعن طريق الحروب الصليبية، وغيرها من المعبر التي وصل بها الأدب العربي إلى البلاد الأوربية .

فإذا انتقلنا إلى فتح العرب لبلاد فارس وهجرتهم إليها بعد الفتح الإسلامي، إضافة إلى علاقات الجوار القديمة بين العرب والفرس، فإننا نلمح الأثر بادياً بين الأدبين العربي والفارسي في كثير من النواحي .

وعندما فتح النورمانديين الفرنسيين انجلترا في القرن الحادي عشر الميلادي، صارت الفرنسية في انجلترا هي لغة البلاط الملكي والقضاء البرلمان، كما أصبحت هي اللغة الرسمية للدولة قرابة قرنين من الزمان، ومما لا شك فيه أن ذلك كان له تأثيره المهم بين الأدبين الفرنسي والإنجليزي .

وعليه فإنه لا يخفى علينا أثر الحرب والغزو والهجرات في حدوث عملية التأثر والتأثير بين الآداب المختلفة .

وإلى جانب هذه العوامل التي تكلمنا عنها توجد عوامل أخرى تؤدي إلى اتصال الآداب بعضها ببعض، كالصحف والمجلات والدوريات الأدبية والنقدية والفكرية والإذاعة والتليفزيون والفضائيات وشبكة المعلومات الدولية، والمسارح والسينمات، ودور الأوبرا، والمؤتمرات والملتقيات والمنتديات والصالونات الأدبية، وكذلك الترجمة والبعثات.. إلى آخر هذه العوامل التي لها أكبر الأثر في عملية التأثير والتأثر بين الآداب العالمية، مما ينعكس بالإيجاب على المقارنات الأدبية بوجه عام.

 

بقلم/د.يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم