صحيفة المثقف

كورونا الأكذوبة السورية

قد يكون تسقّط الحالات الشعورية، وردود الأفعال المباشرة أصدق ما يكون حضوره في تعليقات المتتبعين لخبر ما.

هناك حيث يدخل كثير من القرّاء بأسماء مستعارة أحيانا ليكبّوا سخطهم، وانفعالاتهم بعيدا عن الأذية، والملاحقات الأمنية، صار التّمرد أخيرا صبغة واضحة، فرُفدت أسماء حقيقية بصور أصحابها، والتي يلاحظ في أغلبها انتسابها إلى فئة الشباب!

هل يمكن القول إن الكذب على العامة، على الشعب وإخفاء الحقائق باتت الميديا تنافسه في إحضار الخبر الحقيقي جاهزا موثّقا بحيث لا يدع المجال إلى التّشكيك به، أم أنّ الصبر عند أولئك العامة قد بلغ الزّبى، فبات لا شيء يقنع، أو يجبر على التصديق؟!

جائحة كورونا التي اجتاحت العالم بأكمله، حوّلته إلى ملعب سباق تتراكض فيه خيول الأخبار المريعة لهاثا، وأمامها انحنت هامات أكبر الرؤوس، وصنّاع الأكاذيب، والأوهام في الدول الرأسمالية المسيطرة على العالم، هلعا وفزعا، فلم يستطع زعماؤهم، ولا أفّاقوهم، ولا لصوصهم التّنصل من ابتلاعه الكثيرين منهم وجبة دسمة، أمامها عَيي الدواء، وتكاثرت وتناحلت التّوقعات والتّنبؤات، فاختلطت الحقائق بالتّرهات، ولكن أمام الرضوخ لفايروس حمّلوه شكل تاج ماسيّ الألق يوحي للناظر بأيقونة، يُفرّ من مقاربتها، تؤرّق المنام، وتبلبل جداول الأيام، ولو أنها قُدّمت إليه مجّانا لرفضها. هناك غدا الجميع سواسية!.

الفايروس مريع عدواني، يهجم بأي شكل، وفي أي مكان، لا يوفّر عمرا، ولا مكانة اجتماعية. الجمع أيقنوا بذلك، والجمع صدّقوا رغم أن هناك من لا يزال يحمّله مظلات مختلفة التأويل، منها مظلة المؤامرة، ومنها مظلة التّسيّد على العالم بشريحة ينتظر أن تُركّب في جلدك، وبين مسامك حين تُجبر على تناول، أو غرز اللقاح الذي يُعوّل حتى اليوم على اكتشافه، وإن كان على ما يبدو  طائلٌ به الأمد!

لكن، من الكوميديا السوداء، ومن المضحك المبكي، والعابث الملهي، أن تتنصّل دولة أمام رعاياها من أن الفايروس قد استُضيف في أرضها، وأنه يسرح ويمرح دون رادع، ودون أن يستوقفه أحد!

الأرض السورية التي نهشتها الحرب نهشا، وينهكها جوع، وفقر، وأمراض، وتشرّد، وحرمان يعبث بساكنيها منذ بداية حرب لا يتكهّن بخواتيمها، تلك الدولة السورية التي ما يزال يعبث بعقول رعاياها نظام لم يكتف من إجرامه بحقوق إنسانه، بل دفعه استهتاره بالجائحة المسماة كوفيد 19 إلى الاستخفاف بذلك الشعب الذي أشبع قهرا وظلما، وتجويعا، ونقصا في الموارد الحياتية كلها، ليدّعي على الملأ أنّ الأرض خالية نقية سليمة منه، وليترك للفايروس التهادي على تلك الأرض بثقة، وتجبّر ينافس فيهما الطغاة أنفسهم، ولا سيما أنّ من بقي داخل ربوع تلك الدولة يضطرّ، أو يقتنع سواء بإرادته، أو مكرها أنه قد وُهب الأمان، والاطمئنان من حاكميه، وولاة أموره، وأن ذلك الفايروس محض افتراء، ولن يصيب منه مقتلا!

فما الداعي إذا لخبر يشترط على المسافر خارج أسوار سورية أن يدفع مئة دولار لإجراء فحص كورونا. يأتي الخبر على هذا السياق:

"أثار قرار فرضته وزارة الصحة غضب سوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ حددت الوزارة رسم الفحص الخاص بتشخيص فيروس كورونا بقيمة 100 دولار أمريكي لكل شخص يرغب بالسفر خارج البلاد". المصدر بي بي سي/ عربي نيوز.

لتتوالى ردود أفعال القراء عبر تعليقات تهكمية منها:

" شعار سورية الأسد فايت 100دافع دولار، طالع دافع 100 دولار"

" فحص الكورونا بدمشق بـ 100 دولار؟ العلاج بكم لكن؟.."

أزمة اقتصادية مريعة تفتك بالسوريين على أرض سورية، يزيدها قانون قيصر حدّة، وتضييقا. المشافي للأغنياء وللأثرياء، أما الفقراء فليس عليهم إلا أن يتحمّلوا، وكم منهم من يخفي مرضه، ويكبت أوجاعه رغم معرفته أن ذلك سيساهم في انتشار العدوى، فالخوف سرعان ما يصيب أحدهم حين يرد أمامه ذكر المشافي، وتخيله ما يجري فيها، فلا هو بالقادر على رسومها، ولا هو بالمطمئن إلى وجود رعاية هناك سيتلقاها. ذلك نصيبهم، ومن لم يمت منهم بالسيف، فليمت بكورونا.

إنه قدر السّوري في ظلال الحرب، وبين فكّي مستعمر جديد يحسن التّخفي لاقتناص الفريسة.

وإن كان كثيرون حقا قد ماتوا قبل الإشهار بالجائحة غباء، واستغباء، وتجاهلا، وتجهيلا، فماذا سيكون من وضع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث تُهدم المشافي المتنقّلة فوق الرؤوس، ويُسحق الأطباء، والمُسعفون؟!

حيث لا يكون خبز للحياة، فلا موارد طبية توجد، ولا أقنعة، ولا أجهزة للتنفس أيضا، هناك بين الموت والموت، ينببت ألف شكل للموت السوري!

هل ترانا نتعلل بالآمال، ونجرؤ على البوح قائلين: عساه، هذا الفايروس السريّ يتمكن من أن يوحّد السوريين، فيقنعهم أن ما يضمهم هو القدر والمصير نفسه على أرض باتت تنوء بما تحمل من التّعثّر في كل شيء، ولعل عدوّا متواريا مخيفا كهذا يكون خير موقظ لمن يغفل أن الفسيفساء السورية هي ضمة كفّ في وجه أشكال الظلم والطغيان كافة.

 

أمان السيد

كاتبة سورية أسترالية

.

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم